مدخل: في ظل الجدل القائم بين الشريكين حول الاستفتاء والشد والجذب الذي تشهده الساحة السياسية حول القضايا المتعلقة به يبقى من الأهمية أن يكون الحفاظ على الأمن والاستقرار هو الأولوية التي يجب مراعاتها عند المناقشات، فاتفاقية السلام ما جاءت إلا لحقن الدماء وإشاعة السلام المستدام. لذلك رهن الكثيرون قيام الاستفتاء بالفراغ من ترسيم الحدود بل الفراغ من مناقشة ترتيبات الاستفتاء. في مقابل ذلك تدعو الحركة الشعبية للالتزام بموعد إجراء الاستفتاء في يناير رغم الضغوط التي يمكن أن يشكلها على الجوانب الفنية التي تشمل عملية التسجيل، الجداول، تحديد المراكز..الخ ومدى تأثير هذه الضغوط على شفافية ونزاهة الاستفتاء بالإضافة إلى العقبات والمصاعب التي يمكن أن تحدث إذا سبق الاستفتاء ترسيم الحدود.. المركز السوداني للخدمات الصحفية ألتقي أهل القانون والسياسة لمناقشة قضايا الساحة السياسية وتحليل الاتجاهات والمواقف المختلفة والمتباينة من قضايا الاستفتاء.. شفافية الاستفتاء الأستاذ عثمان محمد الشريف مساعد نقيب المحامين أوضح أن الاستفتاء لتقرير مصير الجنوب حق دستوري انعقد بموجب اتفاقية السلام وهو أحد المقررات الرئيسية لمؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية الذي انعقد للمعارضة السودانية آنذاك. ويواصل الشريف بالقول: نستطيع أن نقول إن كل شعب السودان معارضة وحكومة يوافق على حق تقرير المصير لمواطن الجنوب عن طريق الاستفتاء العام لمواطن الجنوب، والموعد المضروب لقيام الاستفتاء في تقديري لا يكفي لقيام عملية الاستفتاء لأن الإجراءات الفنية لتسجيل الناخبين في الجنوب والشمال وخارج البلاد تأخذ وقتاً، علماً بأن هناك جزء من أهل الجنوب في الشمال عليهم أن يسجلوا بمناطقهم بالجنوب. بعد إتمام عملية سجل الناخبين يأتي إلى تحديد مراكز الاقتراع ومدة الاقتراع. وفي عمليتي التسجيل والاقتراع يجب أن نلاحظ أننا في فترة التسجيل نواجه موسم الأمطار بالأخص في جنوب السودان وربما كانت عمليتي الاقتراع بعد نهاية موسم الأمطار. ونخلص مما سبق أن النواحي الفنية والمدة المتبقية لا تكفي مما ينعكس سلباً على شفافية الاستفتاء ونتائجه. ومن قبل كل هذا الاستفتاء كما هو معلوم ليس لديه غير خياران هما الوحدة أو الانفصال ففي حالة الوحدة فلن تكون هناك مشاكل أو معوقات لكن في حالة اختيار الانفصال فإن عدم ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب قطعاً سيؤدي ذلك إلى منازعات في الحدود ما بين الشمال والجنوب (في حال الانفصال لا قدر الله) لذا يتعين ترسيم الحدود قبل قيام أول عملية للاستفتاء وهي التسجيل لأن القانون ينص على حق المواطن من أهل الجنوب أن يدلي بصوته وهذا يقتضي بالضرورة أن تكون الحدود مرسمة حتى يتم تسجيل الناخبين على حدود مرسمه ومعلومة في الجنوب. الترسيم.. زوبعة ولكن وجاء رأي الأستاذة بدرية سليمان عضو البرلمان والخبيرة القانونية مخالفاً لحديث مساعد نقيب المحامين حول الفترة الزمنية المتبقية لإجراء عملية الاستفتاء، وذكرت بأنها كافية إذا تم حسم الخلافات المتبقية حول الترسيم من قبل رئاسة الجمهورية، فمن السهولة أن يتم الترسيم على الأرض فالفترة المتبقية كافية لأن المتبقي من الترسيم ليس بكثير. وعن تأخير عمل ترسيم الحدود فإنه كان بسبب المعوقات الطبيعية التي تصعب وضع الأوتاد لترسيم الحدود ولتأخر الحركة الشعبية في تسمية ممثليها. وتوضح بدرية أنه في إطار معرفة المعوقات التي تعترض ترسيم الحدود ومخاطر إجراء الاستفتاء دون ترسيم الحدود وصعوبة قيام الاستفتاء قبل الفراغ من ترسيم الحدود، فإن الصعوبة تتمثل في تشكيل اللجان للاستفتاء للجنوب التي تعتمد على معرفة الحدود للولايات المتاخمة لشمال السودان، وأيضاً من المقومات تداخل الحدود والذي لا يمكن من معرفة من لهم حق الاقتراع وإلى أي جزء ينتمون، وتأتي الخطورة في إجراء الاستفتاء قبل الترسيم في أن يدخل مواطنون من الشمال ويقترعوا وقد يقوم مركز للاقتراع في الشمال، وتلك هي الصعوبات التي تواجه عملية الاستفتاء وترسيم الحدود. بالنسبة لترسيم الحدود فإنه جانب فني مهني لا علاقة له بالسياسة – كما نقول بدرية- وأنه يجب على اللجان التي تعمل على الترسيم ألا تلتفت إلى أي مهاترات سياسية. التأجيل وتغيير القانون أما دكتور العلوم السياسية بجامعة النيلين أسامة زين العابدين فقد أكد أن قانون الاستفتاء قد حدد سقوفات زمنية محددة للإجراءات المتعلقة بالاستفتاء والآن عملياً وما لا يدع مجال للشك حسب القانون أن هناك استحالة في بداية الإجراءات حسب السقوفات الزمنية للقانون، نسبة لتجاوز بعضها السقوفات الزمنية المطلوبة ولتحديات الخريف إضافة إلى المعوقات التي تحيط بتكملة إجراءات وتكوين مفوضية الاستفتاء نفسها، وذلك يتطلب تغيير القانون حتى يتم تغيير السقوفات المحددة في القانون. ويرى زين العابدين أنه إذا سبق الاستفتاء ترسيم الحدود فاعتقد أن المشاكل التي يمكن أن تحدث كثيرة هذا في حالة الانفصال – لا قدر الله – لكن في حالة الوحدة فلن تكون هناك إشكالية، مشاكل الانفصال قبل ترسيم الحدود كما ذكرت كثيرة منها مشاكل المياه، الحدود..الخ. فيما يتعلق بالحدود تتمثل في ثلاثة مستويات مهمة فعلى المستوى الأول المرجعيات الخاصة بالحدود، أما المستوى الثاني فهو متعلق بوصف الحدود، والمستوى الثالث وهو ما يخص ترسيم الحدود نفسه. من هذه المستويات نجد أن كل مستوى هو متعلق تعلق مباشر بالمستوى الذي قبله، ولا يمكن أن يبدأ مستوى قبل الانتهاء من المستوى الذي قبله، بمعنى أن أي مستوى هو مكمل للآخر. ويقول زين العابدين: في اعتقادي أن النزاع حول الحدود لن يتم قبل إجراء عملية الاستفتاء بأي حال من الأحوال وتحت أي ظروف من الظروف. غموض المفهوم وجاء حديث الدكتور بهاء الدين مكاوي المحلل السياسي وعميد كلية التجارة عن إجراء عملية الاستفتاء قبل إجراء ترسيم الحدود بأن هذا هو ما يدور في أحاديث الحركة الشعبية ولكن إذا حدث انفصال فمن أين ينفصل الجنوب؟ وما هي حدوده؟ وتساءل: ألم يكن الاختلاف حول الحدود سبباً في الحرب الأثيوبية الاريترية؟ وهل هناك من الأسباب للحرب بين الدول أكثر من المشاكل الحدودية؟ أعتقد أن إجراء الاستفتاء قبل ترسيم الحدود يعني الاستعداد من قبل الطرفين للحرب لأن الأرض لها قداسته عند الشعوب جميعاً، وان التفريط في الأرض غير وارد، وبالتالي ينبغي أن تكون ترسيم الحدود قبل أي حديث عن الاستفتاء حتى نتجنب مصير كثير من الدول التي قامت بينها حروب حول الحدود. أما بالحديث عن شفافية الاستفتاء والضمانات لهذه الشفافية فلا يعتقد د. مكاوي أنها ستكون عملية مبنية على الشفافية التامة ولنا في تجربة الانتخابات الأخيرة عظة وعبرة، وكيف تكون هناك شفافية والمواطن نفسه لا يعلم شيئاً عن الاستفتاء؟ وهل من شفافية مع غموض مفهوم الاستفتاء نفسه في ذهن الناخب الجنوبي؟. اعتقد أن قيام استفتاء شفاف يقتضي أولاً تعريف الناخب الجنوبي بمعنى ومآلات الاستفتاء ونتائجه وأعمال آليات المراقبة المحلية والإقليمية والدولية وتوفير الحرية التامة للناخب الجنوبي وعدم مضايقته بما يسمح له باختيار ما يراه مناسباً. تحديات الترسيم وكان بروفيسور عبد الله الصادق رئيس اللجنة الفنية لترسيم الحدود قد تحدث عن التحديات الفنية واللجان التي تم تشكيلها لعملية الترسيم وكذلك الأسس والقوانين الكفيلة بالأعداد والتنفيذ للعمل الإجرائي الذي تم التوقيع عليه في عدة اتفاقيات ومعاهدات منذ العام 1956م والذي وضع الحدود الأولية بين الشمال والجنوب. ويوضح بروفسير الصادق أن لجنة ترسيم الحدود عقدت أول اجتماع لها في مارس 2006م إلا أن الاجتماع لم يحقق أي انجاز بسبب تأخير تمثيل عدد من الولايات في هذه اللجنة الفنية التي تم الترتيب والإعداد مجدداً لعملها في 2007م لمباشرة مهامها الإدارية والفنية بصورة صحيحة تتوافق مع تم التوقيع عليه في نيفاشا، إلا أن هناك عقبات فنية وإدارية كثيرة. وأصبحت هذه اللجنة عرضة للتغيير المستمر في الأعضاء إضافة إلى التبديل المتواصل بين أعضائها، وهذه العقبات والاختلافات -حسب الصادق- لا تتجاوز20% فيما تقع نقاط الخلاف في المناطق الشرقية للترسيم والمناطق التي بها اختلافات فنية في الخرط والوثائق وهي حفرة النحاس ومنطقة كافي كنجي ومناطق أخرى تقع في بحر الغزال.