شاهد بالصورة.. المذيعة السودانية الحسناء فاطمة كباشي تلفت أنظار المتابعين وتخطف الأضواء بإطلالة مثيرة ب"البنطلون" المحذق    شاهد بالصور.. الفنانة مروة الدولية تكتسح "الترند" بلقطات رومانسية مع زوجها الضابط الشاب وساخرون: (دي اسمها لمن القطر يفوتك وتشتري القطر بقروشك)    شاهد بالصورة.. زواج الفنانة الشهيرة مروة الدولية من ضابط شاب يقيم بالقاهرة يشعل مواقع التواصل السودانية    شاهد بالصورة.. زواج الفنانة الشهيرة مروة الدولية من ضابط شاب يقيم بالقاهرة يشعل مواقع التواصل السودانية    القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح: بدأت قواتكم المشتركة الباسلة لحركات الكفاح المسلح بجانب القوات المسلحة معركة حاسمة لتحرير مصفاة الجيلي    مصطفى بكري يكشف مفاجآت التعديل الوزاري الجديد 2024.. هؤلاء مرشحون للرحيل!    شاهد مجندات بالحركات المسلحة الداعمة للجيش في الخطوط الأمامية للدفاع عن مدينة الفاشر    إجتماع مهم للإتحاد السوداني مع الكاف بخصوص إيقاف الرخص الإفريقية للمدربين السودانيين    وزير الصحة: فرق التحصين استطاعت ايصال ادوية لدارفور تكفى لشهرين    وكيل الحكم الاتحادى يشيد بتجربةمحلية بحرى في خدمة المواطنين    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية        ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الديمقراطية من الغرب إلى الشرق .. بقلم: د. صديق عبد الباقي الرياض- السعودية
نشر في سودانيل يوم 26 - 03 - 2011

كان لسقوط المعسكر الشيوعي في العقد الأخير من القرن الماضي تداعيات مدويّة على المستوى السياسي و الاستراتيجي في العلاقات الدولية. فقد وجدت الولايات المتحدة نفسها القوة العظمى في العالم و قد أصبحت طليقة من قيود الحرب الباردة التي كانت تفرض عليها محاباة الأنظمة السلطوية اليمينية ساعية في بعض الأحيان ، وسط سخرية حلفائها الأوربيين، للتفريق بين تلك الأنظمة السلطوية التي تؤيدها و الأنظمة الشيوعية التي تقول أنها تعاديها بسبب شموليتها. و بنهاية الحرب الباردة و انحسار خطر الصراع العسكري و انتفاء مسوغات الحرب على الشيوعية دبّ في الغرب تفاؤل و ترف حضري و فكري كسول . لكن مروجي مثنوية الخير و الشر و المتعصبين للحضارة الغربية بحسبانها رسول الخير لم يكلوا في البحث عن عدو جديد . و بدأت قلّة ذات نفوذ لا يتناسب و ضآلتها تروّج لما تسميه حروب الحضارات أو الصراع السلمي بين حضارة غربية يرونها منتصرة و حضارات أخرى يرونها من منظورهم مندحرة .
من جانب آخر فقد أتاح انحسار المواجهة العسكرية إطلاق عدد من منتجات عالية التقنية ،كانت إبّان الحرب الباردة حكرا على المؤسسة العسكرية، فأمكن ترخيصها للاستخدام التجاري لأول مرة بما في ذلك شبكات التواصل المعلوماتية و وسائل الاتصال و البث الأثيري . و قد شهد العقدان الأخيران بفضل ذلك أكبر تطور في تقنيات الاتصال و أصبحت القنوات الفضائية و شبكة المعلومات الدولية و وسائط البث المرئي و المسموع متاحة بشكل لم يسبق له مثيل بحيث غدت هذه الوسائط سلاحا جديدا في صناعة الثورات و التغيير السياسي من منظور القوى التي تسيطر عليها. و بعد كسبها الحرب الباردة توفّر للولايات المتحدة و منظمات و حكومات غربية متسعا من الوقت و الجهد و المال كانت تدخره في الماضي لتأليب الحراك الديمقراطي في أوربا الشرقية و الاتحاد السوفيتي. و قد تم تحويل الجزء الأكبر من ذلك الجهد و المال لصالح ما يزعم أنه الحراك الديمقراطي في أماكن أخرى من العالم بما فيها شمال أفريقيا و الشرق الأوسط. و قد نالت دول شمال أفريقيا و الشرق الأوسط نصيبا وافرا من ذلك الجهد و المال لأسباب من بينها الأهمية الإستراتيجية و الأمنية لدول الساحل الجنوبي للمتوسط بالنسبة لأوربا و شركائها في حلف الناتو و بسبب وجود مخزون العالم من الطاقة في دول الشرق الأوسط ، إضافة إلى كون هذه الدول تنضوي تحت مظلة الإسلام و العروبية و التاريخ المشترك و تمثل حسبما يرى بعض مروجي التنازع بقايا حضارة مندحرة مثلها مثل الشيوعية و النازية و الفاشية. و قد يثور السؤال عما تعنيه الديمقراطية في شمال أفريقيا و الشرق الأوسط لأوربا و الولايات المتحدة. و غنيّ عن البيان أن حقوق الإنسان و الحقوق المدنية و السياسية و الديمقراطية التي تصرح أوربا و الولايات المتحدة بها كمبررات لحملاتها السياسية و العسكرية هي منتجات إعلامية يتوفر لها الإعداد و الإخراج الدبلوماسي و السياسي و القانوني ليكون للتدخل العسكري أو المدني حظ أوفر من القبول و الفاعلية في أسواق الرأي العام ألتي اصبحت هي الأخرى بفضل العولمة أسواقا عالمية يسيطر عليها الكبار. و أما أسباب التدخل العسكري أو السياسي الحقيقية فتبقى حبيسة أضابير الحرب و الاستخبارات و السياسة السرية. و قد تؤدّى الثورات الشعبية إلى تحوّل ديمقراطي حقيقي . و في مثل هذه الحالة يكون مواطنو دول المنطقة قد استفادوا من الدعم الذي تلقته مجتمعاتهم و إن لم تكن مصلحتهم هي المقصودة في المقام الأول. و قد تحصد أمريكا و أوربا ثمار هذا التحول إذا تسنّمت الجهات التي كانت توفر لها الدعم الفني و المالي سدة الحكم في حال رأت هذه الجهات رد الجميل أو ربط مصيرها بأمريكا و الغرب لحمايتها من القوى المعادية للتغيير الديمقراطي. و للإجابة على السؤال فإن الولايات المتحدة و أوربا ترى أن المستقبل في دول المنطقة معقود للحكم الديمقراطي و أن من مصلحة أوربا و أمريكا أن توالي الجماعات و الكيانات التي يرجح أن تتولى الحكم في تلك الدول عن طريق صناديق الاقتراع. و هذه الرؤية الأوربية و الأمريكية قامت على استقراء الواقع السياسي في العالم منذ الربع الأخير من القرن الماضي . فمنذ عام 1974 زاد عدد الديمقراطيات في العالم من 41 ديمقراطية من جملة 150 دولة حتى وصل في عام 2006 إلى 123 ديمقراطية من جملة 192 دولة. كما شهد العالم خلال الربع الأخير من القرن الماضي سقوط الامبراطورية السوفيتية و نهوض دول على أنقاضها جديدة انتصرت شعوبها في أوربا للحوكمة الديمقراطية و ما زالت شعوبها في آسيا تكافح في سبيل الحكم الديمقراطي. و قد طوّرت الولايات المتحدة و أوربا و الأمم المتحدة خلال العقدين الماضيين مكوّن جديد في المعونة الدولية يسمّى صندوق دعم الديمقراطية أو الإصلاح السياسي. و الفاعلون الأساسيون في تلك الاستراتيجية الجديدة هم برنامج الأمم المتحدة للتنمية و الوكالة الأمريكية للعون الخارجي و إدارة التنمية الدولية البريطانية و مفوضية العون الأوربي و غير ذلك من صناديق و هيئات أوربية قطريّة.
المقارنة بما حدث في أوربا الشرقية
من الضروري التنويه إلى أن التدخل الغربي في أوربا الشرقية و الاتحاد السوفييتي كانت تحكمه نسبيا إستراتيجية و أهداف عامة تندرج في سياق الإستراتيجية العسكرية الموحدة و محاصرة خطر الشيوعية باعتبارها تمثل تهديدا مشتركا. و أمّا منطقة الشرق الأوسط و شمال أفريقيا فإنها تمثل لأوربا و الولايات المتحدة غنائم و انفالا محتملة قد تكون من نصيب هذه أو تلك من دول غربية. و ما زال في أمريكا و الغرب من يرى أن دول المنطقة الراهنة هي مصنوعات حدودية تضم بين جوانبها أشتاتا من كيانات عرقية و مذهبية و دينية و قبلية يمكن أن تكون أوشاجا لدول و مناطق نفوذ جديدة تتولد من رحم المصنوعات الحدودية القائمة. ففي مقاله بعنوان (نهاية الدول العربية) المنشور في مجلة السياسة الدولية في طبعتيها الألمانية ( يونيو 2006) و الانجليزية ( مايو 2006) يشيع الكاتب كينيث اشتاين هذا الإفك فيقول ( أن دول هذه المنطقة قد خرجت من حطام الإمبراطورية العثمانية بحدود سياسية وهمية تفتقر جوانبها للتماسك و التلاحم). و لعل البعض يذكر ما كانت تردده وزيرة الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس بوش الأصغر على مسامع مستضيفيها في المنطقة، في معرض الحديث عن حدود دولة فلسطين و وحدة أراضي العراق، من انّه لا توجد حدود حقيقية لدول منطقة الشرق الأوسط و شمال أفريقيا.
و بسبب تعدد المصالح و تعارضها فقد ينشب الخلاف بشأن إستراتيجية التدخل العسكري و المدني في شئون المنطقة حتى فيما بين الشقيقات في حلف شمال الأطلسي. وقد دخلت منطقة شمال أفريقيا و الشرق الأوسط منذ بداية العقد الأخير من القرن الماضي دول و هيئات حكومية و شركات غربية و منظمات غير حكومية من بلاد شتى و لكل منها إستراتيجيتها و أولوياتها و مصالحها و أهدافها الخاصة بها و علاقاتها المميّزة أو المتوترة مع هذه أو تلك من دول المنطقة. . و قد ساهم كل ذلك في ظهور نزعات انفصالية و حركات معارضة قاعدية حمل بعضها السلاح و اكتفى الآخر بالكفاح المدني السلمي. و قد أدى ذلك التدخل ذو الأجندة المتباينة و ما نتج عنه إلى صعوبة التنبوء بما قد يسفر عنه الحراك الحاصل الآن في دول المنطقة . فقد تولد ثورة ديمقراطية من رحم الدولة الأم التي يواجه حكامها سونامي الغضب الشعبي و قد تموت الثورة و تبقى الأم و قد تنشب حروب بين أبناء الأمّ الواحدة بشأن مشروعية الحمل فيموت الاثنان و تنشأ على أنقاض الدولة الراهنة دويلات لتيسير القسمة لصالح دول الغرب و الولايات المتحدة. و القوى الجديدة في العالم تعي هذا الدرس و لهذا فما زالت تعارض التدخل العسكري، و لو على استحياء، كما عبرت عن ذلك الصين و روسيا و الهند و البرازيل.
و رغم أن البعض يسارع لتشبيه ما يحدث في منطقة شمال أفريقيا و الشرق الأوسط بما حدث في أوربا الشرقية خلال العقد الأخير من القرن الماضي فإن بين الحدثين بون شاسع. ففي حديثه عن الأزمة الليبية أمام البرلمان البريطاني في 28 /2/2011 قال رئيس الوزراء البريطاني ( إن مقارنة ما يحدث في المنطقة بما حدث في أوربا في 1989 قد لا تكون دقيقة . و لكن الثائرين في الشرق الأوسط يمكن لهم استلهام الثورات الأخرى السلمية مثل ثروة البنفسج في أوربا الوسطى و الشرقية أو الانتقال السلمي للديمقراطية في دول اسلامية أخرى مثل ما حدث في اندونيسيا). و رئيس الوزراء البريطاني يبدو و كأنه يقول الشيء و ضدّه . و هو من بعد ذلك من أول الداعين إلى التدخل العسكري في ليبيا ( لمناصرة الثوار) كما عبّر عن ذلك في كلمته أمام البرلمان.
و دول الشرق الأوسط و شمال أفريقيا تعتبر مستعمرات أوربية سابقة تتسم مجتمعاتها المدنية و حكوماتها بتشوهات خلفها الاستعمار و حكومات ما بعد الاستعمار و لا يوجد ما يضمن أن البني الاجتماعية و السياسية التحتية ستضمن استمرار الديمقراطية حتى في حال تمخضت الثورات الراهنة عن حكومات ديمقراطية. و أما دول أوربا الشرقية فإنها تشارك نظيراتها في أوربا الغربية في كونها دولا ناضجة ذات مجتمعات مدنية رصينة ، انقطعت عن أوربا الغربية لمدة خمسين عاما منذ الحرب العالمية الثانية أو 73 ثلاثة و سبعين عاما مدة الحكم الشيوعي في حال جمهوريات الاتحاد السوفيتي الأوربية ، ثم عادت بعد سقوط الحكم الشيوعي لسابق عهدها و كأن الشيوعية لم تكن. هذا إلى درجة أن بعض الأحزاب الديمقراطية القائمة في دول أوربا الشرقية اليوم هي امتداد للأحزاب التي قد كانت قائمة في تلك الدول قبل خضوعها للحكم الشيوعي. و في التقرير المقدم لمجلس الأمن الوطني الأمريكي في 16/5/2005 حول التطورات الآنية و المنظورة في منطقة شمال أفريقيا و الشرق الأوسط رأى معدو التقرير أنه من الممكن انبعاث السلطوية من جديد ( في حال قيام حكم ديمقراطي) في شمال أفريقيا و الشرق الأوسط نسبة لغياب القيم الديمقراطية الفئوية و سيادة مفهوم الاستغلاب العددي.
الخوض في الشئون الداخلية لدول المنطقة و مطالبتها بالإصلاح السياسي و الديمقراطية.
حتى قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 بدأ تنسيق أوربي أمريكي يروم إحداث تغيير قاعدي سياسي في مجتمعات دول الشرق الأوسط و شمال إفريقيا . و قبل الحادي عشر من سبتمبر كان منطلق هذه السياسة عقائدي و فكري بتأثير من الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة و الأحزاب الديمقراطية الأوربية. و في حملتهم الانتخابية في سنة 2000 كان الجمهوريون في الولايات المتحدة حانقين على الحزب الديمقراطي الحاكم و انسياقه وراء مثاليات الديمقراطية و حقوق الإنسان. و قد خاض الجمهوريون انتخابات سنة 2000 بشعارات انتخابية تروج لسياسة خارجية تقوم على رعاية مصالح الدولة العظمى بواقعية دون تمسك بمثاليات الديمقراطية و حقوق الإنسان. و بعد توليه الرئاسة في يناير 2001 بدأ جورج بوش الأصغر في تنفيذ تلك السياسة و وضع على الرف سياسات خلفه كلينتون ، حتى خشي المراقبون أن يكون الرف مصير حملة الديمقراطية و حقوق الإنسان( أنظر توماس كاروظرس مقال في مجلة الشئون الخارجية عدد يناير / فبراير 2003).
أحداث 11/9/2001 و تداعياتها
أدّت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 إلى تغييرات جذرية في موقف الجمهوريين . و اعتبارا من 2002 ظهر تيار يميني متطرف من المحافظين الجدد يدعو جهرا إلى مراجعة أمريكا لعلاقاتها مع حلفائها السلطويين في منطقة الشرق الأوسط و شمال إفريقيا مشيرا في ذات الوقت أن فرض الديمقراطية يمكن أن يساعد على مكافحة الإرهاب و ذلك عن طريق توسيع فرص المشاركة في الحكم و الثروة و تجفيف مستنقع البؤس و الفقر و اليأس الذي من وجهة نظرهم تتكاثر فيه جرثومة الإرهاب. و قد كان من آثار أحداث الحادي عشر من سبتمبر أنها قاربت بين السياسة الخارجية للحزبين الجمهوري و الديمقراطي فيما يتعلق بالديمقراطية و إن ظل الاختلاف قائما بشأن منطلق كل منهما و إستراتيجيته لإحداث التغيير الديمقراطي.
و قد ظلّت دول و منظمات عدة طوال العقد الماضي تتواصل مباشرة مع مكونات المجتمع المدني في دول شمال أفريقيا و الشرق الأوسط و تعمل على تثقيف المجتمع المدني في فقه الحريات و الحقوق المدنية و النوعية و تستحث الفئات الاجتماعية المستهدفة على التصدي للمفاهيم و المؤسسات و القيم و التقاليد الموروثة التي تتعارض و حقوق المرأة و الطفل و الحقوق المدنية و السياسية بوجه عام ، و تدرب الفئات المستهدفة على وسائل و وسائط التشبيك و التواصل الاجتماعي و الحركي بغية تطوير حركة المجتمع المدني للتأثير على الأنظمة السلطوية لصالح الديمقراطية.
و قد استطاعت دول كثر و منظمات عديدة خلال الفترة من 11/9/2001 توفير آلاف الفرص الدراسية و التدريبية المدفوعة لآلاف المستفيدين من الشباب العربي و المسلم و استضافتهم في دول أوربا و أمريكا هذه المرة ليس لدراسة الطب و الزراعة و الصناعة بل في مجالات بعينها هي دراسات الديمقراطية و حقوق الإنسان، و وسائط و وسائل الإعلام و أمن المعلومات و وسائط التشبيك و التواصل الاجتماعي و غير ذلك من تخصصات مشابهة.
و بالنسبة للولايات المتحدة فقد استمر الدعم المالي لمنظمات و كيانات المجتمع المدني حتى في تلك الدول المقربة من أمريكا بسبب ما بذلته في مكافحة ما أسمته أمريكا بالإرهاب و التطرف الإسلامي و ما أظهرته من تأييد لمشروعها المسمى بالشرق الأوسط الكبير. و لم يقتصر الدعم على الجمعيات و المنظمات الرسمية المعترف بها من الدولة مستقبلة المعونة الأمريكية. بل تركز بصورة منتظمة للجمعيات غير المسجلة، التي تعتبر من منظور الدولة المستقبلة للمعونة غير شرعية. ففي كلمته بتاريخ 26/5/2010 أمام المهتمين بمشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط قال مسئول الخارجية الأمركية لشئون الشرق الأدنى ( إن دعم الولايات المتحدة للمجتمع المدني لم يتوقف أو يقل منذ 2008 ( عهد الجمهوريين) ،و رغم نقصان الدعم الأمريكي للحكومة المصرية خلال 2008-2009 فإن مساعداتنا لمنظمات المجتمع المدني المسجلة لم ينقص ، و أما مساعداتنا لمنظمات المجتمع المدني غير المسجلة فقد زادت). و في غمرة حاجتها و شرهها للمال و المعونة الأمريكية و انشغالها بالمصالح الشخصية للحكام و بطانتهم لم تأبه الأنظمة الحاكمة في تلك الدول لما قد يحدثه التمويل الخارجي لمنظمات المجتمع المدني و كياناته على المدى الطويل من شرخ بين السلطة الشعبية و الرسمية . كما لم تهتم الولايات المتحدة لكونها تحرض بمالها على تخمير ثورة شعبية على أنظمة صديقة و وفية و إن كانت سلطوية. و ربما لم يحدث ذلك التباين الظاهر عن تخطيط مسبق . و قد يكون نتيجة و إفرازا للسياسات و الاستراتيجيات المختلفة للمنظمات و المؤسسات التي تعمل في مجال الديمقراطية و حقوق الإنسان. و قد يكون نتاج تخطيط للاستفادة من ولاء تلك الأنظمة السلطوية على المدى القصير مع وجود و استمرار سياسة على المدى الطويل تضمن بقاء القطر المعني في فلك السياسة الأمريكية حتى بعد زوال الحليف السلطوي. و قد يكون تطبيقا لإستراتيجية تقوم على زعزعة استقرار دول المنطقة و خلق حالة من الفوضى تستطيع الولايات المتحدة و حليفاتها في الناتو أن تصطاد في عكرها مواقع جديدة للنفوذ و السيطرة على موارد الطاقة . و الاحتمال الأخير هو حقيقة ما كانت ترمي إليه مقولة الفوضى الخلاّقة التي كثيرا ما رددها بعض أفراد طاقم الرئيس بوش الأصغر و إن البسوها ثوبا مختلفا.
و مهما يكن من أمر فقد كان من مفارقات هذه السياسة أن غدت الدول الصديقة المفتوحة للمعونة و المساعدات الأمريكية هي الأكثر عرضة للانقلاب الشعبي الذي ظل يطبخ على نار هادئة . و مما زاد من فعالية المعارضة الشعبية في تلك الدول الصديقة أنّ أمريكا بانتهاجها لهذه السياسة مهدت من حيث لم ترد أن يجتمع أنصار أمريكا و خصومها على خلع الأنظمة الموالية لها. أما أنصارها فبفضل ما توفّر لهم من دعم مالي و فني موجّه و أما خصومها فبسبب ارتماء النظام السياسي في أحضان أمريكا. و من المفارقات أيضا أن دولا مثل السودان ظلت بسبب، و على الرغم من، عدائها لأمريكا بمنأى عن التخمير السياسي الشعبي المناوئ للسلطوية لأنّ المقاطعة الأمريكية حالت دون تمويل منظمات المجتمع المدني و المنظمات غير الحكومية في السودان مما جعل الأخيرة تحت رحمة النظام الحاكم عاجزة عن تنظيم التظاهر و العصيان المدني. و هكذا فقد غدت أمريكا بفضل سياسة الجمهوريين مثل الأرملة السوداء تلتهم عشيقها و يسلم من شرها كل ناشز.
الدعم الأمريكي الرسمي:
و بالنسبة للدعم الأمريكي الرسمي فقد بدأت إدارة بوش بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر بإنشاء مشروعات كبيرة للدعم الموجّه من بينها مبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط ( Middle East Partnership Initiative ) تسمّى اختصارا (MEPI ) في 2002 و مشروع الشرق الأوسط الكبير و شمال أفريقيا في 2004. و قد كان المشروع الأخير بالشراكة مع الدول الثمانية الكبار. و منذ 2003 بدأت الحكومة الأمريكية مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط الكبير و شمال أفريقيا و خصصت له الدعم المالي اللازم بواسطة وكالة المعونة الأمريكية و وزارة الخارجية الأمريكية. و بينما بلغت المعونة الموجهة لدعم الديمقراطية المقدمة من الولايات المتحدة قبل الحادي عشر من سبتمبر مبلغا زهيدا مقداره مائتان و خمسون مليون دولار فقد قفز المبلغ المصروف في أوجه الديمقراطية و الحوكمة في 2004 إلى ما يربو على المليار نالت نصيبا كبيرا منه العراق 523.6 ، مصر 334.3 ، لبنان 28.5، الأردن 28.3' تونس 11.2 ، اليمن 6.6 و البحرين 1.1 .
و تعمل (MEPI ) من مكتب داخل وزارة الخارجية الأمريكية . و أفادت لورا شلتز مسئولة المجتمع المدني و سيادة حكم القانون في مبادرة الشراكة إبّان عهد الرئيس بوش الأصغر في حوارها المفتوح بتاريخ 2/1/2008 أنه ( منذ 2004 دعمت (MEPI) على الصعيد القطري مئات منظمات المجتمع المدني من المغرب إلى العراق كما دعمت مشاريع في المنطقة على الصعيد الإقليمي. و المثال على نجاحها مبادرتها باسم منبر المجتمع المدني الموازي الذي عقد مؤخرا في اليمن و حضره أكثر 300 ثلاثمائة من قيادي المجتمعات المدنية في شمال أفريقيا و الشرق الوسط. و قد تمخضت عن هذا الاجتماع خطوات عملية لخصها المشاركون بشأن تقوية الحراك الديمقراطي في الإقليم خلال السنة القادمة. و يضاف إلى ما ذكر تخصيص الحكومة الأمريكية لمبلغ خمسة بليون دولار تحت تصرف ما يسمى بحساب الألفية و اشتراط الحوكمة السوية للاستفادة من منح ذلك الصندوق.
وسائل التحوّل الديمقراطي
توجد خلافات في الرأي بشأن إمكانية التحول الديمقراطي و وسائل تحقيقه في دول الشرق الأوسط و شمال أفريقيا . و بصفة عامة هنالك من يرى أن التحول الديمقراطي يمكن أن يحدث بوسائل و إجراءات سياسية تتمثل في توفير الدعم المباشر للأحزاب و منظمات المجتمع المدني و الكيانات العمرية و النوعية و العرقية و الدينية ذات المصلحة في التغيير السياسي نحو الديمقراطية. و يقابل هذا الرأي آخر معارض له يرى أن نجاح التحول الديمقراطي رهين بتحقيق حد أدنى من التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و أنه من الأفضل توجيه الدعم للتنمية المشروطة بأولويات من شأنها مساعدة مجتمعات الشرق الأوسط و شمال أفريقيا على التحول الديمقراطي الهادئ. و في الولايات المتحدة كانت سياسة الحزب الديمقراطي تنطلق من مبادئ عقائدية مثل حقوق الإنسان و الحقوق و الحريات المدنية و حقوق الأقليات و المرأة و الحرية الدينية و تتبع منهجا تعليميا في علاقاتها الدولية لتحقيق ما تراه مناسبا لنشر مبادئ الديمقراطية و حقوق الإنسان. و أما الجمهوريون فقد كانوا دائما أكثر واقعية و أكثر استعدادا لاستخدام ذريعة الديمقراطية للتدخل في شئون الدول الأخرى لخدمة أهداف إستراتيجية سواء اتخذ ذلك شكل التدخل العسكري المباشر أو المعونات الاقتصادية المشروطة .
و قد حذر بعض المتخصصين في مجال الديمقراطية و سيادة حكم القانون من مغبة سياسة الرئيس بوش الأصغر و مستشاريه لنشر الديمقراطية في منطقة شمال أفريقيا و الشرق الأوسط بسبب اندفاعها و ازدواجية المعايير التي تقوم عليها. و في مقاله في مجلة الشئون الخارجية عدد يناير / فبراير 2003 المشار إليه كتب توماس كاروظرس ( إنّ رسم إستراتيجية فاعلة لتأسيس الديمقراطية تتطلب بالضرورة أن يكف الرئيس بوش و طاقمه عن خططهم الطموحة لنشر سونامي ديمقراطية في الشرق الأوسط) لأسباب من بينها أن التدخل المندفع قد تترتب عليه نتائج غير مأمونة و ليست في مصلحة الأطراف ذوي العلاقة. كما حذر من استخدام الديمقراطية كوسيلة لخدمة أهداف أمريكا الإستراتيجية و ترجيح غاية المصلحة عند تعارضها مع الوسيلة . و قد نتج عن هذه الازدواجية مفارقات مضحكة. فبينما شنت أمريكا الحر ب على العراق بذريعة الديمقراطية و أسلحة الدمار الشامل ، و تجاوزت حد اللياقة في انتقاداتها لبعض الدول العربية بزعم سلطويتها فقد أقامت علاقات حميمة مع برويز مشرف الذي انقلب على الحكومة الديمقراطية المنتخبة في باكستان سنة 1999 و مع رؤساء أوزبكستان و كازاخستان و كيرغستان و تركمانستان السلطويين لما وجدت أن تحالفها معهم ضروري للحرب على أفغانستان.
كما مارست أمريكا ضغوطا على حلفائها الأوربيين لتمكين تونس و الجزائر و المغرب و مصر من الحصول على منح و قروض الشراكة الأوربية المتوسطية لأن هذه الدول قد قامت بما هو مطلوب منها لدعم محاربة الإرهاب و تحجيم التطرف الإسلامي . هذا على الرغم من أن هذه الدول لم تقم بما هو مطلوب منها لتحقيق الإصلاح السياسي الموضوع كشرط لاستحقاق المعونة و القروض. و هذا ما أقر به مجلس الدفاع و الأمن الأوربي في الوثيقة رقم أ/ 1939الصادرة في 2006.
و عند مقارنة الموقف الأميركي بنظيره الأوربي نجد أن أوربا القارية ( أوربا باستثناء بريطانيا) كانت متحفظة على إستراتيجية الجمهوريين بشأن فرض الديمقراطية . و رغم ذلك فقد شاركت دول الثمانية الكبار في مبادرة بوش الأصغر المسماة (مشروع الشرق الأوسط الكبير و شمال أفريقيا) . لكن دول الاتحاد الأوربي القاري ظلت تتجنب الإشارة إلى الديمقراطية و تستعمل بدلا عنها عبارة الإصلاح السياسي. و قد قامت أوربا القارية بالاستمرار في مشروعاتها الخاصة بها لتحقيق ما تسميه بالإصلاح السياسي في الشرق الأوسط و شمال أفريقيا. و من بين تلك المشاريع ( الشراكة الأوربية المتوسطية) و (مشروع الجوار الأوربي) و كلاهما يربط نمو العلاقات الاقتصادية مع دول المنطقة بالإصلاح السياسي و يذكّر دول المنطقة أنّ الإصلاح السياسي ليس فريضة أوربية لكنه مطلوب بموجب نظام الأمم المتحدة و معاهداتها للحقوق المدنية و السياسية و الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الذي يسمّي الديمقراطية و الحوكمة (DG) كمطلبين أساسيين لتحقيق أهداف الأمم المتحدة التنموية في الألفية الثانية.
و قد عبر بعض المشاركين الأوربيين في مؤتمرهم الذي نظمه مركز السياسة الخارجية البريطاني بشأن تطوير استراتيجيات الإصلاح في الشرق الأوسط ( بروكسل أبريل 2006) عن ضرورة أن تكون لأوربا سياستها الخاصة بها بدلا من الانسياق وراء السياسة الأمريكية. و دعا البعض إلى(( إغفال ما تريده الولايات المتحدة و العمل على ما نراه نحن الأوربيين من تواصل مع دول المنطقة دون استعلاء أو إملاء- بروفسور فريد هاليداي). و أشار البعض إلى أنه( يجب توخّي الحذر من فرض مفاهيم الاقتصاد الليبرالي و الحوكمة المستنيرة و الديمقراطية لأنّ عواقب مثل ذلك الفرض على المنطقة و علاقتها بالغرب ستكون مجهولة- جورج لوف من جامعة كمبريدج). و في تقريره بعنوان الأمن و الاستقرار في منطقة البحر المتوسط في الوثيقة رقم أ/1939 بتاريخ يونيو 2006 أوصى مجلس الأمن و الدفاع الأوربي ( يجب التنسيق مع الولايات المتحدة في مبادراتها المتوافقة و نظام برشلونة و منعها من القيام بمبادرات أحادية من شأنها أن تضرّ بالسلام و الأمن في منطقة
الشرق الأوسط الكبير و شمال أفريقيا).
و دعت ألمانيا في ذلك المؤتمر إلى التركيز على الانترنت باعتبارها موردا مهما.و أفادت أنها تصرف على منطقة شمال أفريقيا و الشرق الأوسط مائة مليون مارك سنويا في الأنشطة الثقافية ، و يدرس في مؤسساتها التعليمية 200000 مائتا ألف دارس من دول تلك المنطقة تسعى وزارة الخارجية للاعتماد عليهم كمورد.
تواصل الدعم الأوربي و الأمريكي:
و رغم تباين وجهات النظر بشأن الوسيلة الأمثل لإحداث التغيير الذي تريده دول الغرب فقد دعمت الدول الأوربية مباشرة منظمات المجتمع المدني و مشروعات الإصلاح السياسي في دول المنطقة بما يعادل ثلاثة بليون يورو منها بليون في شكل منح و بليونان قروض للصرف على مشروعات ذات صلة بالإصلاح السياسي في شمال أفريقيا و الشرق الأوسط.
و جنبا إلى جنب العمل الرسمي المشار إليه كثّفت المنظمات غير الحكومية عملها في مجال دعم كيانات المجتمع المدني و منظماته في دول المنطقة. و من أمثلة ذلك ما قام به المركز الديمقراطي الوطني ( منظمة أمريكية) من إنشاء منتديات اجتماعية مثل موقع أصوات لتنمية الحوار و الإصلاح في الشرق الأوسط . كما أنشأ المركز فروع وطنية بأسماء مختلفة تابعة له في المغرب و لبنان و الأردن. و نظم المركز المذكور في سنة 2004 مؤتمر الحوكمة الديمقراطية في العالم الإسلامي بمدينة اسطنبول و انبثق عن ذلك المؤتمر ما يسمّى ( كونجرس الديمقراطيين المسلمين). و من أمثلته أيضا ما قام به بيت الحرية ( منظمة أمريكية ذات تأثير ضارب ) في 2007 من استقبال أول دفعة من قيادات المجتمع المدني الشباب من شمال أفريقيا و الشرق الأوسط القادمين للتدريب على منح أمريكية خاصّة. و قد قام البيت المذكور حسب تقريره بتنظيم لقاءات لقيادات المجتمع المدني و تدريبهم على الوسائل المعلوماتية الجديدة و الأمن الرقمي و الكفاح المتسلح بالمعرفة الرقمية و وسائط الإعلام الجماهيري. و أيضا شاركت منظمة الصندوق الوطني للديمقراطية National Endowment for Democracy الأمريكية المسماة اختصارا NED في دعم ما تسميه الحراك الديمقراطي. و قد شملت الجهات المدعومة من تلك المنظمة جهات عربية أو أمريكية المنشأ ذات أجندة عربية أو إسلامية منها المركز العربي لحقوق الإنسان، مركز دراسات الإسلام و الديمقراطية ( مقره واشنطن)، منظمة الشرق الأوسط و الخليج للمجتمع المدني ، المنبر الدولي للحوار الإسلامي و شبكة الديمقراطيين العرب. و بادرت هذه المنظمة بتأسيس ما يسمّى الحركة العالمية للديمقراطية بالشراكة مع منظمات من آسيا و الشرق الأوسط ، و مقر الحركة واشنطن أيضا. كما شاركت منظمة NJWP ( لا عدالة بلا سلم) أوربية المنشأ في دعم الحراك الديمقراطي في منطقة شمال أفريقيا و الشرق الأوسط. و قد شكّل دعم الديمقراطية في دول المنطقة المشار إليها واحدا من المحاور الثلاثة الرئيسية التي يقوم عليها عمل هذه المنظمة.
لا عزاء لأعداء الحرية
مصطلح الشرق الأوسط و شمال إفريقيا يشمل الدول العربية في قارة آسيا بما فيها فلسطين بالإضافة إلى إيران و تركيا و إسرائيل و جميع الدول العربية الأفريقية المطلّة على البحر المتوسط. و لا يدخل السودان ضمن مجموعة شمال أفريقيا و الشرق الأوسط ( الجيوبوليتيكية) عالية الحساسية لأمريكا و أوربا، و لكن تربطه ببعض دولها علاقات وطيدة تجعل من الضرورة على الباحث في الشأن السوداني أن ينظره في سياق وسطه العربي و الإسلامي و الأفريقي و ما يحاك من استراتيجيات دولية تؤثر على جميع تلك الدول.
و التظاهرات التي عمّت أرجاء الشرق الأوسط و شمال أفريقيا شارك فيها مواطنون عاديون و خرجت تعبيرا و احتجاجا على مظالم سياسية و معيشية حقيقية و دفع بعضهم حياته ثمنا لذلك و ما زال. و قد جرت سنة السياسة في المنطقة كلما خرجت الأمور عن سيطرة الحكام أن يلقوا باللائمة على التدخل الخارجي و دول الاستكبار و إسرائيل و العملاء لأن الحكام من منظور أنفسهم مبرؤون من كل عيب. و ليس من المستغرب أن يردد الحكام المتسلطون أن الأحداث الراهنة في المنطقة وقعت بفعل قوى خارجية. و على افتراض أنها كذلك فإن ذلك لا يشفع للحكام لأنهم هم من كمم حريات مواطنيهم و أفقروهم و جعلوا منهم آذانا صاغية و حواريين للمنظمات و الجمعيات و الحكومات الأجنبية و الحملات الثقافية التي سمح لها الحكام بالدخول من كل حدب و صوب و أباحوا لها تشكيل وعي المجتمعات المدنية على شاكلة ما يريده الغير و أهل البلد مكممو الأفواه في أغلالهم يرسفون.
و ما استعرضته هذه الورقة من تدابير لدعم الديمقراطية و الإصلاح السياسي قامت بها دول الغرب قد يبدو متناقضا و ما ذكرته من وجود أسباب داخلية موضوعية تحرّض على الثورة. و في حقيقة الأمر لا تناقض في ذلك لأنه من الممكن أن تتضافر عدة عوامل لإحداث نتيجة ما. و لا يمكن من الناحية المعرفية تفسير الظواهر و الأحداث البشرية بعامل واحد سواء كان ذلك هو الاقتصاد أو الدين أو الأخلاق أو السياسة أو التدخل الخارجي. و عادة ما تتعدد و تتنوع الأسباب وراء الظاهرة الواحدة. و تضافر الأسباب الداخلية المحرضة على الثورة و التأثير الخارجي في الرأي العام الوطني بالتأليب عليها قد يعني أن الجهات الخارجية المهمومة بالوضع في دول المنطقة تتحيّن الظرف المناسب و تخطط بحنكة و حصافة لتحقيق ما ترى أنّ أوانه قد أزف. كما يفضح من جانب آخر مدى الغفلة التي تعيشها دول المنطقة و مدى انكشاف مجتمعات أفريقيا و الشرق الأوسط للتدخل و التحكم من بعد. و انكشاف المجتمع للتدخل تكمن أسبابه في الفقر و تفشي العطالة بين الشباب ، و التهميش بكل أنواعه و الاحتقان السياسي و التهجير و تنامي أعداد مواطني الشتات و هوس الحكومات بالأمن الشخصي و السياسي و البوليسي و إهمالها للأمن الاقتصادي و الاجتماعي.
و يمكن القول أن الولايات المتحدة و أوربا قد قرأت أوضاع المنطقة القراءة الصحيحة و رجحت في ضوئها لمن ستكون الغلبة السياسية ثم قررت أن تقدم مساعداتها و دعمها للتيار المرشح لخلافة الحكم في شمال أفريقيا و الشرق الأوسط حتى لا تفاجئها الأحداث و تعطل مصالحها. و من العجب زعم بعض الكتاب أن الأحداث الجارية الآن في شمال أفريقيا و الشرق الأوسط قد فاجأت الحكومات الأوربية و الأمريكية و خلطت أوراق حساباتها. و الناظر في الأوراق السياسية و الإستراتيجية لدول الناتو خلال العقدين الماضيين يوقن أن دول الحلف كانت تتنبأ بما سيحدث و تتحوّط له . ففي التقرير المقدم لمجلس الأمن الوطني الأمريكي في 16/5/2005 حول التطورات الآنية و المنظورة جاء ( أنه من المتوقع أن الأحوال الاقتصادية ستضع دولا مثل مصر و المغرب و تونس و سوريا و اليمن في مفترق طرق عسير خلال مدة تتراوح بين 5- 15 سنة). كما أشار ذلك التقرير إلى ضرورة أن تعمل الولايات المتحدة على تمكين الإسلاميين من المشاركة في الحكم في دول مثل مصر و تونس و الأردن و المغرب. و ذلك لأن الإسلاميين في هذه الدول و غيرها ( أبدوا استعدادا ملموسا للالتزام بقواعد الديمقراطية و الاعتدال و التحالف مع الأحزاب العلمانية كما في حالة التنسيق القائم بين حركة كفاية و جماعة الأخوان المسلمين في مصر، إضافة إلى كون الإسلاميون يمثلون قواعد جماهيرية عريضة). كما تحدّث التقرير عن بعث و تقوية الشيعة كأحد نتائج الغزو الأمريكي للعراق كما أثبتت ذلك الانتخابات العراقية في 2005 و هو بعث سيؤدّي - حسب التقرير إلى تغيير المعادلة السياسية في البلدان ذات المعارضة الشيعية). و في تقريره بعنوان الأمن و الاستقرار في منطقة البحر المتوسط ( الوثيقة رقم 1939/ 2006) ذكر مجلس الدفاع و الأمن الأوربي ( أن التعاون الأمني مع دول شمال أفريقيا رغم إدعاء الاتحاد الأوربي أنه يتسق و غاية الديمقراطية و الحكم الرشيد قد نتج عنه المزيد من انتهاكات حقوق الإنسان و الحصانة من المسائلة عنها. و أن معظم حكومات الساحل الجنوبي أوتوقراطية و اعتبرت الحرب على الإرهاب و التطرف الإسلامي رخصة لتصفية المعارضة ذات المنطلق الديني، و أنّها قد تمنعت من الاستجابة لطلب الاتحاد الأوربي بإشاعة الديمقراطية لعلم تلك الحكومات أن الديمقراطية تؤدي إلى انهيارها و فقدان الامتيازات السياسية و المالية للنخب الحاكمة).
و رب قائل أن أمريكا و أوربا أولى أن تشكر على ما قدمته في مجالات دعم الديمقراطية و على ما وفرته من فرص التوظيف للشباب فيها بدلا من التشكيك في نواياها، أو أن مثل ذلك التشكيك هو ضرب من التفسير التآمري للأحداث . و بالنسبة لواجب الشكر يجب أن أشير إلى ما كتبته في مقالي السابق في هذه الصحيفة ( من المحيط إلى الخليج) من أنه لا توجد دوافع إنسانية صادقة في العلاقات الدولية و أن المصلحة الإستراتيجية قصيرة المدى أو طويلة المدى هي دائما الدافع الحقيقي لتقديم المساعدة المالية أو العسكرية و أنّ المستفيدين الوطنيين المباشرين من هذه المساعدات يعتبرون في العرف الاستراتيجي مستفيدون عرضيون. و بالنسبة للتآمرية فإنّها أصبحت مثلها مثل معاداة السامية، سيفا مسلطا بالباطل للنهي عن الخوض في تمحيص النوايا الحقيقية لأمريكا و حلفائها يخشاه الباحثون في شئون المنطقة و يجتنبوا الخوض فيه. و معلوم بداهة أن البحث و التقصّي عن البواعث الحقيقية للسياسة التي تنهجها أمريكا أو غيرها ضرورة معرفية واجبة للتفريق بين ما هو دعائي و بين ما هو علمي و واقعي ، و أنه ليس في ذلك ركون للتآمرية في تفسير الأحداث لأنّ الباحث وراء الدوافع الحقيقية لا و لن يزعم أنّ تلك الدوافع هي وحدها المسئولة عن إشعال الحدث .
و من الضروري التنويه إلى أن ضلوع دول و منظمات في إحداث التغيير الديمقراطي لا يعني بأي حال من الأحوال أن التغيير الذي بدأت الآن بوادره سيأتي بحكومات موالية لأمريكا و أوربا . و ذلك لأنّ التغيير الذي سعت إليه بعض تلك الدول و المنظمات سيّما الأوربية منها كان تغييرا قاعديا طويل المدى يبدأ من وشائج ( grass roots ) المجتمع المدني ثم يتدرج علوا حتى يصل إلى تغيير السلطة الحاكمة عن طريق القوة الاجتماعية السلمية المنظمة. و خلافا للتغيير الفوقي الذي يطال أولا رأس الدولة( مثلما حدث في العراق و أفغانستان) فإنه من المستحيل التحكّم في نتائج التغيير القاعدي. يضاف إلى ذلك وجود خلافات و اختلافات في التطبيق و الإستراتيجية بين صانعي الرأي في أمريكا و بين أوربا و أمريكا و بين وكالات المعونة الحكومية و المنظمات الأوربية و الأمريكية غير الحكومية بشأن الجدوى المنتظرة من التدخل و استراتيجياته و أولوياته و وسائله و أهدافه و إمكانية انفلات عقد الأمن و السلم الإقليميين بسببه. و قد ضاعفت هذه العوامل في مجملها من إمكانية تعدد التداعيات المحتملة لما يحدث الآن في المنطقة أو السيطرة عليها. و على سبيل المثال فقد استطاعت بعض الجماعات الإسلامية السياسية المقهورة في بلدانها أن تستفيد بذكاء من برامج الدعم و التدريب التي وفرتها الدول و المنظمات الغربية كما تسنّمت مقاعد متقدمة في الثورات التي نشبت حتى الآن في تونس و مصر و ليبيا ، و لا يوجد ما يضمن أن هذه الجماعات سترد الصنيع لأمريكا و الغرب إذا ما حملتها موجة الغضب الشعبي إلى مقاعد السلطة. و قد يتكرر ما حدث في الجزائر عام 1992 عندما تدخّل الجيش و ألغى الانتخابات حين فازت بها جبهة الإنقاذ الجزائرية أو ما حدث في 2005 و 2006 عندما تراجعت إدارة الرئيس بوش الأصغر عن حماسها لفرض الديمقراطية بعدما قاد مناخ الحريات النسبي المؤقت الذي فرضته إدارة الرئيس بوش الأصغر على حليفيها مصر و إسرائيل إلى فوز الأخوان المسلمين بنسبة كبيرة من مقاعد البرلمان في مصر في 2005 و فوز حماس بغالبية مقاعد البرلمان الفلسطيني في 2006.
كما أنّه من الضروري جدا التنويه إلى أن القول بوجود عوامل خارجية مصاحبة للثورات الحاصلة الآن لا يقدح في وطنية هذه الثورات و لا في نبل مقاصد من أشعلوا فتيلها ، و ذلك لأنّ لهم مظالم حقيقية و من حقهم و حق المجموعات و الفئات المستضعفة في كل زمان و مكان أن تستعين بمن تراه قمينا بتحقيق انتصارها على جلاديها و لا تثريب عليها في ذلك طالما أنها بعد استيلائها على السلطة لن تساوم على المصلحة و السيادة الوطنية.
د. صديق عبد الباقي الرياض - السعودية
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.