البرلمان السوداني تقع على عاتقه مسؤوليات كبيرة خلال الأسابيع التي تسبق التاسع من يوليو في مراجعة بنود الدستور والقوانين المنبثقة منه، بل والحوار السياسي بين القوى السياسية بالشمال. وخلال هذا الحوار مع المركز السوداني للخدمات الصحفية يوضح مولانا أحمد إبراهيم الطاهر رئيس المجلس الوطني استعداد البرلمان للقيام بهذه التحديات والدور المنتظر أن يقوم به، وتطرق الحوار إلى شكل العلاقة مع الجنوب وجهود حل قضية دارفور، ودور البرلمان في التصدي لغلاء الأسعار، وانتهاء برأيه في أداء البرلمانات العربية في ظل الاتهامات التي تلاحقها بأنها منحازة للسلطة أكثر من الجماهير.. أعلنت لجنة شؤون المجلس أن البرلمان سيواصل دورته الأسبوع المقبل، ما هي أهم القضايا التي ستناقشها هذه الدورة ؟ سيركز المجلس في استدعائه بقية هذا الشهر على تسلم النتيجة الرسمية لاستفتاء جنوب السودان واتخاذ قرار بشأنه بعد أن تسلمتها رئاسة الجمهورية، وستأتي المخاطبة من الرئاسة للمجلس. ورأينا أن تجتمع الهيئة التشريعية القومية لكي تتم هذه المخاطبة أما برسالة من رئاسة الجمهورية أو بمخاطبة مباشرة، عندها سيتداول المجلس في النتيجة ثم يقرر بشأنها. وإذا وافقت النتيجة متطلبات قانون الاستفتاء على المجلس أن يلتزم بها كما نصت على ذلك اتفاقية السلام وكما نص على ذلك الدستور، ثم بعد ذلك الاستعداد لمرحلة ما بعد الاستفتاء والتحضير للفترة القادمة، وهذا التحضير يحتاج لإعداد سياسي وقانوني، السياسي يتم دائماً في أروقة المؤتمر الوطني بعلاقاته مع القوى السياسية وغيره، البعد القانوني يتم في السلطة التنفيذية. وربما تأتي مقترحات بشأن قوانين جديدة أو تعديلات قوانين أو حتى تعديلات دستورية، كل ذلك يتوقع أن يتم أغلبه في الدورة الجديدة التي ستبدأ في أول أبريل. المجلس سيأخذ عطلة شهر كامل سيتم خلاله الإعداد لترتيبات الانتقال من الفترة الانتقالية إلى الدولة الشمالية التي ستبدأ رسمياً في يوليو القادم، كذلك سيتم في هذه الفترة عملية الانتقال للدولة الجديدة ليتم إعلانها في بداية يوليو القادم. هل سيعترف البرلمان مباشرة بنتيجة الاستفتاء؟ سيوافق عليها إذا وافقت متطلبات قانون الاستفتاء من حيث أجريت بشفافية ونزاهة، والمتطلبات التي نص عليها القانون اعتقد كلها تمت بهذه الصورة، لكن الرأي سيكون للمجلس حينئذ للموافقة عليها ما استجابت لمتطلبات قانون الاستفتاء. أطلقت من قبل تصريحات بسقوط عضوية النواب الجنوبيين بإعلان نتيجة الاستفتاء، فهل سيشارك هؤلاء النواب في الجلسات المقبلة والدورة الجديدة التي ستبدأ في أبريل؟ مشاركة النواب في الجلسة القادمة ستتم باعتبار النتيجة لم تعرض على المجلس حتى هذه الجلسة، عند اعتماد النتيجة تطبق أحكام المادة (118) والمادة (226) من الدستور ويخلي سبيل كل الأعضاء من الجنوب، سواء كانوا من الحركة الشعبية أو المؤتمر الوطني أو أي حزب آخر، لأنهم يحتاجون إلى فترة كي يعاد استيعابهم قبل نهاية الفترة الانتقالية في الحكومة الجديدة في الجنوب والتشكيلات الأخرى هناك، لذلك سيتم إخلاء سبيلهم في هذه الفترة خاصة أن كل المؤسسات وكل التمثيل الجنوبي سيكوت قد انتهى بعد نتائج الاستفتاء، ويعتبر هذا التمثيل وهذه المؤسسات ملغاة بنص الدستور ولا تحتاج إلى قرار من المجلس أو أي جهة أخرى، وإنما هي بحكم الدستور تكون قد سرت فيها، وبالتالي كل الدوائر الخاصة بالجنوب تكون قد أقيلت حينئذ. هذا يقودنا للحديث عن ترتيبات ما بعد الاستفتاء وإعداد الدستور الجديد ماهو دور البرلمان في هذا الجانب، وهل آن الأوان لوضع دستور دائم أم أن المشكلات التي يعاني منها السودان تجعل ذلك غير ممكن؟ الدستور الحالي سيتمر لما بعد الفترة الانتقالية حسب نص الدستور نفسه، صحيح أن هناك بعض الفصول فيه وبعض المواد ستلغى لأنها معنية بالفترة الانتقالية وهي معنية بإنزال السلام في هذه الفترة، وبعضها يتعلق بترتيبات ما قبل الانتخابات وهذه بقيام الانتخابات سقطت بالفعل، وبعضها ينتهي بنتيجة الاستفتاء وهذه أيضاً ستسقط بعد نتيجة الاستفتاء، وبعضها سيستمر إلى نهاية الفترة الانتقالية، وبالتالي هذه المواد كلها في نهاية الفترة الانتقالية ستكون قد سقطت بالفعل. أما بقية الدستور والأحكام المتعلقة بالمواد الأخرى كلها تكون سارية، كل الحقوق الأساسية والأحكام الخاصة برئاسة الجمهورية والسلطة التنفيذية والتشريعية والحكم اللامركزي والمؤسسات القومية بالولايات كلها ستكون سارية المفعول إلى أن ينظر فيها مرة أخرى، عند إعادة النظر في هيكلة الدولة ونظامها العام حينئذ يمكن أن يوضع دستور جديد يلبي حاجات المرحلة المقبلة. هذا يستدعي الحديث عن تغيير القوانين، هل ستتم مراجعة كل القوانين من جديد وفق الدستور الجديد ؟ طبعاً كل القوانين المتعلقة بفترة الانتقال تكون بالفعل قد سقطت، لكن القوانين الخاصة بتسيير الدولة عامة ستستمر، مثلاً قانون القوات المشتركة والمدمجة ينتهي بإنتهاء الفترة الانتقالية، لأن الجيش السوداني سيظل في الشمال بينما جيش الحركة في الجنوب، وكذلك بعض المفوضيات التي أنشأت لتنفيذ السلام في الفترة الانتقالية أيضاً ستسقط. وهكذا فسينظر في كل قانون حسب أغراضه، إذا كانت تتعلق بالفترة الانتقالية فإنه ينتهي بإنتهائها، أما إذا كانت أغراضه تستمر مع الدولة فإن هذا القانون سيستمر أيضاً، وإذا احتاج إلى مراجعة يمكن أن يعدل هذا القانون. ماهي رؤيتكم لشكل التوافق الوطني بين القوى السياسية والدور الذي يمكن أن يلعبه البرلمان في هذا الجانب خاصة وأن الفترة القادمة ستحتاج إلى حوار وطني عميق؟ سنفتح البرلمان للحوار السياسي وللحوار حول الدستور وستكون هذه الفترة عامرة ولن يغلق أبواب البرلمان أمام المتحاورين، بل سندعو القوى السياسية لتتحاور داخل أروقة وقاعات البرلمان حول مستقبل البلاد والدستور وطبيعة المشاركة وما يجمع القوى السياسية حول السياسات العامة التي يمكن أن يتفق عليها لمصلحة البلد، كل ذلك سيكون متاحاً في الفترة القادمة.. رغم أن القرار السياسي يتخذ من المؤتمر الوطني مع القوى الأخرى حتى يتم التوافق السياسي وإشراك القوى السياسية في حكومة عريضة للعبور بالسودان في هذه المرحلة. أيضاً سيتم إشراك هذه القوى السياسية في وضع الدستور القادم للبلاد وفتح الباب واسعاً أمام كل الآراء التي يمكن ان تسهم في تجويد العملية الدستورية في البلاد. لكن بعض القوى السياسية مازالت تشكك في جدوى هذا الحوار وتقول إن المؤتمر الوطني لا يفتح آذانه للحوار العميق ويريد مشاركتها وفق برامجه؟ هناك وجهات لذلك، الأول الذي تراه بعض قوى المعارضة هو زوال هذه الحكومة وإحلالها بتمثيل من المعارضة، هذا طبعاً لن يتم لأن هذه الحكومة جاءت بانتخابات حرة والتعيين فيها يتم عن طريق التداول السلمي عن طريق انتخابات حرة تجرى في وقت لاحق. ورغم أن لدى الحكومة أغلبية برلمانية تستطيع بواسطتها أن تمرر أي قانون ولكنها فتحت الباب واسعاً للحوار حول كل القضايا ولم تغلق الباب أمام أي قضية، ولذلك سيظل الحوار متاحاً بلا أي شروط وتأمل أن تستجيب القوى السياسية لهذا الحوار، لأنها إن لم تدخل الحكومة اليوم يمكن ان تدخلها غداً، وأن لم تشارك الآن يمكن ان تشارك عن طريق التمثيل النيابي في أول انتخابات قادمة. ونحن نرجو أن نشارك الآن في هذه الحكومة برغم أنها ذات أغلبية انتخابية.. يمكن ان نشارك لتجد لها موقعاً يمكن من خلاله ان تخاطب الشعب وبناء نفسها كقوى سياسية مستقبلية. ماهو شكل العلاقة مع الجنوب وهو يسعى ليصبح دولة خاصة ختصة فيما يتعلق بالمجلس الوطني وبرلمان الجنوب؟ العلاقة مع مجلس الجنوب في السابق طابعها التعاون وكانت هناك زيارات متبادلة وحوار حول القضايا المشتركة خاصة فيما يتعلق بتنفيذ خطوات السلام والاستفتاء وغيره، الآن وقد برزت دولة جديدة في الجنوب بحسب نتيجة الاستفتاء فيمكن ان تتواصل هذه العملية بين البرلمان القومي والبرلمان هناك، عنئذ ستكون العلاقة بين برلمانيين كما هو الحال الآن مع البرلمانات النظيرة في دول الجوار، ويظل للجنوب خصوصية من حيث أنه كان جزء من السودان وأن العلاقات هي حميمية أكثر من كل دول الجوار. بالنسبة لدور البرلمان في الجانب الرقابي الناس تتحدث عن غياب تام في هذا الجانب مع زيادة الأسعار رغم أنكم أجزتم الموازنة بلا زيادات في الأسعار أو مرتبات العاملين في الدولة؟ هناك استجابة للمتغيرات العالمية، الأسعار عالمياً الآن مرتفعة وليس في السودان فحسب، هنالك الآن صرخات متباينة من كل الدول نتيجة لارتفاع السلع الأساسية خاصة الغذائية كالقمح والسكر والمحروقات، هذه الزيادات أنعكست على حياة الناس جميعاً، ولذلك كان لابد من إيجاد معالجة، والمعالجة التي كانت موجودة في السودان سابقاً عكس سياسة التحرير الاقتصادي، لأن السلع كانت مدعومة. ورغم أن ذلك نتج عنه انخفاض في الأسعار للمستهلك المحلي لكنه أيضاً أضر بالاقتصاد، لأن الكثير من هذه السلع كانت تسرب لخارج البلاد حيث تباع بأثمان باهظة وبالتالي نشطت عملية التهريب، وهذه بالتأكيد تضر بتوفر العملات الأجنبية وكان هذا السبب في ارتفاع أسعارها، وإذا استمر الحال على ذلك كان يمكن ان تستمر إلى أرقام خيالية، لذلك كان لابد من إيجاد (وزنة) بحيث أن المواطن يشتري السلعة بسعر أقرب إلى سعرها الحقيقي أو سعر التكلفة، ولكن بما أن ذلك يمكن أن تتضرر منه فئات ضعيفة لايمكن أن تتحمل ذلك قامت الدولة بمعالجة هذا الأمر بمساعدة هذه الفئات الضعيفة، سواء العمال أو المعاشيين أو الطلاب أو الأسر الفقيرة كل الزيادات التي جاءت في هذه السلع انعكست كلها وذهبت إلى دعم القطاعات الفقيرة والضعيفة، إذن هي عملية أخذ المال من المستطيع وانفاقه على غير المستطيع، واعتقد أنها سياسة عادلة بالرغم من أنها سببت ارتفاعاً في السوق، لكن لم يكن هناك مناص أن تمضي هذه السياسة حتى تساند القوى الضعيفة. وبالفعل هذه السياسة نتج منها ان الميزانية الإضافية التي أقرها المجلس وهي حوالي (800 مليون) دولار عائد زيادة السلع كلها ذهبت لصالح الفئات الضعيفة، منها (500) مليون دولار ذهبت لدعم العمال والمعاشين والطلاب والأسر الفقيرة، و (300) مليون ذهبت لدعم القطاعات الإنتاجية وهي القطاع الزراعي والصناعي كي تتضاعف العملية الإنتاجية والتي بها سيحصل التوازن في الأسعار.. هذه سياسة عمدت لإعادة التوازن بسبب فئات الشعب فيما يختص بعملية البيع والشراء في هذه السلع. المجلس لم يجز هذه الميزانية وكفي وإنما ظل يتابعها الآن وزير المالية في هذه الدورة قبل نهايتها سيقدم للمجلس بناء على طلب الأخير تقديراته عما تم في هذه السياسات ودعم الفئات الفقيرة، واعتقد عند تقديمه لهذا البيان سيتضح إلى أي مدى نجحت هذه السياسة في تخفيف حدة وقع هذه الأسعار على الفئات الضعيفة. السياسة الأمريكية تجاه السودان اتجهت منحى آخر مع اعتراف الحكومة بنتيجة الاستفتاء وذلك بعد أن وعدت واشنطن برفع اسم السودان من قائمة الإرهاب وغيرها من الحوافز.. كيف تنظرون إلى التعاطي الأمريكي مع الشأن السوداني؟ الولاياتالمتحدة كانت تريد من قضية الاستفتاء أن تحرز أمام شعبها نصراً على الأقل يسند الحكومة في مواجهة نتيجة الانتخابات المخيبة للآمال التي هزم فيها الحزب الديمقراطي لصالح الجمهوريين، ولم يكن هناك قضية يمكن أن تبيض وجه الحكومة الأمريكية غير الاستفتاء في الجنوب. وهي تعلم أن عملية الاستفتاء ماضية كما وافق عليها الشريكان وكما اتفقا على برامجها، ولكنها أرادت أن تدخل بهذه الشروط التي لا طائل من ورائها إلا إقناع الشعب الأمريكي بدور تفعله الولاياتالمتحدة لكي ما تشدد على قيام الاستفتاء وقبول نتائجه حتى يقتنع الشعب الأمريكي أن الولاياتالمتحدة هي التي أثرت في نتيجة الاستفتاء، لكن اعتقد أن نتيجة الاستفتاء كانت ستجرى في كل الظروف حتى لو لم تتدخل الولايات التحدة وكان سيتم الاعتراف بالنتيجة لأننا ننطلق في تعاملنا مع نتيجة الاستفتاء من مبدأنا الأخلاقي في الوفاء بالمواثيق والعقود وليس بالضغوط الدولية التي تملى علينا. عملية الاستفتاء ليست اتفاقية مع الولاياتالمتحدة لرفع اسم السودان من قائمة الإرهاب وغير ذلك، وإنما هي وفاء بعهد قطعناه على أنفسنا منذ 2005 بأن نجرى هذه الاستفتاء، أما العلاقة مع الولاياتالمتحدة فنحن نرى أن السياسات التي اتخذتها ضد السودان كلها كانت ظالمة لا مبرر لها، سواء وضعنا في قائمة الدول الراعية للإرهاب أو فرضها لعقوبات جائرة على السودان. واعتقد إذا أرادت الولاياتالمتحدة إنشاء علاقات جيدة مع السودان ينبغي أن تزيل التشوهات التي صنعتها لبلدها ضد السودان. ماهي المعالجات المطلوبة لحل قضية دارفور في ظل الحديث عن أنها مرشحة لتكون جرح السودان النازف بعد انفصال الجنوب؟ الاستراتيجية التي وضعتها الحكومة ماضية لنهاياتها بطريقة مرضية، وهي ستقود في النهاية لاستقرار كامل في دارفور خاصة على الأرض، من حيث الوضع الأمني والإنساني ومن حيث التنمية. بقي جانب التفاوض والحكومة بذلت كل ما يمكن أن تبذله في هذا الجانب ووسعت من صدرها لقبول التفاوض في الدوحة كآخر منبر بالخارج للتفاوض في قضايا دارفور، خاصة أنه ليس هناك أي قضية حيوية بالنسبة للمتمردين، وإنما هي مطالب شخصية بحتة لمواقع لأنفسهم وقسمة سلطة وثروة، لكن تطاولت المدة في الدوحة دون تحديد زمن. والخطوة التي اتخذتها الحكومة بأن يكون هناك سقف للدوحة موفقة جداً وكان لابد منها حتى لا تقوم هذه القضية في بحر من التطاول لا طائل وراءه. فيما يختص بالحرب الآن المهدد الوحيد في هذا الجانب هو الدعم الذي تقدمه حكومة الجنوب لحركات دارفور وقد نبهت هذه الحكومة عدة مرات على كل المستويات بما فيها مستوى رئاسة الجمهورية أنه لا ينبغي للجنوب وهو ينشيء دولة وليدة تحتاج للاستقرار من أن يزعزع الاستقرار في السودان الشمالي، وان هذه المسألة إذا استمرت ستكون وبالاً على المنطقة كلها وستكون نتيجتها مدمرة.. صحيح أن حكومة الجنوب أكدت أنها ستطرد كل الحركات من الجنوب ولكن لازالت هذه الحركات تتجمع وتتدرب في جنوب البلاد. وهذا نداء لحكومة الجنوب بأن تسارع لتقصي متمردي دارفور حفاظاً على استقرار الجنوب في هذه الفترة وحفاظاً على هدف السلام الأول وهو تحقيق السلام في هذه المنطقة حتى لو كان ثمنه انفصال الجنوب، فينبغي بهذا الثمن الباهظ الذي دفعه السودان أن يلتزم الجنوب بالسلام الذي سيستفيد منه. والدولة مدت يدها بيضاء للعيش في سلام ووئام وتعاون تام ولابد أن يستمر ذلك دون وجود أجندة خارجية تفرض نفسها على جنوب السودان وتحاول أن تستخدمه كسند لإثارة القلائل ضد الشمال. ارتباطاً بالثورات التي بدأت في بعض الدول العربية هل البرلمانات العربية موالية للحكومات للدرجة التي لا تستطيع معها التجاوب مع تطلعات الجماهير للتغيير؟ في لقاءاتنا في البرلمانات العربية كنا ننادي بضرورة ان يتم التمثيل الصحيح للشعوب في هذه البرلمانات، وان تكون البرلمانات هي صوت حقيقي للشعب وان تعبّر عن إرادته. ونادينا أن تكون هناك صلة قوية بين الحكومات وشعوبها، هذا هو الضمان الوحيد للاستقرار بأن يكون هناك اتصال بين الشعب والحكومة، وان يكون سبيله هو الحريات وإتاحتها للتعبير والتنظيم السياسي وتداول السلطة سلمياً والمكاشفة في قضايا الفساد. ونجد هذا هو الذي يضمن استمرار واستقرار الأوضاع في العالم العربي.. للأسف أوضاعنا السياسية في العالم العربي هي الأسوأ على مستوى العالم كله، الحكومات في وادٍ والشعوب في وادٍ، وكثير من البرلمانات لا تمثل شعوب بقدر ما تمثل حكومات، والكثير منها ليس لها صوت حقيقي لتجهر به وتصدع بكلمة الحق، وبالتالي نتج عن ذلك الثورات التي تحدث في تونس وانتظمت كثير من دول المنطقة على درجات متفاوتة. واعتقد الآن جاء دور الشعوب لتقول كلمتها وجاء الدور للأنظمة العربية لكي تسمع صوت الشعب ولكي نفسح المجال للشعب ليشارك في صنع القرار في الدولة، خاصة أن كثير من الدول العربية تحتاج إلى شعوبها لمساندتها في عملية التدخل الخارجي وصناعة القرار وأثر التدخل في صناعة القرار في هذه الدول.. إذن هذه نصيحة قدمناها لأخوتنا البرلمانيين في كثير من المؤتمرات التي عقدت، واعتقد أنه يوافقنا فيها الكثير من البرلمانيين، بحيث لابد من إتاحة الحرية للشعوب لتنطلق وتعبر عن نفسها، فان الكبت السياسي هو الذي يولد الانفجارات التي لا حدود لها ولا يتنبأ الإنسان بمآلاتها.. الآن لا زالت الفرصة أمام الحكومات العربية الكبيرة في أن توسع صدورها وتفتح الباب لشعوبها وأن تفتح من مجالات الحرية للتعبير السياسي في بلدانها حتى تكون هناك توافق بين الحريات وشعوبها هل أنتم متفائلون بمستقبل دولة الشمال بعد انفصال الجنوب أم أن الانفصال سيكون له تبعاته التي تؤثر في مستقبل الدولة؟ الفترة القادمة بالنسبة لنا مهمة جداً، نحن الآن في ميلاد دولة جديدة ليس فقط في الجنوب وإنما الشمال. دولتنا الآن أصبحت أصغر حجماً وأسهل إدارة، ومواردنا أصبحت الآن أكثر قوة واستخداماتها أصبحت موجهة بطريقة أفضل. وكثير من المشكلات التي كانت تجر السودان للوراء ربما تكون غادرت بانفصال الجنوب، وكذلك كثير من المؤشرات السالبة للاقتصاد والمستوى التعليمي والصحة وغيرها قد تكون غادرت مع الانفصال. نحن أمام دولة عندها مؤهلات كبيرة في أنها يمكن ان تنهض نهضة حقيقية، تحتاج إلى تماسك داخلي قوي وتفاعل شعبي كبير، وتحتاج إلى أن تستخدم ما لديها من قوة علمية في سبيل تطوير قدراتها البشرية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية. هناك مؤشرات مبشرة على المستوى الطويل على أن تكون هي دولة ذات قدرة حقيقية في النهوض ويمكن ان تسهم في المنطقة بشكل إيجابي. اعتقد أن انفصال الجنوب ليس كله شراً ربما يكون فيه نوع من الخير بعد أن وقع الانفصال يمكن ان نستفيد من سلبيات هذا الانفصال بتقوية إيجابيات البلاد. اعتقد الآن أمامنا فرصة كبيرة للتوحد حول برنامج نهضوي قوي كبير للسودان وسريع التنفيذ ويمكن أن يكون نافذ أو متطور وقوياً، ما تماسكنا ووحدنا أنفسنا واقتنعنا بهذا البرنامج وسرنا به سيرة رجل واحد.