• وزارة الإعلام ظلت عبر مختلف الحكومات من الوزارات المهملة وغير المهمة، وهو ما جعل حالها أشبه بوزارة الشباب والرياضة التي كان يطلق عليه الإخوة الجنوبيون سابقا، "وزارة بتاع لعب "، وعلى الرغم من خطورة وأهمية دور الوزارتين إلا أنهما كانتا لا تحظيان باهتمام كبير من قبل الأحزاب المتنافسة على السلطة أو الراغبة في تشكيل حكومات مشتركة فيما بينها، ولقد سادت هذه النظرة حتى ما بعد نيفاشا حيث شهدنا كيف أن الخلاف احتدم بين أطرافها حول اقتسام الحقائب الوزارية السيادية. • لقد ظلت هذه الوزارة من الوزارات المهمشة التي امتدت لها يد الإهمال حتى في هذا العهد، ولم تحظى بذات الاهتمام الذي حظيت به مؤسسات ومراكز اقل شأناً ودوراً منها، وهذا الإخفاق المتوارث جعلها غير قادرة على أداء رسالتها في التعريف بالسودان حتى وقت قريب، وحين نتحدث عن دور الوزارة ورسالتها نتجاوز النظرة الضيقة لهذا الدور وحصره في المسئولية والإشراف على " الإذاعة والتلفزيون " وغيرهما، إلى ما هو أبعد من ذلك، ففي بلد كالسودان يعج بالكثير من الهموم والقضايا تصبح لمثل هذه الوزارة أهمية كبري وللقائمين عليها حضور مستمر للتعريف بتوجهات الحكومة ووجهة نظرها حيال تلك القضايا، وخططها وبرامجها التطويرية الحالية والمستقبلية، والحق أن هذا الدور الهام تلاشى في ظل هذه النظرة السطحية لوزارة هامة ما يخصص لها من ميزانية لا يكفي لإنتاج فلم أو إقامة معرض عالمي للتعريف بالسودان. • وما أطلقه الوزير المهندس "مسار " منذ توليه منصب وزير الإعلام لفت النظر إلى محاولة جادة أو هكذا تبدو لإحداث طفرة في عمل هذه الوزارة، وذلك من خلال ما طرحه من برامج وما أصدره من قرارات وأطلقه من تصريحات استهدفت الكشف عن توجهاته المستقبلية، التي من بينها إتاحة حرية التعبير في أجهزة الدولة الإعلامية حتى للمعارضين للحكومة، وهي إتاحة مشروطة بعدم تجاوز الخطوط الحمراء، وإن كان الشرط دليل قيد، إلا أنه يمكن اعتبار ذلك خطوة باتجاه أن يكون للطرف الآخر حضور في أجهزة الدولة الإعلامية لو حدثت ستحسب لصالح الحكومة أولاً والوزير ثانياً!!! • وقد تكون لاجتهادات معالي الوزير فيما يملك حقاً مشروعاً، فقد يكون قادر على إقناع الحكومة بأن تفتح الباب على مصراعيه في أجهزتها الإعلامية للرأي المعارض ليخاطب "الشعب البطل" منتقدا سياسة الحكومة وخططها، ولكن هل يملك الوزير حق إزالة القيود المفروضة على حرية التعبير بالصحف؟ بالطبع لا يملك الوزير هذا الحق، وإن كانت الدولة قادرة على أن تدير أجهزتها الإعلامية وفقا لسياستها أو وضع ممن تثق بهم على قمة إداراتها، فإنها لا تستطيع إن تفرض سيطرتها على رؤساء تحرير والصحف، وضمان نقاوة ما يكتبون نقدا وتحليلا ضد الحكومة، هذا بالإضافة إلى أن الصحافة ومن يدير شأنها إداريا وقانونيا هما " اتحاد الصحفيين والمجلس القومي للصحافة والمطبوعات الصحفية" الأول يختاره الصحفيون أنفسهم والثاني يقع تحت إشراف رئاسة الجمهورية، لذلك فإن اجتهادات الوزير في هذا الإطار تشكل واسطة خير بينه وبين القائمين على الصحف والجهات التي بيدها قرار إطلاق الحرية للصحف. • وإذا أضفنا إلى ما سبق اختلاف الرؤى حول موازين القسط التي يُقومَ بها الأداء الصحفي وتُقوم بها حرية التعبير ، وتخوف السلطات من الانفلات والاستغلال السيئ لهذه الحرية، فإنه يمكن القول إن كل هذه "المطبات" تُصعِب من مهمة الوزير ، وتجعل محاولاته للحصول على حرية تعبير مفتوحة للصحافة شبه مستحيلة خاصة في هذه المرحلة، غير أن ذلك لا ينفي عن محاولته هذه أنها اجتهادات جادة من قبل معاليه لتحقيق ما هو أفضل، في إطار عمل وزارته التي تحتاج للمزيد من الدفع والابتكار وتجويد العمل الإعلامي وإحداث نقلة إعلامية محلياً وعالمياً. عادل الريح محمد عضو جمعية الصحفيين السودانيين بالسعودية