الاقتصاد السوداني يواجه تحدياً فرضته عليه نتيجة استفتاء الجنوب في يناير الماضي والذي توقع له البعض أن يلقي بظلال سالبة على الاقتصاد السوداني في الشمال، بينما تفاءل الخبراء والمختصون بأن فقدان عائد بترول الجنوب بعد الانفصال سوف يفتح المجال لاستغلال الموارد الزراعية والصناعية بالإضافة إلى التنقيب عن المعادن والاتجاه للاستثمار ووضع سياسات اقتصادية جيدة عقب الانفصال، وفي هذا الاتجاه كشف الدكتور بابكر محمد توم رئيس اللجنة الاقتصادية والمالية بالمجلس الوطني(البرلمان) عن توجهات وزارة المالية لإعداد موازنة استثنائية خاصة بالفترة من يوليو وحتى ديسمبر القادم وفق برنامج محدد متوسط المدى يرتكز على الترشيد الكامل في الصرف والزيادة في الايرادات وتوجيه الموارد نحو البنيات الأساسية والنهضة الزراعية والاحتياجات الخدمية من مياه وصحة وتعليم. معالجة خلل التوازن الداخلى والخارجي: وأوضح دكتور بابكر أن السودان يعالج الان مشاكل وخلل في التوازن الداخلي والخارجي من خلال خفض الانفاق والتركيز على زيادة الايرادات ومحاربة التضخم وزيادة الصادرات غير البترولية مع تشجيع الاستثمار وبهذا يمكن تجاوز فقدان بترول الجنوب دون إحداث أي خلل في الموازنة. أما في جانب زيادة الصادرات الغير بترولية فيجري العمل وفق رؤية محددة لزيادتها وتنوعها حيث بدأ دخول الذهب في صادرات هذا العام بالرغم من أنه بدأ بصورة غير منظمة (عشوائياً) إلا أنه حقق ايرادات مقدرة يمكن أن تصل في نهاية هذا العام إلى قرابة ملياري دولار تقريباً إضافة إلى زيادة حصيلة الصادرات الزراعية والحيوانية. لابد من الخروج باقل الخسائر: واتفق الأستاذ أحمد محمد عبد الله الخبير الاقتصادي رئيس لجنة الشؤون المالية والتنمية الاقتصادية بتشريعي الخرطوم مع ماجاء فى حديث د. بابكر محمد توم إلا أنه شدد على ضرورة التجهيز لمرحلة ما بعد الانفصال والخروج من هذه المرحلة بأقل الخسائر الممكنة وذكر أن الاقتصاد في شمال السودان لن تواجهه مشاكل بعد الانفصال وسيستمر في انفتاحه على الدول الخارجية تجارياً استيراداً وتصديراً. وأوضح أن الحدود والموانئ لن تتأثر كثيراً وأن أكثر الأشياء التي يمكن أن يظهر فيها تأثير الانفصال اقتصادياً هو الجانب المتعلق بالبترول لأن نصيب الشمال من البترول لن يكون بنفس النسبة قبل الانفصال. وعن تناقص نسبة البترول فيمكن تقليلها بالاكتشافات الجديدة مع العلم أن شمال السودان لديه معامل التكرير وميناء التصدير وبهذا لن يكون هناك تأثير يذكر وعليه سيتم التركيز في المرحلة المقبلة على التعدين حيث تم استخراج كميات لا بأس بها من الذهب وضح تأثيرها جلياً في الميزان الاقتصادي. أيضاً من الجوانب التي تم التركيز عليها التوسع في الرقع الزراعية حيث بذلت مجهودات كبيرة للمشاركة في عدد من مشاريع يمكنها أن تكون بديلاً اقتصادياً جيداً أما الجوانب الزراعية الأخرى فسوف يتم التركيز على محصولات الصادر كالمحصولات الزيتية مثل السمسم والفول وغيرها من الحبوب الزيتية. من المحتمل حدوث تقلبات اقتصادية: الدكتور سعد عبد الله سيد أحمد أستاذ الاقتصاد بجامعة النيلين اعرب عن اعتقاده باحتمال حدوث تقلبات اقتصادية نتيجة لحدوث تغيرات ذات تراكيب معقدة بفعل عوامل داخلية وخارجية يمكن أن تؤثر في أداء الاقتصاد السوداني في الفترة القادمة، لذا يجب أن تركز السياسات الاقتصادية في المقام الأول على ايجاد حلول لكل المشاكل الاقتصادية الناتجة عن انفصال الجنوب وفقدان مورد البترول والذي كان مورداً اساسياً في تمويل الموازنة العامة، لذا لابد من بناء نموذج بديل نتيجة لفشل نموذج وحدة السودان الشمالي وجنوب السودان في تحقيق الرفاهية. وعليه لابد من تحقيق استدامة السلام ومواصلة الجهود التي بدأت من قبل الحكومة في هذا الجانب من خلال توفير الموارد المالية لصناديق الاعمار والتنمية لولايات الشرق ودارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان بالإضافة إلى الاستفادة من المبادرات العربية الخاصة بتقديم المساعدة للسودان من قبل دولة قطر وإنشاء بنك تنمية وإعمار دارفور ودولة الكويت (صندوق اعمار الشرق) ومجهودات الجامعة العربية في توفير نسبة مقدرة من العون المالي والإنساني والإعلامي. كبح جماح التضخم: أما عن السياسات الاقتصادية فقال لابد من تحقيق استدامة النمو المتوازن واستكمال المشروعات الاقتصادية الإستراتيجية ذات الأولية القصوى وتخفيض عجز الموازنة العامة للدولة وامتصاص السيولة لكبح جماح التضخم وتوفير الموارد الحكومية اللازمة لتنفيذ مشروعات البنية التحتية المساعدة لانطلاق الاقتصاد القومي، مع مواصلة سياسات التحرير الاقتصادي والتكّّيف الهيكلي بالإضافة إلى تحريك قطاعات الإنتاج (القطاع الزراعي والصناعي) ورفع الإنتاج والإنتاجية فيها، والاستمرار في مشروعات البنية التحتية والطاقة وتشجيع الاستثمارات الأجنبية والوطنية للدخول في استثمارات في القطاعات التي تساعد في بناء الطاقة الإنتاجية بالبلاد في القطاع الزراعي والصناعي في مجالات الأسمنت والحديد وزيادة عمليات الاستكشاف والإنتاج للبترول وإنتاج الذهب والمعادن الأخرى ومعالجة المشاكل التي تعترض تدفق الاستثمارات الأجنبية. أيضاً من السياسات الاقتصادية التي يجب اتباعها، اتخاذ الإجراءات والقرارات اللازمة والضرورية لتنظيم تجارة الذهب ومنع عمليات تهريبه إلى الخارج وتفعيل الشراكات الإستراتيجية مع شركاء في مجال استكشاف وإنتاج البترول والغاز الطبيعي والمشروعات المشتركة في مجال الزراعة والتصنيع الزراعي مع الصين وماليزيا ومصر والشركاء المحليين بالإضافة إلى الاستفادة من العلاقات المتميزة بين السودان والصناديق والبنوك العربية في تمويل مشروعات التنمية الاقتصادية والعمل على تشجيع نمو قطاع الاعمال الخاص للعمل على زيادة حجم الإنفاق والاستثمار وزيادة رأسمال الشركات التي يتم استخصاصها بهدف تحريك جهود القطاعات الاقتصادية المختلفة مع تنشيط قطاع السياحة ومعالجة مشكلات الاقتصاد كالبطالة والفقر. نمو الناتج المحلي الاجمالي: أما عن السياسات النقدية فيمكن تحقيق معدل نمو حقيقي في الناتج المحلي الإجمالي مع تقليل العجز في ميزان المدفوعات من خلال تشجيع وترقية الصادرات السودانية الزراعية والصناعية وترشيد الاستيراد ومعالجة مشكلة الارتفاع في المستوى العام للأسعار (التضخم) وتحقيق استقرار سعر الصرف وتوفير النقد الاجنبي ومعالجة الخلل في سياسات النقد الأجنبي مع الاتجاه لزيادة الصادرات البترولية وغير البترولية والاستفادة من أجر ترحيل بترول الجنوب وتصفيته في الشمال إضافة إلى ذلك معالجة المشكلات المتعلقة بالإنتاج والتصدير لسلع الصادر حتى تتمكن من المنافسة عالمياً مع ضرورة التنويع في الصادرات السودانية وفتح أسواق جديدة. السياسات المصرفيه: بالنسبة للسياسات المصرفية فتتمثل في الدور الذي يمكن أن تلعبه البنوك السودانية في التوسع في برامجها وخططها بالتنسيق مع بنك السودان ووزارة المالية وتوفيق أوضاع البنوك وفق المعايير العالمية ووفق متطلبات قانون العمل المصرفي ورفع كفاءة الجهاز المصرفي من خلال رفع الحد الأدنى لرأس المال المدفوع للبنوك السودانية وتحقيق الاستقرار المالي من خلال تفعيل أدوات الرقابة والإشراف مع ضرورة أن يقوم بنك السودان بدوره في تكثيف الرقابة والإشراف على البنوك السودانية بالإضافة إلى تطوير نظم الدفع الالكترونية والتقنية وتشجيع قيام المحافظ التمويلية وتطويرها وتحديد اشتراطات كمية ونوعية للتمويل القطاعي وذلك لتوفير الاحتياجات التمويلية اللازمة للقطاعات ذات الأولوية وتحديد ضوابط التمويل بما يؤمن سلامة وفعالية استخدام الموارد والتركيز على معالجة الديون المتعثرة لدى المصارف. ومن اهم السياسات الاقتصادية التي يجب اتباعها فتتمثل في السياسات المالية حيث يجب زيادة الايرادات بتوسيع المظلة الضريبية وإزالة التشوهات في تطبيق قانون الضريبة على القيمة المضافة وبمزيد من الإنتاج النفطي وإنتاج الذهب والإنتاج الزراعي والصناعي لمعالجة العجز المتوقع في الموازنة العامة نتيجة الانخفاض المتوقع في ايرادات الحكومة الاتحادية والعمل على تحقيق العدالة في توزيع الدخل والثروة قطاعياً وجغرافياً مع العمل على تلبية احتياجات المواطنين والعمل على رفع مستوى معيشتهم وتفعيل برامج التمويل الأصغر وفي مشروعات دعم الفقراء والخريجين والطلاب والاهتمام بالموارد البشرية وبناء القدرات وأخيراً ترشيد الانفاق ومحاربة الفساد المالي والاعتداء على المال العام.