في شمال دارفور في السودان, يترقب الجميع موسم الزرع المقبل بينما تستعد اللجنة الدولية للصليب للأحمر لتوزيع البذور على السكان المدنيين. وإذا جاء الحصاد وافراً فسيؤمن الغذاء الكافي لعدة أشهر إلى أكثر من 130 ألف شخص هم في حالة عوز شديد. يملأ الضجيج والغبار ساحة سوق الفاشر المفتوحة حيث تدب الحياة في المدينة وتتفجر ألواناً رائعة. فهنالك أكوام الطماطم (البندورة) الحمراء الطازجة, وصناديق الجزر البراق بلونه البرتقالي, وأكوام الحامض الأصفر, وكميات البامية الخضراء الطويلة وكل ذلك مرتب ببراعة ومفروش على الأرض في انتظار من يشتريه. وتقول زميلتي سعاد, ونحن نشق طريقنا وسط الباعة, محاولين تجنب مجموعات من الأطفال يصرون على بيعنا أكياس من البلاستيك لكي نحمل فيها مشترياتنا: "نحن محظوظون لأننا نستطيع الآن الحصول على أنواع مختلفة من الفواكه والخضار. فقد مرت علينا أسابيع لم نأكل فيها إلا الطماطم والباذنجان ". وفيما أقف مندهشة أمام لون البرتقال وأحجامه, تتابع قائلة: "لم يكن هناك سوى القليل من الفواكه والخضار الأخرى متوفرا في السوق". هنا عندما يتعلق الأمر بالفواكه والخضار فإما أن تكون الوفرة أو الندرة حسب الموسم. العمل على إيقاع المواسم تجري الاستعدادات على قدم وساق في البعثة الفرعية للجنة الدولية في الفاشر عاصمة شمال دارفور تحضيراً لأكبر أنشطة الموسم أي توزيع البذور. وهذا العمل يحظى باحترام عظيم من جانب الجميع. فالأشهر القادمة هي أشهر حاسمة بالنسبة إلى أغلبية سكان دارفور الذين يعيشون في جبل مرة وجبل سي : فهي الفترة التي يزرعون فيها أرضهم إذا أرادوا أن يحصدوا في نهاية السنة. ويوضح "فيليب" المسؤول عما تسميه اللجنة الدولية الأمن الاقتصادي قائلاً : "يجب أن تزرع البذور قبيل منتصف شهر حزيران/يونيو قبل بداية الأمطار وإلا ضاع كل الموسم". وستوزع اللجنة الدولية هذه السنة البذور والمواد الغذائية على الذين أجبرهم النزاع على ترك أراضيهم واللجوء إلى الجبال. ويضيف "فيليب" : "هؤلاء هربوا إلى الجبال عندما شعروا أنهم في خطر ومنذ ذلك الوقت يتقاسمون الأرض والطعام مع العائلات التي استقبلتهم هناك. " إلا أن الأرض في الجبال ليست خصبة مثل الأراضي الأكثر انخفاضاً ولهذا قررت اللجنة الدولية التدخل وتقديم المساعدة. وتبحث المنظمة في ما إذا كان الذين تضرروا من أوضاع جديدة, وهي هنا النزاع والنزوح, يملكون الوسائل الاقتصادية اللازمة لمواجهة هذه الأوضاع. وفي حال لا يستطيعون ذلك , تحدد مستوى الدعم الذي يحتاجون إليه لتحقيق الحد الأدنى من الاقتصاد المنزلي المستدام. ولهذا تضع عادة اللجنة الدولية الدعم الذي تقدمه في مثل هذه الحالات في خانة الأمن الاقتصادي. ويتابع "فيليب" كلامه قائلاً :"لقد نظرنا في الطريقة التي يتأثر بها الأشخاص من النزاع في المنطقة وتأكدنا من أنهم فقدوا سبل كسب العيش بعد ابتعادهم عن أراضيهم. فهم مضطرون الآن إلى تقاسم الموارد الشحيحة أصلاً التي يملكها الذين يستضيفونهم". هذا وخلال الأسابيع القادمة سيتسلم سكان جبل مرة وجبل سي من اللجنة الدولية البذور اللازمة لزراعة المحاصيل. وتوزع أيضاً المنظمة الحصص الغذائية من أجل أن يحتفظ المزارعون بالبذور حتى موسم الحصاد القادم. ويفسر "فيليب" ذلك بالقول أن "توزيع هذه الحصص يهدف بصورة رئيسية إلى مساعدتهم على امتلاك النشاط الضروري لتأدية العمل الشاق الذي ينتظرهم. ويهدف أيضاً إلى ضمان ألا يلجأوا إلى أكل البذور إذا ما افتقدوا الطعام." أما إذا جاء الحصاد وافراً فسيؤمن الغذاء الكافي خلال ثمانية أشهر لأكثر من 130 ألف شخص ترى اللجنة الدولية أنهم بحاجة ماسة إلى المساعدة. مساهمة الجميع في العمل المطلوب بالتعاون مع وزارة الزراعة ومراكز الأبحاث الزراعية التابعة للوزارة , ستساعد اللجنة الدولية أيضاً المزارعين حول مدينة الفاشر وتوفر لهم التدريب والأدوات والمساعدة التقنية من أجل تمكينهم من إنتاج بذور من مختلف أنواع الذرة المحلية (الدخن) في العام 2009. ثم تشتري اللجنة الدولية جزءاً من المحصول وتعيد توزيعه على المزارعين في جبل مرة وجبل سي فتساهم بذلك في زيادة الإنتاج الزراعي. ويكمن التحدي الرئيس الذي تواجهه اللجنة الدولية ومختلف الأطراف الفاعلة المعنية في الاحترام الصارم لتوقيت المواسم في المنطقة. فيجب أن يخطط كل شيء وينفذ في الموعد المناسب, كما يجب أن يصار إلى تقييم للمحصول لتقرير ما إذا كان ينبغي أن تجري الأمور بشكل مختلف في السنة التالية. وهكذا تعمل اللجنة الدولية في هذه المنطقة من دارفور متماشية مع المواسم. وتسعى من خلال التغلب على العقبات التي تشكلها الحالة السيئة للطرقات وظروف البيئة القاسية, إلى زرع شيء من بذور الأمل في نفوس الناس الذين قد يشعرون ولو لفترة من الزمن بوحشة العيش في ملجئهم الجبلي . اللجنة الدولية للصليب الأحمر www.icrc.org