عزمي عبد الرازق يكتب: هل نحنُ بحاجة إلى سيادة بحرية؟    الأقمار الصناعية تكشف مواقع جديدة بمطار نيالا للتحكم بالمسيرات ومخابئ لمشغلي المُسيّرات    اهلي جدة الاهلي السعودي الأهلي    أهلي جدة يصنع التاريخ ويتوج بطلًا لنخبة آسيا    فاز بهدفين .. أهلي جدة يصنع التاريخ ويتوج بطلًا لنخبة آسيا    بتعادل جنوني.. لايبزيج يؤجل إعلان تتويج بايرن ميونخ    منظمة حقوقية: الدعم السريع تقتل 300 مدني في النهود بينهم نساء وأطفال وتمنع المواطنين من النزوح وتنهب الأسواق ومخازن الأدوية والمستشفى    التلفزيون الجزائري: الإمارات دولة مصطنعة حولت نفسها الى مصنع للشر والفتنة    وزير الثقافة والإعلام يُبشر بفرح الشعب وانتصار إرادة الأمة    السودان يقدم مرافعته الشفوية امام محكمة العدل الدولية    عقب ظهور نتيجة الشهادة السودانية: والي ولاية الجزيرة يؤكد التزام الحكومة بدعم التعليم    هل هدّد أنشيلوتي البرازيل رفضاً لتسريبات "محرجة" لريال مدريد؟    "من الجنسيتين البنجلاديشية والسودانية" .. القبض على (5) مقيمين في خميس مشيط لارتكابهم عمليات نصب واحتيال – صورة    دبابيس ودالشريف    النهود…شنب نمر    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    منتخب الضعين شمال يودع بطولة الصداقة للمحليات    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المصفوفة الأمنية.. الطريق الى حُسن الجوار والمصالح المتبادلة

تعتبر مصفوفة تنفيذ الإتفاقيات الأمنية التى تم توقيعها بين السودان وجنوب السودان فى الثامن من الشهر الجارى بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا تحت رعاية الوساطة الأفريقية رفيعة المستوى التى يقودها الرئيس الجنوب أفريقى الأسبق ثامبو أمبيكى، إختراقاً مهماً فى سبيل التوصل الى علاقات طبيعية وفعالة بين البلدين، وذلك بعد أن هيمن التوتر والحروب والصراعات بدلاً عن السلم والتعاون.
ولم تفلح كافة الجولات التفاوضية العديدة التى عقدت بين وفود البلدين فى الوصول الى مرحلة تطبيق التفاهمات التى تمت بينهما، وهدد مجلس السلم الأمن بالإتخاد الأفريقى بإحالة ملف المفاوضات بين البلدين الى مجلس الأمن الدولى إن فشلا فى إحراز تقدم يذكر، خاصة بعد صدور القرار الدولى(2046)، كما أن القمة التى عقدت بين رئيسى البلدين فى يناير الماضى هى الأخرى لم تفلح فى إزالة الجمود وحالة عدم الثقة الى تنتاب قيادة البلدان.
مصفوفة جديدة
ونصت المصفوفة الجديدة على بدء البلدان فى سحب قواتهما فعلياً من المنطقة العازلة فى الفترة ما بين14-21من مارس الجارى، وأن تصدر الأوامر الأولية من قيادة الجيشين فى البلدين ما بين 10-14 مارس، على أن تتولى قوات البعثة الأممية فى أبيى"يونيسفا" مهمة المراقبة والتحقق من عملية إنسحاب الجيشين، وذلك بعد مرور (33) يوماً على إصدار أوامر الإنسحاب.
وتأتى تلك المصفوفة بعد التعثر الذى أعترى تطبيق إتفاق التعاون بين البلدين، بسبب عدم رغبة بعض النافذين داخل دولة جنوب السودان فى المضى قدماً فى تنزيل ذلك الإتفاق، وغيره الى أرض الواقع، وكان السودان قد أكد على ضرورة تطبيق جميع التفاهمات الواردة فى إتفاق التعاون دفعة واحدة بدلاً من التطبيق الجزئى لهذه الإتفاقيات، كما سعت الى ذلك دولة الجنوب ،وبعض الدول الغربية، عندما أصروا على الفصل بين ملف إعادة تصدير النفط، والذى توقف ضخه عبر الموانئ السودانية لأكثر من عام، نتيجة قرار أحادى لدولة جنوب السودان، وبين الملف الأمنى حيث يصر السودان على تنفيذ كافة التفاهمات الأمنية الى تمت التوصل اليها مع دولة جنوب السودان، وعلى رأسها فك الإرتباط مع متمردي الحركة الشعبية قطاع الشمال الذين يخوضون حرباً بالوكالة ضد السودان، فى ولايتى جنوب كردفان والنيل الأزرق، فضلاً عن إقامة المنطقة العازلة على حدود البلدين.
الأمن المتبادل
ويعود التوتر بين الدولتين طوال الفترة الى أعقبت إعلان قيام دولة جنوب السودان رسمياً فى التاسع من يوليو 2011م، الى موضوع الأمن، حيث تواصل دولة جنوب السودان، دعم الجيش الشعبى ممثلة فى الفرقتين التاسعة والعاشرة اللتان تقودان التمرد في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، فضلاً عن إيواء عناصر الجبهة الثورية.
وكانت الدولتان قد اتفقتا فى السابع والعشرين من سبتمبر الماضى عبرحزمة إتفاقيات التعاون المشترك بينهما على إقامة مناطق عازلة منزوعة السلاح على طول الحدود بينهما، والتي تبلغ حوالي (1800) كلم، ونصت تلك الإتفاقات على إنفاذ الترتيبات الأمنية، وعلى السحب الفوري لقوات البلدين من جانبي حدودهما، وإنسحاب قوات البلدين الى داخل حدودهما تمهيداً لتحديد نقاط إقامة المنطقة العازلة، وتفعيل بعثة مراقبة الحدود بموجب اتفاق 30 يونيو 2011 حول الترتيبات الأمنية، كذلك بقاء قوات البلدين في المنطقة المنزوعة السلاح بقواعدها الحالية.
وكان الملف الأمني قد تعّقد أكثر فأكثر بسبب إقحام الوساطة الأفريقية منطقة الميل (14) ضمن خريطة دولة جنوب السودان، وهو ما رفضه السودان بشدة وأصر على الالتزام بحدود يناير 1956 كمرجعية حول المناطق المتنازع عليها، وهي (جودة، كافيا كنجي، حفرة النحاس، المقينص، كاكا التجارية)، كما أتفقا على جعل إدارة الميل (14) للإدارة الأهلية ممثلة في نظارة الرزيقات ودينكا ملوال، على أن تنسحب قوات البلدين مسافة (10) كيلومترات من المنطقة إلى داخل حدود كل بلد، فضلاً عن مماطلة وتسويف قادة دولة جنوب السودان فى وقف مختلف أشكال الدعم للمتمردين ضد السودان.
إن المضي قدماً في تطبيق المصفوفة الأخيرة ومن شأنه دفع الاتفاقات الأمنية بين البلدين، وإمكان التطبيع التدريجي لعلاقتهما، وإنجاح تطبيق الاتفاقيات الأخرى، كما أنها توفر مزيداً من الثقة للتوصل إلى حلول متشابهة لقضيتي ترسيم الحدود وأبيي اللتين ما زالتا عالقتين فى إنتظار التوصل الى التسوية النهائية حولهما.
سياق مختلف
ويرى مراقبون أن مصفوفة الترتيبات الأمنية التى تم التوصل اليها بين الطرفين جاءت فى سياق مختلف هذه المرة، فدولة جنوب السودان – التى تمور بالمتغيرات- لم يعد فى مقدورها مجاراة الإستراتيجيات والأجندات لبعض الأطراف الخارجية التى لا تهمها مصلحة الشعوب، بقدر ما يهمها تحقيق أهدفها الشريرة ولو على حساب الآخرين، خاصة بعد صدور تقرير خبراء لجنة العقوبات التابعة للأمم المتحدة الأسبوع الماضى، وذكر التقريرأن دولة جنوب السودان تأوي فى داخل أراضيها قاعدة تابعة لمتمردى فصيل العدل والمساوة وتضم حوالى (800) متمرداً، وأن بحوزة هذا "الفصيل" أسلحة ثقيلة تشمل راجمات وصواريخ.
وفضح التقرير الأممى المشار اليه، تواطؤ عدد من الأطراف الضالعة فى الشأن السودانى، إذ ليس فى مقدور فصيل متمرد كالعدل والمساوة إمتلاك أسلحة لا تمتلكها إلا للدول، كما أن عمليات توريد الأسلحة الثقيلة تخضع لمراقبة مشددة فى الدول المنتجة للاسلحة، ويتم تعقب شحنات تلك الأسلحة من خلال نظام ذا طابع عالمى، بالتالى الوجهة الأخيرة لأى نوع من الأسلحة يكون معروف بالنسبة للدول والأمم المتحدة إذا ما كانت تريد التحقق من ذلك، ولكن كما يرى العديد من المراقبين إنه ومع تصاعد دور شركات الأسلحة والشركات الأمنية عبر العالم والتى تقف وراءها دول كبرى، فأن عمليات مراقبة نقل وشراء الأسلحة تكاد تكون مسيسة بالكامل، ففى حالة السودان مثلاً يتم فرض جظر على شراء ونقل الأسلحة على الحكومة التى تكافح أنشطة المتمردين المسلحين المدعومين من الخارج، بينما يتم السماح بتدفق مختلف أنواع الأسلحة الى أولئك المتمردين تحت سمع وبصر المنظمات وأجهزة المخابرات التى تنشط فى المنطقة، ويتم غض الطرف عن ذلك من اجل تحقيق أهداف سياسية محضة تتعلق بأهداف الدول الغربية الكبرى وتلك الدائرة فى فلكها من دول الإقليم.
وأيضاً فى ظل المعطيات الراهنة على كافة المستويات، لا سيما بعد فقدان المتمردين لمصادر الإمداد اللوجيستى، وبعد تحسن العلاقات السودانية - التشادية، وسقوط نظام العقيد القذافى فى ليبيا، والخسائرة العسكرية الفادحة التى ألحقها الجيش السودانى بفصائل التمرد، بتوجيهه ضربات موجعة حتى فقدت القدرة على شن عمليات عسكرية ذات بال، وتحولت الى مجرد أنشطة لصوصية وقطع للطرقات وتدمير مشروعات التنمية والخدمات العامة.
ومن العوامل التى ربما تدفع قادة دولة جنوب السودان الى تطبيق مصفوفة الترتيبات الأمنية بجدية هذه المرة، أدراك المجتمع الدولي من تطورات الأحداث المتلاحقة فى الفترة القليلة الماضية أن استمرار دولة جنوب السودان في دعم حركات التمرد ضد السودان كفيل بإشعال حرب إقليمية، قد تلقي بظلالها على سائر منطقة القرن الأفريقي والبحيرات العظمى، وهى مناطق هشة أصلاً وتعانى من الصراعات والحروب المزمنة، وأن دول العالم لست مستعدة الآن لتحمل التبعات الإنسانية لأي حرب إقليمية أو أى أزمات قد تنجم عنها، كما أن قدرة الدول الكبرى على مساعدة دولة جنوب السودان على النهوض، قد تتضاءل إذاما استمرت سياسة إشعال الحروب ضد السودان والنزاعات المسلحة داخل الدولة الوليدة نفسها.
وتجد الآن اطروحات ومواقف الحكومة السودانية لاتى تحملت فى سبيلها الكثير من الضغوط، وهى أن تحقيق الأمن مقدم على بقية الملفاتن تجد القبول من الوساطة الأفريقية رفيعة المستوى والأمم المتحدة، وحتى الأطراف الدولية التي تتذرع بإنعدام الأمن لعقد مؤتمر للمانحين لدعم الاقتصاد السوداني حسب مقتضيات اتفاقية السلام الشامل.
وكانت الخطوة التى اتنخذها رئيس دولة جنوب السودان الشهر الماضى والتى أقال بموجبها عدد من الجنرالات النافذين داخل الجيش الشعبى، من الذين يوصفون بأنهم يعارضون تطبيق أي إتفاقيات بين السودان وجنوب السودان، وانهم ربما يشقون عصا اللطاعة عن رئيس الدولة نفسة إذا ما أوفى بتعهداته الخطية التى قدمها الى رئيس الآلية الأفريقية رفيعة المستوى، وألتزم بفك الإرتباط مع متمردى قطاع الشمال.
تحذيرات غربية
وتواترت مؤخراً التقارير والتصريحات الغربية التى تحذر من تسارع وتيرة المؤشرات على قرب حدوث إنهيار دولة جنوب السودان والتي تخطت بحسب المراقبين مراحل الدولة الفاشلة، وبلغ التدهور الأمنى والسياسى والإقتصادى القمة ختى خيم شبح المجاعة. وأشار تقرير لمكتب تنسيق الشئون الإقتصادية التابع للامم المتحدة (أوتشا)، أن الملايين من مواطني جنوب السودان مهددون بالمجاعة نتيجة نقص الغذاء والنزاعات وتدنى الإنتاج. ومن جانبه قال المبعوث الأمريكى للسودان وجنوب السودان برنستون ليمان إن دولة الجنوب على شفا الإنهيار وهو أخطر تصريح وشهادة من مسئول دولي رفيع المستوى، كما أعلنت الادارة الأمريكية عزمها تنظيم مؤتمر إقتصادى لإنقاذ إقتصاد الجنوب من الإنهيار، إلا أن كل الدلائل والمؤشرات أكدت إستنكاف وتمنع اللعديد من الدول المانحة من المشاركة فى تلك التظاهرة الأمريكية.
هذا وقد فشلت كل الخيارات أمام دولة جنوب السودان لتصدير نفطها عبر منافذ أخرة غير السودان لأسباب إقتصادية وأمنية وتمويلية. وفى المقابل تمكن السودان من إيجاد بدائل إقتصادية أخرى عبر التعدين والذهب والإكتشافات النفطية الجديدة، وسد الفجوة التى نمت عن خروج عائدات نفط الجنوب، أو ما يمثل 75% من موازنة البلاد.
ويضاف الى العوامل السابقة الى دفعت دولة جنوب السودان الى القبول بالمصفوفة الجديدة النجاح النسبى لحكومة السودانية فى إمتصاص الآثار الإقتصادية بعد الإنفصال. وأما فى الجانب العسكرى والسياسى فقد حدث إختراق كبير فى ملف دارفور، كما تمكنت الحكومة السوانية من الحيلولة دون نجاح عناصر التمرد فى تحقيق أى إنجاز عسكرى يذكر فى جنوب كردفان والنيل الأزرق بإعتبارهما مناطق نزاع تعول عليها الدوائر المستهدفة للسودان.
فى الداخل لم تتمكن القوى السياسية المساندة للتمرد فى الخرطوم من تحقيق أي تحول سياسى ضدحكومة الإنقاذ من تسجيل نقاط سياسية لصالحها بعد توقيع تلك القوى لوثيقة كمبالا مع القوى المتمردة.
شريان الحياة
تعتمد دولة جنوب السودان على النفط اوالذى يشكل فى موازنتها العامة ما نسبته 98%، ووصف مراقبون وقف دولة جنوب السودان تصدير النفط عبرالسودان بأنه انتحار سياسي ، وذلك ، لانه فضلاً عن كونها دولة وليدة فهى تحتاج إلى أموال ضخمة لتأسيس البنيات التحتية وتوفير الخدمات العامة ،وخطط ضخمة فى الإعمار إعادة الإعمار والإنعاش الاقتصادي، وأن ذلك لن يتأتى أو يتحقق ما لم يتوفر الإستقرار داخل الدلوة نفسها ومع دولة الجوار وأهمها السودان، والذى يعتبر الشريان الوحيد لضمان إنسياب تنفق السلع الصرروية لمواطنى دولة جنوب السودان وبأسعر وتكاليف أقل من أى تبادل تجارى مع أى دولة أخرى من دول الجوار.
ومؤخراً أشارت تقرير المنظمات الدولية العاملة فى جنوب السودان الى أن حوالى ستة ملايين من مواطنى تلك الدولة ربما يقعون فريسة للجوع ، فى العام الجارى ،إذا لم يتم تدارك الأوضاع هناك..
توصل السودان وجنوب السودان ، في 5 أغسطس الماضي ،إلى اتفاق بينهما حول ملف النفط وجاءت الخطوة عقب اغلاق دولة جنوب السودان لخط الأنابيب في 20 يناير الماضي، وخسرت بذلك (650) مليون دولار كانت تدخل خزينتها العامة شهرياً ، حيث تعتمد على النفط بنسبة 98% وأدى إغلاق النفط للتضخم الحاد، وأزمات إنسانية وتدهور الأمن، وارتفاع أعداد الضحايا جراء ذلك.
ومن هنا مورست على دولة جنوب السودان ضغوط مكثفة من الدول الغربية على وجه الخصوص إنطلاقاً من أن تفاقم الأزمة الاقتصادية الناتجة عن وقف دولة الجنوب تصدير نفطها وإستمرار التوتر بينها والسودان وتوقف المصالح الضخمة بينهما جراء ذلك ،سوف تعجل بسقوط دولة جنوب السودان قبل سقوط حكومة السودان ، كما كانت تسعى هذه الدول ،وارتفعت "الأصوات الدولية" التي تحذر من أن دولة الجنوب باتت على شفا الكارثة ،من تطبيع العلاقات بينها وبين السودان.
فواتير خارجية
ويرى مراقبون أن قدرة السودان على التصدى للتحركات السالبة من قبل دول الجوار أو من عناصر التمرد المحلية المرتبطة بالأجندات الخارجية ، هو ما دفع بالأطراف الدولية التى تحاول جاهدة التأثير فى ملف التفاوض بين السودان وجنوب السودان، وذلك من حلال تحريض العناصر التافذة داخل دولة جنوب السودان، على عرقلة أى محاولة جادة الى تطبيق الإتفاقيات التى تم التوصل اليها مع السودان، وإستمرار فى سياسة العداء وإيواء المتمردين على السودان ،بجانب إستمرار أيضاً فى تسديد فواتير الدعم التى كانت قد قدمت الى هؤلاء عندما كانوا يخوضون التمرد إبان الحرب الأهلية فى الجنوب، والتى أنتهت بإتفاقية نيفاشا للسلام 2005م ،وتجدر الإشارة هنا الى تقاطع مصالح هذه الأطراف ( النافذة داخل حكومة وجيش دولة جنوب السودان، و المجموعات المعادية الى السودان داخل الولايات المتحدة الأمريكية، والمتمردين على السودان، ودولة أوغندا...الخ) فى عرقلة أى تقدم قد يحدث فى جولات مفاوضات البلدين، وذلك من أجل لإيحاء بأن الوساطة الأفريقة رفيعة المستوى بقيادة أمبيكى قد فشلت ، بدليل جولات التفاوض التى لا تكاد تحصى التى جرت بين البلدين، كما يقول هؤلاء ،وأن قضايا السودان من الأهمية بحيث يجب أن تناقش داخل أروقة مجلس الأمن الدولى، كما أنهم ينظرون الى الإتحاد الأفريقى على أنه متواطء مع السودان ، وانه عاجز عن فرض التدابير اللازمة لحمل السودان وجنوبه على التوصل الى تسويات نهائية وجادة.
خطة جديدة
ويبدو أن الإستمرار فى سياسة الحروب والأزمات من اجل إحراج الحكومة السودانية ولفرض العزلة عليها لم تعد تجدى نفعاً ،وبالتالى ستكون الإستراتيجية الجديدة بعد شعور الأطراف المتواطئة على السودان، أن التكتيكات القديمة ليست فعالة بالقدر الذى يحقق لها أهدافها فى السودان؛وعليه سوف تركز الخطة الجديدة على دفع حكومة دولة جنوب السودان على تطبيق مصفوفة الترتيبات الأمنية ،بما فى ذلك إقامة المنطقة العازلة وربما فك الإرتباط مع الفرقتين التاسعة والعاشرة اللتين تقودان التمرد فى ولايتى جنوب كردفان والنيل الأزرق ،بعد الفشل فى تليين موقف السودان الرافض لتجزأت تطبيق الإتفاقيات ، والداعى الى ضمان أمن الحدود أولاً ،ووقف كافة أشكال الدعم للعناصر السالبة ، علي دعم مواقف المتمردين وممارسة الضغوط والتهديدات على الحكومة السودانية من أجل التفاوض معهم، ولعل محاولات التصعيد الأمنى الذى جرى خلال الأيام الماضية بدارفور والنيل الأرزق وجنوب كردفان ، يندر فى إطار تلك الخطة الجديدة.
وتراهن الأطراف المتورطة فى التدخلات السالبة فى السودان على إمكانية سحب البساط وزمام المبادرة من بين يدى الحكومة السودانية، وذلك بدفع جنوب السودان الى الرضوخ للإشتراطات السودانية، على أن يتم تقوية المواقف العسكرية والسياسة لمتمردين ما تسمى بالجبهة الثورية،بعد صمود السودان لأكثر من عامين فى وجه المؤامرات الخارجية ،وكان المخطط الذي رسم بعناية داخل دولة الجنوب ،وبمشاركة أطراف دولية قام على افتراض أنه في غضون أشهر قليلة، يمكن أن تؤدي الأزمة الاقتصادية الخانقة إلى التعجيل بسقوط النظام، سواء عبر هبة شعبية داخلية أو زحف المتمردين انطلاقاً من الحدود مع دولة جنوب السودان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.