لم تُسعف الساعات الأربعة التي إستغرقتها الإجابة على سؤال طرحه مركز دراسات الشرق الأوسط وإفريقيا ثم ماذا بعد إنفصال جنوب السودان...؟ الأكاديمين والخبراء من الإجابة عليه بصورة شافية تُعالج كل الجوانب المتعلقة به، مما دفع مدير المركز السفير عثمان السيد إلى الإعلان عن تنظيم ندوات متتالية خلال الأسابيع القادمة للإجابة على السؤال في بُعده السياسي والدبلوماسي، العسكري والأمني، الاقتصادي والتجارى ،الاجتماعي والثقافي ، الدستوري والقانوني كل على حده. المتحدثون الرئيسيون الذين دعاهم المركز للإجابة على السؤال وهم الدكتور مختار الأصم، الدكتور سليمان الدبيلو، الدكتور إبراهيم الأمين، وكل من اللواء دكتور عبد الرحمن أرباب والدكتور السفير نور الدين ساتي كمعقبين، أجمعوا على ضرورة إعادة هيكلة الدولة وأتخاذ قرارات شجاعة فيما يتعلق بمستقبل السودان، وتحديد رؤية يتوافق عليها الجميع "حكومة، معارضة ومنظمات مجتمع مدني" ، وتطبيق نظام حكم فيدرالي واسع ومتقدم. الندوة تمثل وقفة مع الذات في الوضع الجديد للسودان.. الجديد في حدوده، وسكانه الحاليين، وقفة تتطلب وفق علم الإدارة الإستراتيجية أن نخلق من المشكلة فرصة للنمو، ومن الضعف قوة عبر إعادة هيكلة الدولة، وإعادة النظر في سياساتها الخارجية، وإعادة تقييم علاقاتها الدولية في ظل الظروف المواتية والعالم ينظر إلى السودان كدولة جريئة قبلت تقرير المصير وأن تقتطع ثلث أراضيها وربع سكانها بطيب خاطر. إعادة الهيكلة لا تعني تقليص عدد الوزارات بل إعادة النظر في عدد الولايات والعلاقة بين المجالس المحلية ومجالس الولايات لتثبيت أقدام الحكم الفيدرالي وتحقيق التنمية الحقيقية المتوازنة. مرة أخرى هي وقفة مع الذات للعمل على تقوية الجبهة الداخلية، وإغلاق الباب أمام التدخل الخارجي الذي يستغل ضعف الداخل، والتجديد في التفكير للمشاكل والمعضلات التي تواجه البلاد ومعالجة المرضى السياسي الذي ظل ملازماً للحكومات المتعاقبة بتبسيط ما يواجه البلاد. النظرة الدقيقة لموقف المؤتمر الوطني ومواقف أحزاب المعارضة الكبيرة يجد أنها جميعاً مبنية على مبدأ تطبيق الإسلام، ولا يوجد خلاف جوهري في المبدأ ، ولكن يبرز الخلاف في التطبيق.. ولا شك في أن الحوار الذي يُبدى فيه هذا وأولئك التنازل عن شيء ما ، يقرب الشقة بينهما. المتحدثون في الندوة أكدوا رفضهم القاطع لدعاوى ما تُسمى بالمحكمة الجنائية الدولية، ومذكرة التوفيق والاتهامات الباطلة التي يرمي بها مدعيها لويس أوكامبو في حق الرئيس المشير عمر البشير، وأمنوا على أهمية النظر في مايخص الجنائية ، بفتح حوار مع العالم للوصول إلى نقطة التقاء دون الإكتفاء بالرفض والتنديد بما يُمس رمز الدولة، وإقتراح حلول يتم الإتفاق والتوصل إليها بعد بحثها بأبعادها القانونية والسياسية وبما يحفظ للبلاد سيادتها. الهوية السودانية أخذت حيزاً كبيراً من النقاش والتداول ضمن الإجابة على السؤال الكبير ثم ماذا بعد إنفصال جنوب السودان؟ وقد أفرزت قضية الجنوب قضايا خاصة بالهوية في شرق السودان، الفونج، دارفور، جبال النوبة، مما يتطلب التفكير بطريقة جادة لإسيتعاب كل الأثنيات في بوتقة واحدة، بعيداً عن قوة أثنية على أخرى، للوصول إلى هوية متفق عليها تجمع كل أبناء السودان، والعمل على تحقيق ذلك بجهد وتجرد من كل أبناء الوطن، تفادياً لتقسيم شمال السودان.. وهنا برز أتفاق حول أهمية معالجة قضايا مناطق التمازج في إطار الهوية، للحد من دعاوى التهميش الإجتماعي والأثني والجهوي، وتلك المرتبطة بالثروات المكتشفة والمتعلق منها بالحرمان الثقافي والسياسي عبر تفعيل دور منظمات المجتمع المدني والقوى السياسية للتحرك في شكل لجان حكماء وإبراز السودانوية بتغليب المصالح الوطنية على المصالح القبلية والشخصية. الأكاديميون طالبوا بتوسيع تمثيل الجهويات والعرقيات في البرلمان والحكم اللامركزي، في إنتقاد لسياسة الحكومة بتشكيل مجلس الوزراء وهو الجهاز التنفيذي تشكيلاً بالتمثيل. الندوة خلصت إلى أهمية تشخيص كل الأمراض التي أصابت السودان وعلاجها، لاسيما وأن البلاد تمر بمرحلة تاريخية في ظل المخطط الغربي الهادف إلى تقسيمه إلى خمسة أقاليم ، وإعادة نهج التفكير في مستقبل السودان.