رغم أن الجنوب يغوص اليوم في غياهب مظلمة في ظل التطورات السياسية التي ضربت المشهد السياسي هناك، إلا أن الموقف الدولي من الأزمة الجنوبية مازال مبهماً ومحل غموض، رغم أن المواطن الجنوبي يعيش حالة من انعدام الأمن وعدم الاطمئنان إلى مصيره الذي أصبح بين قوتين عظميين، قوة العسكر وقوة السياسيين الذين لا يقلون شأناً في السطوة والنفوذ، ولكن برغم كل تلك التخوفات إلا أن الحراك الدولي تجاه تلك المقتضيات ظل بعيداً، إلا من خلال بعض التدخلات في ما يتعلق بقفل أنابيب النفط الجنوبي من قبل السودان وردود فعل هزيلة لأمريكا أعلنت فيها إنها غير راضية عما قام به سلفا كير. وقد تحدث ل «الإنتباهة» بعض المتابعين للأوضاع، حيث أشار البعض إلى أن تثبيت دعائم الدولة يحتم على الدول المراقبة وصاحبة الشأن في السلم والأمن الدوليين التدخل عن طريق المشورة والاتصال للحفاظ على أمن وسلامة واستقرار تلك البلاد. وكانت الآلية الإفريقية قد توصلت مع الخرطوم إلى اتفاق أخيراً بتأجيل الفترة المحددة لوقف النفط ومدها أسبوعين إضافيين، بغية ترتيب البيت الجنوبي وصولاً لحل يرضي الطرفين ويضع حداً للخروقات المتكررة من قبل حكومة جوبا في دعم المعارضة السودانية. وفي الوقت نفسه يشير الكثير من المتابعين إلى ما يجري في الجنوب على أنه الخطوة التي ربما رسمت النهاية للحركة الشعبية، وقد تعصف تبعاً لذلك بكل مكونات الجنوب، وإذا لم تلحقه سياسات جادة ستودي به إلى الهاوية، في ظل سيناريو التحالفات المتشظية وسط قادات الحركة الشعبية الذين يحاول كل منهم الانتقام من الآخر على ضوء الإقالة التي أوقعها سلفا بكل من رياك مشار وباقان وحلفائهما من العناصر المغاضبة داخل الحركة. ويؤكد المتابعون للملف أن هذا سيكون له أثر بالغ في الوسط السياسي الجنوبي الذي لم يبدأ ممارسة حقوقه بديمقراطية منذ انفصال الجنوب. ويقول الدكتور الفاتح محجوب المحلل السياسي إنه يرى أن السياق الكلي الذي يجب أن يقرأ على ضوئه الصراع في الجنوب، هو أن الذي يجري هناك بسبب السلطة، أي أن الصراع سلطوي، خاصة بعد تباشير فترة الانتخابات الرئاسية القادمة في الجنوب، ويقول إن الصراع كما هو ملاحظ داخل الحركة الشعبية حول من يحق له أن يترشح باسمها للفترة الرئاسية المقبلة، وبعد أن تبنى باقان المناوئين لسلفا وكذا رياك مشار أصبح الباب واسعاً لسلفا للتخلص من الاثنين وحسمهما، خاصة أن الحركة أصبحت ثلاث فئات، جناح باقان وجناح رياك مشار وجناح سلفا وهو الجناح الغالب إذ يضم العسكريين والأمن والاستخبارات، ويقابل ذلك أن هناك الكثير من الالتزامات على الحركة الشعبية أن تفي بها، منها اتفاقياتها التي وقعتها مع الخرطوم وكذلك رفاهية شعب الجنوب، مما يلقي أعباء ثقيلة على سلفا لا بد من رفعها. ويقول محجوب إن سلفا أراد بهذه الخطوة أن يدفع مشار وباقان للانسلاخ من الحركة الشعبية حتى تتسنى له السيطرة على مستقبل الأوضاع. ويرى أن انعكاسات هذا الصراع أن سلفا وإذا ما قُدر له الانفراد بالسلطة يستطيع على الأقل أن يفي بشكل قاطع باتفاقياته مع الخرطوم وتوفير الخدمات التي اعترف بعجزه عن تحقيقها لإنسان الجنوب في الذكرى الثانية لاستقلال البلاد، ووفقاً لذلك فإنه لا بد أن ينجز ما يحقق له النجاح في الانتخابات المقبلة. ويضيف الفاتح أن سلفا سيعمل على الاتفاق مع السودان للسيطرة على الاوضاع وخلق الاستقرار المطلوب الذي تحتاجه البلدان، وفي نفس الوقت يكون قد مهد لنفسه خوض انتخابات بعزل مناوئيه عن الخريطة السياسية. ويؤكد الفاتح أن المصلحة مشتركة في الاستقرار في السودان والجنوب، ومن هذا الفهم فإن سلفا كير سيعمل على الاتفاق مع الحكومة، إلا أن الفاتح محجوب يقول إن فترة الأسبوعين التي منحها البشير لسلفا غير كافية لترتيب أوراقه خاصة أن البلدين يحتاجان لأموال النفط. ولكن العميد حسن بيومي الخبير الأمني يقول إن الصراع في الجنوب يحمل شكلين لهما طابعان نخبوي وقبلي، ولكنه قال إن معالم المرحلة الحالية لا يمكن رسمها إلا بعد ظهور التغيير الوزاري القادم، وهذا بدوره يوضح معالم الحكم، فهل يمكن للنخبة أن تقود البلد أم أن القبيلة ستتمدد مرة أخرى عبر بسط سلطانها على الاوضاع السياسية والقيادية، ويكون سلطان القبيلة هو المسيطر مرة أخرى؟ وقال بيومي إن شخصية مثل رياك مشار لا يمكن أن تستكين لتصرفات وسطوة سلفا كير، لأن النخبة هناك لا يؤمنون بسلطان العسكر ولا الخضوع لهم لذلك تولدت هذه الصراعات. ويقول إن الحديث عن إعادة تعيين تعبان دينق حاكم الوحدة السابق وزيراً للنفط فيه الكثير من الواقع القبلي، لأن البترول يقع في مناطق النوير. ويضيف بيومي أن الصراع الدائر في الجنوب فتح آفاقاً أخرى للخرطوم للتعامل مع الجنوب، وأصبحت لديه خيارات الآن بعكس السابق، والآن يمكنه أن يلعب على الانقاسمات معارضة وحكومة، ويبني على ذلك مصالحه، والوضع بالنسبة للسودان أفضل مما كان حسب نظرة بيومي. عن الانتباهة