كتب / توفيق منصور صدر خلا ل الأيام الماضية (مارس 2005) تقرير استخباراتي خاص (special) من (وحدة استخبارات الاكونوميست) اللندنية و يقع في (51) صفحة و يتناول وجهة النظر الغربية عن موضوع مسارات الدمقرطة (democratization) في الشرق الأوسط ويركز على الفترة منذ غزو العراق والى صدور التقرير .. هذا وقد اشتمل التقرير على مؤشرات سياسية واجتماعية واقتصادية لدول المنطقة بما فيها بالطبع إيران وإسرائيل تعد بكل المقاييس هامة للغاية .. أما السودان فقد انفرد بركن مميز في التقرير الذي آمل أن يطلع عليه كل من يهمه الأمر في بلادنا وذلك من خلال التقرير (نفسه) وليس كخبر , وذلك للعلم والمتابعة والمنفعة ودون انفعال , خاصة وأن هذا التقرير ستتبعه تقارير مشابهة ومتتابعة أخرى .. كذلك أشير إلى أن هذا التقرير إضافة للتقارير الاقتصادية الاستخباراتية الربع سنوية (سبق أن تناولتها) لنفس الجهة المصدرة إنما تعتمد عليها الكثير من الجهات المؤثرة في العالم وذلك بغض النظر عن درجة مصداقية تلك التقارير أو رأي أيٍ منا فيها!! .. بداية أود أن أشير إلى أن هذا التقرير قد أعطى الفضل (The Theme) لبوش في رفعه لراية الإصلاح والديمقراطية في الشرق الأوسط الكبير (Broad Middle East) والذي كان له في تقدير التقرير الأثر الأكبر في هز قلاع و قيم الديكتاتوريين في دول الشرق الأوسط مما جعل شعوب المنطقة تشعر ببعض الانفراج .. ويشير التقرير إلى أن الضغوط الأمريكية من أجل الحرية والديمقراطية في المنطقة قد نجحت خاصة في العراق وفلسطين ولبنان , ويركز التقرير على أن الموضوع الأساس لأجل الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي في دول الشرق الأوسط يجب أن يتم على ضوء نوعية و أحوال الدولة المعنية وذلك إما في شكل جرعات بطيئة ومدروسة في دول بعينها أو عن طريق ضغوطات وتحركات قوية خارجية كما حصل في العراق أو عن طريق أسلوب دعم الانتفاضات الشعبية .. ويعتبر التقرير بأن العملية المؤلمة (Painful Process) في مسار الدمقرطة لمعظم دول المنطقة هي في التعامل مع قضايا الأقليات الأثنية أو العرقية ودور الإسلام والفيدرالية وهذا ما أكدته وكشفته أحداث العراق كما أشار التقرير .. ويؤكد التقرير أن المشكلة الأساسية في المنطقة تتمثل في أن معظم دولها (يعددها التقرير) بما فيها السودان قد عاشت ولفترات طويلة في ظل انعدام تام للحريات والديمقراطية .. هذا وقد تناول الجزء الخاص بالسودان في التقرير النقاط التالية .. تأريخ وثقافة الوضع السياسي .. والإصلاحات الحديثة في المسار السياسي .. ونظرة (Outlook) لمسارات الدمقرطة والحريات في السودان .. وقد تناول التقرير وباختصار شديد الأحداث التي مر بها السودان منذ الاستقلال وإلى البشير .. ويشير إلى أن (حقبة البشير) وان طُبعت (stamped) بقمع واستبعاد المعارضين وخاصة في فتراتها الأولى ولكن البشير (كما يشير التقرير) سعى و منذ فترة طويلة لإحداث إصلاحات سياسية (political reforms) منها توسيع دائرة المشاركة السياسية وتعديل الدستور ليسمح بانتخابات رئاسية كل خمس سنوات واستحداث نظام حكم فيدرالي وانتخاب جمعية وطنية , ولكن مع كل ذلك يبقى شكل نظام الحكم في السودان شمولي و أوتوقراطي (autocratic) , و يبدو ومع التطلعات الإصلاحية للنظام ومع اتفاقية السلام في الجنوب كما أشار التقرير فإن السودان مقدم على إصلاحات سياسية واسعة .. هذا ويشير التقرير إلى أنه ومع بداية التطبيق الفعلي وتنفيذ خطوات اتفاقية السلام فإن السودان سيشهد تغيراً كبيراً ومؤثراً في المشهد السياسي ووصفها بالإنجليزية ب (wholesale changes) .. وحسب استقراءات التقرير فان البشير سيحكم السودان في الفترة القادمة مع نائبه القوي قرنق (powerful vice-president) كما وصفه التقرير .. هذا وقد بنى التقرير منهجيته (Methodology) على 15 مؤشر , نذكر منها .. الانتخابات وعدالة قوانينها , حق تنظيم الأحزاب , حضور المعارضة , درجات الفساد , حرية الصحافة والأديان , حكم القانون و استقلال القضاء , الشفافية , مشاركة الاقليات , حقوق الملكية الفكرية وما إلى ذلك .. .. هذا ومن خلال ما ورد في مؤشر الحرية السياسية الذي تم ترتيبه حسب أعلى حرية وأدناها لدول الشرق الأوسط فقد جاء السودان في المرتبة 15 (مشترك) من عشرين دولة وبعدد نقاط (3,25) من عشرة , علماً بأن إسرائيل جاءت في المركز الأول وبنقاط (8,8) !! .. كذلك من المؤشرات الهامة التي عرضها التقرير الاستخباراتي عن السودان نجد أن نسبة الأمية وسط الشباب (59,9%) وأن السودان في مجال التنمية البشرية يحتل الموقع (139) من دول العالم والإنفاق على الصحة للفرد يبلغ في العام (39 دولار) وأن متوسط العمر (55,5) .. ومن المؤشرات الاقتصادية الهامة يشير التقرير إلى أن تعداد السودان (34,4) مليون نسمة وأن نسبة التضخم تبلغ (9%) وأن متوسط دخل الفرد (560) دولارا في العام وهو الأدنى في جدول المؤشرات مقارنة بالدول التي يتوفر لها هذا المؤشر .. هذا وأود أن أشير هنا إلى أن مؤشرات جميع دول المنطقة في الحريات والديمقراطية (حسب التقرير الاستخباراتي) تأتي بعد إسرائيل عدا المؤشرات الاقتصادية وبخاصة متوسط دخل الفرد محسوباً بالدولار , فأن دولة قطر تأتي الأولى على المنطقة (31,740) متبوعة بالإمارات (20,750) ومن ثم الكويت (18,900) ومع هذا تبقى أيضاً إسرائيل من الأوائل حتى في مستوى دخل الفرد (17,223) ..! (وذلك على حساب دم وكفاح أخوتنا في فلسطين) !.. نقلاً عن صحيفة أخبار اليوم السودانية