حضر (غاضبون) وغاب (درع السودان) وآخرين    السهم الدامر والهلال كريمة حبايب في إفتتاح المرحلة الأخيرة من الدوري العام    شاهد بالصورة والفيديو.. تيكتوكر سودانية تثير ضجة غير مسبوقة: (بحب الأولاد الطاعمين "الحلوات" وخوتهم أفضل من خوة النسوان)    شاهد بالفيديو.. الفنانة هدى عربي تظهر بدون "مكياج" وتغمز بعينها في مقطع طريف مع عازفها "كريستوفر" داخل أستوديو بالقاهرة    الصحفية والشاعرة داليا الياس: (عندي حاجز نفسي مع صبغة الشعر عند الرجال!! ولو بقيت منقطها وأرهب من الرهابة ذاتا مابتخش راسي ده!!)    شاهد.. عروس الموسم الحسناء "حنين" محمود عبد العزيز تعود لخطف الأضواء على مواقع التواصل بلقطات مبهرة إحداها مع والدها أسطورة الفن السوداني    شاهد.. عروس الموسم الحسناء "حنين" محمود عبد العزيز تعود لخطف الأضواء على مواقع التواصل بلقطات مبهرة إحداها مع والدها أسطورة الفن السوداني    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناوات سودانيات يشعلن حفل "جرتق" بلوغر معروف بعد ظهورهن بأزياء مثيرة للجدل    "الجيش السوداني يصد هجومًا لمتمردي الحركة الشعبية في الدشول ويستولي على أسلحة ودبابات"    يبدو كالوحش.. أرنولد يبهر الجميع في ريال مدريد    تدهور غير مسبوق في قيمة الجنيه السوداني    ايران تطاطىء الرأس بصورة مهينة وتتلقى الضربات من اسرائيل بلا رد    غوغل تطلب من ملياري مستخدم تغيير كلمة مرور جيميل الآن    التهديد بإغلاق مضيق هرمز يضع الاقتصاد العالمي على "حافة الهاوية"    كيم كارداشيان تنتقد "قسوة" إدارة الهجرة الأمريكية    "دم على نهد".. مسلسل جريء يواجه شبح المنع قبل عرضه    خطأ شائع أثناء الاستحمام قد يهدد حياتك    خدعة بسيطة للنوم السريع… والسر في القدم    وجوه جديدة..تسريبات عن التشكيل الوزاري الجديد في الحكومة السودانية    السلطات السودانية تضع النهاية لمسلسل منزل الكمير    (برقو ومن غيرك يابرقو)    المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    مونديال الأندية.. فرصة مبابي الأخيرة في سباق الكرة الذهبية    بلاغ بوجود قنبلة..طائرة سعودية تغيّر مسارها..ما التفاصيل؟    كامل إدريس يدعو أساتذة الجامعات للاسهام في نهضة البلاد وتنميتها    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن جريمة قتل غامضة وتوقف المتورطين    أردوغان: الهجوم الإسرائيلي على إيران له أهداف خبيثة    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    أنباء عن اغتيال ناظر في السودان    الترجي يسقط أمام فلامنغو في مونديال الأندية    افتتاح المرحلة النهائية للدوري التأهيلي للممتاز عصر اليوم باستاد الدامر.    في السودان :كيف تتم حماية بلادنا من اختراق المخابرات الإسرائيلية للوسط الصحفي    من الجزيرة إلى كرب التوم..هل دخل الجنجويد مدينة أو قرية واستمرت فيها الحياة طبيعية؟    الحرب الايرانية – الاسرائيلية: بعيدا عن التكتيات العسكرية    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    عناوين الصحف الرياضية السودانية الصادرة اليوم الأثنين 16 يونيو 2025    رباعية نظيفة .. باريس يهين أتلتيكو مدريد في مونديال الأندية    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    المباحث الجنائية المركزية بولايةنهر النيل تنجح في فك طلاسم بلاغ قتيل حي الطراوة    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    وزارة الصحة وبالتعاون مع صحة الخرطوم تعلن تنفيذ حملة الاستجابة لوباء الكوليرا    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخيارات الممكنة للتعامل مع دولة الجنوب وفق الإستراتيجية الجديدة

وغير هذه من العناوين والمواقف والتي تشير كلها إلى إتجاه تدهور الأوضاع وتأزم العلاقات بين الدولة (الأصل) والدولة (الوليدة)، والتي ما كانت في لحظة من اللحظات تسير في الإتجاه الإيجابي، إذ كلما ظهرت بوادر أمل تشير إلى الإتجاه الإيجابي إلا كان الفعل المعاكس من المتنفذين في حكومة الجنوب يشير إلى الإتجاه المعاكس. ولنبدأ قراءة الأحداث من تلك العناوين آنفة الذكر:
بصورة عامة وقبل الدخول في تحليل تلك الأحداث فقد نجحت حكومة الجنوب في أن تجعل حكومة السودان تستغرق معظم وقتها وجهدها ومالها، إن لم نبالغ ونقل كل الوقت والجهد والمال لمعالجة الإشكالات مع الجنوب. وهنا مربط الفرس، وهو ما ترمي إليه الإستراتيجية (المرسومة) لدولة الجنوب لإنفاذها. وهذا تحت عنوان (وأشغل أعدائي بأنفسهم). فواضعوا تلك الإستراتيجية يعلمون أن هذا (المارد) لو تُرك لشأنه وما يملكه من إمكانات مادية وبشرية وموارد فوق الأرض وتحتها، فليس له حدود في مدافعة الكبار ومزاحمتهم في ميادين غير مسموح للآخرين الإقتراب منها، ناهيك عن محاولة قطع (تذاكر) للدخول عبر البوابات الرئيسية. خاصة وقد ظهرت بعض بوادر (سوء الأدب) في التعامل مع الكبار من هذا الذي كان يحبو في مطلع التسعينات.
ولنأتي إلى تحليل قرار الرئيس بعدم التفاوض مع قطاع الشمال:
أولاً: في تقديري أن هذا القرار كان يفترض أن يأتي من أية مسئول في أية درجة تتناسب مع مثل هذا القرار إلا الرئيس. وذلك لأنه قراراً تعبوياً وليس سياسياً. إذ لو حدثت متغيرات وربما ضغوط، وربما تحالفات إقتضت التفاوض مع قطاع الشمال فإن ذلك سوف يضع الرئيس في حرج بالغ.
ثانياً: صدور هذا القرار من الرئيس فيه إشارة سالبة للذين حول الرئيس، ومعاوني الرئيس ومستشاريه، أن ليس فيهم الناصح الأمين، والسياسي البارع، إذ أن لو كان فيهم مثل ذلك لما أصدر الرئيس مثل هذا القرار. فلو بذلوا النصح ولم يستمع الرئيس للنصح فعليهم الإستقالة، ولكني أعلم أن الرئيس مستمع جيد قابل للنصح، خاصة إذا جاءه من صادق مخلص وليس صاحب هوى.
ثالثاً: لو كان للرئيس مستشارين ومعاونين سياسيين لكان القرار بعدم التفاوض مع قطاع الشمال تحت إسم (قطاع الشمال)، إذ لابد أن يكون الحوار مع الأجسام والأحزاب والمنظمات السودانية المسجلة وفق القانون السوداني. وأن يكون التفاوض وفق بروتوكول المنطقتين الملحق بإتفاقية نيفاشا، وأن يكون الحوار شاملاً لكل أصحاب المصلحة في المنطقتين، وليس محصوراً على جهة أو حزب أو منظمة معينة.
رابعاً: وفق هذه الشروط الآنفة الذكر لابد أن يتم التفاوض مع الذين يحملون السلاح، فما حلت الحرب في يوم من الأيام مشكلة بين متحاربين، فعادةً بعد القتال يجلس الفرقاء على طاولة التفاوض للوصول إلى حل سياسي، خاصة عندما يتأكد لطرفي القتال أنه ليس في مقدور أياً منهم إحراز نصر عسكري حاسم.
أما إعلان قطاع الشمال إستعداده لعقد هدنة مع الحكومة لإيفاء المتطلبات الإنسانية فنقرأ فيه الآتي:
أولاً: يمكن قراءة هذا الإعلان على أنه إعلان سياسي، الهدف منه كسب التعاطف الدولي المهموم بالقضايا الإنسانية في هذا النزاع، ومن ذلك وصم حكومة السودان وإلقاء الإتهام عليها بأنها هي التي تسعى إلى إعاقة المساعدات الإنسانية، وبذلك يتم تأليب المنظمات الدولية المهتمة بهذا الشأن ضد حكومة السودان.
ثانياً: ربما يكون الهدف من هذا الإعلان تكتيكي، وذلك بجر الحكومة إلى طاولة المفاوضات، وبذلك يكون فيه كسر للموقف الحكومي الرافض للجلوس مع قطاع الشمال، وبذلك يكون قطاع الشمال قد حقق ما يصبوا إليه بالتفاوض تحت لافتة قطاع الشمال.
ثالثاً: لابد أن يكون موقف الحكومة الرافض للتفاوض تحت مسمى قطاع الشمال واضحاً ومفهوماً، إذ ليس المشكلة في المسميات، وذلك لأن التفاوض تحت إسم قطاع الشمال يعني الخروج من دائرة ومرجعيات نيفاشا، الأمر الذي يعني فتح ملف جديد أسمه الجنوب، أو إسمه السودان الجديد، وهذا ما لن تسمح به الحكومة. ولذلك تسعى الحكومة للتفاوض وفق بروتوكول المنطقتين وأن يكون ذلك تحت أي إسم، لكن المهم أن يحمل هذا الإسم كل المعنيين بالمنطقتين الذي يشمل كافة الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني في المنطقتين.
أما الشق الثاني من قرار الرئيس بضرورة تنفيذ إتفاق التعاون مع دولة الجنوب كاملاً، فنقرأه مقروناً مع إعلان الحكومة بضرورة وضع إستراتيجية جديدة للتعامل مع دولة الجنوب:
وتعكس هذه التصريحات ضيق الحكومة من طريقة التعامل مع دولة الجنوب، وسلوكها السيئ في التحامل على السودان وإيذائه، سواءً كان ذلك بدعم الجبهة الثورية، أو عبر إضطرابات الحدود وإعتداءات الجيش الشعبي على المواطنين السودانيين على الحدود بين البلدين، وذلك كله مع تراجع دولة الجنوب عن إتفاق التعاون المشترك، مع إطلاق إتهامات بأن الخرطوم هي التي تعرقل الإتفاق، الأمر الذي جعل الحكومة تصل إلى قناعة سياسية مؤداها أن سياسة التنازلات التي كانت تسلكها الحكومة طيلة الفترة الفائتة طمعاً في الوصول إلى سلام دائم باتت غير مجدية، الأمر الذي إستلزم إتخاذ موقف حازم كانت ترجمته قرارات الرئيس أعلاه.
ويمكن أن نقرأ من ذلك الآتي:
أولاً: ربما يجد قرار الحكومة شماتة كبيرة خاصةً من بعض (المتشددين) داخل الحكومة وخارجها، والذين كانوا يرفضون سياسة الحكومة التي كانت تتبعها تجاه الجنوب، والتي يعتبرون أن فيها كثيراً من التدليل لمن لا يستحق، وليس في محله ولا في أهله. وربما يكون هؤلاء (المتشددين) قد وفقوا (باكراً) في قراءة موقف الحكومة، أو ربما وفقوا في ذلك (حدساً) أو كان ذلك (كراهةً) من ممارسات الحركة الطائشة بقيادة (باقان) و(عرمان) والّذين نجحا في أن لا يتركا بطناً باردة من (الشمال) تجاه (الجنوب).
وأياً كان الأمر فحقيقة ما كان موقف الحكومة المتسامح والمتساهل المملوء بحسن النية، ما كان يجد ما يسنده من الوقائع والمعطيات والأفعال على أرض الواقع، سواءً كان من الحركة، أو الداعمين لها في الخارج. ولكن حسناً أن وصلت الحكومة لهذه القناعة، ويحمد لها أنها أعلنت ذلك ولم تركب (رأسها).
وكانت هناك عدة وجهات نظر للتعامل مع حكومة الجنوب منها:
1. أن يتم التعامل مع حكومة الجنوب بإنفاذ الإتفاقات حتى ولو كان من طرف الحكومة فقط.
2. إن تنفيذ الإتفاقات مع الحكومة في مصلحة الطرفين، وأياً كان المبادر في بداية التنفيذ سيجني الطرفان الفائدة.
3. أن يتم التعامل مع حكومة جنوب السودان بالمثل، والعمل على إسقاط حكومة الحركة، وأن يتم إنفاذ الملف الأمني أولاً قبل الإتفاقات الأخرى.
سوف نتناول هذه الوجهات الثلاث ونخضعها للتحليل، ومن ثم إختيار الأمثل منها لحلحلة الإشكالات بين الدولتين.
يرى أصحاب وجة النظر القائلة بإنفاذ الإتفاقات مع حكومة الجنوب حتى وإن كان إنفاذ ذلك من طرف الحكومة السودانية وحدها. ويعتقدون أن ذلك فيه مصلحة للسودان، ففي تنشيط الإتفاق التجاري يكون العائد على حكومة السودان أكبر بكثير من عائدات النفظ. كما أن عدم تنفيذ الإتفاق التجاري يجعل هذه السوق مفتوحة للدول الأفريقية، الأمر الذي يجعل هناك صعوبة كبيرة في إستعادتها إذا توطدت العلاقة مع تلك الدول. كما أنهم يضيفون أن الواقع الجغرافي والتأريخي يحتم ضرورة التعامل بين الدولتين، وهو بلا شك سوف يكون كذلك، مهما إمتدت فترة القطيعة بين الدولتين. إضافة إلى ذلك فإن تحسين العلاقات الإقتصادية وخلق روابط إقتصادية متينة بين الدولتين يعتبر من العوامل المهمة في تحسين العلاقات السياسية وديمومتها.
أما أصحاب وجة النظر الذين يرون أن في إنفاذ الإتفاق مصلحة للطرفين ومنهم (اليكس دي وال)، فهم يرون أن مصلحة البلدين في تطبيع العلاقات وفتح الحدود ومنح دور أكبر لقوات الأمم المتحدة في أبيي. ففي ذلك منافع كبيرة للطرفين، سيعود السودان مجدداً كعضو فاعل في الإسرة الدولية، وسيحصل على ترتيبات مالية تقتضي إعطاءه ثلاثة بلايين دولار. على الطرفين أن يفكرا بصورة إستراتيجية ولفترة طويلة وليست آنية، ويجب عدم الوقوف على التفاصيل. ويعتقد أصحاب هذا الرأي أنه لا يوجد حل إلا أن يعيشا سوياً، لأن الجغرافيا والتأريخ وأشياء أخرى مشتركة تُحتم عليهما العيش سوياً، فلابد أن يوسعا أفقهما، فإن فعلا ذلك فهناك مصالح وفوائد عديدة سيجنيانها، وإن لم يفعلا ذلك فإن السيناريو سيكون سيئاً للغاية.
أما أصحاب الرأي الذين يدعون للتعامل بالمثل بدعم الحركات المناهضة لحكومة الجنوب، والإصرار على إنفاذ إتفاقات الملف الأمني كشرط لتنفيذ الإتفاقات الإقتصادية وعلى رأسها البترول، فلا يختلفون مع أصحاب وجهتي النظر السابقتين في تحقيق مصالح للطرفين إذا تم تطبيع العلاقات بين الطرفين وإنفاذ الإتفاقات بينهما، ولكنهم يجزمون أن ذلك لن يتم، لأن دولة الجنوب لا ترغب في ذلك، ويتضح ذلك في الآتي:
أولاً: لم يكن من أهداف الحركة الشعبية ومن يدعمونها في يوم من الأيام منذ مرحلة التفاوض في نيفاشا وإلى الآن أن يكون هناك تعايش سلمي بين الشمال والجنوب، أو بين العرب والأفارقة، أو بين المسيحيين والمسلمين، إنما كان هدفهم بإستمرار إنشاء دولة تسود فيها فكرة السودان الجديد التي تعني فيه السيادة للعنصر الزنجي المسيحي وطرد ما يسمونهم بالجلابة خارج السودان.
ثانياً: ولتحقيق هذا الحلم فإن إسقاط النظام الحالي شرط مهم، وصممت نيفاشا وتضمينها عدة وسائل كلها تعمل على تحقيق هذا الهدف. وحتي التلكؤ في إنفاذ الإتفاقات الأخيرة مردوده إلى أنهم يعتقدون أن النظام الآن آيل للسقوط، فإنفاذ هذه الإتفاقات سيضيف عمراً جديداً للإنقاذ.
ثالثاً: إن الحركة الشعبية ليست حرة في إتخاذ قراراتها، فهي مرتبطة بقوى خارجية ساعدتها وإستخدمتها لتحقيق أهدافها، وحتي الآن تسدد في هذه الفواتير. أهم تلك القوى اللوبي الصهيوني وإسرائيل، ومن أهدافهما تقسيم السودان إلى دويلات، وأن يكون في حالة عدم إستقرار بصورة مستمرة.
رابعاً: يعتقدون أن ذلك ليس أوهام أو خيال، فإن سلوك الحركة الشعبية وقادتها على أرض الواقع يؤكد ذلك، سوءً كان في سلوكها أثناء فترة الإنتقال، أو ساعة إعلان الإنفصال، أو عند الإحتفال بقيام الدولة الجديدة، أو بالتنصل من إتفاق التعاون الأخير.
خامساً: هناك كره وحقد أوغر صدور أفراد الحركة الشعبية وأعمى أبصارهم (كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ* اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ* لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ). وقد ترجموا ذلك عملياً عبر التأريخ وحتى الآن، وكانت أحداث توريت 1955م، ويوم الإثنين الأسود يوم قتل قرنق شاهداً على ذلك.
سادساً: أنهم يؤكدون على كل ذلك أن الحكومة توصلت أخيراً إلى ما كان من قناعتهم منذ مفاوضات نيفاشا، ولسان حالهم يقول على رأى النكتة السودانية (أنا قولي خلَو آلقاضي أن شاء الله يطير، أنت قولك شنو؟).
نقرأ ذلك كله مع إقالة سلفاكير لولاة الولايات المتاخمة للسودان، وإعفاء مائة وثمانية عشر جنرالاً من قادة الجيش الشعبي، مع تصريح السيد ليمان الذي تنبأ بإنهيار دولة الجنوب في أي لحظة، مضيفاً عزم الولايات المتحدة للدعوة لمؤتمر داعم لدولة الجنوب وإنقاذها من الإنهيار.
ومن غير الدخول في تفاصيل وتحليل هذه الأخبار، فمن المؤكد أنها ترسم الصورة الدرامية التي ساقت إليها الحركة الشعبية الجنوب ومواطنوه. ومن المؤكد أن إقالة الولاة والجنرالات "إن تأكد" لاتدخل في الخلافات بينهم وقرنق في إنفاذ الإتفاق مع دولة السودان، ولكنه صراع وتبرم وخلافات ناتجة عن عدم مقدرة الحركة الشعبية وفشلها في إدارة الدولة "الوليدة".
أما مؤتمر المانحين فلا أستبعد أن يكون أحد أدوات سياسة الولايات المتحدة في تعاملها مع السودان، وذلك لأن لا الولايات المتحدة ولا غيرها من المانحين عندهم ما يمكن أن يقدموه لدعم الحركة الشعبية، وذلك للحالة السئية التي تعيشها الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا.
فهذه الدول عندما كانت تملك لم تقصر، ولم تدعو إلى مؤتمر مانحين، أنما كان العون والدعم متدفقاً على دولة الجنوب، والتي لم تحسن إستقلاله بسبب الفساد. هذا الفساد الذي يمنع هذه الدول الغربية من تقديم العون لدولة الجنوب، لو كانت هذه الدول تملك ما يمكن أن تقدمه. وهذا ما عبر عنه عضو الكونغرس الأمريكي "فرانك وولف" العدو اللدود لحكومة السودان، والداعم بغير حدود للحركة الشعبية، في رسالته التي أرسلها إلى وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري"، حيث دعاه (للتعامل بحسم مع ما أسماه التحديات التي تواجه دولة الجنوب، وعلى راسها إنتشار الفساد في الدولة الوليدة، والتي وصفها في الرسالة بأنها دولة منهارة).
فعليه، وبناءً على ما سبق نخلص للأتي:
أولاً: إن ما توصلت إليه الحكومة من وضع إستراتيجية جديدة للتعامل مع الحركة الشعبية ودولة الجنوب يتماشى مع المعطيات والواقع على الأرض.
ثانياً: إن إشتراط إنفاذ الملف الأمني مهم لإنفاذ إتفاق التعاون مع دولة الجنوب، وخاصة عدم السماح بمرور النفط.
ثالثا: مع الإقرار بأن التعاون والتطبيع مع دولة الجنوب هو الخيار، إلا أن ذلك لن يتم في وجود حكومة الحركة الشعبية.
رابعاً: لكي لا ينشغل السودان ويضيع وقته وماله وجهده مع دولة الجنوب، فالأفضل إحالة هذا الملف إلى وزارة الخارجية بإعتباره نزاع بين دولتين.
خامساً: إن الحرب لا تحسم صراع، وإنما بعد الحرب وعن طريق التفاوض يتم التوصل للحل السياسي.
سادساً: من الأفضل أن يصحح أعوان الرئيس قراره بخصوص قطاع الشمال، بأن المقصود منه أنه سوف لن يتم التفاوض مع قطاع الشمال تحت هذا الأسم ما لم يتم تسجيلهم كحزب حسب القانون السوداني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.