= ولد الرسول (ص) في مكة عام 571 م . و نزل عليه الوحي بالقرآن في الأربعين من عمره . و مضي يدعو الناس في مكة الى أن هاجر الى يثرب عام 612 م . في يثرب تهيأت له الظروف لإقامة المجتمع الإسلامي الأول و الذي فشلت البشرية في تكرار نموذجه لغاية الآن . صعدت روحه الى بارئها عام 623 م . ترك للناس بعده القرآن الكريم و السنة الشريفة و الصحابة رضوان الله عليهم . إنتقل الإسلام عبر الصحابة الى مشارق الأرض و مغاربها . و بعد أن تمدد الإسلام ما شاء الله له أن يتمدد بدأ في الضعف و الإنحسار .. و ما يزال . و لعودة الإسلام نقيا صافيا كما بدأ نقترح الإنتباه للنقاط السبعة التالية و نحن نستعيد الذكرى 1441 لمولد المصطفي (ص) : 1= الإنتقال من مرحلة التوثيق الى مرحلة التمحيص = المكتبة الإسلامية هي الأكبرعلى مستوى العالم . فمنذ أن لحق آخر الصحابة رضوان الله عليهم بالرفيق الأعلى بدأ المسلمون في تدوين جزئيات الإسلام بدءا من القرآن و مرورا بالأحاديث النبوية و إنتهاءا بأقوال و آراء الفقهاء على مر العصور . و كان الهم الأكبر في تلك العملية هو الحفاظ على التراث كما ظهر . و أعتقد أن عملية التوثيق هذه قد أخذت الزمن الكافي و صار الوقوف عندها يولد نتائج سلبية منها التحجر و الجمود و منها العصبية و التفتت . لقد آن الأوان لأن ينتقل المسلمون الى دراسة هذه المدونات و تصنيفها من حيث السند و الثبوت . فالإسلام قطعا ليس هو كل ما أتى به التراث . فالتراث قد أتي بالإسلام السني الى جنب الإسلام الشيعي . و التراث قد نقل الينا فيما نقل أفكار المعتزلة و الخوارج جنبا الى جنب مع أفكار أبي حنيفة و الشافعي . و ليس هناك اليوم إتفاق على عدد النصوص القطعية الثبوت و التي تمثل المرجعية للإسلام بإستثناء القرآن .. و بسبب عدم الإتفاق هذا إنقسم المسلمون الى 73 فرقة كلها في النار إلا واحدة . و المشكلة أن كل فرقة تدعي أنها هي الفرقة الناجية . 2= الإنتقال من مرحلة الجهد الفردي الى مرحلة الجهد الجمعي = التراث الضخم الذي يمتلكه المسلمون بقليل من الدراسة يفصح عن أهم صفة من صفاته .. و هي الفردانية . و ليس في هذا القول أي إستصغار لجهود السلف الصالح . فما يعرف بالمذاهب الأربعة الأكثر شهرة هي أفكار أربعة أفراد هم مالك و الشافعي و حنيفة و حنبل و قد إجتهد كل واحد منهم بطريقته و منهجه الخاص .. و لم يحدثنا التاريخ عن أي تعاون أو جهد مشترك بين أي إثنين منهم مثلما حدثنا عن الصراع الناتج عن رفضهم المستمر لأفكار بعضهم . و السيرة النبوية هي جهد أفراد أشهرهم هو إبن إسحق الذي صار الآخرون عالة عليه . و التاريخ لا يخرج إلا من عباءة الطبرى و إبن خلدون . و التفسير هو نتاج فهم إبن كثير و آخرون لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة . و أما الحديث و رغم اهيته كمبين للقرآن فليس إلا نتيجة جهد أفراد قلائل منهم البخاري و مسلم . لقد كان الرعيل الأول جماعة من الأفذاذ الذين لا يمكن أن يتجاوزهم الحاضر و لا المستقبل . و لكن أعمالهم كانت نتاج جهود فردية .. و هي الصفة لكل جهد كان يبذل في زمانهم و حتى عهد قريب . بيد أن المرحلة اليوم تحتاج للجهود الجماعية . بدأ العالم اليوم يتحدث عن الجامعات و مراكز البحوث و الهيئات و اللجان التي تضم العدد الوفير مما يمكنها من الوصول للرأي السديد . و المشكلة أن العالم الإسلامي لا يريد مسلموه أن يجلسوا على مائدة واحدة .. حتى و لو من أجل أن يحسموا قضية صغيرة مثل رؤية هلال رمضان . 3= الإنتقال من مرحلة المنهج الذاتي الى مرحلة المنهج العلمي = لقد كتب البخاري جامعه بعد الإنتخاب من بين مئات الآلاف من الأحاديث . و كان يعتمد على معرفته الشخصية و إستنتاجاته الخاصة التي ساعدته كثيرا في العثور على الحديث الغير صحيح و إبعاده .. و كانت هذه المعرفة الخاصة في أحايين كثيرة صائبة و مفيدة . فلو أن هذه الطريقة كانت ناجحة فيما سلف من أزمان فإنها بلا شك لا تتوافق مع معايير الضبط و الجودة في البحوث العلمية في زماننا الحالي . و لا أعتقد أن التراث قد قال كلمته النهائية و لم يعد قابلا للدراسة و إعادة الغربلة و التمحيص . و بعد 1441 عام لا أحد يعلم عدد المتواتر من الأحاديث إلا تخمينا و إستحسانا . و بناء عليه .. علينا أخذ التراث مرة أخرى و عرضه تحت مجهر المنهج العلمي حيث الأدوات غير الأدوات و الوسائل غير الوسائل . و ليكن شعارنا ( من أجل العثور على الفرقة الناجية ) . 4= الإنتقال من مرحلة معاداة الآخر الى مرحلة قبول الآخر = كان بيننا حتي يوم البارحة من يصنف العالم الى دارين .. دار الإيمان و دار الكفر .. حيث تقوم العلاقة بينمهما على الحرب التي لا تنتهي إلا بخروج المهزوم . نعلم إن العالم القديم لم يكن في مقدوره أن يرى العالم من حوله بالألوان الطبيعية .. فما بالك بالألوان ما فوق البنفسجية و ما تحت الحمراء . لقد كان من المنطقي وفقا لنظارة العالم القديم أن يتم وصم المخالفين بالكفر و المروق و الزندقة و الشرك . و لم يسلم من الدخول تحت هذه التصنيفات حتى من ينطقون بشهادة الإسلام و تداوم أجسادهم على الركوع و السجود لله الواحد القهار في فناء الكعبة المشرفة . لقد إنتقل العالم خلال الألف عام الماضية إنتقالا غير يسير من عالم المعاداة و بدأ الآن يستشرف عالم التوحد و التعايش و قبول الآخر . لقد إستوعب العالم رسالات الأنبياء فأعتمد مبادئها التي تدعو للسلام و الإخاء و العدل و المساواة و صاغ منها المبادئ الجديدة تحت مسمى الديمقراطية و حقوق الإنسان . و لقد ثبت و يثبت كل يوم للمسلمين أن الإسلام ليس فقط لا يتعارض مع هذه المبادئ الجديدة و لكنه أيضا كان الدين السباق لإقرارها قبل ألف و أربعمائة عام في أرض لا زرع و لا ضرع فيها . و علينا أن نسير على هديه الصحيح من أجل المزيد من قبول الآخر . 5= الإنتقال من مرحلة إجتهاد التحريم الى مرحلة إجتهاد التيسير = التراث الضخم أحيانا يكون عائقا أمام التعرف عليه حتى من أخلص المخلصين و أقرب المقربين . التراث لا شك أنه نتاج التفاعل عبر الأجيال المتعددة مع الإسلام . و لكن الإسلام لا يحتاج لكل هذا التراث ليدخل قلوب مسلمي اليوم . فلإسلام ليس شيئا غير مبادئ رسالات الأنبياء . و الإسلام ليس شيئا غير مجموعة محددة من الأوامر و النواهي التي تشكل الفروض و المحرمات . لقد كان المعتقد أن الحرام بين و واضح لا يحتاج الى إجتهاد .. لكن التراث قدم لنا إجتهادا ضخما همه المتواصل هو العثور على المزيد و المزيد من الفروض و المحرمات . حتى وصلنا الى المرحلة التي أصبح فيها الإحتفال بمولد المصطفى نفسه من المحرمات التي تستدعي التكفير و تحلل الحرب و القتال . إننا بلا شك نحتاج للإنتقال الى إجتهاد التيسير الذي ليس من أهدافه إختراع المحرمات بالرأي حتى أصبح كل مكروه حرام و كل مستحب فرض . و لكنه الإجتهاد القائم على أن الحرام بين و الحلال بين و بينهما أمور مشتبهات .. و علينا إتقاء المشتبهات من غير تكفير و من غير قتال . 6= الإنتقال من مرحلة إسلام السلطة الى مرحلة إسلام الناس = الإسلام الذي وصل الينا لم يكن كله آراء فقهاء و إجتهادات علماء .. لقد كان أيضا تعبيرا ثقيلا عن مواقف السلطة الحاكمة من النصوص التأسيسية و من التراث المتكون منها . لقد كانت المذاهب الفقهية تحيا و تموت بناء على شكل علاقتها بالسلطة الحاكمة . حتى صار يقال أن الناس على دين ملوكهم . مع أن الإسلام لم يأت للسلاطين و لا للملوك و لا للحكام . لقد جاء الإسلام للناس كافة . و كان الإنسان هو المعني بالتكليف بتشريعاته . و كان المفترض أن يفرض الناس إسلامهم على السلطة .. لا أن تقوم السلطة على الدوام بفرض إسلامها على الناس .. حتى إنتشرت بينهم المقولة (إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن) في مخالفة فاضحة للإسلام الذي لا يعرف الإكراه و لا التخويف = و هي العبارة التي لا يعرف أصلها و لكنها تنسب حينا الى عمر بن الخطاب و حينا آخر الى عثمان بن عفان = . و بسبب هذه المفاهيم الخاطئة إرتفعت شعارات تطبيق الشريعة الإسلامية .. و القصد الواضح منها الإستعانة بالسلطات لفرض نوع معين من الإسلام . لقد فات على الكثيرين أن الرسول (ص) جاء بالإسلام الى الناس و بسطه للناس و تابعه بين الناس مباشرة لثلاث و عشرين سنة و هو ينمو مع الناس .. ثم تركه للناس .. و لم يتركه لسلطان و لاحاكم و لا خليفة . لقد آن الأوان أن يعود الإسلام الى الناس كما بدأ بين الناس . 7= الإنتقال من مرحلة فقه الماضي الى مرحلة فقه المستقبل = دخل المسلمون منذ أن رست سفن نابليون على شواطئ الأسكندرية بمصر في مشاكل كثيرة التعقيد في حياتهم و راودهم الإحساس من يومها بأنهم بدؤوا يتخلفون عن ركب التقدم . و منذ ذلك الحين بدأ البحث عن الحل للخروج من ذلك الإحساس و تلك المشاكل فإرتفع شعار أن (الإسلام هو الحل) . و كان المقصود من هذه العبارة العودة للتراث لإستلهام الحلول لمشاكل الحاضر المعاش . فمثلا .. تمثل حل مشكلة فساد الحكام في عودة الخلافة .. و تمثل حل مشكلة تدهور الأخلاق في تطبيق الحدود .. و تمثل حل مشكلة الفقر و ضعف التنمية في البنوك الإسلامية .. بل و تمثل حل مشكلة الغزو الثقافي العنيف في تكفير الآخر . و كان الإفتراض أن جميع هذه الحلول موجودة و لا تحتاج لأكثر من أن تتحول نصوصها من سطور كتب التراث الى سطور صحائف الدساتير و قوانين الدول . ليست المشكلة في فكرة إستلهام الماضي في حد ذاتها .. المشكلة في القناعة بأن كافة الحلول موجودة في الماضي . و أن الحاضر ليس إلا غزوا ثقافيا و إنحلال و تآمر و مجموعة أفكار وضعية فاسدة . ينسى هؤلاء الماضويون أن الإسلام في فجره الأول في مكة كان إستلهاما للماضي بحضاراته القديمة و كتبه و أديانه و رسله منذ عيسى و حتى آدم عليهم السلام . و لكنه أيضا كان التمازج الخلاق مع الحاضر بجاهليته و حنيفيته و أهل الكتاب و الصابئين و ثقافة فارس و الروم المجاورتين . و من ناحية أخرى كان الإسلام آنذاك هو المستقبل بما وضعه من ثوابت إنتقلت بذورها من الصحراء القاحلة في الجزيرة العربية الى السافنا المطيرة في أفريقيا و الجبال الباردة في الصين و بهجة جنان الأرض في الأندلس . كما أن المشكلة ليست في تتبع روافد الإسلام النقية كما تدفقت في فجرها الأول .. لكن المشكلة في إعتبار فقه الفقهاء واحدا من تلك الروافد و بالتالي جزءا من الإسلام الذي جاء به الرسول (ص) .. يعتبر كثير من المسلمين أن فقه الفقهاء جزء من منظومة التشريعات الإلزامية و الإجبارية و جزءا من المعلوم من الدين بالضرورة . هذا الفقه الذي بسببه إنقسم المسلمون الى ثلاثة و سبعين فرقة .. كلها في النار .. إلا واحدة . و بالطبع فإن فقه الماضي الذي يقود الى النار لا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يقود الى المستقبل . من أجل العثور على الفرقة الناجية /بقلم/ نوري حمدون - الأبيض - السودان