وزير الصحة: فرق التحصين استطاعت ايصال ادوية لدارفور تكفى لشهرين    إجتماع مهم للإتحاد السوداني مع الكاف بخصوص إيقاف الرخص الإفريقية للمدربين السودانيين    وكيل الحكم الاتحادى يشيد بتجربةمحلية بحرى في خدمة المواطنين    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية    شاهد بالفيديو.. شاعرة سودانية ترد على فتيات الدعم السريع وتقود "تاتشر" للجيش: (سودانا جاري في الوريد وجيشنا صامد جيش حديد دبل ليهو في يوم العيد قول ليهو نقطة سطر جديد)    ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك        أقرع: مزايدات و"مطاعنات" ذكورية من نساء    بالصور.. اجتماع الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة و عضو مجلس السيادة بقيادات القوة المشتركة    وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خارطة الطريق لهزيمة خيار الانفصال وتقسيم السودان .. بقلم: د. أمين حامد زين العابدين
نشر في سودانيل يوم 30 - 07 - 2010

الولايات المتحدة الامريكية
تقديم :
تمت كتابة الدراسة التالية بعد مرور شهرين علي الرحيل المفاجئ لفقيد البلاد الكبير د.جون قرنق في 30يوليو2005م والذي كان مسكونا بهاجس وحدة الوطن كضرورة لاغني عنها لتأسيس السودان الجديد . وتم تضمينها بعنوان اخر في الفصل الثامن من كتابنا "اتفاقية السلام الشامل وخلفية الصراع الفكري" (دار جامعة الخرطوم للنشر،2007 ) الذي كان تأليفه استجابة لانفعال غاضب علي الاتفاق في بروتوكول مشاكوس علي منح سكان جنوب السودان حق تقرير المصير الانفصالي و الدافع الرئيسى وراء كتابته تسليط الضوء علي مفهوم حق تقرير المصير في القانون الدولي واثبات خطأ منحه لجزء من سكان الدولة لممارسته مرة ثانية بعد الاستقلال من احدى القوي الاستعمارية. و تمت كتابة السطور التالية بهدف تقديم مساهمة لمعالجة مأزق تقرير المصير واستنهاض طرفي اتفاقية نيفاشا ، الاحزاب السياسية وقادة الرأي للتفكير في ابتداع التدابير والخطط لانجاح خيار الوحدة و العثور على مخرج لتجنب الشرور التي ستنجم عن تمزيق وحدة اراضي الوطن اذا كانت نتيجة الاستفتاء المزمع اقامته في نهاية الفترة الانتقالية انفصال الجنوب .
"هذا وطننا الذي ننعم بالعيش فوق أرضه وتحت سمائه ونشرب ماء نيله القديم كقدمه ونأكل نبت أرضه، .. أليس من عرفان الجميل أن نحترم هذا الوطن المقدس ؟ هذا الوطن الجاثي طول خمسة آلاف سنة يرمق شمس سعادته ولما ينشق عنها الشروق؟ "
محمد عشري الصديق، حضارة السودان 30/10/1927م
يعتبر إنهاء الحرب الأهليّة السودانيّة التي تسببت في وفاة الكثير من المواطنين واستنزاف الموارد المادية للبلاد لفترة تزيد عن عشرين عاماً من أهمّ النتائج الايجابية لاتفاقية السلام الشامل التي توصلت إليها العناصر المعتدلة في حزب المؤتمر الوطني الحاكم والحركة الشعبية بعد تقديمهما التنازلات المتبادلة في مفاوضات السلام. وتسعى اتفاقية سلام نيفاشا إلى إعادة تشكيل نظام الحكم وإحداث تحولات جذرية في البنى الاقتصادية والاجتماعية بطريقة لم تشهدها الدولة السودانية منذ استقلال البلاد في عام 1956م. ونصت على استعادة الدولة المدنية الديمقراطية أو العلمانية المعتدلة التي أرسى قواعدها رواد الاستقلال وأطاحت بها الأنظمة العسكرية السابقة وتمّ استبدالها بالدولة الدينية في عهد حكومة الإنقاذ العسكرية في الفترة ما بين 1989 و 1998م. وأقرّت تأسيس نظام الحكم الديمقراطي في الفترة الانتقالية الذي يرتكز على أسس ومفاهيم السيادة الشعبية والمواطنة وسيادة حكم القانون والتداول السلمي للسلطة عن طريق الانتخابات الحرة التي تتيح المشاركة السياسية لكافة الأحزاب القومية. وأدخلت الاتفاقية فكرة الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية لأول مرة في نظام الحكم السوداني من أجل تحقيق مبدأ الكبح والتوازن الذي يمنع هيمنة أحد أجهزة الحكم على السلطات الأخرى.
ومن إيجابيات الاتفاقية اعترافها بخصوصية وضع جنوب السودان وتميز هويته الثقافية عن شمال السودان الذي تسود فيه الهوية العربية الإسلاميّة، فقررت نتيجة لذلك منح جنوب السودان الحكم الذاتي وتخويله سلطات واسعة إلى جانب المشاركة الفعالة لسكان الإقليم في الحكومة المركزية والمشاركة بنسب محددة في أجهزة الحكم في كل الولايات الشمالية. ويعتقد الخبير في القانون الدولى بروفسور هيرست هانوم أن منح بعض الدول لهذا النوع من الحكم الذاتي لسكان أحد أقاليمها، الذي عانى سكانه من ظلامات تاريخية بسبب اختلاف هويته الثقافية والإثنية عن الهوية الثقافية لأغلبية سكان الدولة، إنما هو بمثابة ممارسة سكان الإقليم لحق تقرير المصير الداخلي الذي يترتب عليه التخلي عن ممارسة حق تقرير المصير الخارجي الذي سبق أن مارسه شعب الدولة في السابق للحصول على الاستقلال من دولة استعمارية لكي تتم صيانة وحدة الأراضي الإقليمية للدولة.(1)
وأصابت اتفاقية السلام بعدم منحها الحكم الذاتي لبعض المناطق الشمالية التي كانت تطالب به مثل جبال النوبة وجنوب النيل الأزرق بسبب انتمائها للهوية الثقافية السائدة في الشمال ولاختلاف أوضاعها عن الخصوصية التي تميزت بها مشكلة جنوب السودان منذ الاستقلال. كما وضعت الحكومة في اعتبارها أن منح الحكم الذاتي لبعض المناطق الشمالية سيقود إلى مطالبة باقي الأقاليم الشمالية به مما يؤدي إلى عدم استقرار البلاد وتهديد سلامة وحدة أراضيها الإقليمية. وبدلاً عن تعميم تجربة الحكم الذاتي المحفوفة بالمخاطر على كل أقاليم السودان، قامت الاتفاقية بإعادة تشكيل نظام الحكم الفدرالي على أسس الديمقراطية حيث ينتخب سكان الولاية الحاكم وأعضاء المجلس التشريعي الولائي الذي يقوم بمراقبة أداء الجهاز التنفيذي وتخويل الولاية سلطات واسعة لتأكيد مبدأ نقل السلطة من المركز إلى الولاية (لكيلا تلجأ الولاية إلى المركز لإنجاز أعمالها كما كان الحال في السابق) وتأسيس مجلس تشريعي قومي أعلى للولايات لصيانة حقوقها وسلطاتها.
وتضمنت الاتفاقية ميثاقاً لحقوق الانسان يشتمل على الحقوق الرئيسية مثل حق الحياة والحق في الحرية والأمن الشخصي وحظر العبودية والتعذيب والمساواة بين الرجال والنساء، كما نصت على تقنين هذه الحقوق في نص الدستور القومي الانتقالي وتأسيس مفوضية حقوق الاإسان لتأمين تطبيق الحكومة لهذه الحقوق الأساسية ورصد محاولات انتهاكها. ومن مزايا الاتفاقية إدراك الأطراف لضرورة وجود طرف ثالث لضمان تنفيذ الجوانب العسكرية للاتفاقية ودعوتهما لمنظمة الأمم المتحدة لإرسال بعثة لحفظ السلام بموجب الباب السادس من ميثاق الأمم المتحدة يكون لها حرية التحرك لمتابعة تنفيذ مهامها المتعلقة بالمراقبة والتحقق في كل مراحل عملية وقف إطلاق النار.
ورغم توافر هذه العناصر الايجابية لاتفاقية السلام إلا أنها حوت عيباً أساسيّاً وخللاً خطيراً طغى على كل ايجابياتها وهو تنازل الحكومة في بروتوكول مشاكوس على منح سكان جنوب السودان حق تقرير المصير الانفصالي. وتتحمل حكومة الانقاذ العسكرية مسئولية تضمين حق تقرير المصير الخارجي الذي يهدد وحدة البلاد في مفاوضات السلام وذلك بموافقتها عليه في محادثات فرانكفورت لعام 1992م مع الجناح المنشق عن الحركة الشعبية الأمر الذي أغرى وسطاء الايقاد بتضمينه في إعلان المباديء لحل النزاع السوداني كخيار لتقسيم البلاد إذا لم توافق الحكومة على تأسيس الدولة العلمانية المتشددة التي تقوم بفصل الدين عن الدولة وإبعاد الأول عن الحياة العامة. ويبدو أن الدول الغربية المشاركة مع الايقاد في عملية السلام قد وافقت على إبقاء حق تقرير المصير في جدول أعمال المفاوضات كوسيلة لانتزاع تنازلات من الحكومة والعمل على إبقائه في هذا الإطار بسبب إدراكها لطبيعة المخاطر التي تنجم عن ممارسة حق تقرير المصير الخارجي مرة ثانية في الدول التي نالت استقلالها من دولة استعمارية ومخالفة هذا الأمر لميثاق الاتحاد الإفريقى وسماح القانون الدولي للمجموعات السكانية التي تطالب به في هذه الدولة بممارسة حق تقرير المصير الداخلي. ويمكن استنتاج هذا الموقف الذي تبناه الوسطاء من حقيقة أن المسودة الأولى لبروتوكول مشاكوس التي قدمها الوسطاء لأطراف النزاع في مفاوضات مشاكوس قد تجاهلت موضوع منح الجنوب حق تقرير المصير حسبما أشار إليه تيد داغن في التقرير الذي قدمه إلى الكونجرس الأمريكي عن عملية السلام السودانية.(2)
وكان في الإمكان وقوف الوسطاء مع الوفد الحكومى إذا ما أصرّ على أن منح الجنوب حق تقرير المصير الخارجي يهدد وحدة أراضي السودان وأبدى استعداده الكامل بمنح الجنوب الحكم الذاتي بصلاحيات واسعة في إطار السودان الموحد إلى جانب مشاركة أبنائه بنصيب عادل في إدارة شؤون الحكومة المركزية والذي يعتبره خبراء القانون الدولي الممارسة الحقيقية لحق تقرير المصير الداخلي في حالة الدول التي نالت استقلالها من دولة استعمارية. ويعزى عدم قيام الوفد الحكومي بهذه المحاولة وقبوله لعرض الحركة الشعبية بتنازلها عن إلغاء الشريعة في شمال السودان مقابل موافقة الحكومة على منح الجنوب حق تقرير المصير الانفصالي إلى انسجام هذا العرض مع توجه العناصر المتشددة في الحركة الإسلاميّة الذي لا يتردد عن التفريط بوحدة أراضي الوطن إذا ما أصبحت عقبة أمام تطبيق الشريعة الذي تعتبره الهدف الأساسي لبرنامجها السياسي. وأكدّ ذلك د. نافع علي نافع أحد مفاوضي الوفد الحكومي عندما قال في أوائل مايو 2004م "إذا خيرنا بين الشريعة ووحدة السودان فلتذهب الوحدة ولتبقى الشريعة."(3)
وأفرزت الموافقة المبكرة في المفاوضات بمنح الجنوب حق تقرير المصير الانفصالي معظم السلبيات الأساسية التي تعاني منها اتفاقية السلام وذلك مثل رفض الحركة الشعبية دمج قواتها العسكرية مع الجيش القومي الموحد وإصراراها على الاحتفاظ بجيش مستقل لجنوب السودان بدعوى أن غيابه سيشكل خطورة على الأوضاع في الإقليم في حالة تأكيد نتيجة الاستفتاء لخيار الانفصال وحجة أن وجود جيش موحد خلال الفترة الانتقالية سيؤثر في إجراءات ونتيجة الاستفتاء لحق تقرير المصير. ومن ضمن سلبيات الاتفاقية التي أفرزها تنازل تقرير المصير اقتسام عائدات التفط على أساس جغرافي مناصفة بين الشمال والجنوب وذلك لأن نيل الجنوب 50% من دخل النفط سيغري سكان الإقليم بالتصويت للانفصال لكي ينال الإقليم كل عائدات النفط بعد تأسيس دولته المستقله.(4) وتحكمت قضية تقرير المصير واحتمال انفصال جنوب السودان بعد ظهور نتيجة التصويت عليه في موقف الحركة الشعبية أثناء التفاوض حول توزيع عائدات النفط وذلك بإصرارها على توزيع الدخل على أساس جغرافي ومنح جنوب السودان أقصى نسبة ممكنة من العائدات ورفض توزيع الدخل على أساس قومي حسب الصيغة التي اقترحتها مجموعة الأزمات الدولية والمشار إليها أعلاه والتي تساهم إلى حد بعيد في تعزيز التماسك القومي وصيانة وحدة البلاد.
وترتب على تنازل الحكومة بمنح الجنوب حق تقرير المصير الانفصالي ظهور مفهوم "الوحدة الجاذبة" الضبابي والذي يصعب إخضاعه لتعريف محدد متفق عليه الأمر الذي قد يجعله أداة للابتزاز من قبل سكان جنوب السودان. ويتضح هذا من ملاحظة د. سعاد إبراهيم عيسى وقولها "يرى بعض الإخوة والأبناء من جنوب السودان أنه ما دامت حكومة الشمال هي الأحرص على الوحدة من الجنوب وهي الأعلى صوتاً في الدعوة إلى جعل الوحدة جاذبة ...فهي مطالبة بأن تفرض على الشماليين أن يعملوا حسابهم من أن لا يتعرضوا لأي من الجنوبيين مهما فعلوا بهم وهي مطالبة بأن تعمل حسابها أيضاً بحيث لا تنصر شمالياً على جنوبي مهما كان حقه في ذلك...ولا يرى الكتاب من أبناء الجنوب طريقاً إلى كسب ثقتهم إلا عبر الكثير من الطرق الشائكة الوعرة والتي لن تقود إلى الوحدة في نهايتها...واعتقد بعض أبناء الجنوب أن توقيع اتفاقية السلام يعني لهم بأن يفعلوا ما يشاؤون ويختارون دون أن تطالهم يد العدالة."(5) وينعكس هذا التوجه لتفسير مفهوم الوحدة الجاذبة فيما قاله نائب الرئيس السابق جوزيف لاقو "إذا كنتم تريدون لهذا السودان أن يستمر موحداً غيروا أنفسكم لكي نستطيع العيش معكم...لكن إن كنتم تريدون الاستمرار بهذه الطريقة تحتكرون كل الوظائف العليا الرئيس منكم والنائب الأول منكم ووزير الخارجية منكم وكل الوزارات المهمة عندكم لن نعيش معكم."(6)
أشار مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأمريكى في التقرير الذي أصدره عن السودان في فترة ما بعد الحرب الى بعض المخاطر التى ستواجه اتفاقية السلام مثل الديون الخارجية والنزعة الاستبدادية للحكومة والحركة الشعبية وسوء إدارتهم للموارد الذي يؤدي إلى الفساد والصراعات بين المركز والهامش ووجود الفصائل المسلحة.(7) ورغم أهمية هذه المخاطر وضرورة التغلب عليها، تظل مسألة تقرير المصير هي التحدي الأساسى الذي يهدد الاتفاقية (إذا ما تمّ تفسير مفهوم الوحدة الجاذبة بطريقة آحادية تؤدي إلى التوتر والنزاع) ويجعل من أمر تقسيم البلاد وتهديد السلام الإقليمي والدولي مسألة وقت تنتظر حلول موعد الاستفتاء.(8) وأصبح حال السودان مثل السفينة التي تتقاذفها العواصف في بحر هائج وتندفع دون إرادتها نحو صخرة ضخمة وسط البحر توشك على الارتطام بها في أي لحظة. وبما أن حرية الإرادة هي أهمّ ما يميز البشر وتدفعهم إلى عدم الاستسلام لمصيرهم ومحاولة التحكم فيه بقدر الإمكان، فإن الأمل مازال معقوداً على زعماء الأمة في أن يحفزهم هذا الخطر الداهم والتحدي الكبير للاستجابة له بابتداع أنجع السبل وبذل كل التضحيات لكي يتجنب كارثة انفصال أحد أقاليمه والانزلاق نحو منحدر الهاوية وإدراجه في خانة الدول الفاشلة مثل الصومال.(9) وأصبح من الضروري نهوض زعماء أطراف الاتفاق للتحدي والأزمة الخطيرة التي تهدد مصير ووجود السوان بتقسيمه إلى دويلات متناحرة. إذ تكون الأزمات التي تواجهها الأمم من اللحظات النادرة التي يتم فيها اختبار الإرادة السياسية لزعمائها وعادة ما تدفعهم إلى الاستجابة لها بنجاح وتجعلهم من عظماء التاريخ. ومن أمثلة ذلك الرئيس الأمريكي السابق إبراهام لنكولن ونجاحه في التصدي لخطر تقسيم بلاده عندما قررت الولايات الجنوبية الانفصال من الدولة الاتحادية في عام 1861م ودور رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل في حث الشعب البريطاني للصمود أمام هجوم المانيا النازية التي هددت وجود بلادهم في الحرب العالمية الثانية.(10)
ويمكن للرئيس عمر البشير ونائبه الأول سيلفاكير إدارة وحل الأزمة التاريخية التي يعاني منها السودان حالياً وتهدد وجوده كأمة موحدة إذا اتبعا مثال دي كليرك ونلسون مانديلا اللذين جعلا من جنوب أفريقيا "ساحة لأعظم تحول سياسي يشهده القرن العشرين حيث تحدى الشعب منطق ماضيهم وحطموا كل قواعد النظرية الاجتماعية لخلق روح وحدة قوية من أمة ممزقة."(11) وانطلاقاً من مقدمة أنّ حل قضية الدين والدولة في بروتوكول مشاكوس قد أزاح أكبر عقبة تقف أمام استمرار وحدة السودان(12)، ومقدمة أنّ تقسيم السودان وتمزيق وحدة أراضيه هو بمثابة الجريمة والانتحار للجسد السياسي للبلاد والذي لن تغفره أجيال المستقبل لمن تسببوا في حدوثه، نقترح على القوى السياسية عامة وعلى الرئيس البشير والنائب الأول سيلفاكير خاصة اتباع خطوات معينة أثناء إدارة شؤون البلاد في الفترة الانتقالية تساهم في التطبيق السليم للاتفاقية لضمان نجاح تنفيذها وترقية التعاون والثقة المتبادلة مما يساعد على تهيئة المناخ لمعالجة مسألة تقرير المصير حتى يتم تأمين الوطن من الشرور التي ستنجم عن تمزيق وحدة أراضيه. ومن ضمن هذه التدابير:-
1- أن يواصل الرئيس عمر البشير ترسيخ التحول الديمقراطي والاصلاحات الليبرالية التي حققتها اتفاقية السلام والحرص على تمتع القوى السياسية بحرية التنظيم والتعبير والمشاركة السياسية. كما يجب عليه إدراك خطورة العناصر المتشددة في حزب المؤتمر الوطني الذين نظموا أنفسهم في منبر يدعو إلى مناهضة الاتفاقية وفصل شمال السودان عن جنوبه بدعوى الحفاظ على نقاء الهوية العربية الإسلاميّة السائدة في الشمال. ولا شك أنّ تعصب هذه المجموعة واستخدامها السلبي للدين الذي يجعل أعضائها يعتقدون بأن آراءهم هي الحقيقة المطلقة سيؤدي إلى تحويل أعضاؤها إلى مخربين spoilers لاتفاقية السلام ويصبحون مثل العناصر المتطرفة في الحزب الحاكم في رواندا الذين عارضوا اتفاقية سلام أروشا لاعتقادهم بأنها قد ظلمت الأغلبية الهوتو وحققت كل مطالب ومصالح الأقلية التوتسي الأمر الذي دفعهم إلى قيادة عملية القتل والإبادة المنظمة للتوتسي لمنع تنفيذ اتفاقية سلام أروشا.(13)
لذلك ينبغي على الرئيس البشير الحد من نشاط هذه المجموعة التي لا تؤمن بالديمقراطية وتنتهك دعوتها لتقسيم السودان مباديء الاتفاقية والدستور الذي يفرض على المواطنين الالتزام بالوحدة الوطنية وصيانة وحدة أراضي البلاد وإقناعهم بأن ضرورات تحقيق السلام والاستقرار تستوجب التخلي عن التزمت والتعصب الآيدلوجي. وأشار د. ستيفن ستيدمان إلى دور المخربين spoilers في إفشال الاتفاقيات التي وضعت نهاية للحروب الأهلية التي حدثت في تسعينيات القرن الماضي بقوله: "مصدر الخطر الأعظم لاتفاقيات السلام يأتي من المخربين spoilers الذين يمثلهم الأحزاب والقادة الذين يعتقدون أنّ السلام الذي تمخض عن المفاوضات يهدد سلطتهم ومصالحهم وتوجههم الآيدلوجي القيمي worldview ويستخدمون العنف لإضعاف محاولات تحقيق السلام."(14)
2- أحدث الفكر السياسي الذي طرحه المرحوم د. جون قرنق عن السودانوية ومعالجة مشكلة الجنوب في إطار قومي ورؤيته عن السودان الجديد الذي يهدف إلى تحقيق المساواة في التنمية والتطور الاقتصادي والاجتماعي لكل مناطق السودان أثراً عميقاً في آراء القوى السياسية الأخرى وأصبحت مصطلحات أفكاره من المفاهيم الأساسيّة في الخطاب السياسي المعاصر. ورغم ما ذكرناه من أنّ منهج الحركة التفاوضي والتشدد في مطالبها يقود المرء إلى استخلاص نتيجة مفادها أنّ الانفصال هو غايتها القصوى، إلا أننا نتفق مع الرأي الذي يرى أن زعيمها الراحل د. جون قرنق "رجل وهب نفسه لوحدة السودان وهو وحدوي من شعر رأسه إلى أخمص قدميه لأنه مفكر وفيلسوف."(15)
وتعكس التصريحات التي أدلى بها الفقيد د. جون قرنق بعد توقيع اتفاقية السلام تأصل النزعة الوحدوية في تفكيره وذلك عندما قال:"هناك مرحلة أخرى وهي ما بعد 2011م. ورغم أننا لا نعرف نتيجة الاستفتاء التي سيسبقها لكن سنواصل نضالنا بالطرق السلمية... وسنتحول إلى حزب سياسي في كل السودان لأننا نريد تغيير السودان كله..وأؤكد لك أننا نستطيع اكتساح الانتخابات في كل السودان."(16) وذكرت السيدة ريبيكا قرنق في مراسم تشييع زوجها الفقيد الكبير د. جون قرنق بأنه وحدوي "وأقول لكم بأنه يريدكم بأن تكونوا متوحدين، فلتنسوا ما حدث ونفكر في المستقبل.  ووصفه الفريق سيلفاكير الذي تولى زعامة الحركه الشعبية بعد وفاته بقوله "كان قائداً سياسياً.. وقد رفع شعارات الوحدة وعمل من أجلها ومات وهو وحدوي كما عرفه الجميع وكان يريد أن يكون السودان موحداً وقد ظهر بأنه وحدوي عند استقباله في الخرطوم."18وأكدّ الزعيم الجديد للحركة الشعبية التزامه بوحدة السودان وسيره على خطى الزعيم الراحل وذلك بقوله "سنجعل الوحدة طريقنا وسنعمل من أجل السودان الجديد والديمقراطية وأطمئنكم أنّ رؤيته حول الوحدة لم ترحل معه ونحن سنكون في الحركة الشعبية مع رؤيته."19 ووصف مسئول الشؤون الخارجية لوفد الترويكا الأوربية انطباعه عن سيلفاكير النائب الأول للرئيس بعد لقائه معه بقوله "إنني لا أشعر فقط أنه رجل محبوب بل أنه سوداني يريد بناء سودان ينعم بالرفاهية ومتحد، وهذا أهمّ شيء كان يجب أن نسمعه."20 ولاشك أن إيمان السيّد سيلفاكير بضرورة الوحدة ستقوده إلى الاعتقاد بأنّ روح العصر وحركة التاريخ تتجه نحو خلق الكيانات الإنسانية الكبرى وليس التقوقع فى دويلات عرقية تتميز بعقلية القبيلة التي يدفعها وهم الاعتقاد بأنها الشعب المختار إلى عدم التسامح والكبرياء وإقصاء الآخر. ويشير حرصه على صيانة وحدة السودان وميله لأسلوب العمل الجماعي الذي ساعده فى الحصول على إجماع قيادة الحركة الشعبية لزعامتها بعد وفاة د.جون قرنق إلى أنّ قدراته الزعامية ستمكنه من مقاومة ضغوط العناصر الانفصالية وإقناع القواعد الجماهيرية للحركة الشعبية بمخاطر الانفصال وايجابيات بقاء جنوب السودان في إطار السودان الموحد بعد أن حققت الاتفاقية العديد من الامتيازات لسكان الجنوب ومعظم تطلعاتهم مثل تأمين حق الحكم الذاتي الكامل والمشاركة الفعالة في الحكومة المركزية ونسبة 40% من مقاعد مجلس الولايات الذي يعتبر أعلى سلطة تشريعية في البلاد. وينبغي لزعيم الحركة الشعبية ترسيخ التحول الديمقراطي في جنوب السودان والحرص على تمتع كافة القوى السياسية الجنوبية بحرية التنظيم والتعبير والعمل على نجاح حكومة جنوب السودان في تحقيق الاستقرار السياسي الذي سيساهم بدوره في نجاح عملية إعادة التعمير وإنجاز التطور الاقتصادي في الجنوب الذي سيكون له أكبر الأثر في تيسير مهمته في إقناع المواطنين بضرورة وأهمية بقاء جنوب السودان في إطار السودان الموحد الكبير. كما يمكنه توظيف المنظور التاريخي الذي يؤكد انتماء السكان الحاليين لشمال السودان وجنوبه إلى عنصر وجنس إفريقي واحد في الماضي وتقهقر أبناء عمومتهم الذين يمثلون السكان الحاليين لجنوب السودان إلى موطنهم الحالي لعوامل بيئية مما يعني أنهم جميعاً أحفاد بناة حضارات كرمة ونبتة ومروي والنوبة المسيحية وسنار والفونج الإسلاميّة الأمر الذي يستوجب تمسك سكان الجنوب بسودانهم الكبير الذي صنعوا حضاراته القديمة والتي أصبحت جزء لا يتجزأ من تراثهم الحضاري بدلاً من التفريط في وحدته والانفصال عنه والاكتفاء بالعيش في ركن قصي وحيّز محدود منه.(18)
3- تولى طرفا الاتفاق لمقاليد الحكم لمدة ثلاث سنوات فقط وتعديل ما ورد في اتفاقية آليات التنفيذ التي نصت على ألا تتعدى الانتخابات نهاية السنة الرابعة وتعديل الدستور بحيث تصبح بداية الانتخابات في منتصف أغسطس 2008م. وستساهم هذه الخطوة في إزالة ما رسب في أذهان الرأي العام والقوى السياسية بأن طرفي الاتفاق يرغبان في الاحتفاظ بالسلطة بكل السبل ولأطول مدة ممكنة مما يؤدي إلى تعزيز الثقة وروح التعاون بين كافة القوى السياسية وضمان نجاح الاتفاقية. ونقترح الجدول الزمني التالي للانتخابات لإكمال التحول الديمقراطي في المرحلة الثانية للفترة الانتقالية:
15-30 أغسطس 2008م : انتخابات الحكومات المحلية والبلديات في الشمال والجنوب.
20-30 أغسطس 2008م : انتخابات حكام الولايات والمجالس التشريعية الولائية في الشمال والجنوب.
سبتمبر 2008م : أداء الحكام الجدد للقسم وعقد الاجتماع الأول للمجالس التشريعية المنتخبة في كل الولايات في الشمال والجنوب.
أكتوبر 2008م: بداية الحملة الانتخابية لانتخابات مستوى الحكم القومي ومستوى حكومة جنوب السودان.
1-15 نوفمبر 2008م: بداية الانتخابات القومية للمجلس التشريعي القومي ومجلس الولايات والمجلس التشريعي لجنوب السودان.
25 نوفمبر 2008م: عقد الاجتماع المشترك الأول للمجلس التشريعي القومي ومجلس الولايات وعقد الاجتماع الأول للمجلس التشريعي لجنوب السودان.
5 ديسمبر 2008م : بداية الانتخابات القومية لرئاسة الجمهورية وانتخابات رئيس حكومة جنوب السودان.
5 يناير 2009م : أداء رئيس الجمهورية المنتخب للقسم وبداية فترته الرئاسية وأداء رئيس حكومة جنوب السودان المنتخب للقسم وبداية فترته الرئاسية.
ويجب على طرفي الاتفاق الالتزام بمبدأ الفصل بين السلطات الذي أقرّته اتفاقية السلام لنظام الحكم الرئاسي الديمقراطي، لكي يتم تأمين نظام الكبح والتوازن والذي يمنع طغيان أي سلطة على السلطات الأخرى، وذلك بإجراء التعديلات اللازمة في الاتفاقية والدستور لإلغاء الصلاحية الممنوحة للسلطة التنفيذية لدعوة مجلسي السلطة التشريعية القومية للاجتماع وتأجيل وتعطيل جلساتهما ومنح هذه الصلاحية إلى المجلسين باعتبارها من صميم اختصاصات السلطة التشريعية وليس السلطة التنفيذية. وينبغي إجراء تعديل دستوري ينص على عدم السماح لرئيس الجمهورية بتعيين أي عضو من أعضاء الجمعية التشريعية القومية لمنصب الوزير حتى لا يجمع الشخص بين السلطتين التنفيذية والتشريعية حسبما يقتضيه نظام الفصل بين السلطات وكما هو معمول به في الدول الذي تبنته مثل الولايات المتحدة الأمريكية.
4- أضحى موضوع تقرير المصير مثل الفيروس الكامن في اتفاقية السلام الشامل الذي يهدد بالانطلاق والهجوم في أي وقت للقضاء على المكتسبات التى حققتها للسودان وتهيئة الظروف لتمزيق وحدة أراضيه. ويستوجب هذا الوضع الخطير ضرورة ترسيخ حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية للشراكة السياسية التي أوجبتها قيادتهما لحكومة الوحدة الوطنية وذلك بعقد عهد وميثاق ينص على التزامهما بوحدة السودان والتعاون التام لتنفيذ الاتفاقية بدقة ونزاهة وأن لا يقوم أحدهما بالهجوم العلنى على الآخر طوال فترة الحكومة ذات القاعدة العريضة، وأثناء فترة الحملة الانتخابية وخلق آلية لتسوية الخلافات الداخلية بينهما. وينبغي أن يسبق إبرام الميثاق المقترح مواصلة وتعميق الحوار الذي بدأ بينهما أثناء مفاوضات السلام والتي أشار اليها د. أمين حسن عمر بقوله: "قلنا للرفاق في الحركة الشعبية وسمعنا منهم أن إيجاد الموازنة بين سودانهم الجديد ومشروعنا الحضاري بالإمكان لأننا نستطيع البناء على قواسم مشتركة عديدة كما يمكننا أن نراعي الخصوصيات عند الاختلاف..."(19) كما يجب عليهما إدراك أنّ اتفاقية نيفاشا قد نجحت إلى حد بعيد في التوفيق بين نقاط الخلاف في برامجهم السياسية مثل العلاقة بين الدين والدولة والهوية وعدم فرض لغة رسمية وحيدة على كل البلاد.
ويجب أن لا تقوم الأحزاب والفصائل المسلحة الجنوبية التى تحالفت مع المؤتمر الوطني والحركة الشعبية بعرقلة الميثاق المقترح في حالة إبرامه بدافع الغيرة السياسية وأن يضعوا في اعتبارهم أنّ مأزق تقرير المصير والظروف التاريخية الحرجة والحساسة التي يمر بها السودان تستوجب تخلي كل القوى السياسية عن مصالحها الحزبية من أجل تجاوز الأزمة الخطيرة التي تواجه الوطن والحرص على تسليم الأجيال القادمة وطن متماسك موحد مثلما ورثوه من الآباء والأجداد. ويتعين على حزب المؤتمر الوطني أن يكون القدوة للقوى السياسية الأخرى في تغليب مصالح الوطن العليا على المصلحة الحزبية وذلك بالقضاء على سياسة التمكين التي منحت كل المناصب الهامة في الدولة والقطاع العام لأعضاء الجبهة الإسلاميّة القومية ووضع خطة عمل لتحويل دولة الحزب إلى دولة الوطن عبر إعادة صياغة الخدمة المدنية لتصون استقلال وحياد وكفاءة الخدمة العامة.
5- البحث عن المشاكل والحالات التي من المتوقع أن تساهم في تقليل فرص الوحدة بين الشمال والجنوب وتمهد الجو لحدوث الانفصال وذلك بهدف احتوائها وإيجاد الحلول الناجعة لها. ومن أمثلة هذه الحالات احتفاظ الحركة الشعبية بجيش منفصل عن الجيش القومي، إذ ينبغى على المؤتمر الوطني والحركة الشعبية بذل كل الجهد لإنجاح تجربة القوات المشتركة المدمجة باعتبار أنّ تعزيز الثقة بين أعضاء الجيشين خلال الفترة الانتقالية سيضع الأساس المتين للتفاهم حول كيفية إصلاح التركيبة الحالية للجيش القومي وتسهيل عملية خلق القوات المسلحة القومية الموحدة مما يساعد على تحقيق وحدة البلاد. ويتعين على طرفي الاتفاق الاستهداء بتوصيات مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية حول أسلم السبل لتأمين نجاح تجربة القوات المشتركة المدمجة في فترة ما بعد السلام وذلك مثل التشاور مع الشركاء الدوليين للإيقاد (الولايات المتحدة، بريطانيا) لتأسيس مجموعة دولية لتقديم النصح والتدريب للقوات المشتركة المدمجة وتزويدها بأحدث الأساليب والنظم في مفاهيم التدريب والقتال وتشكيل بنية القوات المشتركة وعملية الدمج وذلك لما لها من خبرات واسعة في هذا المجال ولتأمين الكفاءة المهنية العالية لهذه القوات لكي تكون النموذج للجيش القومي الموحد المرتقب.(20) ويجب على المؤتمر الوطني إجراء الاصلاحات اللازمة في الجيش القومي ووضع تصورات لاغراء الحركة الشعبية لدمج جيشها مع القوات المسلحة السودانية مثل منحها نسبة 35% من كادر الجنود و 35% من كادر الضباط في الجيش القومي الموحد.
وتعتبر مسألة إقصاء الفصائل الجنوبية المنضوية تحت لواء قوات دفاع الجنوب من الاتفاقية واحتمال تحولهم إلى مخربين للسلام وإشاعة الاضطرابات والفوضى في جنوب السودان من الحالات التي من المتوقع أن يؤدي ظهورها إلى حيز الواقع إلى إضعاف فرص تحقيق وحدة البلاد. ورغم مطالبة الفصائل الجنوبية بانفصال الجنوب في فترة الحرب الأهلية إلا أنّ انضمام قادتها للقوات المسلحة القومية يوضح سعة صدرهم للحوار والاستعداد لقبول مبدأ الوحدة بسبب غياب التزمت والتعصب الآيديولوجى في تفكيرهم السياسي. ويعزى تهديد قادة الفصائل الجنوبية باستخدام العنف لعرقلة السلام إلى الخوف على مصير قواتهم واعتقادهم بأن الحركة الشعبية ستقوم بتصفيتهم بعد انسحاب الجيش القومي من الجنوب وانفراد الحركة الشعبية بحكم الإقليم.(21)
وتقتضي ضرورة استدامة السلام وتأمين وحدة البلاد أن يبدأ المؤتمر الوطني والحركة الشعبية التنسيق لعقد الحوار مع جبهة قوات دفاع الجنوب وتبني استراتيجية الترغيب لكسبهم إلى صف الوحدة والسلام خاصة وأن أهدافهم محدودة ولا تتطلع إلى أكثر من منحهم حق المشاركة السياسية في الفترة التي تسبق الانتخابات وذلك بتعيين أعضائهم في مناصب هامة في المناطق التي يسيطرون عليها حالياً "باعتبار أنهم قاموا بتأمينها وخلقوا فيها الاستقرار لذلك هم أولى بحكمها."(22) ويجب أن تشمل المحادثات إمكانية اشتراكهم في اتفاقية الإجراءات الأمنية والسماح لعدد من أعضاء قواتهم بالمشاركة في القوات المشتركة المدمجة التي سيتم نشرها في الجنوب والمشاركة بنسبة محددة مع قوات الحركة الشعبية في جيش حكومة جنوب السودان. كما ينبغي على طرفي الاتفاق إعداد الاستراتيجيات المختلفة لإقناع القوى المعادية لاتفاقية السلام للحاق بركوب قطار السلام والمشاركة في تنفيذ الاتفاقية ولإدارة نشاطهم واحتوائه في حالة تصلب مواقفهم ولجوئهم إلى العنف لتجديد الحرب الأهلية والتعاون مع قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام لتحقيق هذه الغاية.(23)
ويتعين على الأحزاب المعارضة لحكومة الوحدة الوطنية والتي أيدت اتفاقية السلام (مثل حزب الأمة والمؤتمر الشعبي) التعاون مع الحكومة لاحتواء خطر المخربين لأن تجدد العنف والحرب الذي سينجم عن نشاطهم ستؤدي إلى إعادة ظهور النزعة الاستبدادية للمؤتمر الوطني والحركة الشعبية وإعلانهم حالة الطواريء وتأجيل الانتخابات والقضاء على المكتسبات الديمقراطية التي حققتها الاتفاقية وفرض هيمنتهم السياسية طوال الفترة الانتقالية.(24)
ويعتبر استمرار الأزمة الناشبة في دارفور وتردي الأحوال الأمنية في الإقليم ونذر اندلاع التمرد في شرق السودان بقيادة جبهة الشرق التي تدعمها أريتريا من المخاطر الماثلة التي تهدد السلام مما يقتضي أن تبذل حكومة الوحدة الوطنية والأحزاب المعارضة للحكومة والمؤيدة للاتفاقية أقصى جهودهم لإيجاد حل سياسي للنزاع في دارفور وشرق السودان. ويجب على الحكومة عدم التنازل في المفاوضات بمنح إقليم دارفور الحكم الذاتي لأن النتيجة الحتمية لذلك ستكون مطالبة سكان جنوب النيل الأزرق وجبال النوبة وشرق السودان بالحكم الذاتي الأمر الذي سيؤدي إلى إضعاف الحكومة الفدرالية وتهديد وحدة السودان.
وهناك احتمال قوى بأن يلجأ دعاة الانفصال في أوساط الشماليين والجنوبيين إلى استخدام الخطاب العنصري لاستفزاز وتحريض المواطنين الشماليين والجنوبيين الذين استقروا في العاصمة بقصد إحداث الفتن والنزاع بين المجموعات الإثنية المختلفة في العاصمة حتى يتم تقويض السلام وإثبات صحة رؤيتهم بضرورة الانفصال واستحالة التعايش بين الشماليين والجنوبيين كما ينعكس في الفتن العنصرية التي تسببوا في افتعالها. لذلك يصبح من أهمّ واجبات حكومة الوحدة الوطنية إعداد الخطط والتدابير اللازمة لاحتواء الفتن العرقية و الدينية في حالة حدوثها لإحباط مساعي أعداء السلام الذين يسعون إلى تمزيق وحدة البلاد.
ويتعين على حزب المؤتمر الوطني الإعراب عن موافقته على تعميم النص الوارد في الاتفاقية الذي يعفى غير المسلمين القاطنين في العاصمة القومية من القوانين الإسلاميّة ليكون نافذ المفعول في كل الولايات الشمالية حتى لا يتعرض المواطنين غير المسلمين الذين استقروا فيها لانتهاك حريتهم الدينية ويتم كسبهم إلى صف الوحدة حتى لا تضيع أراضي تعادل مساحتها مساحة كل من بريطانيا وفرنسا مجتمعين.(25) ويمكن للرئيس البشير استلهام مثال إبراهام لنكولن الذي كان مبدأه الأساسي وغاية طموحه السياسي إلغاء مؤسسة الرق وذلك في السنوات التي سبقت اندلاع الحرب الأهلية الأمريكية. وبعد أن قررت الولايات الجنوبية الانفصال في عام 1861م، أعطى لنكولن مبدأ الحفاظ على وحدة أراضي الاتحاد الأمريكي الأولوية القصوى لأن استرجاع وحدة البلاد سيكون في حكم المستحيل إذا ما أصبح الانفصال حقيقة واقعة وإرجاء رغبته بإلغاء مؤسسة العبودية في بداية الحرب الأهلية في كل الولايات حتى تتهيأ الظروف المناسبة لذلك. ولم يتحدث كثيراً في خطبته الافتتاحية في 4 مارس 1861م عن مسائل حرية الإنسان "بل لم يبد أي اهتمام بتحرير الرقيق إذ أعلن بأن ليس له هدف مباشر أو غير مباشر بالتدخل في مؤسسة الرق في الولايات التي توجد فيها ".(26) ولا شكّ أن هناك حالات أخرى تساهم في إضعاف وحدة البلاد غير منظورة حالياً وقد تأتي بدون توقع وحسبان مما يستوجب على قادة الرأي والكتاب إعمال الذهن لاكتشافها والتكهن باحتمالات وقوعها للحيلولة دون ظهورها إلى حيز الواقع لكي نضمن مسار سفينة الوطن إلى شاطيء الأمان في العام 2011م بدون أن تتعرض للتحطيم الذي يتمناه دعاة الانفصال وأعداء السلام.
6- ليس هناك أدنى شك من وجود احتمال قوي لاحتفاظ الكيان السوداني بسلامة وحدة أراضيه في حالة نجاح الشراكه السياسيّة بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية في النصف الأول من الفترة الانتقالية وتطورها إلى تحالف في الانتخابات وفوزهما برئاسة الجمهورية وأغلبية مقاعد الجمعية التشريعية القومية ومجلس الولايات. ولكي يتم ضمان وحدة السودان نقترح أن يبدأ طرفا الاتفاق (في حالة تحقق هذا السيناريو) في الحوار حول أسلم السبل لمعالجة مسألة تقرير المصير بطريقة تجنب الوطن شرور التقسيم والتمزق. وهناك احتمال بأن يؤدي الحوار حول إمكانية معالجة مسألة تقرير المصير الى ظهور معارضة قوية ضد التيار الوحدوى في الحركة الشعبية من قبل القوى السياسيّة الجنوبية المؤيدة للانفصال وبعض أعضاء الحركة الشعبية الذين يؤيدونهم. وفي حالة تحقق ذلك ينبغي على حكومة الوحدة الوطنية وكل القوى السياسية في البلاد الحريصة على وحدة السودان الاستعانة بنيجيريا ومصر باعتبارهما من الدول الأفريقية الكبرى المعروفة بمواقفها الرافضة لحق تقرير المصير الانفصالي للتوسط معها لدى الولايات المتحدة للتأثير على القوى السياسية الجنوبية المؤيدة للانفصال للموافقة على معالجة مسألة تقرير المصير بطريقة تجنب السودان الشرور الناجمة عن التقسيم. ولن تتوانى الولايات المتحدة الأمريكية عن القيام بهذه المهمة وذلك بحكم مسئوليتها كالقوة العظمى الوحيدة في العالم في الحفاظ على الاستقرار في كل المناطق المهددة بالاضطرابات والفوضى.(27) فكما ذكر أميتاي إيتزيوني "يستوجب على الولايات المتحدة استخدام الاستحسان الأخلاقي والمجهود الديبلوماسي لتأييد القوى التي تؤيد قيّم الديمقراطية وتناهض تلك التي تسعى إلى التقسيم والتمزيق والقبلية".(28)
ولابد من الإشارة هنا إلى خطأ الاعتقاد الشائع بأن الولايات المتحدة تسعى إلى تقسيم السودان لكي تستفيد من الثروة البترولية الموجودة في الجنوب وتأسيس قواعد عسكرية في الدولة المستقلة الجديدة.(29) إذ انتهجت الولايات المتحدة سياسة عدم تأييد الحركات الانفصالية منذ تعرضها لخطر التقسيم في ستينيات القرن التاسع عشر. وينعكس هذا في الموقف الأمريكي تجاه حق تقرير المصير الانفصالي الذي ذكرته إليانور روزفلت المندوبة الدائمة للولايات المتحدة في الأمم المتحدة في عام 1952م عندما قالت: "هل يعني حق تقرير المصير حق الانفصال؟ هل يتضمن حق تقرير المصير حق التمزيق وتبرير تقسيم الأمم؟ هل يعني حق تقرير المصير حق الشعب لفصم العلاقة مع الآخر بغض النظر عن الآثار الاقتصادية على استقرارهم الداخلي وأمنهم الخارجي دون أي اعتبار لآثار ذلك على جيرانهم وعلى المجتمع الدولي؟ لا بالطبع وبكل وضوح."(30)
وطرح روبرت ميرفي نائب وكيل وزارة الخارجية الأمريكية تفسيراً لموقف بلاده المناهض للحركات الانفصالية والاستعمار عندما قال "ناضلنا من أجل تحرير أنفسنا من الحكم الأجنبي وجاهدنا لكي نبقي شعبنا متحداً ينبذ مبدأ الانفصال الذي تبناه البعض في بلادنا إلى المدى الذي أوشك أن يمحونا من الوجود كأمة."(31) وعندما سئل الناطق الرسمي لوزارة الخارجية الأمريكية عما إذا كان دعم بلاده للإجراءات التي اتخذتها الأمم المتحدة لقمع الحركة الانفصالية التي ظهرت في الكونغو في إقليم كاتانقا بالقوة انتهاكاً لموقفها التقليدي المؤيد لحق تقرير المصير، أجاب بالنفي لعدم وجود حق مطلق لمبدأ تقرير المصير "وأننا خضنا غمار حرب أهلية لمنع الانفصال واعترفنا في الداخل وفي الخارج بخطر البلقنة."(32)
وساندت الولايات المتحدة الدول التي تعاني من الحركات الانفصالية وذلك مثل دعمها للفيلبين ضد حركة المورو الانفصالية ولباكستان في قمعها للبنغال في شرق باكستان لمنعهم من الانفصال في مطلع سبعينيات القرن الماضي ولأثيوبيا في عهد الإمبراطور هيلا سلاسي ضد سكان إريتريا ولتركيا ضد الأكراد وروسيا ضد الشيشان.(33) ولم تؤيد الولايات المتحدة حق تقرير المصير الانفصالي لأكراد العراق بالرغم من استخدام العراق للغازات السامة ضد الأكراد للحد من نشاط حركتهم الانفصالية في عام 1987م والهجوم الدوليّ ضد العراق لتحرير الكويت في عام 1991م.(34) وتنسجم توصية مبعوث السلام الأمريكي جون دانفورث لحل مشكلة الحرب الأهلية في السودان مع الموقف الأمريكي التقليدي تجاه حق تقرير المصير الانفصالي وذلك بالتحفظات التي أبداها حيال انفصال جنوب السودان وتفضيله بأن يعيش سكان الإقليم الجنوبي "تحت ظل حكومة تحترم أديانهم وثقافاتهم." (35)
وتؤدي التصريحات التي أدلى بها جيرالد قالوش القائم بأعمال السفارة الأمريكية في السودان بعد التوقيع على اتفاقية نيفاشا للإجراءات الأمنية إلى التفاؤل بأن الولايات المتحدة سترحب بالتوسط لإقناع القوى الانفصالية تخفيض مقاومتهم وضغوطهم لإمكانيات معالجة مأزق حق تقرير المصير. فقد ذكر قالوش ضمن تصريحاته "بأنّ الإدارة الأمريكية تريد السلام في السودان وتدعو إلى التعايش بين السودانيين في وحدة، مشدداً على أن أمريكا مع وحدة السودان لأنّ تفكك السودان ستكون له آثار سالبة على المنطقة والعالم نافياً أن تكون الولايات المتحدة قد سعت إلى فصل الجنوب قائلاً "لو كنا نرغب في ذلك لفعلناه."(36) وينسجم موقف الولايات المتحدة تجاه مخاطر حق تقرير المصير الانفصالي مع تنبيه مبعوث الأمم المتحدة إلى السودان إيان برونك إلى مخاطر تمزيق وتفكك السودان عندما قال في ندوة بجامعة الخرطوم في يونيو 2005م "أنّ الأمم المتحدة تسعى إلى أن تجعل خيار الوحدة جاذباً لأنه إذا لم يبق السودان موحداً فإن نتائج ذلك ستمتد لتشمل المنطقة بأسرها".(37)
ومن ضمن الخيارات التي يمكن تبنيها لمعالجة مسألة تقرير المصير إطالة أمد الفترة الانتقالية إلى 15 عام لتنتهي في عام 2020م وعقد الاستفتاء في مدة لا تقل عن عشر سنوات بعد انتخاب أول حكومة لجنوب السودان في عام 2009م. ويستحسن إجراء التعديلات اللازمة في الاتفاقية والدستور لإخضاع نتيجة الاستفتاء للتصديق والموافقة النهائية للمجلس التشريعي القومي ومجلس الولايات. وتساهم هذه الفترة الطويلة في إزالة رواسب عدم الثقة بين الشمال والجنوب وإفساح المجال للتعايش السلمي بين كافة أبنائه وتحقيق الطفرة الاقتصادية والنهضة العمرانية في جنوب السودان بالتعاون مع الحكومة المركزية التي سيدفعها الحرص على حفظ وحدة البلاد إلى الوفاء بكل التزاماتها في الاتفاقية والتعاون مع المجتمع الدولي لتحقيق أقصى قدر من التطور الاقتصادي في جنوب السودان وتحسين الأحوال المعيشية للمواطنين في الإقليم. وسيساعد الاستقرار السياسي والتطور الاقتصادي في الجنوب في خفوت صوت دعاة الانفصال وإضعاف حجتهم بعد ظهور النتائج الايجابية لبقاء جنوب السودان في إطار الكيان السوداني الموحد التي تتجسد في استدامة السلام وتحقق الاستقرار السياسي والنهضة الاقتصادية والعمرانية.
ومن المؤمل أنّ تكون نتيجة الانتخابات في الجنوب لصالح القوى السياسية الجنوبية المؤيدة للوحدة بزعامة الحركة الشعبية ونجاحهم في السيطرة على الجهاز التنفيذي والمجلس التشريعي لجنوب السودان مما يتيح أمامهم الفرصة لتنزيل مشروع السودان الجديد الوحدوي إلى أرض الواقع وحيز التنفيذ بعد نجاح تعاونهم مع المؤتمر الوطني في تنفيذ الاتفاقية وتحقيق التنمية الاقتصادية في الجنوب. ويتعين إزاء هذا الوضع ونجاح تنفيذ الاتفاقية واستدامة السلام أنّ تتضافر كافة القوى السياسية بدافع حرصها على تأمين وحدة التراب السوداني وبالتعاون مع الاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة الأمريكية للتأثير على القوى الجنوبية الوحدوية لمعالجة مسألة تقرير المصير عن طريق تجاوز الاستفتاء وإعلان وحدة الجنوب والشمال من داخل الجمعية التشريعية لجنوب السودان.
7- سيكون انفصال جنوب السودان النتيجة الحتمية للاستفتاء الذي سيعقد في نهاية الفترة الانتقالية إذا لم تستمر روح التعاون والثقة المتبادلة بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية وتصاعدت الخلافات بينهما إلى مستوى ما حدث بين حزبي الأمة والاتحادي الديمقراطي أثناء الفترة الديمقراطية الثالثة (1986-1989م). ويصبح البديل في هذه الحالة لتجنب شبح التقسيم اعتراف أحزاب الأمة والاتحادي الديمقراطي والمؤتمر الشعبي والشيوعي السوداني بأن إقرارهم تقرير المصير الذي لا ينطبق على جنوب السودان حسب روح القانون الدولي ونصّه قد كان خطأ تاريخياً في حق الوطن وساهم في إذكاء روح التعصب القبلي وتحريض الحركات الجهوية للتمرد ورفع السلاح ضد الحكومة المركزية الأمر الذي وضع السودان في مأزق تاريخي يهدد بتمزيق كيانه الذي اكتسب شكله الموحد الحالي منذ أكثر من مائة عام. ويجب أن تلي هذه الخطوة عقد تحالف انتخابي بين أحزاب الأمة والاتحادي الديمقراطي والمؤتمر الشعبي والحركة الشعبية يتم بمقتضاه اختيار هذه الأحزاب لسيلفاكير لكي يكون مرشحهم لرئاسة الجمهورية والتزامه وتعهده باستثمار نفوذه وشعبيته لدى سكان الجنوب لاقناعهم بضرورة تعديل الاتفاقية والدستور لإلغاء الاستفتاء على حق تقرير المصير الانفصالي واعتبار الحكم الذاتي الذي كفلته الاتفاقية للجنوب بالإضافة إلى مشاركة أبنائه الفعالة في الحكومة المركزية انما هو بمثابة ممارسة حقيقية لحق تقرير المصير الداخلى الذى يحقق الوحدة الوطنية ويضمن سلامة أراضي السودان.
اضطرت الحركة الشعبية تحت ضغط الانشقاق الذي تعرضت له في أغسطس 1991م إلى إحداث تغيير في برنامجها السياسي الوحدوي الذي انعكس في مطالبتها بمنح جنوب السودان حق تقرير المصير كشرط لإنهاء الحرب الأهلية. وأدت موافقة حكومة الانقاذ على المطلب الجديد في محادثات فرانكفورت في عام 1992م إلى هرولة حزب الأمة والتجمع الوطني الديمقراطي في التنافس مع الحكومة لإعلان تأييدهم لتقرير المصير دون اكتراث بأن موقفهم هذا قد وضع الوطن على شفا منحدر يقود إلى انزلاقه في هاوية الانهيار والسقوط المحتوم. ونجحت العناصر الانفصالية في داخل الحركة الشعبية في دفعها نحو موقف تفاوضي متشدد استطاعت عبره انتزاع تنازلات كبرى من الوفد الحكومي في مفاوضات مشاكوس ونيفاشا حيث حققت في الأولى مطلب تقرير المصير الانفصالي وفي الثانية في سبتمبر 2003م الاحتفاظ بجيشها باستقلال تام عن القوات المسلحة السودانيّة الأمر الذي يضعف من فرص احتفاظ السودان بوحدة كيانه وأراضيه. ورغم ذلك فقد تمكن طرفا النزاع من تسوية القضايا الخلافية بينهما وتوقيع اتفاقية السلام الشامل في يناير 2005م التي حققت السلام وافسحت المجال لإعادة صياغة الدولة السودانية على أسس جديدة تضمن التحول الديمقراطي وسيادة حكم القانون ونقل السلطة من المركز إلى الولايات.
ويعتبر موضوع تقرير المصير من أهمّ التحديات التي تواجه اتفاقية السلام وتهدد بنسف مكتسباتها، كما ساهم بدوره في تحريض الحركات القبلية الجهوية المسلحه على التهديد بالمطالبة به إذا لم تستجب الحكومة المركزية لمطالبها. (38) لذلك فقد أصبح من حق الوطن على كل الأحزاب السياسية الممثلة في حكومة الوحدة الوطنية وفى المعارضة ، بذل كل الجهد لتجنب شبح تقسيمه وتمزيق وحدة أراضيه قبل حلول موعد الاستفتاء في نهاية الفترة الانتقالية. وأضحى السبيل الأوحد لتحقيق ذلك تجاوز خلافاتهم وترسيخ وحدة الصف الوطني والاتفاق على قدسية الوطن وجعل وحدته هدفاً استراتيجياً تهون في سبيل تحقيقه أي مصلحة حزبية وذلك حتى يستطيعوا تسليم الأجيال القادمة كياناً سودانياً موحداً ومتماسكاً كما وجدوه في عشية الاستقلال. وتتحمل الحركة الإسلاميّة الممثلة في حزبي المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي القسط الأكبر من مسئولية المأزق التاريخي الذي يمر به السودان مما يوجب عليهم مضاعفة الجهد لنجاح الاتفاقية وضمان صيانة وحدة السودان في نهاية الفترة الانتقالية لإزالة ما رسب في الأذهان بأنهم قد تبنوا أجندة خفية أثناء فترة حكمهم الطويلة تهدف عن عمد إلى تهيئة المناخ لانفصال جنوب السودان والاستفراد بحكم الشمال لفرض برنامجهم السياسي بالقوة. وهيأ انجاز السلام الفرصة للمؤتمر الوطني لإثبات صدق وإخلاص نواياه تجاه وحدة أراضي الوطن وذلك بتمتين شراكته مع الحركة الشعبية بحسبانها صمام الأمان لاستدامة السلام واحتفاظ السودان بكيانه الموحد في نهاية الفترة الانتقالية. وأتاح السلام لزعيم الحركة الشعبية سيلفاكير فرصة نادرة للظهور كرجل دولة عظيم تمجده الأجيال القادمة بأنه قد أنقذ السودان في أحلك أوقاته من شبح التقسيم والانهيار. ويمكنه تحقيق هذه الغاية الشريفة بالثبات على مباديء الحركة الشعبية التي تنادي بخلق سودان موحد كبير تعيش مجموعاته العرقية في وئام لتنصهر تدريجياً في الهوية السودانوية، وإقناعه العناصر الانفصالية بالعدول عن استفتاء تقرير المصير الانفصالي أوالتصويت لخيار الوحدة بحجة أنّ الايجابيات الناجمة عن احتفاظ السودان بوحدة أراضيه، واستثمار ثرواته الطبيعية لتحسين أوضاعه الاقتصادية، أكثر جاذبية من السلبيات والشرور التي سيفرزها تقسيمه خاصة وأن عظمة الوطن وقوته تكمن في اتحاده. وكما قال د. منصور خالد "قوى السودان الجديد هذه تنظر إلى أفق سياسي قد يتجاوز حدود بلادنا، ولا سبيل لها للعبور إلى تلك الآفاق إلا من مركز انطلاق وطني قوي. مركز الانطلاق هذا هو السودان الموحد المستقر، المدرك لعناصر قوته المادية والروحية، العليم بتعدد وتنوع خصائصه، الواعي بما في هذا التنوع والتعدد من إغناء، القادر على تنمية موارده وإدارة نفسه وتطوير قدراته. هذه هي معالم السودان الموحد الذي تتمنى، بل تسعى قوى السودان الجديد لتأسيسه."(39)
ظهرت مسألة تقرير المصير في وسط مناخ اليأس والكراهية المريرة التي أفرزتها الحرب الأهلية والتي زادت حدة بعد الانقسام الذي عانت منه الحركة الشعبية في أغسطس 1991م. ويحدو الشعب السوداني أمل عظيم بأن ينجح الرئيس عمر البشير والنائب الأول للرئيس سيلفاكير في الاستجابة لتحدي تقرير المصير بنجاح ويصبحان بذلك من عظماء تاريخ السودان. فهل يحققا هذا الأمل ويصبحا من رجال التاريخ historical men الذين وصف الفيلسوف نيتشة رؤيتهم إلى الماضي بأنها "تدفعهم نحو المستقبل وتشجعهم على التمسك بالحياة وتضيء الأمل بأن العدالة آتية وأن السعادة وراء الجبل الذي يصعدونه. أنهم يعتقدون بأن معنى الوجود سيصبح أكثر وضوحا في مسار تطوره، ولا ينظرون إلى الوراء إلا لفهم الحاضر وإثارة توقهم للمستقبل"؟(40)
د.امين حامد زين العابدين، عضو سابق بهيئة التدريس ورئيس سابق لقسم التاريخ، كلية الاداب ،جامعة الخرطوم
.
الهوامش
(1) www.unu.edu Hurst Hannum, The Right of Autonomy: Chimera or Solution? H. Hannum, “Rethinking Self-Determination" 34 Virginia Journal of International Law (1993)
(2) Ted Dagne, The Sudan Peace Process: Report for Congress, June 4, 2003. Congressional Research Service P.9
(3) الحياة 3/5/2004م. ولا يعتبر د. عبد الوهاب الأفندي الوحدة قيمة عليا يضحى في سبيلها بالأرواح والحقوق وأنّ "الصراع وعدم الثقة بين الطرفين سبقت ظهور الإسلام كعنصر فاعل في السياسة وستبقى بعده .. وعليه لابد أن تقوم الوحدة على توافق وانسجام لكي تنجح... فإذا عبرت الإقاليم عن رغبتها في الوحدة والتعايش كان في هذا حياة الوحدة.. وإلا كان الخيار الأفضل هو الطلاق أبغض الحلال" . د. عبد الوهاب الأفندي: الثورة والإصلاح السياسي في السودان (1995م) صفحة 120-121.
وينطلق هذا الرأي وتستند نتيجته على مقدمة أن عدم الثقة والكراهية المتبادلة بين سكان الشمال والجنوب أزلية وكانت موجودة قبل فرض النظام المايوي لقوانين سبتمبر الإسلاميّة في عام 1983م. ولا تنسجم هذه المقدمة مع حقيقة توافر قدر كاف من الثقة بين سكان الشمال (حكومة السودان) وسكان الجنوب (حركة الأيناينا) بعد التوقيع على اتفاقية أديس أبابا وذلك كما ينعكس في عدم اشتمال الاتفاقية على نصّ يحدد وجود طرف ثالث لضمان تنفيذ الاتفاقية واكتفاء حركة الأنيانيا بوعد شخصي من الإمبراطور هيلاسلاسي بأنه سيضمن سلامة قواتهم وعدم تعرضها لأي هجوم بدون أن يحدد عدد القوات الضامنة لسلامتهم وتفاصيل وطبيعة مهتهم في عملية تنفيذ اتفاقية السلام. B. Walter, Committing to Peace (Princeton University Press, 2002)P.68 ويشير استمرار السلام وتطور العلاقات الاجتماعية بين الشمال والجنوب لمدة 11 سنة بعد إبرام اتفاقية أديس أبابا إلى وجود توافق وانسجام وتعايش بين سكان الشمال والجنوب واحتمال استمراره في حالة التزام النظام المايوي بنصوص الاتفاقية وعدم إصداره لقوانين سبتمبر الإسلاميّة في عام 1983م التي سعت إلى أسلمة سكان الجنوب وفرض قوانين دينية عليهم. كما يوجد هناك احتمال قوي لعدم اندلاع الحرب الأهلية الأولى في عام 1961م إذا لم يحدث الانقلاب العسكري في نوفمبر 1958م واستمر نظام الحكم الديمقراطي لفترة طويلة والذي كان سيرضخ بمرور الزمن لمطالب الجنوبيين ومنحهم الحكم الفدرالي.
(4) وقد أشار إلى ذلك د. لام أكول بقوله "هل نصوص الاتفاقية تجعل الوحدة جاذبة؟ أقول إنّ كثيراً من مواد الاتفاقية تصب في الاتجاه العكسي فمثلاً نصيب الجنوب من عائدات البترول 50% فلو تمّ التصويت على الوحدة تبقى النسبة هي ذات ال 50% أما لو تمّ التصويت للانفصال فالمكسب عندئذ هو 100%". الرأي العام ، 9 يونيو 2005م
(5) الأيام، 18/4/2005. مشار إلى المقال في مقالة أبي ذر الأمين، "التوازن الخطر : اتفاقية السلام واتجاهات التغيير" 26/4/2005م ; www.Sudanesonline.com
(6) نفس المصدر.
(7) CSIS, To Gurantee the Peace: An Action Strategy for Post-Conflict Sudan (Washington D.C; January 2004) pp.8-10.
(8) بعد أن ساندت مجموعة الأزمات الدولية بحماسة منح سكان الجنوب حق تقرير المصير الانفصالي رغم مخالفة ذلك لروح القانون الدولي وتهديده لاستقرار السودان ومنطقة البحيرات العظمى، بدأت مؤخراً محاولة التأثير على وسطاء الإيقاد بتضمين بنود في اتفاقية السلام النهائية لترتيب العلاقة بين حكومة السودان ودولة الجنوب الجديدة في حالة انفصال الإقليم الجنوبي بعد نتيجة الاستفتاء، "فإذا ما تمّ النظر إلى الاستفتاء على أنه فرصة لطلاق الجنوب من الشمال وتفضيل الجنوب لذلك، يمكن أن تكون هناك اتفاقية تهييء المناخ لطلاق ودي".
ICG Report. No 56, Sudan Endgame, 7 July 2003, P.6 وتلقف هذه الفكرة أحد كتاب الأعمدة الصحفية الذي ذكر "طالما أن احتمال الانفصال قائم تماماً كالوحدة فمن الأوجب أن تحتوي الاتفاقية على بنود واضحة تبين خارطة الطريق التي سيسير عليها السودان في حالة وقوع الطلاق ." عثمان ميرغني: الترتيبات الانفصالية الرأي العام، 30/9/2003م.
(9) قال الرئيس الأمريكي السابق ريجان في إحدى خطبة عن الصراع بين المعسكر الشيوعي والغرب الرأسمالي في ثمانينيات القرن العشرين "يرى البعض أن هناك مصيراً محتوماً يدفع بنا نحو الانهيار، ولا أؤمن ولا أعتقد بمصير يقع علينا مهما فعلنا لتفاديه وإنما أعتقد بمصير سيقع علينا إذا لم نفعل شيئاً..."
(10) وذلك مثل قوله في إحدى خطبه "إذا ما فشلنا فسنغرق في هاوية عصر مظلم جديد سيكون طويلاً وشرساً بفضل انحراف التطور العلمي عن غاياته الشريفة. دعونا نحشد طاقاتنا لأداء واجباتنا حتى يقول الناس إذا ما قيض لبريطانيا أن تعيش لمدة ألف سنة أخرى "كانت هذه أروع لحظاتهم". كما قال في خطبة أخرى "مهما كانت التضحيات فسنقاتل في الشواطيء ومواقع الإنزال وفي الحقول والشوارع والجبال...لن نستسلم حتى ينهض العالم الجديد بكل قوته وجبروته لانقاذ وتحرير العالم القديم". Cited in D. Morris, Power Plays (2002)P.40
(11) Patti Waldmeir & M. Holman, “A Powerful Spirit of Unity Financial Times, 18 July 1994.
(12)ظهر مبدأ تقرير المصير، الذي أصبح مثل سيف ديموقليس الذي يهدد بتقسيم السودان إلى نصفين ، بسبب الافتراض الخاطيء الذي يرى استحالة حل مشكلة الدين والدولة.
(13) انبثق الحزب المتطرف CDR (التحالف من أجل الدفاع عن الجمهورية) من الحزب الحاكم MRNDD الذى يتزعمه رئيس الجمهورية جوفينال هابياريمانا، وبدأ في الاتجاه نحو معارضة الرئيس بعد توقيع اتفاقية سلام أروشا وذلك باستخدام الخطاب العنصري والتحريضي ضد الأقلية التوتسي عبر الصحافة والإذاعة. وبدأ بعد ذلك في تنفيذ خطة تبدأ بتصفية الهوتو المعتدلين (وتزعم الروايات بأنهم قد دبروا عملية اغتيال الرئيس هابياريمانا) وتنتهى بتنظيم وتنفيذ عملية الإبادة الجماعية للتوتسي في 7 أبريل 1994م. لمزيد من التفاصيل انظر: G. Prunier, The Rwanda Crisis (New York, 1995); B. Jones, Peacemaking in Rwanda and The Implication of Failure (New York, 2001) وفى إشارة ضمنية غير مباشرة إلى المخربين، قال د. قطبي المهدي "يوجد الآن تيار انفصالي غير معني بهذه الاتفاقية ... وهو تيار قوي صنعته التعبئة الانفصالية وهذا خلق واقعاً داخل الحركة، وذات النهج أو الأمر سيكون مع الحكومة . فالذين يعتقدون أنّ الاتفاقية ليست نهاية المطاف، سيظلون يفسرون نصوص الاتفاقية بالصورة التي تمكنهم من تحريك أجندتهم ورفع سقف مطالبهم حتى يصلوا إلى أهدافهم النهائية التي لم تطرح أصلاً في التفاوض."
وبدأ نشاط العناصر الحكومية المتوقع تخريبها للسلام في الظهور بعد وصول د. جون قرنق إلى الخرطوم في 9 يوليو 2005م عندما أصدر 25 شخص يمثلون رابطة علماء السودان فتوى بتحريم الانضمام إلى الحركة الشعبية واعتباره كفراً وردة وطالبت "بعدم تأجير المحلات والمساكن والمكاتب لهم حتى لا يستعينوا بها في نشر باطلهم والدعوة لكفرهم .. وأوجبت البراءة منهم وبغضهم في الله" www.aljazeera.net/NR/exeres/55898EEF-A37C-439-A-B980OE5050CDDE4E-htm. وكان عبد الله بن عمر إذا سئل عن الفتيا يقول للسائل : اذهب إلى فلان الأمير الذي تقلد أمور الناس وضعها في عنقه، إشارة إلى أن الفتيا في القضايا والأحكام من توابع الولاية والسلطنة. فهل سيطلب هؤلاء العلماء من الرئيس البشير ونائب الرئيس علي عثمان محمد طه طرد النائب الأول للرئيس د.جون قرنق من مكتبه بالقصر الجمهوري ومقر سكنه بضاحية كوبر "حتى لا يستعين بها في الدعوة لكفره" وأن يتبرأوا منه ويكرهوه في الله؟ وتوقع بابكر عبد السلام أحد مؤسسي تنظيم منبر السلام العادل "حدوث تضارب وتصادم في قضايا الحكم والاتفاقية بين طرفي الشراكة.. في الوقت الذي توجد فيه قضايا كثيرة لم تحسم في الاتفاقية...واعتبر أنّ اتفاقية نيفاشا حرمت مناطق أخرى في السودان من حق تقرير المصير.." www.sudanile.com,15/7/2005 كما حذر من تداعيات التنفيذ الفعلي لاتفاق السلام وأعلن عن تحرك واسع يعتزمه وسط الطلاب وائمة المساجد. وقال أيضاً إن اتفاق السلام قدمت فيه تنازلات مذلة ومهينة لأن قانون سلام السودان كان سيفاً مسلطاً على رقاب الوفد المفاوض . sudaneseonline.com, 21/7/2005ويجب تأكيد أنّ هنالك حدوداً للتسامح الذي كفلته وثيقة حقوق الانسان المضمنة في الاتفاقية والدستور الانتقالي بحيث يجب حرمان العناصر الغير متسامحة intolerant والاقصائية exclusionists من امتياز التسامح على وجه الإطلاق لأن طبيعة العنف المتأصلة فيهم ستقودهم إلى تحطيم وتدمير الاتفاقية والدستور ومبدأ التسامح ذاته إذا ما اتيحت لهم الفرصة لاستغلال مبدأ التسامح الذي يؤكد الإسلام على ضرورته بحكم قول الله سبحانه وتعالى "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" (البقرة 256) "ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" (الكهف 18-19) .
(14) Stephen Stedman, "Spoilers Problem in Peace Processes" 22 International Security (Fall 1997)P.5.
(15) ويليام توديل، "انهيار مفاوضات السلام السودانية بمنتجع نانيوكي" www.sudanile.com 25/8/2003 . وينعكس إيمان قرنق بوحدة السودان في مناسبة توقيع اتفاقية الإجراءات الأمنية في 25/9/2003م حيث جلس على شمال المنصة وفد الحركة الذي يمثل التنوع الإثني في السودان وهم على الترتيب ياسر عرمان، منصور خالد، مالك عقار، عبد العزيز الحلو، مولانا مكواي، سامسون كواجي. انظر الرأي العام 26/9/2003م.
(16)الشرق الأوسط، 23/5/2005م
(17)الراْي العام، 7/8/2005م
(18)مما يؤكد صحة الرأي الذي يرى بأن الشعوب التي تسكن حالياً في مصر وشمال وجنوب السودان قد كانوا في الماضي البعيد شعباً واحداً. ما ذكره المؤرخ أرنولد توينبي في معرض تفسيره لنشوء الحضارة المصرية القديمة حيث أشار إلى أنّ الأبحاث الأثرية والجيولوجية قد أثبتت أن طبيعة المناخ والنباتات والحيوانات التي كانت سائدة في مصر والصحراء الكبرى عندما ساد العصر الجليدي في شمال أوروبا، تشبه إلى حد كبير البيئة النباتية والحيوانية الموجودة اليوم في أعالى النيل وبحر الجبل، كما تشبه دلتا مصر المنطقة التي تقع حول بحيرة نو التي يلتقى فيها بحر الجبل وبحر الغزال. وتعرضت مصر وشمال أفريقيا بعد نهاية العصر الجليدي في شمال أوروبا إلى فترة جفاف حادة Desiccation دفعت بعض سكان مصر إلى الهجرة جنوباً بحثاً عن البيئة النباتية التي اعتادوا عليها قبل الجفاف والتي وجدوها في شمال وجنوب السودان الحالي، واضطر الذين قرروا البقاء في مصر إلى التخلص من تقلبات المناخ والبيئة وذلك بالقيام بمجهود جبار لقطع الغابات والأعشاب في مناطق المستنقعات وإقامة السدود ومصارف المياه لري الحقول بهدف زراعتها حيث بدأت بذلك الثورة الزراعية وترويض الحيوانات والتي كانت العامل الأساسي لظهور الحضارة المصرية القديمة. " فإذا صح ما يقوله العلماء ، فإن أجداد الأقوام الذين يسكنون حالياً في منطقة السدود في جنوب السودان قد كانوا يعيشون في الماضى السحيق مع مؤسسي الحضارة، بينما اختار أجداد الدنيكا والشلك الحاليين الانفصال عن إخوانهم الذين أسسوا الحضارة المصرية والاتجاه جنوباً حيث يمكنهم العيش بدون تغيير طريقة حياتهم." A.J.Toynbee, Study of History, Vol.I (Oxford University Press, 1934)P.71. See also Gordon Childe, The Most Ancient East, pp-10-11.
وتوجد إشارات عديدة في الخطاب الذي ألقاه د. جون قرنق في مناسبة الاحتفال بتوقيع اتفاقية السلام في استاد نيروبي في 9/1/2005م إلى حضارة وتاريخ السودان الموغل في القدم حيث قال إنّ المنطقة الجغرافية التي تشكل السودان المعاصر قد شهدت العديد من الحضارات والممالك في الخمسة آلاف سنة الماضية والتي ورد ذكرها في الإنجيل مثل غزو القائد السوداني زيرا لإقليم يهودا في فلسطين وقيادة ترهاقا لجيش مصري عظيم وحكم الملكة الكنداكة لمملكة مروي. SPLM's Chairman Address to Signing Ceremony of the Sudan Comprehensive Peace Agreement. www.SPLMToday.com.
(19) د. أمين حسن عمر "حوار حول المستقبل" www.sudanile.com;8/3/2004
(20) CSIS,OP.Cit.P.16
(21)ذكر مكواج تينج وزير الدولة بديوان الحكم الاتحادي وأحد قادة قوات دفاع جنوب السودان لجريدة البيان "لن تستطيع الأمم المتحدة تحقيق السلام وحراسته في الجنوب في ظل عدم توصل الحكومة والحركة لاتفاق مع الفصائل الجنوبية الأخرى...واستمرار الوضع على الثنائية الحالية بين الحكومة والحركة يجعل اتفاقية السلام ووحدة السودان في مهب الريح." www.sudaneseonline.com 24/2/2005
(22)هذا هو ما قاله القائد العام لقوات دفاع جنوب السودان اللواء النور دلدوم في حوار مع الصحفية أمل تبيدي. انظر أمل تبيدي "د.قرنق ما بين الموازنات والتنازلات". www.sudaneseonline.com 31/5/2005
(23)تبنت قوات حفظ السلام ثلاث استراتيجيات رئيسية لمواجهة خطر المخربين وهي استراتيجية الترغيب وتلبية مطالبهم في حدود الممكن والاستراتيجية التي تسعى إلى تأسيس علاقات اجتماعية معهم بهدف تغيير سلوكهم واستراتيجية الترهيب التي تهدف إلى معاقبة المخربين والحد من قدرتهم لإفشال السلام. لمزيد من التفاصيل انظر : Stephen J.Stedman ( Spoiler Problems in Peace Processes) 22 International Security (Fall 1997)pp.12-14
(24) استغل حزب الشعب الكمبودي الحاكم ظروف انتهاك بول بوت زعيم الخمير الحمر لاتفاقية سلام كمبوديا وعدم تنفيذه التزامات وقف إطلاق النار في يناير 1992م للهجوم واستخدام العنف ضد أحزاب المعارضة التي كانت في طور التنظيم لخوض الانتخابات العامة التي نصت عليها الاتفاقية حيث تمّ قتل حوالي مئة عضو من أعضاء حزب الجبهة القومية المتحدة لكمبوديا المستقلة والمحايدة (FUNCINPEC) والحزب الليبرالي الديمقراطي البوذي (BLDP) في الأعوام 1992-1993م.
David Ashley, Between War and Peace: Cambodia 1991-1998. www.c-r.org/accord/cam. P.4 .
(25) Power Sharing Protocol, 2:4.5.4
(26) Dick Morris, Power Plays (New york,2002)p.60
(27)ذكر بروفسور شيستر كروكر في مقال أخير له أن استراتيجية الأمن القومي لإدارة الرئيس بوش الصادرة في سبتمبر 2002م قد أدركت أهمية التعامل مع مشكلة الدول الساقطة والمهددة بالسقوط والانهيار "إذ يؤثر سقوط وفشل الدول في مدى عريض لمصالح الولايات المتحدة تتضمن تطوير حقوق الإنسان، الحكم الصالح وسيادة حكم القانون، التسامح الديني، حفظ البيئة وتوفير الفرص للمستثمرين والمصدرين الأمريكان وتساهم في اضطراب الأمن الإقليمي، انتشار السلاح، تهريب المخدرات والإرهاب." Chester Croker, “Engaging Failed States, 82 Foreign Affairs (September – October 2003)
(28) Amitai Etzione, “The Evils of Self-Determination" 89 Foreign Policy (Winter 1992-1993)P.21
(29)مثال ذلك ما ذكرته الصحفية أمل تبيدي بصدد مقابلة مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية روبرت زوليك لدكتور قرنق في رومبيك "أعلن زوليك أن هناك معونة أمريكية مالية من أجل مساعدة حكومة الجنوب ومن أولوياتها تحديث القوات المسلحة التابعة لقرنق وهذا يكشف أن الإدارة الأمريكية تسعى إلى إشعال الحرب مرة أخرى عبر جيش قوي يمتلك أسلحة أمريكية... وستتوالى الدولارات ووجود قواعد عسكرية أصبح قاب قوسين أو أدنى". أمل تبيدي " إرهاصات الانفصال والدعم الأمريكي لحكومة جنوب السودان"
www.sudaneseonline.com, 2/6/2005
(30) Eleanor Roosevelt, “The Universal Validity of Men's Right to Self-Determination" 27 Department of State Bulletin (1952) pp917-919
(31) R. Murphy, “The Principle of Self-Determination in International Relations" 32 Department of State Bulletin (1959) p.889
(32) Gradiner, The UN Crisis: “Cuba and Congo," 48 Department of State Bulletin (1963)pp.477-479
(33) Alexis Heraclides, “Secessionist Minorities and External Intervention" 44 International Organizations (Summer 1990)
(34) لم يصدر مجلس الأمن القرار رقم 688 في 5 أبريل 1991م والخاص بخلق ملاجيء آمنة للأكراد لحمايتهم من قمع السلطات العراقية إلا بعد احتلال العراق للكويت وشن الحرب ضدها وهزيمتها بواسطة قوات التحالف الدولية بموافقة الأمم المتحدة. وما كان ذلك سيحدث إذا اكتفى العراق بقمع الأكراد ولم يغزو الكويت بهدف احتلالها.
ولاحظت بروفسور بياتريس هوسر أن تركيا التي كانت تقوم في نفس الفترة بقمع حركة الأكراد الانفصالية بشراسة قد بررت ذلك بعد احتجاج المجتمع الدولي بأن قمعها للأكراد "حق سيادي للدفاع عن وطنهم ضد تمرد داخلي" Beatrice Hauser, “Sovereignty, Self-Determination and Security: New World Order in the Twenieth Century" In ed.S. Hashimi, State Sovereignty. (Pennsylvania, 1997)p.90
(35) ومن ما ذكره جون دانفورث في تقريره "لأن التقسيم السياسي للبلاد ليس حلاً عملياً لمسألة الدين فمن المهم أيضاً استكشاف طرق أخرى لضمان الحريات الدينية". John Danforth, Report to the President of the United States on the Outlook for Peace in Sudan(April 25,2002) www.sudan.net
(36)الرأي العام ، 3/10/2003 www.rayaam.net
(37) www.sudanile.com 4 June 2005.
(38) ذكر محجوب حسين الناطق الرسمي لحركة تحرير السودان بأن مطالب دارفور لا تتحقق إلا في حق تقرير المصير الخاص "قد يكون فدرالياً أو ذاتياً أو كونفدرالياً مع ترجيح الأخير... وكل ما يتنافى مع ما سبق قد تكون حقاً حاسمة ونهائية لشعب دارفور وحركة تحرير السودان. وهذا يعنى أن أية تخاذل معناه الانحدار النهائي لهذا الشعب...ليبقى الطوفان هو سيد الموقف، والبدء عملياً في بحث وضع الإقليم في حق تقرير المصير العام للانعتاق النهائي". محجوب حسين "استنطاقات مركزية على أبوجا المرتقبة". www.sudanile.com, 8/6/2005 ، كما قال أبو محمد أبو آمنة "ليكن واضحاً منذ البداية أن البجا يشكلون قومية إثنية مختلفة لها لغتها الخاصة، ثقافتها الخاصة، تاريخها الخاص ... وبمنطلق ميثاق الأمم المتحدة ... يحق لهم المطالبة بحق تقرير المصير وتحديد نوع العلاقة التي تربطهم بباقي القطر. هذه هي أول المسلمات وتؤخذ كحقيقة ثابتة ... " د. محمد أبو آمنة " البجا ومفاوضات السلام تقرير المصير أولاً" www.sudaneseonline.com, 10/7/2005
(39)د. منصور خالد "حق تقرير المصير: نكون أولا نكون ، ماذا تعني" الرأي العام 29/7/2004,
(40) “...We will call them the historical men. Their vision of the past turns them toward the future, encourages them to persevere with life, and kindles the hope that justice will yet come and happiness is behind the mountain they are climbing. They believe that the meaning of existence will become ever clearer in the course of its evolution; they look backward at the process only to understand the present and stimulate their longing for the future."
Friedrch Nietzche, The Use and Abuse of History. Translated by Adrian Collins (Indianapolis, 1957)p.10
amin zainelabdin [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.