يتوقع المراقبون أن تأخذ قمة دول البحيرات العظمي التي تنعقد بالعاصمة الكينية نيروبي هذه الأيام أهمية خاصة، من واقع الأجندة والموضوعات التي تزدحم بها قاعة إجتماعات هذه الدورة، التي يبدو أنها ستشهد (جرد حساب) لمخرجات القمة رقم (13) التي عقدت بكمبالا في ديسمبر 2012م، وخرجت بقرارات حاسمة قضت بتصنيف الحركات المسلحة في دارفور كقوى سالبة تهدد أمن الإقليم، وعدم تعامل الدول الأعضاء مع المجموعات المتمردة، وعدم السماح لها بممارسة أي نشاط داخل أراضيها، داعية الى محاربتها في إطار الجهود الإقليمية المبذولة للتعامل مع الحركات المسلحة. وشمل التصنيف إلى جانب حركتي العدل والمساواة وتحرير السودان، جيش الرب اليوغندي، وعدد من المليشيات والحركات المتمردة بكل من كينيا ويوغندا والكنغو وبورندي. وهناك حماس عام وسط دول البحيرات بضرورة التعاون من أجل محاربة القوى السالبة التي باتت تؤرق مضاجع الحكومات، وهو ما يصطدم بعقبة اتهامات بعض الدول للأخرى المجاورة بالتورط في دعم المتمردين، ويتضح ذلك جلياً في حالة الإتهامات السودانية لكل من يوغندا وجنوب السودان بدعم وإيواء متمردي دارفور والجيش الشعبي، والاتهام المتكرر لرواندا من الكنغو الديمقراطية بتقديم الدعم اللوجستي لمتمردي حركة 25 مارس المنشقة عن المتمردين الذين وقعوا اتفاق سلام مع الحكومة في كينشاسا. منظمة البحيرات.. الفكرة والجذور وبالعودة إلى إنشاء منظمة البحيرات العظمى ودواعي قيامها، فهي منظمة حكومية دولية أنشئت في عام 2006م بعضويه أحد عشر دول وحكومات بلدان منطقة البحيرات الكبرى، تحت رعاية الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي. ترجع جذور فكرة انعقاد مؤتمر أو قمة تناقش أوضاع دول البحيرات العظمي إلي أكثر من عقدين من الزمان، إلا أنه لم يتهيأ انعقاده بشكل جدى إلا فى عام 2004م فى العاصمة التنزانية دار السلام، حيث توافرت كافة العوامل والمقومات الإقليمية والدولية الممهدة لعقده، من استقرار الأوضاع الأمنية فى مناطق الصراعات وبخاصة فى رواندا وبوروندى والكونغو، إلي مبادرات بعض دول وقادة ومنظمات أفريقيا والعالم، والقناعة بضرورة تخطي حقبة الصراعات الدامية، إلا أن دعوة "كوفى عنان" التي ألقاها عام 2004 بأحقية شعوب إقليم البحيرات فى النظر للمستقبل بعين الأمل وبأن عقد " مؤتمر " جامع لدول الأقليم يمثل فرصة لتحقيق الاستقرار والتنمية - مثلت هذه الدعوة نقطة الإنطلاقة الحقيقية لعقد المؤتمر وبرعاية ملحوظة من جانب الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقى لتبني ميثاق عمل مشترك يهدُف للتباحث حول أسباب الصراعات فى الإقليم والوسائل الكفيلة بالقضاء عليها . الدول الأعضاء في منظمة البحيرات العظمى هي : أنغولا ، بوروندي ، جمهورية أفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية الكونغو وكينيا ورواندا والسودان وأوغندا وتنزانيا وزامبيا. ويتم إدخال عدة دول أخري من خارج النطاق الإقليمي للمنطقة بسبب اشتراكها إما فى العرقيات والاثنيات أو الاشتراك فى مجري نهري أو ملاحي وهذه الدول هي مصر - إثيوبيا - مالاوي - موزمبيق - ناميبيا - زيمبابوي وبوتسوانا . جوبا كمبالا.. التوسع في الدعم بعد شهور من قمة كمبالا التي ترأس وفد السودان إليها، وتحديداً في أغسطس 2012م أخرج نائب رئيس الجمهورية د. الحاج آدم كثيراً من الهواء الساخن خلال اجتماع وزراء الدفاع ومديري أجهزة المخابرات بدول البحيرات العظمى بالخرطوم، والذي خصص لمناقشة وضع خطة عمل لمواجهة القوى السالبة في المنطقة، فقد عبر آدم عن أسفه إزاء مسلك بعض دول البحيرات العظمى بخرقها المواثيق والإتفاقيات التي نادت بعدم ايواء ومحاربة هذه القوى. وقال آدم إن بعض الدول الأعضاء تأوي الحركات المسلحة ويقدم لها الدعم والمساندة ويسهم في توسعة نطاق أنشطتها التي تضر بأمن واستقرار الدول، مطالباً وزراء الدفاع ورؤساء أجهزة المخابرات بدول البحيرات بمواجهة تلك الحقائق بجرأة، وإخلاص النوايا وبذل الجهود والجدية لاستئصال تلك الحركات. وقد عني نائب الرئيس في إتهامه يوغندا وجنوب السودان اللتان ظل السودان يتهمهما بدعم وإيواء المتمردين، بل إن هذا الدعم قد توسع وأخذ أبعاداً جديدة حتى بعد قرار القمة السابقة التي استضافتها كمبالا نفسها بعدم دعم القوى السالبة، شمل ذلك حسب الإتهامات احتضان قادة حركات دارفور ومتمردي قطاع الشمال والسماح لهم بتأسيس تحالف مسلح ضد السودان تحت مسمى (الجبهة الثورية السودانية) مع توفير السلاح والتدريب للمقاتلين، وقد أتاح الدعم إضافة لدعم جنوب السودان- التي سينظر في انضمامها لقمة البحيرات خلال هذه الدورة- أن تقاتل حركات دارفور خارج نطاق إقليمها، في منطقة جبال النوبة، الأمر الذي ساهم في توسيع رقعة الحرب، وزيادة معاناة المدنيين في تلك المناطق، بل وتعقيد حل قضية جبال النوبة التي سعت الحكومة السودانية لحلها من خلال بروتكول المنطقة، إلا أن المتمردين قاموا برفع السلاح مجدداً في يونيو 2011م مقوضين بذلك عملية السلام والبناء التي بدأت تنتظم جبال النوبة وجنوب كردفان. انتهاكات قطاع الشمال أمام قمة نيروبي لكن رغم أجواء التشاؤم من صعوبة تعاون دول المنظمة في القضاء على القوى السلبية، إلا أن هناك بوادر التزام بوجود إجراءات عملية بتوفير المعلومات الاستخباراتية لهذه الدول، للوقوف على خطورة الممارسات التي تقوم بها هذه القوى وتهديدها لأمن بعضها البعض، ووجد السودان حظه من هذا التعاون بزيارة قام بها وفد المركز الاستخبارى لمنظمة البحيرات شهري مايو ويونيو الماضيين، لكل من ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان اللتان تشهدان حرباً يقودها المتمردون بكل ضرواة أحدثت نتائج وواقعاً مأساوياً. وقد وقف الوفد في خلال زيارته لكل من ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان على على دور العبادة ومنازل المدنيين التي استهدفها القصف المتكرر من قبل المتمردين. واطلع على مجمل الأوضاع الأمنية والإنسانية في أعقاب الحرب التي أدت لوقف المشروعات التنموية من خلال استهداف الشركات العاملة بالطرق ونهب ممتلكاتها وقتل وأسر موظفيها ، والجنوح إلى تشريد وإغتيال وإختطاف وإحتجاز المواطنين وممارسة التجنيد القسرى للأطفال. وهو ما يشكل انتهاكات واضحة، وذلك رغم المكاسب الكبيرة التي جاءت ضمن اتفاقية السلام، وما وجدته الولايتان من فرص تنموية ضخمة. ومن المتوقع أن يسعى السودان على ضوء تقرير المركز الإستخباري إلى مطالبة قمة نيروبي بتصنيف متمردي قطاع الشمال بالجيش الشعبي إلى قوى سالبة، أسوة بحركات العدل والمساواة وتحرير السودان التي تم تصنيفها في قمة كمبالا، هذا الأمر حال حدوثه سيعطى ثقة كبيرة في محاصرة الدعم الخارجي للمتمردين الذي عاني منه السودان مراراً، خاصة من جنوب السودان ويوغندا التي قام بتقديم عدة شكاوى ضدهما في مجلس الأمن والإتحاد الأفريقي ووصل به الضيق من هذا الدعم حد إغلاق االطريق أمام صادرات جنوب السودان النفطية التي تمر عبر أراضيه، وإمهال جوبا شهرين لفك ارتباطها بالمتمردين مقابل فتح الأنبوب الوحيد الذي يتيح لها تصدير نفطها.