وضعت إسرائيل تفكيك السودان في إستراتيجيتها التي كشف عنها وزير الأمن الإسرائيلي السابق أفي دختر عام 2008م، منذ العام 1967م حيث أعلنت وزيرة الخارجية قولد مائير أن إضعاف الدول العربية وإستنزاف طاقاتها واجب وضرورة من أجل تعظيم قوة إسرائيل وإعلاء عناصر المنعة لديها، في إطار المواجهة عبر إستخدام الحديد والنار تارة ووسائل الحرب الخفية تارة أخرى. وكان السودان قد جسد أنه يمثل العمق الإستراتيجي لمصر في حرب 1967م عندما تحول إلى قواعد تدريب وإيواء لسلاح الجو والقوات البرية المصرية، عطفاً على مشاركته في حرب الإستنزاف وحرب أكتوبر، مما جعل إضعافه وإنتزاع المبادرة منه لبناء دولة قوية موحدة ضرورة من ضرورات الإستراتيجية الإسرائيلية. على خلفية بعده الجغرافي عنها أستخدمت إسرائيل وسائل تقوض أوضاعه من الداخل، مستقلة التعددية الأثنية والطائفية، وتنبي رؤساء حكوماتها المتعاقبين خطأ في التعاطي مع السودان يرتكز على تفجير بؤر وأزمات مزمنة ومستعصية في الجنوب، إنطلقت فيها من قواعد أقيمت في يوغندا، إثيوبيا، كينيا وزائير، وأعاقت جهوده في إقامة دولة متجانسة وقوية عسكرياً وإقتصادياً، يمكنها من تبؤ موقع الصدارة في المحيطين العربي والإفريقي. ووفق نظرية النظرة الثاقبة وضع شارون خطة للتدخل في دارفور عام 2003م بعد الفراغ من رسم فصول إنفصال الجنوب، مستخدماً نفس الأدوات والوسائل التي تنطلق من أن سودان ضعيف ومجزأ وهش أفضل من سودان موحد وقوى. النشاط الإستخباري الإسرائيلي في السودان على ضوء القصف الأخير لمدينة بورتسودان كان عنواناً لندوة نظمها مركز دراسات الشرق الأوسط وإفريقيا، تناول فيها المشاركون العدوان من زاوية عسكرية وأمنية مستصحبين تداعيات العدوان سياسياً وإستراتيجياً. العدوان يأتي في إطار إستمرار السياسة الإسرائيلية التي لا تلتزم بالقانون الدولي، ولا تقيدها محددات المجتمع الدولي في عبثها في كثير من دول العالم وفق تقديراتها. المتحدثون ركزوا على العدوان من حيث التوقيت والرسائل التي تضمنها ، ومدى إرتباطه بما تشهده الساحة العربية من تغيرات، وطالبوا بضرورة تعزيز الشعور القومي السوداني، وأهمية الشراكة بين الدولة والمجتمع في صون الأمن القومي وتراب الوطن وأجوائه ومياهه، وتحصين الجبهة الداخلية من أية محاولات إختراق وحسن إدارة الوجود الأجنبي بالبلاد. ونادت الندوة بأن تبادر الحكومة بإقامة منظومة جديدة تُعيد للبحر الأحمر هويته العربية عبر تعظيم العلاقات القائمة بين الدول المطلة عليه، وتعزيز المصالح الإقتصادية والسياسية والأمنية والإستراتيجية بما يصون أمنها القومي من أية اختراقات. فك الحصار عن غزة أصبح قناعة تتوسع يوماً بعد يوم لدى الشعوب بما فيها غير العربية، ويتزامن هذا مع رؤية جديدة لمصر ما بعد مبارك لمجمل السياسات المصرية القديمة، والشاهد أن وزير الخارجية أكد أن الحصار ظالم ويجب ان يرفع، وأن العلاقات الثنائية بين مصر وعدد من الدول العربية يجب ان تُراجع بما يعزز المصالح المشتركة لاسيما إيران، الحوار السوداني الأمريكي وقد بلغ شوطاً في سبيل رفع إسمه من الدول الراعية للإرهاب .. القصف إستهدف إعاقة كل هذا.