تقرير: آخر لحظة حينما دخل الحوار السوداني الأمريكي أمس المنطقة الدافئة حزم أعضاء مجلس الأمن الدولي حقائبهم وتوجهوا للخرطوم لعقد جلسة لأعضاء المجلس تم وصفها بالعادية ولم تحدد سكرتارية المجلس بصفة قاطعة الأجندة التي يتم بحثها في الخرطوم، بيد أن المندوب البريطاني في مجلس الأمن قال إن قضيتي دارفور وتطبيق وإنفاذ إتفاقية السلام تأتي على رأس الأجندة والقضايا التي يتناولها مجلس الأمن أثناء عقد جلسته بالخرطوم، التي يلتقي خلالها بالمسؤولين في الحكومة وقيادات المؤتمر الوطني والحركة الشعبية. وقبل يوم من وصول أعضاء مجلس الأمن فتحت الخرطوم وواشنطون (ملفات) الخلافات بين البلدين التي تم تداولها في منطقة محايدة قبل شهر من الآن، حيث شهدت العاصمة الإيطالية (روما) إجتماعات لمسؤولين في الحكومتين الأمريكية والسودانية وتفاجأ المراقبون بحدوث إختراق في الجدار العازل بين العاصمتين بإطلاق سراح الولاياتالمتحدةالأمريكية لاثنين من المعتقلين في الجزيرة الكوبية غوانتنامو، هما المصور والصحافي سامي الحاج وأمير يعقوب ثم سمحت الإدارة الامريكية بفتح حساب مصرفي للسفارة السودانية في واشنطون مع قطعة أرض لتبني عليها مقرها الجديد وخففت الإدارة الأمريكية من قيودها على أعضاء البعثة الدبلوماسية للخرطوم بعد عزلها في كيلومترات محددة، وضعت البعثة فيما يشبه السجن بلا قيود وسلاسل واتخذت الخرطوم قراراً بالإفراج عن (10) حاويات كانت محتجزة في ميناء بورتسودان منذ ثلاثة أشهر. ونشط المبعوث الأمريكي ريتشارد وليامسون في لقاء أطراف في المعادلة السودانية شملت معارضين للحكومة د. حسن الترابي وشركاء في حكومة الوحدة الوطنية سلفاكير ميار ديت النائب الأول لرئيس الجمهورية ودينق ألور الذي إلتقى بالمبعوث الأمريكي بوزارة الخارجية بقبعتي الوزارة والحركة الشعبية معاً، رغم إعلان الحركة الشعبية عن تجميد مشاركة وزرائها في الحوار السوداني الأمريكي كرسالة إحتجاجية على ما حدث في أبيي من صدام مسلح بين القوات المسلحة وقوات الجيش الشعبي بسبب مشاحنة بين جندي يتبع للجيش القومي ودورية تفتيش للحركة الشعبية أدى لإحراق بلدة أبيي وتهجير سكانها في أول صدام عسكري بين الشريكين منذ توقيع إتفاقية السلام عام 2005م في نيفاشا وأول قصف تتعرض له بلدة أبيي منذ نشوب النزاع بين الجنوب والشمال عام 1983م. وعلى طاولة مستديرة عقد المبعوث الأمريكي وليامسون لقاء بالدكتور نافع علي نافع مساعد رئيس الجمهورية، الذي يمثل ثقلاً في الحكومة والمؤتمر الوطني وهو على صلة وثيقة جداً بملف العلاقات السودانية الأمريكية، حيث قاد الشهر الماضي الوفد الذي فاوض الأمريكيين في روما وفتح معهم أبواب التسويات التي إتخذت منحى (القوائم)، فالمطلوبات الأمريكية لتحسين العلاقات تشمل تسوية أزمة دارفور وتسهيل مهمة إنتشار القوات الهجين بالإقليم والحد من أية قيود حكومية على مراقبي حقوق الإنسان والعاملين في حقل الإغاثة وناشطي المنظمات الدولية والتطبيق لبنود المصالحة وإرساء النظام التعددي الديمقراطي وحل أزمة أبيي وترسيم الحدود، والقائمة التي يضعها الدكتور نافع علي نافع والمسؤولون في الحكومة السودانية على قمة المطلوبات من واشنطون تشكل رفع الحظر الإقتصادي المفروض جزئياً على شمال البلاد والمرفوع عن جنوب البلاد وجبال النوبة والنيل الأزرق كأول ظاهرة في تاريخ العلاقات الدولية أن تفرض دولة عقوبات على نصف دولة وتترك النصف الآخر حراً بلا قيود. والمطلب الثاني للخرطوم هو شطب اسمها من لائحة أمريكية تصنفها كواحدة من الدول الراعية والداعمة للإرهاب في العالم.. والمطلب الثالث أن تزيح الولاياتالمتحدةالأمريكية كتلاً (أسمنتية) وضعتها أمام الحكومة السودانية للحيلولة دون انضمام الخرطوم لمنظمة التجارة الدولية. وتشعر الحكومة السودانية بأن الضغوط الأمريكية والعقوبات غير مبررة وفوق طاقة إحتمالها وأن صبرها الذي طال أخذ في النفاذ بعد أن تبددت إلتزامات أمريكية عديدة برفع العقوبات في حال توصلها لاتفاق مع الجنوبيين ودارفور، إلا أن أمريكا رغم تنفيذ الخرطوم لأهم شروطها لا تزال ترفع العصا في وجهها!! وقبل أن يبلغ الحوار بين الخرطوم وواشنطون محطته الأخيرة في هذه الجولة، حينما يلتقي المبعوث الأمريكي بالرئيس عمر البشير.. فإن الخرطوم تفاجأت بإعلان مجلس الأمن عقد جلسته يوم غدٍ الثلاثاء في الخرطوم لبحث قضايا لم يعلنها بشكل كافٍ، قالت الحكومة السودانية إن جلسة خمسة عشر من أعضاء مجلس الأمن بالخرطوم مسألة عادية، لكن الذي قاله رئيس مجلس الأمن الدولي هذا الشهر في مؤتمر صحافي بنيويورك من أن زيارة الوفد للسودان لن تركز فقط على الأوضاع بإقليم دارفور وإنما أيضاً الوضع في الجنوب ودعم اتفاق السلام هناك. وأضاف: (أعتقد إن من الضروري عمل شيء ممكن للإبقاء على عملية السلام في مسارها الصحيح). وقبل أن يتوجه أعضاء مجلس الأمن لإكمال مسار رحلة لدول أغلبها تعيش الحرب هي تشاد والصومال وأفريقيا الوسطى فإن أعضاء ورئيس مجلس الأمن يبحثون ملفات دارفور وأبيي، وهي ملفات مأزومة غطاها الغبار الناعم.. وفيما ترتبط قضية دارفور بالوضع الأمني في كل من تشاد وأفريقيا الوسطى فإن قضية أبيي تمثل القنبلة التي تتفجر يومياً على طريق قطار الشراكة بين الشمال والجنوب.. وفي مثل هذه الأيام من العام الماضي كان مجلس الأمن بكامل عضويته يفاوض الحكومة السودانية، وهو منعقد بالخرطوم للقبول بالقوات الهجين كبديل لقوات الإتحاد الأفريقي التي إعتبرها المجتمع الدولي غير قادرة على حماية المدنيين في دارفور ولا تملك التأهيل الذي يجعلها تلعب دوراً في الإقليم وسعى لإبدالها بالقوات الهجين، بيد أن الهجين التي تمثل ثمرة حل وسط ما بين مطالب الأممالمتحدة بنشر قوات دولية في الإقليم مقابل رفض حكومي وتمسك بقوات الإتحاد الأفريقي لم تحقق الهجين على الأرض أية نجاحات بجهة تحسين الوضع الأمني والحيلولة دون تجدد النزاعات.. وقال عثمان يوسف كبر والي شمال دارفور إن أداء القوات الأفريقية التي رحلت من الإقليم كان أفضل من الهجين وتوقع أن تتفاقم الأوضاع للاسوأ في حال دخول قوات دولية لدارفور. وينظر مجلس الأمن للأوضاع في دارفور بأنها مهدد لاستقرار دول مثل تشاد وأفريقيا الوسطى وقد أدان مجلس الأمن عملية الهجوم التي نفذتها مليشيات الإسلامي المنشق د. خليل إبراهيم على العاصمة الخرطوم في ذات يوم الهجوم في العاشر من مايو الماضي، إلا أن المجلس يشعر بالقلق الجدي إزاء تبادل الإتهامات بين السودان وتشاد ويسعى لكبح جماح الإنفلات الشامل في المنطقة، فهل أجندة مجلس الأمن وانعقاده بالعاصمة الخرطوم له علاقة طردية بالحوار السوداني الأمريكي وأن الإدارة الأمريكية تستغل الخيط السميك والحبال التي تشدها لمجلس الأمن (لتضغط) على الخرطوم من خلال آلية دولية لإرغامها على تقديم تنازلات على طاولة الحوار السوداني الأمريكي أم الصدفة وحدها جمعت بين أعضاء مجلس الأمن في الخرطوم وفريق الدبلوماسية الذي يقوده وليامسون، ولكل من مجلس الأمن أجندته ولأمريكا طريقتها في التفاوض؟ الملف المشترك الذي يلتقي عنده أعضاء مجلس الأمن وفريق التفاوض الأمريكي يتمثل في قضية أبيي وغير بعيد من الإدارة الأمريكية ومجلس الأمن أن أصابع نافذة في الأممالمتحدة هي التي حركت بوصلة المؤسسات الدولية والدول الكبرى نحو مشكلة قرية أبيي، التي يعتبرها دبلوماسي نافذ في الأممالمتحدة وأحد أبناء ناظر الدينكا نقوك (البروفيسور فرانسيس دينق مجوك) بمثابة الأرض المقدسة له ولقيادات جنوبية من المنطقة وتأذى بروفيسور دينق مجوك من مناظر إحتراق قطاطي شيدت من العشب الجاف وتعرضت لوابل من الرصاص والقذائف أحالها (لكومة) رماد تذروه الرياح الخريفية الباردة التي تهب من الجنوب. وينتظر أن تتضح أجندة أعضاء مجلس الأمن بصورة أكثر وضوحاً اليوم الاثنين والثلاثاء ولكن الحوار الأمريكي يتطاول إلى الأسبوع القادم.. فهل تفتح إجتماعات مجلس الأمن واجتماعات المبعوث الأمريكي مع المسؤولين السودانيين آفاق حلول لقضيتي أبيي ودارفور معاً أم تظل الأوضاع تراوح مكانها؟.