انتهزت فرصة حضور المشير سوار الذهب إلى صنعاء للمشاركة في مؤتمر الإرشاد الأول بصفته رئيس مجلس أمناء منظمة الدعوة الإسلامية، وأجريت معه هذا اللقاء الذي سلط الضوء فيه بدرجة أساسية على تطورات الأوضاع في السودان الشقيق، وخاصة على صعيد عملية السلام، إضافة إلى قضايا أخرى : * عملية السلام في السودان وصلت تقريباً نحو مراحلها النهائية .. كيف تُقيِّمون هذه الخطوات المتسارعة على هذا الصعيد؟ - هذه طبعاً خطوة جادة وهامة جداً، ونحن سعداء بهذا، فالحرب استمرت عشرات السنين، وهي التي ضيعت السودان في الماضي، باعتبار أن التنمية كانت متوقفة، لأن الإنفاق على الحرب في الجنوب كان كبيراً جداً، والآن الحمد لله بتوقيع الاتفاقية سيكون هناك التفات واسع للتعمير وتنفيذ المشاريع الخدمية، خاصة في الجنوب الذي ستتاح له الفرصة بعد ست سنوات ليقرر في استفتاء ما إذا كان يريد أن يبقى جزءاً من السودان أو ينفصل في دولة مستقلة، وهذا يحتم علينا واجبات كبرى في منظمة الدعوة الإسلامية، لأنه خلال الفترة الانتقالية التي سيحكم فيها الجنوب نريد من المنظمات الطوعية أن تتبنى مشاريع عديدة في مجالات التعليم والصحة والخدمات الأساسية الأخرى. ليس هناك تنازلات * البعض يرى أن الحكومة السودانية قدمت تنازلات كبيرة لهذا السلام .. ما تعليقكم؟ - الحقيقة أنه ليس هناك ما يمكن القول عنه تنازلات بهذا المعنى، وإنما هذا أفضل ما يمكن التوصل إليه، لأن البديل عنه الحرب، ونحن جربنا الحرب خلال السنوات الماضية، وخلالها توقفت التنمية تماماً، وكل الجهود كانت متصلة بالجنوب من أجل ألاَّ ينفصل، لكن حقيقةً لم تكن هناك تنازلات يقال عليها، وطبعاً هم أُعطوا (05%) من بترول الجنوب، وكذلك بالنسبة للثروات الأخرى، كذلك كانت السلطة كلها مقبولة من الجانبين، حتى الشعب السوداني تفهم هذه المشكلة ووافق على هذا الحل الذي جاءت به الاتفاقية. الدور العربي * ما هي برأيكم الضمانة الحقيقية لهذا السلام؟ - الضمانة الحقيقية هي أن يتعاون معنا الإخوة العرب لتنفيذ برامج تنموية في جنوب السودان، بحيث يقتنع الجنوبيون بأن السودان فعلاً شعب واحد. * ما هو الدور المطلوب أن تلعبه الدول العربية بالضبط؟ - الدور المطلوب هو أن يتفهم العرب هذه القضية ويساهموا في إعمار الجنوب، بحيث أن ذلك يؤثر على نتيجة الاستفتاء الذي سيتم بعد ست سنوات، وأن يكون هناك دور للدول العربية، بحيث تقنع جون قرنق بأهمية أن يظل الجنوب في إطار السودان. دارفور * هل تعتقدون أن لأحداث دارفور علاقة بالمسألة الجنوبية؟ - نعم، هناك علاقة قديمة. الدور الأمريكي * بالنسبة للدور الأمريكي في عملية السلام .. برأيكم ما مدى الضغوطات التي مورست على الحكومة السودانية في هذا الخصوص؟ - طبعاً أمريكا كانت حريصة على هذا السلام وضغطت على المتمردين، وطلبت - أيضاً - من الحكومة السودانية أن تسرّع في قضية السلام، فتم تسريع هذه القضية. * استحقاقات السلام .. ألا تقتضي إيجاد وفاق سياسي مع المعارضة لتعزيز الجبهة الداخلية في مواجهة التحديات المستقبلية؟ - هذا تم، والسودان يكاد يكون جميعه يداً واحدةً لتحقيق السلام والحفاظ على الوحدة الوطنية، والمعارضة الآن هي جزء من هذا التوجه، وهي مع الاتفاق، والأمور تجري بصورة طبيعية. قرنق تغير * بتجربتكم وخبرتكم المشهودة .. ما الذي تغير بالنسبة لمسار قضية السلام؟ .. بمعنى لماذا أخفقت كل الجهود خلال الفترات الماضية؟ - الفارق كبير طبعاً .. زمان لم يكن قرنق مستعداً لأن يتفاهم بالمرة، لأن نظرته كانت أن يحول جنوب السودان كله إلى دولة ماركسية، لذلك لم يكن حريصاً على التفاهم، لكن المتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية غيّرت من تلك النظرة. * بالنسبة للصراع أو التنافس الأمريكي - الأوروبي وتحديداً الأمريكي - الفرنسي على منطقة البحيرات العظمى .. أين يقف السودان من ذلك؟ - منطقة البحيرات العظمى منذ القدم تابعة للبلاد التي فيها هذه المناطق، والتي هي - طبعاً - أوغندا وكينيا وتنزانيا، وأعتقد أن ليس للسودان دخل فيه، بالرغم من أن السودان إذا ما استقل الجنوب ربما يكون له تأثير عليه. منظمة الدعوة الإسلامية * باعتباركم رئيساً لمجلس أمناء منظمة الدعوة الإسلامية .. ماذا عن نشاطات هذه المنظمة؟ - نشاط منظمة الدعوة الإسلامية - كما هو معلوم - دعوي وخيري منذ أن تأسست عام 0891م، وكان للإخوة هنا في اليمن الشقيق، رئيساً وحكومةً وشعباً، اليد الطولى في تبني برامج هذه المنظمة، وقد نجحت بفضل الله تعالى وبفضل دعم الأشقاء في البلدان العربية في تنفيذ المشاريع الواسعة، خاصة في تنمية المجتمعات التي تعيش فيها أقليات مسلمة في إفريقيا. * ما هي أبرز إنجازات المنظمة على هذا الصعيد؟ - إنجازاتها واسعة جداً، فخلال (52) عاماً نفذت المئات من المدارس والجوامع وعدد كبير جداً من المشاريع الخيرية الأخرى، وقدمت خدمات واسعة جداً لإفريقيا. تدني المساعدات * هل تأثرت المنظمة نتيجة الحملة الدولية لمكافحة الإرهاب وتجفيف منابع تمويل الجماعات الإرهابية، والتي طالت الكثير من المنظمات والجمعيات الخيرية؟ - نعم، ففي هذه الفترة - كما هو معلوم - حدث تضييق لكافة المنظمات الإسلامية، وفي هذا الإطار ضيقوا علينا كثيراً، وخاصة في منطقة الخليج، ووجدت المنظمة نفسها في وضع مالي حرج اقتضى التخلص من عدد من موظفيها لعدم إمكانية الاحتفاظ بهم جراء تدني المساعدات التي كانت تأتي من البلدان الإسلامية، وخاصة في منطقة الجزيرة العربية والخليج. * وهل بدأتم البحث في معالجات ومخارج لهذه الأزمة؟ - المنظمة مستمرة في عملها، ولها منظمات فرعية خيرية تعمل، والمهم أن تنجح، بحيث تتحمل كافة الأعباء. * إذاً .. هل تعتقدون أن الحملة على الإرهاب أصبح مقصوداً منها تضييق الخناق على المنظمات الإسلامية بالذات؟ - بالطبع، فهذه حقيقة واضحة جداً، ونجد أن المنظمات الإسلامية التي ليس لها دخل بالإرهاب، تعاني من هذا الاتهام وتواجه مضايقات بهذا الشكل. تعريف الإرهاب * ما هي رؤيتكم لما ينبغي أن يكون عليه تعاطي البلدان العربية والإسلامية مع قضايا الإرهاب؟ - حقيقة ينبغي أن يتعارف الناس أولاً على ما يراد بكلمة إرهاب، لأن ما يجري في فلسطين بالنسبة للفلسطينيين هو دفاع عن أراضيهم واسترداد حقوقهم، فليس هذا إرهاباً، والمطلوب الآن هو تحديد مدلول واضح للإرهاب، ومن ثم إذا كان هنالك بعد ذلك التعريف، ووضح ما يدعو فيه إلى محاربته، فيكون ذلك عملاً منضبطاً ومنظماً، وحقيقةً فإن الأمة الإسلامية بطبيعتها تنفر من الإرهاب، وهو لا يتفق مع مبادئ شريعتها. * كيف تُقيِّمون أهمية التقاء العلماء والمفكرين المسلمين كما حصل في مؤتمر الإرشاد بصنعاء، الذي كنتم من أبرز المشاركين فيه؟ - حرصنا على حضور هذا المؤتمر كونه جاء في توقيت يشهد وضعاً مأساوياً للعالم العربي والإسلامي، فالذي يجري الآن في العراق وفلسطين يدعو إلى ضرورة التقاء المسلمين وعلماء المسلمين والمفكرين للنظر فيما يمكن عمله للتخفيف من هذا العداء وذلك الاضطهاد الذي يجده المسلمون في هذه البلدان. * كيف تنظرون إلى التطورات الجارية في العراق وفلسطين؟ - طبعاً موضوع العراق حسب وعد دول التحالف بأنها ستسلم السلطة نهاية الشهر الماضي إلى الجانب العراقي - اللقاء سبق تسليم السلطة - نأمل أن يتم ذلك ويتحمل العراقيون مسؤولية إدارة بلدهم، وأن ينتهي الاحتلال .. أما بالنسبة لفلسطين وما يجري فيها فهذا أمر يقتضي وقفة عربية إسلامية شاملة لإيقاف هذا العدو عند حده، كونه يتصرف اليوم بهذا الشكل، لأنه أدرك أن ليس هناك من يهتم بهذه القضية. نقلاً عن الثورة اليمنية