وجاءت فكرة تأسيس القوات بين البلدين في 2003 بعد اندلاع التمرد في دارفور وازدياد وتيرة العنف الذي نجم عنه تدفق موجات من النازحين واللاجئين على جانبي الحدود بينهما وفرض ذلك عليهما مقابلة الأوضاع الناتجة عن النزاع الذي ازدادت رقعته وأخذ أبعاداً دولية عرض أمن كلا البلدين إلى خطر التدخل الخارجي ووقع الطرفان برتكول تشكيل القوات المشتركة في يناير 2005، بعد فترة توتر شابت علاقات البلدين ثم تم تنشيط البرتوكول في أبريل 2011 وبدأت القوات ب(500) فرد ثم زيد العدد إلى (1000) وفق تصريحات أدلى بها الناطق الرسمي باسم الجيش السوداني العقيد الصوارمي خالد سعد في المنتدى الذي نظمه المركز السوداني للخدمات الصحفية (smc) في مايو الماضي. وخلال الفترة الماضية لعبت القوات المشتركة دوراً فعالاً في إرساء الأمن والاستقرار ومحاربة عصابات التهريب والمجرمين وحركات التمرد التي تنشر العنف بين البلدين ولم يقتصر دورها فقط في الشق الأمني وإنما تعداه إلى لعب دور تنموي في المنطقة الحدودية حيث أشرفت على مشروعات العودة الطوعية التي انتظمت المتأثرين من مواطني البلدين بعد أن وقعا على برنامج ثلاثي ضم إلى جانبهما منظمة الهجرة الدولية في 27 يوليو 2010 عاد بموجبه زهاء ال(144) ألف لاجيء سوداني إلى بلدهم. تجربة إقليمية يبدو أن السودان وتشاد عاقدان العزم على إنجاح التجربة وتسييجها بكل ما يحول دون ارتكاس التجربة لتقديمها إلى الجوار الإقليمي باعتبارها نموذجاً يحتذى بين دول المنطقة في إطار عمليات التكامل. ووضع البلدان إطاراً مؤسسياً يضمن استمرارية التجربة في أداء رسالتها ومؤتمراً دورياً انعقد حتى الآن مرتين لتقييم التجربة حيث كونت القوات المشتركة بينهما من (1500) عنصر من جيشي البلدين و(180) عنصراً من الشرطة وتعمل في (12) نقطة حدودية على جانبي الحدود التي يبلغ طولها حوالي (1000) كيلو متر، فضلاً عن وجود (26) من المراقبين يتم تبادل قيادة القوات ومركزها كل (6) أشهر. ويرى مراقون أن تلك الصيغة القائمة على التساوي في التمثيل وسلطة اتخاذ القرارات وتولي المسؤوليات وأداء المهام تزيد من عوامل نجاح التجربة لأنها توفر الثقة بين الطرفين كما أنها في ذات الوقت تمثل تجربة إقليمية فعالة يمكن تطويرها إذا ما توفرت الإرادة السياسية لدى بقية قادة المنطقة إطاراً تكاملية على غرار تجارب التكامل الإقليمية التي باتت تشكل الآن إحدى حقائق القرن الحادي والعشرين. عواقب الفشل ويرى خبراء وأكاديميون في العلاقات الدولية أن وتيرة عولمة العالم قد اضعفت نموذج الدولة الوطنية والتي هي أصلاً نتاج للتجربة الاستعمارية أولاً: ولدت الكثير من الدول ولادة شائهة مما جعل الدولة القطرية تتداعى بسبب العوامل الداخلية مثل الفشل في بناء مجمتع ودولة حديثين يكتب لها الاستمرارية والنجاح وكان حصيلة ذلك نموذج (الدولة الفاشلة) التي يقع عبء تحمل وزر أخطائها على العالم المتمدن وثانياً: العولمة التي جعلت من العالم قرية صغيرة حملت أيضاً عوامل إضعاف الدول الوطنية الهشة أصلاً وقوت من منظمات المجتمع العابرة للحدود الوطنية وفجرت الشعور الديني والإثني والعرقي مما زاد من أزمة الدول الوطنية وفي ذات الوقت أتاحت عملية عولمة العالم إمكانية التكامل الإقليمي بين دول العالم إذا ما توفر لدى قادتها العقلانية والإرادة السياسية. الإقليمية الجديدة وينظر كثيرون اليوم إلى تجارب التكافل الاقليمي الناجحة التي استطاعت من خلالها الدول الوطنية تحقيق النجاح بدلاً عن الفشل والاستقلال بدلاً عن التعبية وتعد تجارب (الآسيان) و(ميركوسور) و(تجمع دول شنغهاي) و(النافتا) و(الاتحاد الأوربي)...الخ، أعظم تجليات مفهوم الإقليمية الجديدة الذي يمكن الدول من بناء علاقات بينهما قائمة على المصالح والمنافع المتبادلة وتكامل الجهود وتبادل الخبرات لبناء اقصاديات ذات قدرة تنافسية والانتفاع من الموارد البشرية والطبيعية التي تذخر بها بدلاً عن تبديدها بالحروب وبسبب البعض فإن تجربة القوات المشتركة بين تشاد والسودان والتي تبشر حتى الآن بالنجاح المثمر مدخل التكامل خاصة وأن الطرفين قد أدركا أن خيار التكامل بينهما هو الأفضل من بقية الخيارات التي كان قد خبراها في السنوات الماضية ولم تؤد إلا إلى تبديد جهودهما في ما لا ينفع شعبيهما والنجاح في تجربة القوات المشتركة هو ما حفز دولة أفريقيا الوسطى على الانضمام إليها بالتوقيع على البرتكول الثلاثي بالخرطوم في الثالث والعشرين من مايو الماضي والذي جاء فيه أن هدف القوات المشتركة على حدود الدول الثلاث والتي يبلغ طولها حوالي (1500) كيلومتر هو حماية الحدود المشتركة بينها وإحكام التنسيق الثلاثي للسيطرة على عمليات التهريب ومكافحة الجريمة العابرة للحدود. إرادة القادة وقال الرئيس البشير في القمة الثلاثية التي جمعته مع رئيسي تشاد وأفريقيا التي عقدت بالخرطوم في مايو الماضي حسبما نقلته وكالة (شينخوا) إن النجاحات التي حققتها القوات المشتركة على حدود الدول الثلاث تؤكد أهمية التنسيق الأمني وتعزيز التعاون على الشريط الحدودي لمنع أنشطة المتفلتين وتحجيم تهريب السلاح من الدول المجاورة وفي ذات القمة تحدث الرئيس الشادي إدريس دبي قائلاً: إن عوامل الجغرافيا والمصير المشترك تحتم على الدول الثلاث العمل سوياً من أجل مستقبل أفضل لشعوبها. ولم يخرج حديث رئيس أفريقيا الوسطى فرانسوا بوازييه في القمة عن ذات الإطار المثمن لتجربة القوات المشتركة. البيئة الإقليمية حتى قبل اندلاع العنف والتمرد عبر الحدود وبين أفريقيا الوسطى وتشاد والسودان في السنوات الأخيرة كانت المنطقة محل صراع بين القوى الكبرى وفي بحث نشره البروفيسور حسن حاج علي أستاذ العلاقات الدولية وعميد كلية الاقتصاد بجامعة الخرطوم في 2009 بعنوان (أكبر من دارفور: الأمن الإقليمي للسودان على حدوده العربية) يقول فيه إن منطقة غرب السودان من حيث الأمن مع كل من تشاد وليبيا وأفريقيا الوسطى منذ الحرب الباردة وأن النزاع في المنطقة كان حرباً بالوكالة إذاً يمكن القول إن ما يدفع بلدان المنقطة إلى التكامل في الحقيقة يتجاوز الأبعاد الآنية لحالات التمرد داخل هذه البلدان ولكن تفرضه التحديات الإستراتيجية التي تأتي من أهمية وموقع المنطقة فإلى جانب الحروب والنزاعات التي تعطي الدول الكبرى ذريعة التدخل بحجة الدوافع الإنسانية هناك الصراع الجيواستراتيجي على المنطقة الغنية بالموارد حيث تتصارع القوى الكبرى بجانب القوى الصاعدة للسيطرة على الموارد والنقود لا سيما مسألة الأمن والطاقة لهذه البلدان على حد سواء. قوات الساحل في ذروة ما يسمى بالحرب على الإرهاب طرحت الولاياتالمتحدة في نوفمبر 2002 مبادرة قوات الساحل الكبير والتي تضمنت إشراف الولاياتالمتحدة على تقديم برامج لتدريب ومساعدات تبلغ (500) مليون دولار للقوات المسلحة في كل من (مالي، النيجير، تشاد وموريتانيا) ثم زاد عدد الدول الداخلة في المبادرة إلى عشر دول في 2005 وذلك للتصدي للخطر الإقليمي المتصاعد والمتمثل في خطر تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي والذي ينشط عبر الصحراء الكبرى وشمال أفريقيا وبحيرة تشاد. ونظر مراقبون إلى تلك الخطوة في إطار الصراع الدولي على القارة الأفريقية لا سيما الصراع بين الصين (الخطر الأصفر) من جهة وبين الغرب والولاياتالمتحدة من جهة ثانية ولكن لم تفلح قوات الساحل في مكافحة انتشار النزعة الجهادية في المنقة وبررت في نيجيريا جماعة بوكوحرام (وتعني بلغة الهوسا التعليم الغربي حرام) والتي أسست في العام 2002 ويتزعمها محمد يوسف الذي قتل في العام 2009 والتي انخرطت في عمليات عنف في ولايات شمال نيجيريا ويتوقع الخبراء أن تنساب تأثيرات تلك الجماعة عبر بحيرة تشاد لتعم المنطقة خاصة بعد إعلانها الانضمام لتنظيم القاعدة وتصعيدها لموجة العنف التي طالت في الأشهر الماضية مبنى الأممالمتحدة بلاغوس فضلاً عن المباني الحكومية والعامة والكنائس. قوات أوربية من أن فرنسا لديها وجود عسكري في كافة دول بحيرة تشاد ومنطقة البحيرات العظمى قام الاتحاد الأوربي في يناير 2008 بإرسال قوات عسكرية إلى شرق تشاد وأفريقيا الوسطى (يوفور) بحجمة حماية اللاجئين والنازحين وتوصيل المساعدات الإنسانية بعد أن بلغ عنف حركات التمرد ذروته في تلك الفترة وكانت قوات (اليوفور) قوامتها (3700) من (25) دولة أوربية وشاركت فرنسا وحدها بألفي جندي وكان لهذه القوات (10) طائرات مروحية نصفها قتالي والنصف الآخر لنقل الجنود وللعمليات اللوجستية ولم تستطع القوات الأوربية ايقاف العنف في أي من الدول الثلاث. واعتبر مراقبون أن الأوربيين لم يكونوا متحمسين في الأساس للقيام بمهام عسكرية يمكن أن تترتب عليها خسائر بشرية وسط القوات العسكرية ما دام ضحايا النزاع خارج أوربا وغير أوربيين ويفضلون بدلاً عن ذلك تقديم المساعدات الإنسانية. تحدي (أفريكوم) وأمام ازدياد اهمية افريقيا الإستراتيجية وعملية التكالب الدولي عليها سارعت الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى الاعلان عن تأسيس القيادة العسكرية الموحدة للقارة الأفريقية (افريكوم) وقال الرئيس السابق بوش في تلك المناسبة أنها تهدف إلى تقوية روابط التعاون والأمن مع الدول الأفريقية كما أنها تضع فرصاً جديدة للشراكة مع تلك الدول لتحقيق الأمن والسلام لشعوب أفريقيا وزيادة قدرة الحكومات الأفريقية في الحرب ضد الإرهاب وبدأت (أفريكوم) نشاطها الفعلي في مطلع أكتوبر 200 ب(1000) عنصر موزعين على ثلاث قيادات فرعية تغطي كامل افريقيا عدا مصر التي تتبع للقيادة المركزية بميامي وتوقع متحدث باسم القيادة أن طاقتها القصوى (1300) في العام (2009) وتتراوح موازنتها السنوية بين 80-90 مليون دولار. وقال الجنرال وليام وارد قائد الأفريكوم أنهم جاءوا من أجل العمل على تفادي النزاعات عبر مساعدة دول القارة الأفريقية في المجال الأمني ويرى استراتيجيون أن الولايات التي بنت مجدها على الجيش والقواعد العسكرية التابعة لها المنتشرة عبر العالم تستخدم تلك القواعد إعادة صياغة وهندسة المجتمعات وفق نموذج (إعادة بناء الأمم) كما فعلت في تجارب المانيا وايطاليا وكوريا الجنوبية واليابان ولا يزال الأمريكيون يباهون بنجاحهم في صنع الأمم والدول في تلك المجتمعات وكون نجاحها الراهن تم على ايديهم ويحدوهم الأمل في إعادة انتاج تلك التجارب خاصة وأن مؤسسة الجيش الأمريكي تضم ألمع العقول والقادة في المجتمع الأمريكي. المحافظة على النجاح وبحسب الكثير من المراقبين يمكن لتجربة القوات المشتركة بين السودان وتشاد وأفريقيا التي أثبتت حتى الآن قدرتها على النجاح أن تكون مدخلاً لعملية تكامل سياسي بدأت بوادره بإعلان الرئيس البشير قيادة مبادرة لإعادة العلاقات بين ليبيا من جهة وتشاد والنيجر من جهة أخرى. كما أن الصراع الدولي على المنطقة بسبب غناها بالموارد الطبيعية تعتمد الولاياتالمتحدة مثلاً على النفط الأفريقي بنسبة 15% ويتوقع أن ترتفع إلى 25% بحلول العام 2015م يمكن أن يسرع من وتيرة التكامل والتعاون الإقليمي المنشودة لعدة اعتبارات من جهة الرد على الصورة النمطية المرسومة عن دول ومجتمعات المنطقة في أذهان العالم باعتبارها موطناً للأزمات والحروب والكوارث الإنسانية ومن جهة ثانية التأكيد على أن الأمن بصنعة أبناء المنطقة بأنفسهم وفق مصالحهم الوطنية القومية ومن جهة ثالثة أن التعاون الشامل بين دول المنطقة يجنبها أن تكون ساحة صراع لتصفية حسابات الدول المتصارعة على النفوذ والموارد.