المحادثة الهاتفية التي تلقاها السيناتور جون كيري رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي فور هبوط طائرته بمطار الخرطوم مؤخرا كانت ترسم الملامح العامة لمحور مهم جدا في الاستراتيجية التي تتبعها الادارة الامريكية تجاه الخرطوم خاصة وان زيارة رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ ينظر اليها نافذون بالادارة الامريكية بعين الترقب لاولي ثمرات سياسة (الحوافز)..فقد اشارت المحادثة الي اهمية عقد كيري للقاءات حزبية مع رؤساء الكيانات الشمالية المعارضة بالسودان عبر تنسيق محكم مع السفارة الامريكيةبالخرطوم لنقل رسائل تعبر بصورة دقيقة عن جزئية محددة في الخطة (ب) اولاها مفادها اهمية ان ينساق الاعلام العربي بصورة عامة والاعلام الغربي بصورة اكثر خصوصية الي اتجاه (ان انفاذ الاستفتاء لجنوب السودان بكل تداعياتها ماهو الا ضغوط امريكية استجاب لها النظام الحاكم في السودان بصورة غير معلنة ولا يمثل انفاذ اهم اجندة اتفاق السلام الشامل اي اهتمام لدي الحكومة السودانية بل ان الامر يتجاوز حتي دائرة القناعات لديها.) ثاني هذه الرسائل تتمثل في اهمية ان تضع الادارة الامريكية يدها علي مفاوضات دارفور وذلك عبر اجهاض منبر الدوحة الخاص بمفاوضات دارفور وقد اختار كيري التوقيت المناسب للرسالة الثانية عبر زيارته الاخيرة للفاشر حيث أعلن السيناتور جون كيري رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي ، أنه يتعين على الولاياتالمتحدة والقوى الأخرى أن تساند عقد جولة جديدة من محادثات السلام "الرفيعة المستوى" لحل الصراع في إقليم دارفور لأن الجهود الحالية لا تحقق نجاحا وأردف كيري قائلا: إن المفاوضات التي تديرها الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي، وتستضيفها الحكومة القطرية، لم تكن تحظى باهتمام ويتعين نقلها إلى مكان أبرز وأن يدعمها مزيد من الأطراف الدولية...وهذه الرسالة اختار معها جون كيري ان تقوم الصحافة الامريكية ببث اشارات من صميم السياسة الامريكة تجاه السودان حول خطوات تطور العلاقات مع الخرطوم بأن تظل دارفور محورا رئيسيا حيث نقلت كبريات الصحف الامريكية وعدد من وسائل الاعلام ملامح عامة عن ارتباط ملف دارفور بالعلاقات الثنائية بين الخرطوم وواشنطن وقالت :(تحسن الأوضاع في دارفور يقود إلى ثلاثة حوافز ستكون موافقة الولاياتالمتحدة على رفع العقوبات الأميركية المتبقية معتمدة على السلوك السوداني في دارفور، فالولاياتالمتحدة تنظر إلى حكومة السودان لتنفيذ إجراءات ملموسة حول قضايا تشمل دخول المساعدات الإنسانية وحرية الحركة لقوات حفظ السلام التابعة للبعثة الأممية الأفريقية "يوناميد" والدخول في محادثات السلام) ولعل الرسالة الثانية في حقائب السيناتور الامريكي والتي تشير الكثير من القراءات الي انها لم تجد اهتماما يذكر من القيادة السياسية باعتبار ان استراتيجية دارفور الجديدة قد احاطت بمفاصل الحلول من الداخل الشئ الذي بات كقناعة متوفرة حتي لدي الوسيط القطري وهو ماعبر عنه رئيس الجمهورية المشير البشير ابان زيارته الاخيرة لدارفور.. اما الرسالة الاولي فقد بدأ السيناتور يروج لها عمليا في كافة لقاءاته بالاحزاب والقوي السياسية المعارضة وحكومة الجنوب بصورة خاصة بل ان بعض المعلومات التي رشحت من لقاءات كيري بالقوي السياسية افادت بأن احد اّليات انفاذ الفكرة نفسها هو ان تبادر الاحزاب بارسال اشارات مفادها ان الاستفتاء مؤمن بوصايا امريكية الشي الذي نفاه بشدة مستشار رئيس الجمهورية الفريق صلاح قوش في احدي تصريحاته قائلا:( لا وجود لأي تنسيق مع أمريكا لتأمين الإستفتاء مبينا أن تأمين الإستفتاء تقوم به حسب القانون شرطة جنوب السودان وجهاز الأمن والمخابرات السوداني حيث هنالك مؤسسات أمنية سودانية خالصة ستقوم بدورها اثناء فترة الإستفتاء ). وبمثلما قطعت خطابات الرئيس البشير في دارفور الطريق امام السيناريو الامريكي حول ايلولة الملف فأن ذات الاشارات لم تخلو من خطاب البشير في جوبا مؤخرا فقد اوجدت الزيارة تفاؤلا بين الجنوبيين بإمكانية حل القضايا العالقة مع الشمال سريعا إذا ما اختاروا الانفصال فى الاستفتاء ، بل وبإمكانية قيام علاقات جيدة بين «الدولتين»، فى تأكيد على عدم تأثير الزيارة على توجهات الجنوبيين بشأن رفض استمرار الوحدة الشي الذي اعطي الكثير من قيادات الحركة الشعبية نفسها انطباعا يذهب في اتجاه ان الحكومة المركزية برئاسة البشير قد اوفت بما التزمت به حول الاستفتاء بصورة عملية كاستحقاق سياسي بعيدا عن سياسة الترهيب او الترغيب الدولية فقد قال الأمين العام للحركة الشعبية باقان أموم: إن «خطاب الرئيس البشير أعطانا تطمينات بأنه (الرئيس) وحكومته سيحترمون خيار الجنوب أيا كان سواء بالوحدة أو الانفصال». واضاف «السيد رئيس الجمهورية بالرغم من تفضيله الوحدة إلا أنه قال إنه سيبارك قرار الجنوبيين، كما أعطى الإحساس بأن الشمال سيكون فى مقدمة الدول التى ستعترف وتساعد جنوب السودان»، مضيفا: «سنجلس إلى طاولة التفاوض لحل جميع القضايا العالقة، وعلى رأسها (منطقة) أبيى». ورأى أن خطاب البشير طمأن الجنوبيين على العلاقات بين الخرطوموجوبا، فى حال الانفصال,وفى ذات الاتجاه المتفائل، قال وكيل وزارة التعليم بحكومة الجنوب، عضو لجان التفاوض عن الحركة الشعبية جورج جاستن، إن خطاب الرئيس البشير جاء «هادئا ومطمئنا وأعطانا أملا فى حل القضايا العالقة سريعا»، مشددا على أنه «لا مجال أمامنا سوى التعاون، لدينا النفط ولديهم البنية التحتية، ولن يفيد النفط دون أنابيب، ولن تفيد الأنابيب دون النفط». ويري المراقبون ان تصريحات قادة حكومة الجنوب قد اسهمت بقدر غير قليل من الاحراج السياسي لجون كيري وافسدت سياسة (قطف الثمار) التي انتهجتها الادارة الامريكية في انفاذ بنود اتفاقية السلام الشامل فما كان منه الا ان بادر باعلان ترحيبه بخطاب رئيس الجمهورية في لغة اختار معها ان يخرج بعض مافي الاتجاه التشريعي داخل الكوجرس بكل مايحمله من تيارات متباينة حيث قال في تصريحات صحفية انه من أكبر الداعمين لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وأضاف: لكن هذه الخطوة تتطلب وجود تقارير إيجابية وإشراك الإدارة الامريكية نافيا انحياز حكومته لصالح الجنوب، وقال: نحن نتخذ موقفاً محايداً من الجانبين، وأشار إلى أن أوباما متلزم بمتابعة العملية السلمية، واستعادة العلاقات مع السودان خاصة وان الاستفتاء يعتبر فرصة للسودانيين للعيش بسلام وحياة افضل، وقال: نحن نرى قطراً جديداً يولد بطريقة سلمية.