وضعت دولتا السودان وجنوب السودان (مدماكاً) أخر علي جدار الثقة بينهما أمس، وكانت حاضرة الجنوب، جوبا، أمس، مضماراً لحراك كثيف قاده الرئيسان عمر البشير وسلفاكير ميارديت، اللذين انخرطا في قمة مغلقة عقب وصول البشير – في ثاني زيارة له عقب الانفصال – مطار جوبا، برفقة وفد رفيع ضم عدداً من الوزراء وكبار المستشارين انخرطوا من جانبهم في اجتماعات ثنائية مع نظرائهم الجنوبيين. ومع أن قمة البشير وسلفاكير سبقها استقطاب حاد وتصعيد لوتيرة التوتر علي صعيد "أبيي" الملف الأكثر تعقيداً بين البلدين، إثر اعتزام دينكا نقوك إجراء استفتاء أحادي الجانب دون إشراك المسيرية إلا أن محصلة لقاءات جوبا تعد خطوة متقدمة لتنفيذ الاتفاقيات المبرمة بين الطرفين, خاصة في الجانب الأمني منها. وبحسب البيان الختامي للمباحثات المشتركة برئاسة البشير وسلفاكير فقد اتفق الطرفان علي الإسراع بإنشاء إدارة أبيي والمجلس التشريعي وأجهزة الشرطة والتأكيد علي أن تسدد نسبة ال2% للمنطقة من عائدات النفط المنتج في المنطقة. وهي خطوات في حال تمت علي وجه السرعة من شأنها نزع فتيل التوتر والاستقطاب في المنطقة، كما اتفق الطرفان علي الإسراع في تحديد خط الصفر بين البلدين لإنشاء المنطقة الآمنة منزوعة السلاح، وذلك قبل منتصف نوفمبر المقبل، كما اتفقا علي إحكام التنسيق ووضع آليات لضبط الحدود لمنع إيواء ودعم الحركات المسلحة والمتمردة ضد الحكومتين. وكذلك فإن الطرفين عضداً اتفاقهما السابق بفتح المعابر الحدودية، وعبرا عن رضائهما عن التقدم المحرز في انسياب عمليات تصدير النفط. وأكد البيان أهمية الاستمرار والتحرك المشترك لإعفاء الديون الخارجية ودعم التنمية بالبلدين، والبدء الفوري في التنسيق للإدارة المتكاملة للحدود لتكون جسراً للتواصل وتبادل المنافع. وشدد البيان علي أهمية تعزيز التعاون بين المصرفين المركزيين والقطاع المصرفي في البلدين وتسريع عمل اللجان المشتركة ومراقبة وتصدير النفط وتنظيم مؤتمر بالولايات الحدودية في البلدين منتصف ديسمبر المقبل. وجدد الرئيس البشير – لدي مخاطبته الجلسة الختامية للمباحثات المشتركة، التزام السودان بتنفيذ الاتفاقيات والتفاهمات الموقعة بين البلدين والوصول بعلاقاتهما إلي المدى الذي يتطلع إليه شعبها. ووصف مباحثاته مع سلفاكير بأنها كانت مثمرة وأخوية وصادقة وجادة، مؤكداً عزمهما علي تنفيذ كل ما اتفق عليه، لأن ما يربط بين البلدين أكثر عمقاً وتجذراً، وأن كل الاتفاقيات تهدف إلي إزالة العوائق أمام هذه العلاقة، مشيراً إلي أن زيارة سلفاكير للخرطوم في سبتمبر الماضي كانت بداية حقيقية لانطلاقة العلاقات وصفحة جديدة لها. وقال البشير "جئنا لجوبا بقلوب مفتوحة لمواصلة المسيرة مع بعضنا لبناء تاريخ جديد يتجاوز كل مرارات الماضي عقباته لتحقيق غد مشرق لبلدينا"، مؤكداً أن كل القضايا العالقة قابلة للحل. وأكد البشير عزم قيادتي البلدين علي إزالة كل العوائق أمام حركة المواطنين والتجارة والخدمات بين الجانبين، مشدداً علي أن ذلك هو التزامهم علي السير يداً بيد بين السودان ودولة جنوب السودان باتجاه توفير العيش الكريم للمواطنين. كما أكد البشير دعم السودان لدولة جنوب السودان في كل ما تحتاج إليه من خبرات. وأكد البشير وسلفاكير علي مبدأ تفعيل الإجراءات لضمان حرية حركة مواطني السودان وجنوب السودان. وفي السياق وقع وزيراً خارجية البلدين، علي كرتي وبرنابا بنجامين أمس، عقب مباحثات بينهما اتفاقية تقضي بإعفاء حملة جوازات السفر الدبلوماسية والرسمية من كل دولة من تأشيرة الدخول، كخطوة أولي في اتجاه تيسير حركة المواطنين بين البلدين. كما عقدت اللجنة المشتركة بين وزارتي النفط في البلدين مباحثات مشتركة، وقال وزير النفط عوض الجاز في تصريحات: إن اللجنة المشتركة وجهت وكيلي الوزارتين لوضع برنامج عمل وفقاً للاتفاقية الموقعة بين الجانبين. وأكد الجاز أهمية فتح المعابر الحدودية لعبور النفط، وبدوره وصف وزير النفط بجنوب السودان، استيفن ديو دوا نتائج اجتماع اللجنة المشتركة بأنها إيجابية ومثمرة وبناءة، لافتاً إلي أنه لا توجد مشاكل كبيرة في مجال النفط وتدفقه. وأبان أن الجانبين اتفقا علي تنشيط وتفعيل اللجان المشتركة، مشيراً إلي أن التحدي الوحيد الذي يواجه تفعيل أعمال النفط هو عدم فتح المعابر والحدود، لافتاً إلي أنهم في انتظار افتتاح معبري الجبلين والرنك لرفع مستوي الإنتاج . وتوقع ديو رفع الإنتاج في حلقي عدارييل والوحدة قبل نهاية العام ليصل إلي ثلاثمائة ألف بريمل في اليوم. وعلي الصعيد التجاري، التأمت مباحثات ضمت وزارة التجارة مع نظيرتها بجنوب السودان بحضور اتحاد أصحاب العمل وبنك السودان، من البلدين. وقال وزير التجارة عثمان عمر الشريف ل(سونا): إن الاجتماع بحث كيفية إعداد المعابر وفتحها لانسياب السلع والبضائع لدولة الجنوب، مع تسهيل الإجراءات الجمركية وتأمين التجارة بين البلدين والقضايا الاقتصادية، مؤكداً تطابق وجهات النظر بين الدولتين. وذكر الوزير أن الجانب السوداني قدم ثلاث اتفاقيات لدولة الجنوب حول تحكيم العلاقات التجارية ووعد الجانب الجنوب - سوداني بدارستها ليتم التوقيع عليها خلال عشرة أيام، موضحاً أنه تم الاتفاق علي تحديد جزء من ميناء بورتسودان لتجارة الترانسيت الخاصة بدولة جنوب السودان بجانب الاتفاق علي مكافحة التهريب والتأمين علي اتفاقيتي البنكين المركزين في الدولتين لسداد رسوم عبور النفط، وأشار الشريف إلي أن الاجتماع تطرق إلي كيفية تجاوز الازدواج الضريبي والنظام الجمركي. وقال: إن انسياب السلع والخدمات سيستمر بصورة سلسة وممتازة، معلناً أن الأيام القادمة ستشهد مزيداً من التعاون المشترك. وأوضح وزير الخارجية علي كرتي في تصريحات صحفية بمطار الخرطوم عقب عودة الوفد، أن الهدف الأساسي لزيارة الرئيس البشير هو تأكيد تنفيذ ما تم الاتفاق عليه بين البلدين من اتفاقيات، خاصة ما يلي الخط الصفري الذي مهد لإقامة المنطقة الآمنة منزوعة السلاح.