الهلال يواجه اسنيم في لقاء مؤجل    تكوين روابط محبي ومشجعي هلال كوستي بالخارج    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    لجان مقاومة النهود : مليشيا الدعم السريع استباحت المدينة وارتكبت جرائم قتل بدم بارد بحق مواطنين    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    جامعة ابن سينا تصدم الطلاب.. جامعات السوق الأسود والسمسرة    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    هجوم المليشيا علي النهود هدفه نهب وسرقة خيرات هذه المنطقة الغنية    محسن سيد: اعدادنا يسير بصورة جيدة للقاء انتر نواكشوط    عبد العاطي يؤكد على دعم مصر الكامل لأمن واستقرار ووحدة السودان وسلامة أراضيه    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مطاردة جيش الرب الأوغندى.. والوقوع فى فخ الإمبريالية الأمريكية

تصاعد التحدى الذى يمثله "جيش الرب للمقاومة" والدعاية حوله، فى السنوات الأخيرة، ليخرج تهديد هذه الجماعة المتمردة، من نطاقه الوطنى فى يوغندا، ليغدو صراعاً إقليمياً كما خطط له مسبقاً، وذلك بعد أن أمتد نشاطه ليشمل عدة دول فى شرق أفريقيا، قبل أن يصير بإرادة بعض الدول الكبرى خاصة الولايات المتحدة الأمريكية صراعاً دولياً، إذ صُنف "جيش الرب" بإعتباره حركة إرهابية، مما يعنى أن الجهود الرامية الى مكافحة نشاطاته التى توصف ب(الوحشية) باتت سياسة دولية تسبغ عليها "الشرعية الدولية" من قبل الأمم المتحدة، وفق المنظور الأمريكى لمفهوم "الإرهاب"، والذى سوّغته الإدارة الأمريكية فى عهد بوش الإبن، حيث تم تصنيف دول العالم -وفق مقولة"بوش" – فى ما تسمى بالحرب على "الإرهاب" الى (من ليس معنا فهو ضدنا).
والتبس مفهوم "الإرهاب"، بحيث لم يتم التفريق بين المقاومة الوطنية المشروعة ضد الإحتلال الأحنبى، والتدخل العسكرى الخارجى، وتم تشريع النزعات الإمبريالية التى تسيطر على تفكير العديد من الدول الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية،.
وصار "مفهوم الإرهاب" الأمريكى يستخدم بصورة إنتقائية، فالولايات المتحدة الأمريكية التى صاغت وروجت لمفهوم خاص للأرهاب، فصّلته حسب مقاسها وحلفاءها، تصبغ صفة "الإرهاب" على الحركات المناوئة للإمبريالية الأمريكية وللدول المتحالفة معها، بغض النظر عن مدى عدالة القضايا التى تكافح من أجلها بعض الشعوب.
ونظراً للصلات الوثيقة التى تربط بين الولايات المتحدة الأمريكية ويوغندا التى توصف بأنها "مخلب قط" للسياسة الأمريكية فى أفريقيا عموما وشرق أفريقيا والبحيرات العظمى خصوصاً.
الشعور بالتهميش
رغم مضى أكثر من عقدين على ظهور حركة جيش الرب للمقاومة ، إلا أن هذه الحركة لم تجد الإهتمام الكبير رغم أنها شكلت تحدياً كبيراً لحكم الرئيس اليوغندى يورى موسفينى مع مرور الزمن؛وتعد المظالم والشعور بالتهميش الذى يمارسه النظام اليوغندى بحق قومية "الأشولى" من الأسباب التى سهلت بروز جماعة "حركة/جيش الرب" و إنتشارها فى غالب مناطق شمال يوغندا.
وتأسست حركة "جيش الرب للمقاومة" فى العام 1986،وهى نفس السنة التى تولى فيها الرئيس اليوغندى الحالى،زمام الحكم فى يوغندا؛وهى حركة تمرد مسيحية تركزت أنشطتها أولاً في شمال أوغندا مسلحة، ،وتستند "الحركة" على التعاليم المسيحية ،وتهدف الى العمل على إقامة دولة مسيحية،وفق (الوصايا العشر) للكتاب المقدس، وكما تسعى هذه الحركة الى الإطاحة بنظام حكم "موسفينى" ،ومناهضة الظلم والتهميش الذى تقترفه الحكومة اليوغندا بحق سكان الشمال وقبائل"الأشولى" بشكل خاص.
وتقول الموسوعة الحرة (ويكيبيديا) على الإنترنت، عن جيش الرب التعريف الآتى...(أسس جيش الرب عام 1986 على يد سيدة تدعى أليس أوما الملقبة ب"لاكوينا" أي المتنبئة بلهجة أشولي، وفي 1987 أختارت المؤسِسة المنفى في كينيا وتولي ابن أخيها جوزيف كوني رئاسة التنظيم،وقد توفيت "أليس" لاحقاً بكينيا فى 18 يناير/ كانون الثاني 2007).
ففي ثمانينيات القرن العشرين أعتقدت "لاكوينا" أن الروح المقدسة خاطبتها وأمرتها بالإطاحة بالحكومة الأوغندية لما تمارسه من ظلم وجور ضد شعب الأشولي.
وبوفاة الأم المؤسسة لحركة جيش الرب للمقاومة سرعان ما تولى إبن أخيها، القس جوزيف كونى ،زعامة الحركة.
ويتكون أغلب عناصر"جيش الرب للمقاومة" من "الأشولى" ،ويضم فى صفوفه حوالى ما بين 300 و 400 مسلح أغلبهم من الاطفال المجندين قسرياً وعبر حالات الإختطاف فى غالب الأوقات؛ وتنسب الى "جيش الرب" إقتراف فظائع تشمل :شن الغارات على القرى الآمنة وتقتيل المواطنين العزل ،وتجنيد الأطفال وتجنيدهم وإستغلالهم فى الأعمال الحربية، وإختطاف وإغتصاب الفتيات والنساء...ألخ، ويقدر عدد الأطفال الذين تم إختطافهم من قبل "جيش الرب" ما بين خمسة وعشرون الى ثلاثين الفا ،وفق بعض التقديرات .
ويعتمد متمردو "جيش الرب" فى شن عملياتهم ضد الحكومة اليوغندية ،على تكتيكات ما تعرف ب(حرب الغوريلا)، حيث يتم تقسيم "العناصر" الى مجموعات صغيرة تتراوح مابين(80-120) عنصراً ،يتم تتوزيعها بين دول المنطقة التى ينشطون عبر الحدود بينها.
وتشير بعض "المصادر" الى أن زعيم جيش الرب، "كونى"، يتحرك مع عدد ضئيل من مقاتليه لا يزيد عددهم عن(100) جندى،مما يصعب مهمة القضاء عليه بالتصفية أو الإغتيال ،أو حتى إلقاء القبض عليه، كما أعلنت عن ذلك الهدف كل الأطراف الدولية والإقليمية والمحلية .
وأما بالنسبة لتسليح "جيش الرب" فهو فى العادة لايتجاوزالأسلحة الخفيفة والصغيرة، والتى يتم الحصول عليها يسهولة ويسر،حيث تتدفق إليهم تلك الأسلحة من مصادر محلية أو إقليمية ،فى منطقة تشهد أنواعاً مختلفة من" الصراعات المركبة".
ولكن،ماركيه شوميروس، الباحثة المتخصصة فى شئون المنطقة،أعدت بحثاً بعنون(جيش الرب للمقاومة فى السودان،تاريخ ولمحات) العام2007 ذكرت فيه أن تسليح جيش الرب يشهد تطوراً كبيراً يكاد يضارع تسليح الجيوش النظامية والقوات الأجنبية العاملة فى المنطقة .
و بات جوزيف كوني الآن ،ملاحق من المحكمة الجنائية الدولية، والتى أصدرت فى العام 2005م مذكرة توقيف فى حق "جوزيف كونى" وثلاثة قادة آخرين ، بتهم جرائم حرب و جرائم ضد الانسانية.
الأرض المحروقة
وتبنت السلطات اليوغندية الحرب وسيلة لإستئصال شأفة جيش الرب ،إلا أن تلك السياسة قد شابها القصور والفشل فى نهاية الأمر،وتمددت أنشطة "جيش الرب" جراء ذلك من شمال يوغندا، لتصل الى أطراف شمال شرق جمهورية الكونغو الديموقراطية ،وأفريقيا الوسطى ،و جنوب السودان منذ عام 2005.
وتحدثت تقارير أعدتها منظمات دولية معنية بالصراعات وحقوق الإنسان عن تجاوزت قامت بها السلطات اليوغندية، فى إطارسياساتها لمكافحة نشاط "جيش الرب" شملت: عمليات إستهداف على أساس عرقى(ضد الأشولى) بتهمة دعم أو التعاطف مع متمردى جيش الرب، ويشبّه "مراقبون" ممارسات السلطات اليوغندية بسياسة ب"الأرض المحروقة" حيث أدت مطاردة متمردى جيش الرب الى خلق مشكلات إنسانية جمة ،ولكن تم غض الطرف عن التجازوات من لدن العديد من الدول الكبرى والتى تتعامل بإنتقائية مع شعارات حقوق الإنسان.
ويقول تقريرنشرته مجلة (الهجرة القسرية) عن سياسات السلطات اليوغندية الآتى ..و(أمّا الحكومة فقد أخفقت السياسات التي قادتها لمقاومة العنف الذي يمارسه جيش الرب بل غالباً ما أدت تلك السياسات إلى نتائج مغايرة تماماً لما كان مقصود منها. وعلى وجه الخصوص، في عام 1996، أجبرت حكومة أوغندا مئات الألوف من الأشولي إلى الانتقال إلى "مخيمات الحماية". لكنّ الأشخاص المهجَّرين بهذه الطريقة المتسرعة وغير المدروسة الهادفة إلى مقارعة المسلحين لم يجدوا الحماية المطلوبة بتاتاً، بل أصبحت المستوطنات أهدافاً سهلة لجيش الرب الذي أخذ يختطف المدنيين خاصة المراهقين اليافعين منهم. وقد أدى ذلك إلى ظهور اقتناع عام لدى الآباء والأمهات بضرورة هربهم من المعسكر ليلاً مع أولادهم متوجهين إلى المدن الرئيسية).
. ويواصل تقرير المجلة البريطانية المرموقة ،والمعنية بالهجرة القسرية فى حالات النزاعات المسلحة الصراعات السرد بالقول..(في عام 2002، أمرت الحكومة مَن تبقَّى في القرى التحرك إلى المخيمات. وبحلول منتصف العام 2005، وصل مستوى النُّزوح ذروته مع نزوح 1.8 مليوناً من النَّازحين أي ما يقارب 90% من السُّكان في أشوليلاند. أمّا بالنسبة لمن أُجبِروا على دخول هذه المخيمات المكتظة فقد عنى لهم ذلك لهم أيضاً التبعية القسرية والتعرض والإذلال والخوف الجماعي وعدم التمكين).
ووصفت الممارسات التى أتبعتها الحكومة اليوغندية لمكافحة جيش الرب ب(العنف الهيكلى)،كناية عن التدمير الممنهج ضد بعض القوميات(وخاصة الأشولى)،وضد أرض المجتمعات المحلية، فى مناطق شمال وشرق البلاد التى ينشط فيها مقاتلى "جيش الرب".
ويقدر عدد الأوغنديين الذين أضطروا الى النزوح من شمال أوغندا ،جراء تصاعدت وتيرة المواجهات بين "جيش الرب" والقوات الحكومية اليوغندية، بزهاء مليون وستمائة الف نسمة.
تداعيات إقليمية
ونجحت أوغند فى تصدير أزمة "جيش الرب" الى جوارها ، وبات أمر التصدى له بداية من العام 2005،سياسة رسمية لعدد من دول شرق أفريقيا ،ومنطقة "البحيرات العظمى" منها، بالإضافة الى يوغندا نفسها،أفريقياالوسطى،والكونغو الديموقراطية، جمهورية جنوب السودان.
وشكّل "الإتحاد الأفريقى" ما عرفت ب(آلية التنسيق المشتركة المعنية بجيش الرب للمقاومة) ،والتى تنسق بين الجهود الدولية والمحليات والإقليمية،ومع جميع الأطراف ذات الصلة، وتعقد "مفوضية الإتحاد الأفريقى" بصورة دورية إجتماعات تضم الدول المعنية ،وذلك لمناقشة التقدم المحرز والخطوات التى وضعت من أجل مناهضة "جيش الرب"،فى إطار ما تسمى ب(مبادرة التعاون الإقليمى لمكافحة جيش الرب للمقاومة).
وأدرج الإتحاد الافريقي "جيش الرب للمقاومة" في لائحته للمنظمات الارهابية في نوفمبر الماضي2011م ؛وكما طالب "الإتحاد الافريقي" فى يونيو 2012م، من "مجلس الامن الدولي" وصف جيش الرب للمقاومة بأنه "منظمة إرهابية" لزيادة الضغوط على أعضائه ولاسيما قائده جوزف كوني. ،وقد وأعرب عن الأمل في أن تحذو حذوه "الأمم المتحدة" و"تعلن جيش الرب للمقاومة منظمة إرهابية" أيضاً.
وأعتبر فرنسيسكو ماديرا،الموفد الخاص للاتحاد الافريقي حول جيش الرب للمقاومة إن من شأن وضع وتصنيف المجتمع الدولى والإقليمى "جيش الرب" فى قائمة المنظمات الإرهابية،"أن يتيح هذا التدبير التعرض لداعمي جيش الرب للمقاومة ومصادر تمويله".
وشيئاً فشيئا أرتقت أنشطة منظمة "جيش الرب" الى مستوى "تهديد أمنى ذى بعد إقليمي"،حيث قام الإتحاد الأفريقى بتعيين مبعوثا خاصاً مكلف بملف "جيش الرب"،وهو السيد فرانسيس مادييرا؛كما دشن الإتحاد الأفريقى فى أبريل من العام الماضى فى "جوبا" عاصمة دولة جنوب السودان،قوة عسكرية قارية تضم حوالى(5000)عنصراً،فى مهمة سيستغرق عملها ثلاثة أشهر ،وقال المبعوث الأفريقى"مادييرا" فى هذه المناسبة إن مهمة هذه القوات (التخلص من زعيم «جيش الرب»، جوزيف كوني، ومقاتليه»...و أن هذه القوات الأفريقية ستقتحم الغابات التي توجد فيها معاقل "جيش الرب"، بحيث لن تترك لكوني سوى ثلاثة خيارات: أن يسلّم نفسه أو يُعتقل حياً أو يُقتل).
ولكن ما لبث الأمر أن عاد المبعوث الأفريقى الخاص حول ملف "جيش الرب" ليجأر بالشكوى من أن تلك القوات التى أرسلت لمطاردة عناصر "جيش الرب" (واجهت تحديات لوجستية ،فضلاً عن التضاريس القاسية).
وتحدثت تقارير إعلامية عن أن هذه القوة العاملة تحت إمرة الإتحاد الافريقي تعاني أيضا مشاكل لوجستية باتت تواجهها،وأهمها نقص الجنود والعتاد و التمويل المالي.
وفى مايو الماضى مدّد الإتحاد الأفريقى ،ب(12) شهراً، تفويض تلك القوة الأفريقية المشتركة.
وساطة فاشلة
ويرى مراقبون أن النظام اليوغندى ،يعمد كثيراً الى تصدير أزماته الدخلية الى دول الجوار ،خاصة مسألة "جيش الرب "؛وذلك من أجل تحقيق أهداف وطموحات ساسية أو "أهداف إستراتيجية" تخص يورى موسفينى -حسب تقديرات البعض- والذى يعتبر من أوثق حلفاء الغرب فى أفريقيا، وبالتحديد فى شرق أفريقيا ومنطقة "البحيرات العظمى" التى تتقاطع فيها الأطماع والتدخلات من أجل السيطرة على الموارد الطبيعية المهولة الموجودة فيها ، والصراعات المحلية والإقليمية.
ورغم الحديث المتزايد عن تضخم المخاطر الإقليمية التى يشكلها "جيش الرب" على دول المنطقة ،إلا أن التقديرات تختلف بين تلك الدولة؛ "فالكونغو الديموقراطية مثلاً، ترى أن مشكلة "جيش الرب" لم تعد بذلك الحجم الذى يمكن أن يشكل هاجساً كبيراً لها ،ولا يحتاج الى عمليات قتالية أو قوات كبيرة داخل أراضيها" ،بينما نجد أن هناك تطابقاً كاملاً فى توجهات، دول يوغندا وأفريقيا الوسطى ويوغندا وجنوب السودان، وهذه الدول فضّلت إعتماد المقاربة الأمنية فى التصدى لجيش الرب.
وكانت الحركة الشعبية التى كانت تحكم جنوب السودان بموجب إتفاقية السلام الشامل لعام 2005م ،قد طرحت مبادرة فى العام2008م-وفشلت لاحقاً- ،للوساطة بين يوغندا و"جيش الرب" ،وكلف رياك مشار، نائب رئيس جنوب السودان ،كبير الوسطاء في عملية السلام الفاشلة بين جيش الرب للمقاومة والحكومة الأوغندية، بهذه المبادرة في جوبا،ولكن تلك الجهود الماكوكية ،والتى أستمرت زهاء العشرين شهراً لم تفلح فى إقناع جوزيف كونى وقادته فى التوقيع على إتفاق للسلام مع الحكومة اليوغندية.
وتشكودولة جنوب السودان الوليدة من تمدد أنشطة "جيش الرب" عبرأرضيها-ويؤرخ لوجوده هناك بأوائل التسعينات-،وتعانى ولايات:غرب بحرالغزال،وغرب وشرق الإستوائية،من هجمات تنسب فى الغالب الى مقاتلى"جيش الرب"، وتعتبر قبائل"الأشولى" من القبائل التى تنتشر على الحدود المتداخلة بين دولة جنوب السودان ودول جوارها :جنوباً وغرباً بشكل خاص.
تدخل خارجى
لما كانت يوغندا من الحلفاء الذين يغدق عليهم من الغرب كافة أشكال الدعم والمساعدة ، دخلت الولايات المتحدة على خط المواجهة مع "جيش الرب"، حيث بعث الرئيس الأمريكى ،باراك أوباما ،فى 14اكتوبر2011م،الى الكونغرس الأمريكى،رسالة فحواها عزمه إجازة نشر "عدد قليل من الجنود الامريكيين مجهزين للقتال فى وسط أفريقيا ،وذلك لتأمين الدعم والمساندة اللازمين للقوات المحلية المكونة من دول المنطقة التى تعمل على إزاحة جوزيف كونى من الساحة فى تلك المنطقة"، ورحبت يوغندا على الفور بالخطوة الأمريكية.
ويرى مراقبون أن التدخل العسكرى الأمريكى - بحجة مطاردة جيش الرب والتصدى للفظائع لتى يرتكبها- يندرج فى إطار النزعة الإمبريالية الأمريكية الرامية لبسط الهيمنة على العالم بشتى السبل؛ وبعد تصنيف حركة "جيش الرب" ك"منظمة إرهابية" وجدت الولايت المتحدة الفرصة سانحة من أجل المضى قدماً فى تحقيق أهدافها الإستراتيجية بعيد المدى،وكانت منطقة شرق أفريقيا قد شهدت فى أغسطس 2008م حادثتا تفجير السفارتين الأمريكيتين فى دار السلام ونيروبى، ومنذ ذلك الحين كثّفت الولايات المتحدة من أنشتطها الإستخبارية لرصد الجماعات "الإرهابية" هناك.
وتهدف الولايات المتحدة من وراء شرعنة تدخلها فى مطاردة "جيش الرب" الى تحقيق جملة الأهداف من بينها:التأكيد على دور الولايات المتحدة فى زعامة العالم ،خاصة فى حالات التدخل الإنسانى لمواجهة المجازر التى ترتكب بحق الأبرياء،أوالمخاطرالتى تواجهها أوحلفاءها،إنطلاقاً من"مبدأ الحماية"، وكذلك توفير الميدان المناسب لإنشاء قوات قيادة أفريقيا الأمريكية (الآفريكوم)،والتى تأسست فى مطلع اكتوبر2007م وباشرت عملها فعلاً فى أكتوبر2008م، وتعكس التوجهات الإستراتيجية للولايات المتحدة فى القارة الأفريقية.
و كما أن بعض المراقبين يعتقدون أن المجازر التي تتخذ منها الولايات المتحدة حججاً نبيلة لتبرير تدخلها في المنطقة، ليست سوى غطاء لدوافع خفية تتعلق بالصراع على النفوذ بينها وبين الصين في شرق أفريقيا، ويعتقد هؤلاء أن الاهتمام الأميركي المفاجئ بمحاربة "جيش الرب"، بعد ربع قرن من الصمت واللامبالاة، تحركه مصالح لا علاقة لها بالعمل الإنساني وحماية المدنيين، حيث تريد السلطات الأميركية تحييد "جيش الرب"، لتسهيل مد أنابيب النفط من جنوب السودان إلى كينيا، للسماح لحكومة جوبا بتصدير النفط من دون المرور عن طريق السودان.
وكان الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني قد قال فى يوليو 2009م" إن هناك حاجة إلى مزيد من الدعم الخارجي لتقديم كوني إلى العدالة،وقال "نحن الآن بصدد بعثة دولية وهي ليست بعثة محلية، ولا يمكن أن تعتمد البعثة الدولية فقط على موارد محلية الكرة في ملعب المجتمع الدولي للمساعدة".
وكانت الأمم المتحدة قد عبرت فى يوليو 2012،عن قلقها من من إرتفاع أعداد الضحايا المدنيين ممن يسقطون ضحايا لهجمات جيش الرب، وقالت المنظمة أن جيش الرب قتل فى الفترة ما بين 2008-2009 زهاء(1200) شخصاً.
ما وراءالأكمه
وبجانب إستخدام "القوة الخشنة (الحل العسكرى) والتى تم إعتمادها كوسيلة آخيرة لمكافحة نشاطات "جيش الرب" ،وبغطاء دولى وإقليمى واسع النطاق، وجدت (القوة الناعمة)،وهى تسير بموازاة الجهود العسكرية؛وهو أسلوب أمريكى بإمتياز منذ حقبة "الحرب الباردة"؛حيث يجرى رسم صور نمطية للخصوم من أجل شيطنتهم وتشويه صورتهم أمام الرأى العام، وذلك لتبرير السياسات اللازمة للتصدى لهم،حتى لايثور أى تعاطف أوشجب لدى الرأى العام،إذا ما ترتبت على تلك السياسات(الفظائع التى ترتكبها القوات الدولية -عندما تتدخل-بحق من تأتى بزعم حمايتهم) أية تداعيات سلبية، مثلما حدث ويحدث فى حالات التدخلات الغربية فى العراق وأفغانستان والصومال،وباكستان واليمن...ألخ ،حيث سقط الآلاف من الأبرياء ، بحجة مكافحة الإرهاب.
وفى إطارإستخدام "القوة الناعمة" ضد "جيش الرب أنتجت مؤسسة (أطفال لايراهم أحد) شريط فيديو،أخرجه الأمريكى غيبسون راسل،ومدته نصف ساعة، لتعريف العالم ب"جوزيف كونى" وجرائمه،فى سياق حملة عالمية أطلق عيها(كونى ألفان وإثناعشر).
والشريط الذى تم إطلاقه على موقع(يوتيوب)، يقال أنه شاهده حوالى(72) مليون مشاهد، خلال أقل من أسبوع؛ ومن هنا أصبح "كونى" شخصية مشهورة،وهو ما لم يتحقق طوالى العشرين سنة التى قضاها فى محاربة النظام اليوغندى!.
ولكن، رغم كل تلك الجهود ما يزال الفشل يلاحق خطط القضاء على قوة ونشاط"جيش الرب للمقاومة" ،مما يطرح عدة أسئلة حول القوة الفعلية التى يتمتع بها هذا "الفصيل"،والأهداف الكامنة وراء تهويل خطره على صعيد دولى.
كما أن التساؤلات تقف عند التعامل الإنتقائى من (الحركات السالبة) والتى تشمل الى جانب حيش الرب،حركات التمرد فى المنطقة،والتى تم تصنيفها على أنها حركات إرهابية فى قمة ( دول البحيرات العظمى) فى أغسطس الماضى، ودعا البيان الختامى لتلك القمة الدول الأعضاء الى وقف تقديم أى شكل من أشكال الدعم الى تلك الحركات،والعمل على تنسيق الجهود فيما بين تلك الدول لتصدى لأنشطتها الهدامة.
ويرى البعض أن خطر جيش الرب والحركات السالبة الأخرى، لا يتطلب كل هذا التجييش وطلب التدخل الدولى ،وإنما يتم القضاء عليها فقط عبرالتعاون الإقليمى الفعال بين الدول المعنية،على غرارتجربة القوات المشتركة السودانية التشادية، والتى أسسه البلدان فى.2009م حيث أثبتت نجاعتها فى ضبط الحدود ومراقبتها ،وتحقيق الأمن المتبادل بأقل التكاليف، مما جعل دولة أفريقيا الوسطى، تطلب من الدولتين توسيع التجربة وضمها اليها،لتصبح قوات "مشتركة ثلاثية"؛بشهادة المنظمات الدولية ،وقد حققت تلك التجربة أهدافها تماماً،فى الوقت الذى فشلت فيه خطة مطاردة "جيش الرب" ،على الرغم من الإمكانيات المادية واللوجستية المهولة التى رصدت لتلك الخطة.
ويتحدث بعض المراقبين عن أن خطر "جيش الرب" المزعوم قد تم تضخيمه عن عمد لتحقيقد أجندة أخرى،وأن قوة هذا الفصيل –الذى باتت أعداد مقاتليه لا تتجاوز ال(200) أو ال(300) شخص – تراجعت كثيراً على أرض الواقع ،وتمكن خطورته فقط فى قدرته على التحرك بين الحدود الدولية ،وأن أفضل وسيلة للتصدى لأنشطته التخريبية تلك هى التنسيق بين دول المنطقة بعيداً عن الأجندات الخارجية المغرضة.
وكان مجلس الأمن الدولي قد أصدر فى مايو الماضى قراراً قضى بتمديد التفويض الممنوح لبعثة الأمم المتحدة والإتحاد الإفريقي المشتركة في دارفور (يوناميد) لمدة عام، فيما تحفظت الحكومة على تكليف (يوناميد) بملاحقة جيش الرب اليوغندي.
وأنتقدت الحكومة السودانية سياسات المعايير المزدوجة التى تتبعها بضع الأطراف الدولية والإقليمية ،ومن ذلك عدم إدانة "القرار الأممى" بشكل واضح للجبهة الثورية مما تسببه في عدم الإستقرار وإنعدام الأمن فى بعض مناطق السودان.
ورغم المحاولات لتوريط السودان فى مستنقع "جيش الرب" والذى تسعى اليه أطراف عدة ،والحشد الكثيف لمختلف أنواع القوات بحجة ملاحقته ،لم يثبت حتى الآن أى شكل من أشكال الوجود لجيش الرب فى الأراضى السودانية، حتى فى المناطق التى يصور الغرب الأوضاع فيها أنها غير مستقرة ، أو على الحدود الدولية للسودان ،كما يحدث فى الدول المجاورة ،التى رُصد فيها نشاط ما لجيش الرب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.