فك الارتباط.. لاحظ مراقبون في الآونة الأخيرة علو نبرة التحدي والثقة من قبل قيادات الحركة الشعبية قطاع الشمال بالقول إن وجود الحركة الشعبية في الشمال هو أمر طبيعي ولن يتأثر بانفصال الجنوب، وذلك رداً على الأصوات التي تعالت مطالبة بحظر الحركة الشعبية بعد انفصال الجنوب وأنها – أي الحركة الشعبية – تتحمل مسؤولية ذلك وما كان أن يتم الانفصال لولا تبني الحركة الشعبية خيار الانفصال وتعبئة الناس عليه. ولم يقف هذا التوتر الذي يسيطر على قيادات الحركة الشعبية قطاع الشمال على إطلاق التصريحات وتعداه إلى تبني تكتيكات عملية سياسية تصب في اتجاه تحريك الجماهير وإيغار صدور الناس تجاه المؤتمر الوطني وتحميله مسؤولية انفصال الجنوب والتأزم الاقتصادي والسياسي بالبلاد وتصدي الحركة الشعبية لكافة التحركات المطلبية المشروعة، وأضفى صيغة سياسية عليها من استغلال أزمة قطوعات المياه المحدودة بولاية الخرطوم إلى مسألة مشروع الجزيرة والنزاع بين الإدارة والمزارعين إلى الانتخابات التكميلية بجنوب كردفان إلى أزمة دارفور إلى ممانعة قيادات الحركة عزم الإدارة الأمريكية التفاوض مع الحكومة السودانية تمهيداً لحل القضايا العالقة بين البلدين خاصة رفع العقوبات الاقتصادية عن السودان فضلاً عن إطلاق التصريحات وإصدار البيانات عند كل صغيرة وكبيرة ، ولمواجهة الحقائق الجديدة بالشمال عقد المكتب السياسي للحركةاجتماعا في فبراير 2011م تناول فيه أجندة متعددة منها فك الارتباط بين الحركة الشعبية الأم بالجنوب وقطاع الشمال ليكونا كيانين في دولتين منفصلتين. وتقرر أيضاً تكوين لجنة قيادية لإعادة تنظيم قطاع الشمال وتحويله إلى حزب سياسي يرأسه مالك عقار وعبد العزيز الحلو نائباً له فيما ياسر عرمان أميناً عاماً له إلى حين قيام المؤتمر العام للحركة واعتماد هياكل تنظيمية، ومكتب سياسي، ومجلس تحرير، على أن يكون الموعد النهائي لفك الارتباط في الثامن من يوليو كحد اقصى. كما عقدت القيادة الانتقالية للحركة الشعبية في الشمال اجتماعها الأول في مارس 2011م وأوكلت إلى د. الواثق كمير رئاسة لجنة أطلق عليها "لجنة الرؤية والبرنامج" ومهمتها البحث في مسألة إعادة صياغة برنامج (السودان الجديد) وآلياته التنظيمية مع الأخذ في الاعتبار التغييرات والمعطيات الجديدة على الساحة السياسية. ويرى البعض أن السواد الاعظم من قطاع الشمال هم مواطنون شماليون اختاروا طريقاً سياسياً وصل إلى نهاياته وإذا ما أرادوا الاستمرار في محاولات إحياء هذا المشروع فلا ضير في ذلك فالقوانين السائدة تكفل ذلك. وفي المقابل هناك الرؤية التي تقول إن الحركة الشعبية تدثرت في ثياب الوحدة ورفعت شعارات (السودان الجديد) وإزالة التهميش لأجل بلوغ أهداف محددة ولما فشلت في ذلك ركنت إلى خيار الانفصال وتأسيس دولة جديدة فليس من حقها وحق من شايعها في الماضي أن يستمروا بنفس البرنامج والشعارات والكيان التنظيمي في الشمال ما دام الحركة الشعبية اختارت الانفصال. حصان طروادة.. ينظر مراقبون إلى الحركة الشعبية بالشمال على أنها الرهان الجديد للغرب انطلاقاً من رؤية تحكم نظرة الغرب تجاه الصراع السياسي في السودان وترى في الأحزاب الشمالية أنها تختلف عن المؤتمر الوطني - وسياساته الإسلامية والعربية - اختلافاً جوهرياً. وبالتالي فإن القوى السياسية التي يجب التركيز عليها والعمل على دعمها وتقويتها وتمكينها من الموارد والقوة حتى تتغلب على المصاعب التي تواجهها وتكون البديل الناجع عبر مشروع (السودان الجديد) العلماني الأفريقاني والذي يفتح نافذة على جدار السياسة السودانية تنفذ من خلاله حركات الهامش وهو ما يمكن المغامرة بالرهان عليه مجدداً من وجهة نظر غربية. وفي الأسبوع الماضي قال الآن قولتي السفير البريطاني الأسبق بالخرطوم الذي شارك في المفاوضات التي أدت إلى سلام نيفاشا 2005م والذي يعمل الآن باحثاً بمركز وودرويلسون بواشنطن وهو يجيب على سؤال عن مدى قدرة القوى السياسية القديمة على إقامة تحالف مدني جديد هل يعد خياراً واقعياً؟ فأجاب بأن الأحزاب القديمة هي أشباح من الماضي لقد كانت لديها فرص عديدة لتحكم السودان جيداً وفشلت في القيام بذلك إذ منيت بالفشل الذريع، وأنها – أي الأحزاب الشمالية القديمة – تفتقر إلى الثقة والموارد اللازمة، لذلك ليست ثمة ما يمكن أن يؤمل من هذا الجانب. ما بين السطور يلاحظ المراقبون أن قولتي قد تحدث عن القوى السياسية القديمة وعن أن ليست ثمة ما يؤمل في هذا الجانب أي الرهان على هذه القوى القديمة إذاً لابد من البحث عن قوى جديدة وهذه القوى الجديدة من وجهة نظر الخبراء الغربيين هي الحركة الشعبية ومشروعها (السودان الجديد). لذا يلاحظ أن قيادات قطاع الشمال انتقلت من الدفاع عن مشروعية وجودها في الشمال بعد التاسع من يوليو القادم إلى الحديث عن ترتيبات دستورية جديدة. وفي مايو الماضي قال مالك عقار رئيس الحركة الشعبية بالشمال ووالي النيل الأزرق، أن موعد التاسع من يوليو القادم يجب أن يكون بداية جديدة لاتفاقية السلام الشامل في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان للوصول إلى سلام دائم وليست نهاية الفترة الانتقالية واتفاقية السلام الشامل وأنه لابد من الوصول إلى ترتيبات أمنية جديدة في المنطقتين ، واعتبر ذلك أمر لابد منه ولا بديل له. كما تحدث عن ما أسماه بالمؤتمر الدستوري كإطار لمناقشة قضايا الدستور والحكم، وأن السؤال الذي يجب أن يطرح هو كيف يحكم السودان؟ وليس من يحكم السودان؟ كما يلاحظ المهتمون بالأوضاع السياسية بالبلاد أن الحركة الشعبية قطاع الشمال قد زادت من وتيرة تحركاتها الداخلية والخارجية وعقب ظهور نتيجة الاستفتاء على مصير جنوب السودان وحصول خيار الانفصال على نسبة 98% سافر كل من مالك عقار وياسر عرمان وآخرين من قيادات قطاع الشمال إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية والتقوا ضمن جولتهم تلك المسؤولين الأمريكيين واللوبيات وجماعات الضغط المهتمة بالسودان فضلاً عن الجالية السودانية. وعلى المستوى الداخلي يلاحظ المتابعين أن الحركة الشعبية تعمل على تصدر المشهد السياسي ومزاحمة القوى (القديمة) واستتباعها، ويدفعها إلى ذلك أمور عدة منها أولاً التغطية على الفشل في تحقيق مشروع السودان الجديد في كل السودان والذي انتهى بانفصال الجنوب والزعم أن السبب في ذلك هو سياسات المركز التي دفعت الجنوبيين إلى خيار الانفصال كما يردد عرمان ، وثانيهما القول إن مشروع السودان الجديد لا يزال صالحاً لمخاطبة جذور الأزمات المتبقية في الشمال، وثالثا تسجيل المبادرة وقصب السبق على بقية القوى السياسية لإثبات عجزها وأنها رضيت بقيادة الحركة الشعبية ما يضفي شرعية سياسية عليها لتتحدث باسم هذه القوى ومحاولة فرض أجندة سياسية معينة في ترتيبات ما بعد الانفصال، ويعمل قادة قطاع الشمال على انتهاز فرصة التطورات الإقليمية والثورات الشعبية في المنطقة العربية والنفخ فى التحركات المطلبية وتضخيمها واستغلالها سياسياً وظهرت تكتيكات الحركة الشعبية في استغلال القضايا المطلبية المحلية وتحبيذ إبقاء الضغوط والتدخلات الخارجية قدر المستطاع باسم الشرعية الدولية. مُداراة الفشل.. ويركّز خطاب الحركة الشعبية على موقف مؤداه أن الاختلال في علاقة المركز بالهامش وما ينجم عنها من حالة التهميش الذي دفع الجنوبيين نحو اختيار الانفصال ، هو ما يدفع مهمشو الشمال إلى البحث عن حلول تعالج هذه الوضعية – أي التهميش– والذى يعتبر أصل الأزمات التاريخية في السودان. وفي إطار تكتيكات إثبات الوجود التي تتبعها الحركة الشعبية بالشمال دشنت سلسلة من فعاليات الاحتفال بمناسبة مرور (28) عاماً على تأسيسها وخاطب ياسر عرمان جماهير بورتسودان قائلاً: (إن الحركة الشعبية سوف تظل حركة للمحرومين ومهمشي الريف وفقراء المدن). ويلاحظ المراقبون أن خطاب الحركة الشعبية يعمل على التبروء من تهمة العمل على انفصال الجنوب التي تلاحق الحركة وفي الوقت نفسه القول إن مشروع السودان هو المشروع الصالح ، وإن فشل. ويتمسك قادة قطاع الشمال بلهجة اعتذارية تقول إن استمرار القطاع في العمل بنفس المشروع والسياسات والمسمى من شأن ذلك أن يكون جسر للتواصل بين الدولتين وكذلك يكون بمثابة قوى دافعة لإعادة توحيد البلدين مستقبلاً.