وزير سابق: 3 أهداف وراء الحرب في السودان    الامارات .. الشينة منكورة    معتصم اقرع: لو لم يوجد كيزان لاخترعوهم    الصين تفرض حياة تقشف على الموظفين العموميين    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    وكالة الفضاء الأوروبية تنشر صورا مذهلة ل "عناكب المريخ" – شاهد    شركة توزيع الكهرباء تعتذر عن القطوعات وتناشد بالترشيد    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    مصادر: البرهان قد يزور مصر قريباً    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إقصاء الزعيم!    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    الجيش يقصف مواقع الدعم في جبرة واللاجئين تدعو إلى وضع حد فوري لأعمال العنف العبثية    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    أحلام تدعو بالشفاء العاجل لخادم الحرمين الشريفين    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المجتمع الأروبى وقضايا السودان - ازمة دارفور نموذجاًَ

تقديم د. ديفيد هويل ظلت الحرب مشتعلة في دارفور خلال الخمس سنوات الأخيرة بين حكومة السودان وحلفائها من جهة والعديد من فصائل المتمردين من الجهة الاخرى. وقد وصف السيد دي وال ، وهو أحد المختصين المعترف بهم القلائل في الشأن السوداني ، على النحو التالي: إن دارفور تقدم نموذجا نمطيا لحروب الشمال والجنوب في أفريقيا بما تشتمل عليه من أزمات متعددة متداخلة وهجمات واسعة النطاق من قبل جيش الحكومة وحلفائه ومن قبل المتمردين على وجه سواء. وخلال الفترة من 2001 م إلى 2003 م استعرت النزاعات المحلية بسبب انهيار الحكم المحلي لتمتزج بطموحات النخبة المتلهفة لصب الزيت على نار التمردات التي تطورت لتأخذ أبعادا ما كان في حسبان أي من جانبي تلك الحرب(1). لقد اخترت أن أبدأ هذه المداخلة حول دارفور بوصف السيد دي وال لأنه يقدم لنا أرضية يمكن أن نستند عليها لتقييم ردة فعل أوربا. وهي أيضا تضعنا مباشرة في سياق الإنتهازية الفاضحة لإدارة الرئيس بوش التي تصف ما يجري في دارفور على أنه إبادة جماعية. وهو ما يجسد في ذاته خطل ومدى فظاظة وعدم دقة نظرة الحكومة الأمريكية لقضية دارفور. لقد كانت تلك الحرب كارثة إنسانية, ويقال أن العنف قد تصاعد ليأخذ أبعادا ديمغرافية(2). فمئات القرى قد دمرت والآلاف من البشر ماتوا كنتيجة مباشرة أو غير مباشرة للأزمة. وأضعافهم اضطروا لهجر ديارهم ليصبحوا نازحين في دارفور أو لاجئين في تشاد. ويقدر تقرير الأمم المتحدة حول الوضع الإنساني في دارفور (Darfur Humanitarian Profile) الذي نشر في العام الماضي عدد المتأثرين بالحرب من سكان دارفور بأكثر من مليون منهم 2.152.163 نازح(3). وقد حظيت أزمة دارفور أيضا باهتمام دولي واسع. وقد كان لذلك الاهتمام طبيعة مزدوجة فقد كان له وجه إيجابي جدا وآخر سلبي جدا. فالوجه الإيجابي يتمثل في أعمال الإغاثة التي نسقتها الأمم المتحدة والتي جعلت من دارفور أكبر مسرح في العالم لعمليات العون الإنساني والإغاثة. لقد وصل القتال لقمته في أواخر العام 2003 م وخلال عام 2004 م لكنه قبل أن يهدأ خلف وراءه كارثة إنسانية. وبحلول يناير 2005 م ، بفضل جهود الأمم المتحدة والتمويل الأوربي ، بدأت حدة الكارثة الإنسانية في الانخفاض (4). ننقل عن تقرير مكتب منسق عمليات الأمم المتحدة بالسودان (بحلول آخر العام 2004 م استقر الوضع الإنساني لأكثر من مليونين من المتأثرين بالحرب في دارفور...إن توقعات بعض الجهات بمعدل وفيات مأساوي لم تتحقق على أرض الواقع(5). يقول تقرير للأمم المتحدة للعام 2005 م (بلغ معدل الوفيات العام 0.8 لكل 10 ألف شخص في اليوم) وذلك المعدل أقل من معدل حاجز الخطر (وفاة واحدة لكل 10 ألف شخص). قبل عام من ذلك أبان بحث مماثل أن معدل الوفيات كان أكبر بثلاثة أضعاف. وبحلول سبتمبر 2005 م كان في دارفور 184 مركزا ثابتا للخدمات الطبية بالإضافة إلى 63 مركز متحرك.وتسجل الأمم المتحدة أنه قد تمت إعادة تأهيل 75 % من المستشفيات مما أتاح ل 70% من المتأثرين بالحرب (6). العون الإنساني الأوربي: فلنبدأ بأقل مظاهر التدخل الأوربي في دارفور إثارة للجدل والاعتراض. فقد كان الاتحاد الأوربي في مجمله أكبر مانح للعون الإنساني في دارفور. فقد قدمت دوله عدة مئات ملايين يورو لمساعدة المتأثرين بالحرب في دارفور والذين لجأوا منها إلى تشاد. وقد قدم أغلب هذا العون من خلال مكتب تنسيق العون الإنساني بالمفوضية الأوربية (ECHO). ومنذ بداية الأزمة ظلت وتائر العون الذي يقدمه هذا المكتب تتصاعد عاما بعد عام. وقد تم تقديم جزء كبير من هذا العون من خلال برنامج الغذاء العالمي من أجل تمويل شراء وتوزيع الحبوب الغذائية. كما اشتمل أيضا على اتخاذ إجراءات لتحسين احترام القانون الدولي في ما يتعلق بأعمال الإغاثة والعون الإنساني ورعاية ضحايا العنف الجنسي. تم من خلال هذا العون أيضا تقديم مساكن من البلاستيك أو من المواد المحلية وتقديم طيف واسع من المنتجات غير الغذائية مثل الأغطية والملابس والصابون وأدوات الطبخ ومواد الوقود. واستخدم جزء منه في صيانة موارد المياه المتاحة وتوفير الاحتياجات الصحية والمطهرات في معسكرات النازحين وتوفير خزانات المياه في المناطق التي تشتد الحاجة فيا إليها. وقام مكتب (ECHO) بتمويل شراء الأغذية العلاجية والإضافية ومواد الوقاية من الأمراض وتقديم العون العاجل لضحايا العنف بما في ذلك فرق طبية متنقلة. كما كانت المنظمات الطوعية الأوربية، مثل أطباء بلا حدود ، مبادرة في دارفور (7). وقد كانت منظمة أطباء بلا حدود من بين أول المجموعات الإنسانية التي سجلت حضورا في دارفور.منذ بدايات الأزمة. وقد ساهمت بفعالية في مجال الإمدادات الطبية وخدمات الطوارئ في ولايات الإقليم الثلاث.وقد بلغ عدد العاملين بالمنظمة 2000(8). ظلوا ينافحون في مساعدة الآلاف من النازحين في مختلف مناطق دارفور. رد الفعل السياسي الأوربي: على غرار ردة فعلها الإنسانية فقد اكتست ردة الفعل الأوربية السياسية طابعا إيجابيا وسلبيا. من حق حكومات ومؤسسات الرأي العام في أوربا طبعا أن تبدي ما تشاء من الاهتمام بدارفور. فتلك مأساة إنسانية ينبغي لها ، مثلها مثل سائر المآسي الأفريقية ، أن تجذب اهتمام أوربا. فدارفور التي تقع جغرافيا بين القرن الأفريقي وجزء من إقليم الساحل هي بمثابة كعب أخيل بالنسبة لأوربا. فلو أسيئت معالجتها لنتجت عنها عواقب جسيمة. وقد لاحظ حتى المحللون الأوربيون أن سياسة أوربا تجاه دارفور ضبابية الآن. فقد فقدت السياسات الخارجية الوطنية الكثير من تناغمها بينما ما زالت أوربا تبحث عن صياغة جديدة لسياسة خارجية موحدة. وتبدو الآن ملامح لولادة جديدة كنتاج لذلك - للسياسات الخارجية للدول المختلفة وفي مقدمتها فرنسا وبريطانيا اللتان بدأتا في لعب دور قيادي فيما يتعلق بقضية دارفور. وقد استطاعت فرنسا بدورها أن تلبس وجودها القديم في تشاد حلة أوربية. ومن الصعب أن نحدد أين تنتهي المصالح الاستراتيجية لبريطانيا وفرنسا وأين تبدأ مصالح الإتحاد الأوربي. ومن الواضح أيضا أن هناك ، بجانب تعارض المصالح ، تعارضا في السياسات. فبريطانيا مثلا تؤيد فكرة إنشاء منطقة حظر طيران في دارفور بينما المسئول العسكري الأوربي الأعلى رتبة يحذر من أن هذه الفكرة خطيرة وغير عملية. وبينما تتميز السياسات الأوربية بأنها محسوبة وأكثر عمقا مقارنة بالسياسة الخارجية الأمريكية. فالسياسة الخارجية الأوربية أقل أدلجة وخضوعا لضغوط الجماعات والمؤسسات السياسية. لكنها تظل رغم ذلك غائمة بالنسبة للموقف من دارفور. ولعل ذلك يرجع لأن السياسة الأوربية وصياغاتها لم تحدد بالصورة الصحيحة. فمن الواضح أن جزءا كبيرا من الفعل السياسي الأوربي تجاه دارفور يتبع الخط السياسي الأمريكي ، تقريبا بفعل غياب البديل. وقد بدا هذا واضحا في حالتين مهمتين: أولى الحالتين كانت موافقة أوربا على قرارات مجلس الأمن التي أوحت بها أمريكا. ويشمل ذلك قرارات من قبيل قرار مجلس الأمن رقم 1556 الصادر في يوليو 2004 م والذي يهدد باتخاذ إجراءات ضد السودان إن لم يقم بنزع سلاح المليشيات خلال 30 يوما(9). لاحظ شارل شنايدر وهو مساعد سابق لوزير الخارجية الأمريكي وأعلى ممثلي الوزارة في السودان أنه ليس هنالك على أية حال إمكانية لإيجاد حل عاجل للمسألة خلال 30 أو حتى 90 يوما. وقد أقر أيضا (سيستغرق الأمر على الأقل ما بين 18 شهرا وعامين لإنجاز المرحلة الأولى لجعل الإقليم آمنا بدرجة تتيح عودة النازحين إلى ديارهم الأصلية (10) .. وقد حذر دي وال بدوره من سذاجة فهم المجتمع الدولي لقضية نزع سلاح الجنجويد. لقد أمهل مجلس الأمن الدولي في يوليو حكومة السودان 30 يوما لنزع سلاح الجنجويد. ولكن أنى ذلك يكون ذلك في إقليم سلحت فيه كل من المجموعات المحلية نفسها؟ وتقتضي الصراحة أن نقول بأن نزع كل الأسلحة لأمر مستحيل. والممكن الوحيد هو البدء بتنظيم حيازة المجموعات القبلية المحلية للسلاح مما يؤدي تدريجيا لتهميش العناصر الإجرامية من خلال صيرورة سياسية لإعادة البناء الإداري والسياسي(11). وبعد أيام قلائل من إجازة القرار الذي اقترحته ودعمته الولايات المتحدة صرح الأمين العام للأمم المتحدة قائلا (إن تحويل منطقة في مساحة دارفور بكل ذلك الكم الهائل من المسلحين وبكل تاريخها القريب الممتلئ بأعمال العنف لمنطقة آمنة لكل المدنيين يستلزم أكثر من ثلاثين يوما(12) .. إن تأييد الإتحاد الأوربي لمهلة الثلاثين يوما لإنجاز كل المهمة لم يكن عادلا ولا موضوعيا كما أنه قد وضع مصداقية الذين اتخذوه في محك صعب. أما الحالة الثانية فقد كانت استجابة أوربا للدعوات الأمريكية لاستبدال بعثة الإتحاد الأفريقي في دارفور بعملية للأمم المتحدة. فعلت أوربا ذلك رغم دعمها السابق وتأييدها لمهمة البعثة الأفريقية في دارفور. وقد وصف دي وال الطبيعة العبثية لمطالبات واشنطن المتكررة بمثل هذا التغيير على النحو التالي: منذ اشتعال الأزمة في الفترة 2004م – 2005 م فإن الولايات المتحدة قد تبنت سياسات مختلفة تجاه دارفور. فالرأي العام يطالب بتدخل عسكري بينما البنتاجون لم يكن لديه أية نية لإرسال قوات جوية أو أي قوات أخرى للسودان. في الربع الثاني من عام 2005 م اعتمد البيت الأبيض أولوية سياسية من تلك المطالبات المتكررة : على البعثة الأفريقية أن تسلم الراية للأمم المتحدة. وقد ولد مقترح إرسال قوات تابعة للأمم المتحدة للإقليم كجزء مناورة سياسية تهدف لتحويل أنظار النشطاء عن البيت الأبيض وتحويلها نحو الأمم المتحدة وأعضاء مجلس الأمن الذين لا يبدون استعدادا لتأييد سياسة العصا الغليظة ضد الخرطوم(13). كما لاحظ دي وال أيضا أن هناك عنصر إحباط في هذا الاقتراح. فالأمم المتحدة ليست قادرة عمليا على نشر قواتها بالسرعة اللازمة ونزع سلاح الجنجويد بالقوة أو توفير الحماية اللازمة إلا لأقلية من المدنيين في دارفور. ولعله ليس من السخرية في شيء أن نقول أن مستشاري الرئيس بوش ظنوا أن مجرد إجازة قرار نشر قوات الأمم المتحدة في دارفور فإن مشاعر الإحباط ستتجه نحو عتبات الأمم المتحدة وليس إلى البيت الأبيض والولايات المتحدة(14). منذ أن وقع الاختيار لأسباب داخلية على المضي في الطريق البائس لتلك المناورة أصبح نشر قوات الأمم المتحدة في دارفور هدفا بحد ذاته لإدارة الرئيس بوش. وقد سخرت واشنطن كل جهودها من أجل دفع المجتمع الدولي في طريق التحول من القوات الأفريقية للقوات التابعة للأمم المتحدة. وقد مارست في سبيل ذلك ضغوطا هائلة على الحكومة السودانية لتقبل بنشر قوة حفظ سلام قبل أن يتحقق ذلك السلام الذي يفترض فيها أن تحفظه. وقد تناول فلنت ذلك الأمر مرة أخرى بعد عام قائلا: إن الجدل الذي دار حول إرسال قوات حفظ السلام الأممية لدارفور قد خيم على سماء سياستنا طوال العامين الماضيين. لقد وقف خلف ذلك لوبي ضغط مؤيد للتدخل أجمع مؤيدوه في الكونغرس وزارة الخارجية ومنعوها من تبني أي سياسة مؤسسية في السودان(15). وأخيرا في يوليو 2007 م أقر مجلس الأمن الدولي مبدأ إرسال قوات حفظ السلام الأممية إلى السودان في شكل قوات هجين (UNAMID). غير أن نشر قوات الأمم المتحدة في دارفور يستدعي خطرا آخر. إن القائد الجديد لقوات (UNAMID) ، الجنرال آرثر أقواي قد حذر هو الآخر من مغبة نشر تلك القوات بدون تحقيق السلام ( من دون اتفاق سلام ومهما كان حجم القوات الذي سننشره في دارفور فإن مهمتنا ستكون عسيرة، فليس من الممكن لك أن تحفظ السلام إن لم يكن هناك اتفاق سلام). وإذا وقع التدخل بدون إحلال للسلام في الإقليم فإن أي عملية عسكرية لفرض السلام ستتحول حتما إلى أزمة...أزمة لن تقف عند حدود دارفور أو حتى السودان بكامله.إن التفكير في غير هذا الاحتمال لا يعني سوى تكرار للأوهام الأمريكية بأن المظاهرات الشعبية العارمة في العراق ستستقبل قوات أمريكا بالأحضان. وإنها لحقيقة واقعة أن مجرد النقاش حول فكرة التدخل العسكري أمر غير بناء من وجهة نظر السلام فكل ما سيقود إليه ذلك لن يتعدى تقوية عزيمة المتمردين في انتظار حتى تقوم القوات الدولية بإلزام أعدائهم. في أواخر فبراير 2006 حذر مبعوث الأمم المتحدة في السودان وقتذاك السيد بان برونك قائلا (أن إرسال قوات أممية بقيادة الأطلسي في دارفور سيكون مناسبة لإعلان الجهاد
ضد تلك القوات.) وأضاف برونك (تتخوف الخرطوم من أن فكرة التحول لقوات أممية ما هي إلا غطاء لمؤامرة لن تقود السودان إلا إلى مصير شبيه بمصير العراق)(16). وهناك أيضا التقدير القائل بأن دعوة الولايات المتحدة لنشر قوة أممية في دارفور يلقي بالكرة مباشرة تحت أقدام القاعدة. إن ذلك سيجذب المتطرفين الإسلاميين من الجزائر وحتى زنزبار (17). وفي أكتوبر 2007 دعت القاعدة بقيادة بن لادن مرة أخرى للجهاد ضد قوات حفظ السلام الأممية وضد الحكومة السودانية التي وافقت على نشرها. (إنه لواجب على كل مسلم في السودان وما حوله من أقطار أن يجاهد ضد الغزاة الصليبيين وأن يشعل ثورة تعصف بهؤلاء الذين سمحوا بدخولهم للبلاد(18) ومنطقة الساحل هي هدف بؤري للقاعدة ومن السهل أن يتحول الوضع إلى عراق آخر في بلد يجاور مصر، الهدف الأول للقاعدة). وهناك مجال آخر لعب فيه الإتحاد الأوربي دورا في تعقيد الأمور بدارفور ألا وهو تأييده للمحكمة الجنائية الدولية. لقد أيد الإتحاد الأوربي قرار مجلس الأمن بإحالة ملف دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية رغم معرفة أعضائه لحقيقة أن السودان ليس موقعا على اتفاقية روما لعام 2002 م التي أنشئت المحكمة بموجبها(19). إن تدخل المحكمة الجنائية الدولية في دارفور ينذر بخطر إطالة أمد الصراع. إن السباحة ضد تيار التقاليد الأفريقية في المصالحة والواقع السياسي العملي والتهديد باعتقال ومحاكمة المتورطين في جرائم الحرب قبل انجلاء الأزمة سيضعف اهتمام كل المعنيين بالأمر بوضع حد للأزمة. وكما لاحظ معلق أمريكي فإن (إن تهديد الزعماء بأحكام السجن المؤبد في لاهاي سيحول أزمة ربما تكون قابلة للحل بالوسائل الدبلوماسية إلى صراع حياة أو موت بالنسبة لهم)(20). إن المحاولات المماثلة للمحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة زعماء المتمردين الأوغنديين قد هددت بالفشل محادثات السلام في ذلك البلد. من الواضح ، بناءا على ذلك أن سياسة أوربا تجاه أزمة دارفور لم تكن البتة واقعية. والمثال الواضح لمستوى مواقف أوربا المتميزة يتجلى في موقفها من اتهامات الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في دارفور. فقد وصمت إدارة الرئيس بوش الموقف في دارفور بالإبادة الجماعية لسببين. أولها هو تحويل الأنظار عن الكارثة العسكرية والإنسانية في العراق. والثاني ، ولدرجة كبيرة ، أنها دفعت لذلك دفعا من قبل مجموعات الضغط القوية وبعض أجهزة الإعلام. وقد دعم الإتحاد الأوربي تكوين الأمم المتحدة للجنة تحقيق دولية في يوليو 2004 م. وقد قالت تلك اللجنة في تقريرها الذي قدمته في يناير 2005 م أنه بينما حدثت خروقات جسيمة لحقوق الإنسان خلال الأزمة فإنه لم ترتكب أي جرائم إبادة جماعية في دارفور. وقد وجد ذلك الموقف صداه في الإتحادين الأوربي والأفريقي. فقد خلصت لجنة تقصي الحقائق التابعة للإتحاد الأوربي إلى أنه رغما عن انتشار أعمال العنف فإنه لا توجد أي أدلة على حدوث إبادة جماعية في دارفور(21). فلنعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله...فقد وقف النهج الأوربي في وجه مواقف أمريكية أخرى. فالجنرال هنري بنتيقيت ، رئيس الهيئة العسكرية الأوربية الأعلى التي تنسق سياسات دفاع دول الكتلة السبع وعشرين ، رفض المقترحات الأمريكية بإعلان دارفور كمنطقة حظر للطيران. اقترحت إدارة الرئيس بوش تلك الفكرة في إبريل 2007 م وألحت بريطانيا على مجلس الأمن الدولي لفرض منطقة حظر طيران في السودان كجزء من العقوبات التي تتضمن أيضا حظرا للسلاح (22). غير أن الجنرال بينتيقيت صرح بأن تلك الفكرة ليست مفيدة قائلا (إن تطبيق فكرة حظر الطيران غير ممكن عمليا. إن مساحة دارفور تضاهي تقريبا مساحة فرنسا. وسيكون علينا توفير أكثر من 60 طائرة مقاتلة لكي نفرض حظرا فعالا للطيران. أضف إلى ذلك أنه ستبرز مشكلة التفريق بين مختلف طائرات الهيلكوبتر(23). كما حذر الجنرال بنتيقيت أيضا من إمكانية الخلط العارض بين الطائرات السودانية وطائرات الأمم المتحدة والطائرات الأخرى. وقد كان ذلك أيضا هو موقف وكالات الإغاثة والمنظمات غير الحكومية. لقد صرح دي وال مثلا (إن فكرة منطقة حظر الطيران غير فعالة وهي تقريبا ليست بذات فائدة. ومن المؤكد أنها لن تكون خطوة بناءة. بالإضافة إلى ذلك فإن هناك أفكارا أخرى أجدى بالتجريب...إن الهجمات الجوية لم تكن أبدا ركنا أساسيا في استراتيجية حرب الحكومة السودانية (24). وقد لاحظ جولي فلنت (إن منظمات العون الإنساني تعارض بهدوء ولكن بالإجماع فكرة فرض منطقة حظر للطيران. وتنفيذ مثل تلك الفكرة سيمثل خطرا داهما ولن يسهم في أبدا إيجاد حل لأزمة دارفور. إن تعريض مسارات الإغاثة للخطر ليس فقط خطئا في التفكير...إنه أمر لا إنساني(25). يجب أن يقال أن الفعل الأوربي تجاه دارفور كان سلبيا وإيجابيا في ذات الوقت. لقد لعب الإتحاد الأوربي دورا بناءا جدا بتأييده وتمويله ودعمه اللوجستي لبعثة الإتحاد الأفريقي بالسودان (AMIS) وللبعثة الأفريقية لمراقبة وقف إطلاق النار منذ 2004 م. وقد قدمت أوربا أيضا دعما ماليا وسياسيا فعالا لمحادثات سلام دارفور في انجمينا وأبوجا. ولقد ساهم تعيين ممثل أوربي خاص بالسودان في شد الأنظار نحو قضية دارفور. غير أن الفعل الأوربي كثيرا ما عقّد المواقف. فمن الواضح لكل المراقبين المستقلين أن استمرار الحرب في دارفور يعود لأن حركات التمرد التي بدأت الحرب ليست قادرة أو راغبة في التفاوض الجاد من أجل وضع حد لتلك الأزمة. إن كل القضايا التي أعلن المتمردين أنهم حاربوا من أجلها – نصيب أكبر من السلطة والثروة وحتى الإدارة الذاتية – قد ضمنت في اتفاقية سلام دارفور للعام 2006 م. ومن المؤكد أن ذلك هو أيضا موقف الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي والولايات المتحدة وبريطانيا التي تعبر ضمنيا عن موقف الإتحاد الأوربي. فقد أبلغت الحكومة البريطانية المتمردين بأن (عليهم أن يدركوا بأن ما من اتفاق يمكن أن يستجيب لكل مطالبهم. وأن هذه الاتفاقية عادلة ومرضية. فهي تتيح لهم مساهمة في الحكم ومنبرا يمكن أن يصنعوا عبره مستقبل دارفور) كما حذرت لندن المتمردين قائلة (إن المجتمع الدولي لن يفهم أبدا عجزهم عن اغتنام تللك السانحة لإحلال السلام في دارفور وتوفير الأمن لسكانها. لقد أوضحنا بما فيه الكفاية أن أولئك الذين يعيقون مسيرة السلام سيتعرضون للعقوبات. على حركات التمرد أن تفهم أن هذه فرصتهم لتحقيق حل عادل و من النادر أن تتكرر فرصة مثلها)(26). وذلك الموقف كان موقف أوربا كلها. ورغم كل ذلك التوافق الدولي فقد رفضت اثنتان من حركات التمرد الثلاث التوقيع على الاتفاقية. ولقد كانت العقوبات الوحيدة التي أعقبت رفض المتمردين للاتفاق هي تلك التي فرضت على حكومة السودان. إن المعايير الأوربية المزدوجة كانت واضحة فيما يتعلق بمفاوضات أكتوبر 2007 م حول دارفور في ليبيا. فمرة أخرى أعلنت الحكومة السودانية وقفا من جانب واحد لإطلاق النار وذهب وفدها مبكرا للمفاوضات المراقبة دوليا. بينما أغلب حركات التمرد لم تذهب إلى سرت البتة(27). وعندها نشر غوردون براون ، رئيس وزراء بريطانيا مذكرة تقول (إنها للحظة حرجة وحاسمة بالنسبة لدارفور. وإذا لم تتوصل الأطراف لاتفاق بوقف الحرب فإن هناك إمكانية لفرض مزيد من العقوبات على الحكومة). وقد أبدت الحكومة السودانية استغرابا وغضبا طبيعيا ودهشة نتفهمها لهذا التصريح. وحذر الرئيس السوداني عمر البشير من أن مثل هذه التصريحات ستشجع المتمردين على تجاهل أو تعطيل محادثات السلام حتى تضمن توقيع المزيد من العقوبات على الخرطوم(28). وليس من المستغرب أن ينظر المرء إلى تصريحات السيد غوردون براون على أنها تعبير عن موقف أوربا. الانتشار العسكري الأوربي في تشاد: لا بد من بعض التعليق على البعثة العسكرية الأوربية وثيقة الصلة بدارفور في تشاد. اتفق وزراء الإتحاد الأوربي على نشر بعثة عسكرية قوية من 3.700 رجل في تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى من أجل حماية اللاجئين من دارفور بالإضافة للنازحين بسبب النزاعات الداخلية(29). وتتمتع تلك القوة بتفويض من مجلس الأمن الدولي وتعرف اختصارا باسم (EUFOR). وقد كان من المقرر أن تنشر البعثة في 2007 م لكن نشرها تأجل عدة مرات.ورغم أن قائد القوة جنرال أيرلندي إلا أن أغلب منسوبيها من الفرنسيين. كما أن فرنسا توفر أيضا طائرات الهيلكوبتر والدعم اللوجستي للقوة. وتمثل تلك العملية أكبر طموح للإتحاد الأوربي منذ عملية البوسنة والهرسك. وقد صرح الإتحاد الأوربي (إن تلك العملية العسكرية للإتحاد الأوربي سيكون لها تفويض مناسب لمهمتها مما يسمح لها باستخدام القوة الحربية إذا لزم الأمر. إنها ستكون قوة مستقلة ، مدمجة ومحايدة تماما). وقد لاحظت إدارة معلومات الأمم المتحدة بعض الصعوبات التي ستواجه تلك القوة (في وجود جماعات التمرد التشادي متغيرة المواقف والنزاعات الدائمة بين مختلف مجموعات السكان المحليين وتصاعد التوترات بين تشاد والسودان فإن بعض مسئولي الشئون الإنسانية في تشاد يخشون أن يتسبب الوجود المخطط في ذات الوقت لبوليس الأمم المتحدة والإتحاد الأوربي وقواته العسكرية في إضافة مزيد من التعقيدات للموقف(30). صرح قيلهيلم موليني ، مسئول منظمة أطباء بلا حدود اللوكسمبورجية ، قائلا (لنا أسئلتنا بخصوص ذلك الانتشار. فنحن لا نعرف أن كان لحماية عمال الإغاثة أم اللاجئين أم مناطق العودة أم شرق تشاد. وخطنا الرسمي يتنوع. نحن ننتظر لنرى كيف ستتصرف هذه القوة على الأرض وما إذا كانت ذات فائدة. لدينا بعض الشكوك حولها ، ذلك أمر مؤكد(. كما عبرت الأمم المتحدة عن اهتمامها بتلك القوة وما يحيط بنشرها من ارتباك.يقول المقدم جان فال نائب رئيس ضباط الارتباط العسكريين للأمم المتحدة ((MINURCAT))المكلف بالتنسيق بين بعثة الأمم المتحدة وبقية القوات الموجودة على الأرض بما يلي: سيكون من الصعب على السكان المحليين وعمال الإغاثة أن يفهموا الأمر ويعرفوا الفروقات. سأكون هناك في الزي العسكري ولكن بلا سلاح وبعلامة الأمم المتحدة. وستكون هناك القوات الفرنسية التي تتواجد في تشاد منذ ثلاث عقود وتدعم نظام الرئيس دبي بنفس الزي الذي يرتديه الفرنسيون العاملون في قوات الإتحاد الأوربي ولكن بعلامة فرنسية ولهدف مختلف...الخ...الخ (31). في ديسمبر 2007 م أعلن المتمردون التشاديون الحرب على الاتحاد الأفريقي(32) . وكما في كل الحروب ، وخصوصا الحروب الأهلية ، فإن ما يبدأ كحرب وطنية ضد قوات أجنبية يمكن أن يتطور بسهولة إلى قضية إسلامية. التغطية الإعلامية الأوربية لأزمة دارفور: بالنظر للدور الذي تلعبه وسائل الإعلام في تشكيل ردات الفعل السياسية فإنه ينبغي تقييم مدى مصداقيتها في تغطيتها لأزمة دارفور. ويجب القول بأن التغطية الإعلامية الأوربية منتقدة في بعض جوانبها وسطحية في بعض الجوانب الأخرى. لقد أعادت إنتاج الكثير من الإخفاقات التي عرفتها الصحافة الأمريكية. في مساهمة رئيسية بالمعهد الملكي لدراسات الدفاع والأمن بلندن في يوليو 2006 م قال أحد أبرز مراسلي السياسة الخارجية ، جوناثان ستيل ، محرر القارديان اللندنية (في رأيي فأن وسائل الإعلام قد فشلت باستمرار في تغطية أزمة دارفور بصورة سليمة. لقد تكررت أخطاء المراسلين ولم يكونوا أبدا أمناء مع قرائهم. والمعلقون تجاهلوا أو أخفوا الخصائص الأساسية للأزمة. وحتى لو كانوا يقومون بمهمتهم بحسن نية بغرض توعية العالم بمأساة دارفور أملا في وضع حد لها فإنني أرى أن عملهم قد جاء بنتائج عكسية. إن الصحافة السيئة قد ساعدت في إطالة أمد الحرب(33). ثم استعرض ستيل ان ثم أخطاء أرتكبتها وسائل الإعلام خلال تغطيتها لأزمة دارفور: أول هذه الأخطاء هي عدم عرض أصول الحرب بصورة صحيحة. فحقيقة أن العنف قد اندلع عقب هجوم المتمردين على القوات الجوية السودانية في الفاشر في فبراير 2003 م ومقتل عشرات الجنود السودانيين الحكوميين لا تذكر عادة...والخطأ الثاني هو إضفاء طبيعة الحرب بين جنوب وشمال السودان على حرب دارفور. عليه فإننا كثيرا ما سمعنا تقارير عن أن نظام الخرطوم يحاول أن يفرض الشريعة الإسلامية في دارفور كما حاول أن يفرضها خلال سنوات طويلة على سكان الجنوب من النيليين. وقد اقتضى الأمر سنوات حتى تكتشف الكثير من وسائل الإعلام الغربية أن كل سكان دارفور تقريبا مسلمين...الخطأ الثالث هو أحد مشتقات الخطأ
الثاني. ألا وهو عرض النزاع كما لو كان نزاعا بين العرب والأفارقة. حسنا...الحرب إذا ليست حربا دينية لكنها حرب عنصرية. إن القالب المبسط لحرب بين العرب والأفارقة يتجاهل تماما تنوع وتعقيد الواقع القبلي في دارفور والتاريخ لطويل للنزاعات بين القبائل والأعراق فيها. كما أنه يتجاهل تاريخا عريضا من تقاليد وأعراف المصالحة القبلية التي نجحت خلال عقود من الزمان في حفظ الأمن والسلام في دارفور.أو في إعادته عندما تعترضه فترات النزاع. الخطأ الرابع يكمن في الجهل بالأسباب الاقتصادية للصراع. فإذا لم تفهم وسائل الإعلام أو تحاول أن تفهم هذا السياق للحرب في دارفور فإنها لن تنجح في نقل خيارات السلام. الخطأ الخامس هو تجاهل وسائل الإعلام لمحاولات الوصول للسلام. فلننظر إلى ذلك الكم الهائل من الرسائل المفتوحة ونداءات التدخل الغربي أو فرض العقوبات على الخرطوم كما لو أن الخرطوم لم تقدم أي عروض للمصالحة والسلام. المشكلة هي أن المتمردين كثيرا ما قاطعوا محادثات السلام أو خرجوا منها في فترة استراحة ولم يعودوا. ما أن تأخذ وسائل الإعلام في الاعتبار أن هناك محادثات سلام تجري حتى ترتكب خطأها السادس في تقليل حجم المشاكل التي يتسبب فيها المتمردون. فهي تلقي بكل اللوم على الحكومة في تعطيل محادثات السلام. والخطأ السابع للصحافة هو تجاهل انشقاقات فصائل المتمردين. فكثير من المراسلين لم يدركوا أن المتمردين غير موحدين إلا بعد أن رفضت اثنتان من فصائلهم الثلاث التوقيع على اتفاق أبوجا في مايو. وخطأ وسائل الإعلام الثامن هو تجاهل المشكلات الإنسانية التي يتسبب فيها المتمردون, الصحفيون في سعيهم المتعجل لتقديم صورة الصراع في صيغ مبسطة كصراع بين الخير والشر لا يقومون بتغطية هجمات المتمردين على قوافل الإغاثة ويتجاهلون هجماتهم على القرى التي تتسبب هي الأخرى في نزوح الآلاف. ويمضي استيل ليتساءل(هل يهتم بكل ذلك إلا حفنة من طلاب الصحافة والإعلام؟). وإجابته القاطعة هي نعم. فاستيل يؤمن بأن التغطية الإعلامية المغرضة لأزمة دارفور قد أطالت أمدها وأدامت المعاناة الناتجة عنها. اعتقد جازما أن دور الإعلام في أن يصنع من المتمردين أبطالا وأن يتجاهل أفعالهم الخاطئة ودعوته الدائمة لفرض العقوبات على الخرطوم أو حتى للتدخل العسكري لها آثار مؤذية وضارة. أنا أعتقد أن ذلك شجع المتمردين على أن يكونوا أكثر عنادا في أبوجا مما كانوا سيفعلون. لقد أحسوا بثقة بأنهم لو رفضوا التوقيع وصمدوا أكثر فإنهم سيحظون بدعم وتأييد وسائل الإعلام. وكما حدث ، فإن اثنتين من فصائلهم الثلاث قد رفضت توقيع الاتفاق. ولم يوقع مني مناوي ، زعيم أكبر الحركات المتمردة إلا بفضل معجزة خارقة(34). وكما يبدو فإن الكثير من وسائل الإعلام الغربية قد انساقت وراء القصص المثيرة للأحاسيس على حساب المهنية الاحترافية. وفي ذات الوقت ، ولذلك السبب فإن وسائل الإعلام تلك لم تقدم حقيقة الأزمة والأحداث في دارفور بالطريقة الصحيحة. الأخطار المحدقة بالعلاقات السودانية الأوربية: من الواضح أن الإتحاد الأوربي بتبنيه للعديد من المواقف الأمريكية قد تبنى حتى الآن كثيرا من المواقف الخاطئة في حركته السياسية تجاه أزمة دارفور. على الإتحاد الأوربي أن يقف ضد نداءات الولايات المتحدة الداعية لتصعيد أزمة دارفور. عليه ببساطة أن يقول لا لكل أنواع التدخل التي ورطت الولايات المتحدة والعديد من البلدان الأوربية في كارثتي العراق وأفغانستان. من الجلي أيضا أنه بجانب الضغوط المباشرة فإن هناك أيضا محاولات متناغمة من القطاع الخاص للتأثير على السياسات الأوربية العامة بخصوص دارفور. علينا أيضا أن ندرك أن هناك محاولات واضحة لتغيير مسار السياسات الأوربية العامة. الملايين من الدولارات الأمريكية تنفق كل عام لدعم توجهات المحافظين الجدد وجماعات الضغط في عواصم أوربا. معهد عبر الأطلنطي مثلا أقيم في بروكسل عام 2004 م. وأول أنشطته كان سمنارا عن دارفور دعا للتدخل العسكري في دارفور. وحركة (Save Darfur) في الولايات المتحدة زرعت لها فرعا في أوربا. ومنظمة (Aegis Trust) البريطانية و (Urgence Darfour) الفرنسية ليستا سوى وكيلين محليين لمنظمة (Save Darfur Coalition) الأمريكية ترددان صدى دعوات أمريكا للتدخل العسكري في السودان. أضف لذلك أن العديد من المنظمات المدعومة المعادية للسودان والتي أزعجها انتهاء الحرب بين شمال وجنوب السودان تتحول الآن نحو أزمة دارفور. إن جماعات من هذا القبيل هي المسئولة عن أغلب الضجة السياسية التي تثار للتأثير على السياسات الأوربية تجاه دارفور. والسياسيين يتعرضون لضغوط رهيبة خصوصا من جماعات الضغط الممولة حتى التخمة ، خصوصا عندما يتوافق ذلك مع التغطية الإعلامية المغرضة. خارطة طريق لدارفور: على أوربا أن تركز على علاج أزمة دارفور وليس على أعراضها الجانبية المتعددة. الحقيقة في أبسط أشكالها أن كل ما يلزم لعلاج تلك الأزمة المستعرة موجود مسبقا في اتفاق سلام دارفور الموقع في 2006 م. كما أن من الممكن إذا دعت الحاجة أن يعدل ذلك الاتفاق أو تضاف إليه بنود أخرى. ذلك أفضل من إنفاق وقت وجهد مقدرين في العمل من أجل تدخل الأمم المتحدة في دارفور. على بروكسل والعواصم الأوربية الأخرى أن تبذل كل جهد ممكن من أجل إقناع كافة فصائل المتمردين في دارفور بالذهاب إلى طاولة المفاوضات. الاستمرار في معاقبة الخرطوم على عناد المتمردين يجعل من أوربا والسياسة الأوربية جزءا من الأزمة لا عاملا من عوامل التعجيل بحلها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.