تقرير: خالد البلولة إزيرق خطوات حثيثة نحو التقارب الإستراتيجي بدأت تظهر إلى الواجهة بين القاهرة وجوبا، يقودها النائب الأول لرئيس الجمهورية الفريق سلفاكير ميارديت رئيس حكومة الجنوب، من خلال زيارته للقاهرة أمس التي تعد الثانية من نوعها منذ توليه سدة الأمور في الحركة الشعبية، بعد أن شكلت زيارته الأولى للقاهرة العام قبل الماضي منعطفاً في توجهاته بعكس ما كان يتوقعه كثير من المهتمين الذين يصنفونه بأنه ذو توجه انفصالي لا يكترث كثيراً لعلاقاته مع مصر والمحيط العربي. ولكن واضحاً أن رياحاً كثيرة هبت في أشرعة سلفا دفعته إلى الاتجاه شمالاً ناحية القاهرة التي تمسك بأكثر من مفصل من ناحية التأثير المحلي والدولي على مجمل الوضع في السودان، الذي تعتبره مصر ضمن قضاياها الإستراتيجية والأمن القومي. ويأتي الاهتمام المصري بالجنوب السوداني من واقع حرص مصر على الوحدة السودانية، التي تعني الكثير لمصر من ناحية الحفاظ على المصالح الإستراتيجية للقاهرة في جنوبالوادي، والمتمثلة في تأمين حصة مياه النيل الذي يمثل شريان الحياة وسط أطماع وتقاطعات إقليمية حوله، لذا جاءت خطوات القاهرة باكراً في فتح قنصلية لها بجوبا لرعاية مصالحها بالجنوب، كما سارعت لمد جسور التواصل مع الجنوب من خلال إنشاء فرع لجامعة الإسكندرية بنمولي، ومواصلة قبول بعثات من جنوب السودان للتعليم العالي والتأهيل في مختلف المجالات. ويشكل الجنوب أيضاً بعداً إستراتيجياً لمصر من واقع تحكمه في مجري النيل، فبسبب الحرب تم إيقاف أكبر مشروع سوداني مصري مشترك في الجنوب لتوفير مليارات الأمتار من المياه بمشروع جونقلي للبلدين وهو مشروع تسعى مصر إلى ضخ الحياة فيه للاستفادة من فاقد التبخر لمياه النيل بمنطقة البحيرات، لذا توليّ الحكومة المصرية هذا الملف من خلال مباحثاتها مع كير أهمية قصوى لهذا فقد اتفق الجانبان على استئناف الدراسة الخاصة بقناة جونقلي. وتجئ زيارة سلفا للقاهرة أمس لتطوير ودعم الرؤى للمشروعات التي اشتمل عليها برنامج زيارته الأولى لمصر، والتي تركزت على التعاون الاقتصادي والتعليمي والثقافي والمساهمة في عمليات إعادة إعمار الجنوب. ورغم هذه التوجهات الظاهرة للزيارة إلا أن البعض لا يستبعد أن تحمل رغبات خفية بعيدة عن الأهداف المعلنة لها، خاصة على المستوى الداخلي الذي تبرز فيه العلاقة بين شريكي نيفاشا بشكل أكبر من خلال الدور الذي لعبته مصر في المساهمة في تقريب شقة الخلاف بين الشريكين، عبر الزيارة التي قام بها وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط وعمر سليمان مدير الاستخبارات إلى كل من الخرطوم وجوبا إبان الأزمة الأخيرة. سلفاكير ذهب إلى القاهرة يرتدي عباءتي حكومة الوحدة الوطنية وحكومة الجنوب، ولهذا يترقب المراقبون أن يكون محور العلاقات الدولية حاضرا ضمن أجندة الزيارة، بعد التقاطعات الدولية الكبرى في الشأن السوداني جنوباً وغرباً، وهي ملفات تجعل من القاهرة في كثير من الأحيان- لما تتمتع به من حضور دولي- متنفس للساسة السودانيين وملاذاً يستجيرون به من رمضاء الأزمات الداخلية والخارجية..كما أن سلفا وفقاً لهؤلاء المراقبون الذين تحدثوا ل«الرأي العام » سيعول على مصر في عمليات إعمار الجنوب، بتحركاتها عبر الجامعة العربية وفعاليتها في استقطاب الدعم للمشروعات التنموية التي وعدت بها الجامعة العربية بالجنوب بعيد توقيع اتفاقية نيفاشا. فيما يعد مراقبون آخرون زيارة سلفا كير للمرة الثانية للقاهرة في هذا التوقيت بأنها تقطع الشك في نوايا كير تجاه خطواته وترتيباته لوضع الجنوب الذي عده كثيرون عند مجيئه بأنه يمضي به تجاه الانفصال، ولهذا فإن خطواته تجاه القاهرة ربما حملت أكثر من إشارة إلى وحدويته واهتمامه بالبعد العربي في تنمية الجنوب وتعميره، لاسيما أن علاقة كير بمصر لم يعرف أنها كانت جيدة (كما لم يعرف أنها سيئة)، مثل جون قرنق، الذي توثقت روابطه معها، ونجح في تبديد جزء من هواجسها وتخفيف قلقها إزاء محطات كثيرة. ويري مراقبون أيضاً أن الزيارة عكست على الصعيد الشخصي أن سلفا كير استوعب جملة من دروس الماضي في العلاقة بين القاهرة والحركة الشعبية، بتجاوزه لمجموعة من مشكلات الحاضر، ورفضه الانسياق وراء جنوح بعض القيادات الجنوبية لترسيخ مظاهر الانفصال خاصة بعد أحداث ميدان المهندسين بالقاهرة الذي شهد مقتل أكثر من ثلاثين لاجئاً بالقاهرة معظمهم من الجنوبيين على أيدي الشرطة المصرية، وأدى لتوتر العلاقات بين بعض عناصر الحركة والحكومة المصرية ومطالبة البعض بفتح تحقيق دولي في الحادثة. كما ينظر معنيون بملف العلاقات الجنوبية المصرية لزيارة كير للقاهرة إلى انه قصد بها إرسال أكثر من رسالة تطمين لأكثر من جهة، فمن ناحية أراد أن يطمئن المصريين على التزامه بالقواعد التي أرساها قرنق، وتفهمه لطبيعة المصالح الإستراتيجية المصرية في السودان وتقديره للعلاقات التاريخية بين الشعبين، وهو ما ظهرت معالمه في وعود الحكومة المصرية بتفعيل العلاقات مع الجنوب السوداني بصور اقتصادية وثقافية متعددة في الزيارة الماضية له للقاهرة، ومن ناحية أخرى أراد أن يطمئن الذين يشككون في علاقات الحركة الشعبية الدولية خاصة المتعلقة بالدوائر الغربية، بأنها لا تخرج من سياق التفاهمات الإقليمية المشتركة في المنطقة، وليست خصماً على المحيط العربي وأطرافه المختلفة.