بسم الله الرحمن الرحيم السودان في ملفات الغرب : أحدث تقرير استخباراتي .. استخلاص وتعليق : توفيق منصور (أبو مي) الرباط : المملكة المغربية أصدرت أمس (وحدة استخبارات الإيكونوميست) اللندنية أحدث تقرير غربي عن السودان ، وللتذكير فإن هذا التقرير الربع سنوي إنما تكمن أهميته في اعتماد معظم الأجهزة المالية في الغرب على مخرجاته ، وكذلك تهتم بإصداراته مراكز الدراسات الاستراتيجية والحكومات التي يهمها أمر الدولة المعنية .. وأود أن أنبه إلى أن المصطلحات الأجنبية ما بين الأقواس التي سقتها في هذا المستخلص إنما قصدت منها التوضيح والتأكيد ، وقد أتت تماماً كما في سياق التقرير .. أولاً : نظرة عامة .. يبدأ التقرير بنظرةٍ عامةٍ مستقبلية للفترة (2005-2006) مشيراً إلى أن توقيع اتفاق السلام ما بين (الحركة والحكومة) يُعد بمثابةِ المؤشر القوي لسلام دائم (lasting peace) للسودان ، ولكن تبقى مشكلة دارفور معضلة في طريق التنمية والاستقرار في السودان إذا لم تحل حلاً نهائياً وجذرياً ، ويشير التقرير إلى أن مشكلة دارفور إذا تفاقمت أو استمرت دون حلٍ ناجعٍ فإن ملابساتها دون شك ستؤثر في مسارات سلام الجنوب .. هذا ويشير التقرير (كسابقه) إلى أن استطلاعاته وتوقعاته تؤكد بأن مشكلة دارفور ستحل نهائياً مع نهاية العام الجاري .. ومع كل هذا فإن النمو الاقتصادي بالسودان سيظل قوياً ومدفوعاً (driven) بالمعدلات العالية للاستثمارات الأجنبية .. أما الزيادة المرتقبة في إنتاج البترول السوداني فسيكون لها انعكاساتها الواضحة على اقتصاديات السودان وتحسين ميزانيته وتقوية وضعه خارجياً .. ثانياً : المشهد السياسي .. يقول التقرير بأن سلطات البشير وقوته كحاكم للسودان ستستمر خلال السنوات المقبلة دون أية تحديات مؤثرة (unchallenged) ، وأن (اتفاق السلام) و(اتفاق الوفاق) في القاهرة وبعض المتفرقات التي تخص الإصلاحات السياسية الأخرى ،كل ذلك سيضع لا شك جميع أهل الساسةِ في السودان على الطريق (political mainstream) المطلوب والمرغوب .. ولكن ومع كل التطورات والمكتسبات في عدة جبهات على مستوى المسرح السياسي إلا أن قضية دارفور ستظل تشكل مشكلة للسودان واستقراره .. وان مسارات (سلام دارفور) ستتأثر بالاختلافات ما بين فصائل متمردي دارفور وكذلك مواقفهم المتصلبة والمواجهات المتقطعة (sporadic outbreaks) .. هذا ومن الواضح (كما يشير التقرير) فإن همّ السودان سيتركز في الفترة القادمة على تنفيذ بنود اتفاقية سلام الجنوب وتنميته ، وعليه يجب العمل السريع لحل مشكلتي دارفور وشرق السودان لأجل المزيد من الاستقرار السياسي والمشاركة و لأجل الانتباه للتنمية الشاملة وبالأخص تنمية الجنوب .. ويستطرد التقرير قائلاً بأن تخفيف الضغط الدولي وبالأخص الأممالمتحدة عن السودان فيما يخص قضية دارفور في الفترة الأخيرة يرجع إلى أن المجتمع الدولي يتطلع الآن إلى تحقيق أي انفراجٍ أو تقدمٍ في القضية ، وأن أي حلٍ للقضية (يقول التقرير) يجب أن يكون عادلاً ومقنعاً لجميع الفرقاء لأجل استدامته ، وأن دارفور لا شك ستستفيد (كما يشير التقرير) من التوجه والتركيبة الفدرالية الجديدة لنظام الحكم في السودان .. هذا ويتوقع التقرير بأن السودان يمكنه أن يحرز نتائج سريعة لقضية دارفور خاصة وانه قد اكتسب تجربة ثرة في مضمار المفاوضات ، و لكنّ محرريه (أي التقرير) يشعرون أحياناً بان السودان لا يعطي قضية دارفور ما تستحق من الاهتمام ظاناً منه بأنها ستنتهي مع الأيام ، وهذا الافتراض سوف لن يقود إلى الحل النهائي المطلوب والمستدام لتلك المشكلة .. أما في مجال العلاقات مع أمريكا فيشير التقرير إلى أنها في تحسنٍ خاصةً وأن أمريكا ترى بأنها صرفت الكثير من الوقت والجهد والمال بالنسبة لسلام الجنوب والذي تريده أن يُكتمل ويُكلل بالنجاح . أما بالنسبة لمستجدات قضية دار فور واعتبار أمريكا لها كقضية (تطهير عرقي) فإن أمريكا تتبع مع السودان (كما يشير التقرير) سياسة (الجزرة والعصا) وعليه فهي تهدد بالعقوبات وتلوح بإمكانية تطبيع العلاقات ، وتعلم كذلك أمريكا جيداً بأن (مجلس الأمن) سوف لن يجُمِع على عقوبات دولية على السودان .. ثالثاً :المشهد الاقتصادي .. بدأ التقرير بتأكيد رضا (صندوق النقد الدولي) عن السودان وبتثمين الخطوات المتخذة في مجال الإصلاحات الاقتصادية وكذلك تأكيد الصندوق (IMF) على الأداء القوي للاقتصاد السوداني (strong performance) . وأشار التقرير إلى أن السياسات المالية أضحت أكثر مرونة (flexile) وأن الحسابات المالية للدولة أظهرت فائضاً ملحوظاً خلال السنتين الماضيتين على التوالي . ولكن ومع هذا يستطرد التقرير فإن الفاتورة الخاصة بمستلزمات السلام (post conflict) ستكون باهظة وستضع الكثير من الضغوطات على اقتصاديات السودان .. كذلك أشار التقرير إلى أن السودان قد استفاد كثيراً من الارتفاع الجنوني (bullish run) لأسعار البترول العالمية إضافة لزيادة الإنتاج في قطاعات أخرى متفرقة ومتنوعة وبالأخص خلال النصف الثاني من هذا العام .. وكذلك هناك (يستطرد التقرير) تدفقات (رأس مال أجنبي) مقدرة في مجال الاستثمار ، وذلك على الرغم من أنشطة وحملات جهات ضغط دولية متنوعة في منطلقاتها وخططها تعمل على تعويق ومنع (deter investment) التدفقات المالية الاستثمارية الأجنبية للسودان .. ويشير التقرير إلى أن مكاسب التصدير في ارتفاعٍ مستمرٍ ولكن أيضاً فاتورة الاستيراد أيضاً في ارتفاعٍ ملحوظٍ .. ومع هذا يؤكد التقرير فإن العجز في حسابات الدولة (current account deficit) قد هبط إلى ما دون أل (5%) وذلك لأول مرة عبر سنوات طويلة ، وأن احتياطات الدولة قد اندفعت (surged) إلى معدلات عالية مع تدفقات وطفرات الاستثمارات الأجنبية المباشرة .. ويشير التقرير إلى أنه وفي عام (2006) وحتى مع افترض أن أسعار البترول ستنخفض فإن وضع السودان سيكون جيداً لأن إنتاج بتروله سيرتفع .. هذا وحسب استقراءات التقرير فإن هذا الأمر سيدعمه أيضاً (will be bolstered) بالمتوقع في مجال الإنتاج الزراعي إضافة إلى التحسن المرتقب في مجال إدارة الضرائب .. أما التضخم فمن المتوقع ارتفاع وتيرته نسبة للزيادة المرتقبة في صرف الدولة وفاتورة السلام ونمو (الطلب) الداخلي ككل وكذلك نسبة للضعف والتذبذب في قيمة الدولار على المستوى العالمي ولكنه سوف لن يصل لمستويات التسعينات .. أما بالنسبة للسياسات المالية فيشير التقرير إلى أن أهم أهداف بنك السودان خلال الأعوام السابقة تركزت في العمل على استقرار سعر صرف الدينار وخفض وتيرة التضخم ، واجتهد البنك في موضوع زيادة احتياطات الدولة وإدارة السيولة ورسم خارطة الإصلاحات المطلوبة وتوسيع وتطوير عمليات السوق المفتوحة (open market operations) وما إلى ذلك .. وكل تلك الاجتهادات قد قادت بالفعل إلى كبح جماح التضخم الذي استشرى مع بدايات التسعينات ، وكذلك فإن سياسات بنك السودان قد نجحت في الكثير من المتطلبات المرغوبة في مجال (النظم البنكية) .. ويقول التقرير بأنه يتوقع حسب استقراءاته استمرارية مجهودات السياسات المالية لبنك السودان خاصة خلال الفترة الحرجة القادمة .. هذا ويشير التقرير إلى أن التحدي الأكبر الذي سيواجهه البنك المركزي يتمثل في المرحلة القادمة للسلام والتي تحتم وجود (نظام بنكي غير إسلامي) في الجنوب ، الأمر الذي سيشكل الاختبار الحقيقي والأكبر لأطر بنك السودان .. (وأرجو أن أشير هنا إلى أن هذه الشهادة من قِبَل هذا التقرير الاستخباراتي عن بنك السودان لها مدلولات كبرى وأهمية قصوى ربما لا يدرك البعض أبعادها ، وعلى العموم نقول ما قلناه من قبل عدة مرات حين تناولنا مثل هذه التقارير المؤثرة و الخطيرة ، أحسنتم فعلاً يا أسرة بنكنا المركزي .. بنك السودان .. ويا ترى على أي وجهٍ أو شكلٍ ستكرّمكم البلاد رسمياً وشعبياً حتى تصبحوا أيضاً قدوة لغيركم ؟؟! فبحقٍ ما فعلتموه لأجل تحسين صورة السودان بداخل =ألبوم المال والتمويل العالمي= لا يقدر بثمنٍ ويُعد من أعظم إنجازات بنك السودان على امتداد تأريخه الطويل ، وما أنجزتموه بالنسبة لدولة في حالة حربٍ وصراعاتٍ سياسيةٍ وحصارٍ واستهدافٍ إنما يُعد من أميز الإنجازات على مستوى جميع الدول الشبيهة بنا). هذا وبالطبع لم يفت على هذا التقرير الاستخباراتي في تناوله للحالة الاقتصادية السودانية من أن يشير لتقرير (صندوق النقد الدولي) الأحدث عن السودان ويصفه بأنه كان إيجابياً وبقوةٍ (strongly positive) .. (وللتذكير فقد سبق لي أن تناولت تقرير صندوق النقد الدولي فور صدوره قبل شهر وذلك عبر الغراء (أخبار اليوم) وكذلك عبر الموقع المتميز ، المركز السوداني للخدمات الصحفية ، (smc) في زاوية (ملفات استراتيجية) حيث يمكن الاطلاع عليه في أي وقتٍ.. هذا وقد أحدث تقرير أل (IMF) ضجة على المستوى المالي الخارجي فيما يخص السودان وذلك حسب متابعاتنا ، ويعرف ذاك التقرير ب(تقرير مشاورات المادة الرابعة) ويُعد من أخطر وأهم التقارير التي تخص أية دولةٍ بعينها والذي يصدره صندوق النقد الدولي ، وله بالطبع تأثيراته المباشرة في علاقة السودان مع الصندوق ، إضافة لتأثيراته على مسرح المال والتمويل) .. هذا ويشير التقرير الاستخباراتي الذي نحن بصدده الآن إلى أن صندوق النقد الدولي وصف مجهودات الإصلاح الاقتصادي في السودان وكذلك التزامات المسؤولين في المجال الاقتصادي ب(commendable) أي أنها جديرة بالمدح والثناء ، وكذلك يؤكد التقرير الاستخباراتي بأن السودان حقق بالفعل استقراراً و نمواً اقتصادياً عالياً .. رابعاً : فترة ما بعد الحرب .. يشير التقرير الاستخباراتي إلى أن فترة ما بعد حرب الجنوب (post-war) سيهددها الكثير من الخطر إن لم تسير الأمور كما يجب ، وأن الحكومة والحركة كانتا لهما الكثير من التطلعات الكبرى منذ توقيع اتفاق السلام وخاصة ما يتعلق بالمساعدات والمنح التي تم الاتفاق عليها في (أوسلو) والتي بدت كبيرة في حجمها ، ولكن قنوات الالتزام و الدفع والجمع بطيئة ، وكذلك يبدو أن البعض ربط (الدفع) بمجريات الأحداث في دار فور .. كذلك بعض المانحين يتخوفون كما يشير التقرير من أن (حكومة الجنوب) ربما لا يكون لديها الشفافية المطلوبة والنزاهة والفاعلية الصحيحة في التعامل مع المعونات ووضعها في مساراتها الصحيحة .. وعليه تكمن الخطورة كما يشير التقرير في (الإقلاع الضعيف) (slow take-off) مما سيؤذي كثيراً مسارات خارطة السلام .. ويتخوف التقرير أيضاً من أن آلية اختيار أطر (الوظائف العليا) في الحكومة الاتحادية وحكومة الجنوب ربما تتأثر بالتردد والبطء مما يشكل خطراً أيضاً على مسارات خطط التنمية والسلام وكسب ثقة العالم الخارجي وبخاصة الشركاء .. كذلك يبدو بأن انتخاب أعضاء البرلمانين في الجنوب و القومي (كما يشير التقرير) ربما لا يتم سريعاً مما يؤثر أيضاً على مسارات السلام .. كذلك مشكلة صغيرة كحق امتياز التنقيب عن النفط (شركة النيل الأبيض) أثبتت بأنها تشكل خلافاً عميقاً ومؤثراً ويمكن لها ولمثيلاتها أن تهدد خارطة السلام .. هذا وأثبتت تلك المشكلة كما يشير التقرير بأن هناك الكثير الذي يجب أن يُدرس ويُحسم ويتُفق عليه فيما يخص استثمار ثروة و موارد الجنوب وذلك دعماً لمسارات خارطة السلام .. كذلك يشير التقرير إلى أن التأخير في إصدار العملة الموحدة الجديدة سيكون له تأثيراته السالبة خاصة إذا وُضع في الاعتبار بأن حكومة الجنوب فقيرة ولا تملك أية مواردٍ وأن قسمة الثروة لهذا العام الجاري لم تتم بعد وأن خزينة حكومة الجنوب خاوية .. كل ما تقدم كما يشير التقرير سيؤثر سلباً على المسارات المرغوبة لسلام الجنوب وكذلك على استقرار الدولة ككل .. كذلك يشير التقرير لمخاوف (صندوق النقد الدولي) لمشاكل ما بعد الحرب والتي تحتم على الدولة الصرف على الأوجه الاجتماعية والتحديات التي تعكسها الهيكلة الجديدة السياسية والاقتصادية للدولة ، وكذلك يبدي التقرير تخوفه من الضعف المرتقب لبعض الأطر التي ستستلم مهام تنموية واقتصادية خطيرة وذلك من حيث الخبرة والتكوين ويشمل ذلك الحكومة الاتحادية والحركة معاً .. ثم هناك تحديات خلق الشخصيات والنفوذ الجديدة لدى الأفراد ، وكذلك تعيّنات الترضية والمحسوبية والمجاملة وخطورتها .. ويشير التقرير إلى نصيحة صندوق النقد الدولي للسودان والتي تتمثل في الاستمرارية في مسارات الإصلاحات الاقتصادية خاصة في فترة السلام وكذلك إلى العمل على الاستفادة من الاستشارات الفنية الخارجية .. ختاماً أشير إلى أن ما جاء في هذا التقرير الاستخباراتي (36صفحة) يصعب على المرْ أن يستخلصه عبر هذه العجالة ، فقد شمل التقرير مجالات الزراعة والتجارة الخارجية ومواضيع أخرى متفرقة ، وبه تسعة عشر من الرسوم البيانية والجداول الهامة .. وأقول بأن هذا التقرير إنما كان دائماً متحاملاً على السودان في الماضي ، وفي بعض الأحيان كنت تراه يختلق الأكاذيب لتشويه صورة السودان ، وبالطبع كانت هناك بصماتٌ على الكثير مما سطره لا تحتاج لكثير عناء لفهم مصادرها ومراميها .. أما في الآونة الأخيرة فإن التقرير أصبح عارضاً للحقائق في معظم أسطره وذلك نسبة لالتزاماته أمام زبائنه وجلهم في عالم (البيزنس الدولي) وكذلك لأن الحقائق أضحت من الصعب إخفائها [hr] توفيق منصور (أبو مي) الرباط : المملكة المغربية [url="mailto:[email protected]"][email protected][/url]