شهود عيان يؤكدون عبور مئات السيارات للعاصمة أنجمينا قادمة من الكاميرون ومتجهة نحو غرب دارفور – فيديو    الغرب "يضغط" على الإمارات واحتمال فرض عقوبات عليها    دورتموند يسقط باريس بهدف فولكروج.. ويؤجل الحسم لحديقة الأمراء    وزارة الخارجية تنعي السفير عثمان درار    العقاد والمسيح والحب    واشنطن: دول في المنطقة تحاول صب الزيت على النار في السودان    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    شاهد بالصور.. المودل والممثلة السودانية الحسناء هديل إسماعيل تشعل مواقع التواصل بإطلالة مثيرة بأزياء قوات العمل الخاص    شاهد بالصورة والفيديو.. نجم "التيك توك" السوداني وأحد مناصري قوات الدعم السريع نادر الهلباوي يخطف الأضواء بمقطع مثير مع حسناء "هندية" فائقة الجمال    شاهد بالفيديو.. الناشط السوداني الشهير "الشكري": (كنت بحب واحدة قريبتنا تشبه لوشي لمن كانت سمحة لكن شميتها وكرهتها بسبب هذا الموقف)    محمد وداعة يكتب: الروس .. فى السودان    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    طبيب مصري يحسم الجدل ويكشف السبب الحقيقي لوفاة الرئيس المخلوع محمد مرسي    "الجنائية الدولية" و"العدل الدولية".. ما الفرق بين المحكمتين؟    الى قيادة الدولة، وزير الخارجية، مندوب السودان الحارث    السودان..اعتقال"آدم إسحق"    فلوران لم يخلق من فسيخ النهضة شربات    رئيس نادي المريخ : وقوفنا خلف القوات المسلحة وقائدها أمر طبيعي وواجب وطني    المنتخب يتدرب وياسر مزمل ينضم للمعسكر    عائشة الماجدي: دارفور عروس السودان    لأول مرة منذ 10 أعوام.. اجتماع لجنة التعاون الاقتصادي بين الإمارات وإيران    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    والي الخرطوم يدشن استئناف البنك الزراعي    دولة إفريقية تصدر "أحدث عملة في العالم"    أول حكم على ترامب في قضية "الممثلة الإباحية"    بعد اتهام أطباء بوفاته.. تقرير طبي يفجر مفاجأة عن مارادونا    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    الحراك الطلابي الأمريكي    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تهويمات عكاشة، تأسفان ويا قلبِ لا تحزن بقلم عادل حسون

وددت أن ألتقي بك ثانية عبر مادة صحافية عن شأن ما اجتماعي أو سياسي أو حتى ثقافي بدلاً من الإطلالة عليك بمقالة رأي تتضمن حشواً من الكلم الذي لا قيمة له سوى قناعة كاتبه بما كتب وربما اقتناع القارئ بما يقرأ. لكن البحث عن عمل يقيم الأود في ظل ظروف اقتصادية طاحنة من ناحية، ومتفجرات الأحداث المؤسفة المتلاحقة من ناحية ثانية، حتمت عليّ إبداء الرأي إبراءً للذمة وترضية للذات المفاجئة بأحداث العنف التراجيدية في ميدان المولد بأم درمان وإستاد كرة القدم ببورسعيد، فتوترات الأوضاع بين دولتنا السودان، والدولة الجارة الأقرب جنوباً- ولا أقول وجداناً إذ أنه ويا لأسفٍ يجادل البعض في نفي ذلك- وعلى كلٍ هي الجارة التي خرجت من ضلعنا ونلاصقها بمئات الكيلومترات التي تصل إلى حد الألفين. ثم وأخيراً، موضوعين اثنين لم أجد بداً من الإشارة إليهما ألا وهما، مقترح بإنقاذ واقع الصحف السودانية من كبوتها التي هي فيها، وسباق الانتخابات الرئاسية المصرية والرد على أحد المتبارين الجانحين في مضمارها. وإن كنتَ في شكٍ من أن هذه الموضوعات متفرقة ولا ناظم بينها وبالتالي هي محض حشو فارغ لا يغني من عدمه شيئاً، إلا أنها ترتبط بكون من يكتب عنها، وهو شخصي المتواضع، مهتم ومعني ومراقب لأغلبها وليس الطارئ منها كمآس العنف في أم درمان أو بورسعيد. وفوق ذا، فكاتب السطور قضى شطرا من حياته متنازع الولاء بين السودان ومصر وجنوب السودان أيضاً، هوية وثقافة وليس إدارة ودولة ذات سيادة وعلم ونشيد وطني. وفي كل الأحوال، إن وجدت نفسك ملولاً أو مستفزاً مما تقرأ فما عليك سوى الانتقال إلى خيار آخر بضربة زر، فالمرء في هذا العصر حر في اختياره تلقي ما يريد ويرغب، ولعّله امتياز لم يحظى به جيلنا في السنوات الثلاثين الأخيرة، إن كان في السودان أو مصر وبداً جنوب السودان أيضاً. فإذا كنا في تلك السنوات الثلاثين نحن البنين ضحايا في محرقة الحرب الأهلية بين الشمال وجنوب السودان في حوافها المرة العلقم والتي من أسفٍ يسعى البعض من الطرفين هذه الأيام إلى استعادتها، فإن أبناء جيلنا الآخرين كلهم، بنات وأولاد، كانوا هم أيضاً ضحايا للإفقار والتجهيل المتعمدين والتغييب والتسفيه المقصودين فضلاً عن تواطؤ النخب والمتعلمين والفاسدين من فقهاء السلطان وبرجوازية أحزاب الحضر وبيروقراطيي الإدارة في المؤسسات المدنية والعسكرية. ذلك العلقم المر كان إما خدمةً مدفوعة الأجر لرضاء الحاكم وبقاءه طول العمر لربعه سالماً، أو خدمة لمشروع عقائدي سادر في غيه صادر من الناس حريتهم ابتداء حين آمن بأن الحق كل الحق مع هذا المشروع حيثما تحدث بالنيابة عن الله وبمنطق الدين، فأضحى الآخرين ليسوا خونة وعملاء لإسرائيل والغرب فحسب، بل صائبة ومرتدين أيضاً. أدعوك لأن تبقى معي هذه المرة على تجديد وعدٍ بلقاء في مواد أخرى في هذه المساحة تجد فيها الخدمة الصحفية- خبر/ قصة خبرية/ تحقيق/ حوار صحفي.. الخ عن شئوننا العامة والثقافية، وليس الكلام المطّول المكيف بالرأي الشخصي الذي لا يكتسب قيمة سوى قناعة كاتبه وتقبل قراءه.

فتنة السلفيين والصوفيين.. هزلية توم آند جيري
ألفيت ذاتي من جيل تمتع كثيراً واستلقى من الضحك على مشاغبات القط توم والفأر جيري- من أعمال والت ديزني الشهيرة إحدى أعرق مؤسسات الإنتاج في عاصمة السينما العالمية هوليود الأميركية- والتي شكلت جزءاً من ثقافتنا ووجداننا كأبناء للطبقة الوسطى وما علاها في شرق أوسط الثمانينات من القرن الماضي العشرين وشرق إفريقيتها كذلك. وبطبيعة الحال العمل الكرتوني الشهير الذي ظهر قبل عقود ما كان تسليتنا الوحيدة أو مغذيات الذاكرة والثقافة معاً فهناك لعب من سوسيولوجي تكويننا مثل- عسكر وحرامية/ البلي/ فلفلت/ سكج بكج/ سفرجت/ السلم والثعبان والليدو، والآتاري بس البلاي ستيشن دا ما اشتغلنا بيه أصلوا وارد سوني الياباني في منتصف التسعينيات وكنا قد فككنا من ذلك الطور إلى أطوار أخرى تحت الأيام السوداء لحكم الإخوان والعسكر. توم وجيري لم تنتهي دائماً، وربت حلقاتها على حد الألفين، فلا القط توم انتصر رغم قوته، ولا الفأر جيري انهزم لعلة ضآلة حجمه. فتوم يحول غباءه الظاهر عن نصرة حجمه الكبير، وجيري يحمله ذكاءه الملحوظ بعيدا عن مورد هلاكه. في قياس التشبيه، فإن قط السلفية أو الصوفية، ظل يتربص بالطرف الآخر، أي الفأر، يكفّره في منتدياته ويسخر من عقيدته وفكره وممارساته القدسية وفقاً لقناعته الخاصة. كان يحدث الاعتداء والضرب غير المبرح في أحيان قليلة- كما في قصة الشيخ أحمد حسون رحمه الله والتي عرفتها صغيراً من منطلق أنه جدي غير المباشر وهو الذي يعد من رواد حركة (السنيين السلفية) إذ كان يُضرب من قِبل الصوفيين أتباع (الطريق الختم) في محطات القطار في المديرية الشمالية في أواخر خمسينات وأوائل الستينات الماضية حين كان يغشاها لينشر فكره السلفي- بينما أغلب تعبيرات التضاد بين الطائفتين من المؤمنين كان الجدال الكلامي المحض الذي لا يرقى إلى التراشق اللفظي بالكلمات أو التصادم الدامي بالأجساد. وبتجاوز عمن كان يهزم في المناظرات الكلامية أو كان يتهرب منها؟، فهناك كان أحد الطرفين غالباً كذا، إلا أننا لم نسمع طيلة العقود التي مرت على هذا الصراع التقليدي المعروف أن أحد الطرفين اشتبك مع الآخر بشكل تصادمي أوقع خسائر على شكل إصابات ودماء بينهما وأين؟، في خيمة الاحتفال الشعبي الجماهيري السلمي بمولد النبي بميدان الخليفة بأم درمان التي تنتظم منذ عشرات السنين بطابع أنشطتها المسالم في غير ما شطط أو تراشق أو لكمات واصطدام دموي باستثناء أحداث المولد في 1961م التي اكتست طابعاً سياسياً بأثر الصدام الشعبي الموجود سلفاً مع نظام الجنرالات بقيادة الرئيس الفريق إبراهيم عبود وليس كفتنة طائفية كما في أحداث ميدان المولد 2012م. وبينما كان هناك على طول الخط جدل مثقفين حول الوصف الدقيق لمن يسمون عرفاً ب(أهل القوم) أي الصوفيين- فهُّم عند البعض طوائف دينية، ولدى آخر طرق صوفية، ولدى ثالث بالدراويش والزهاد ورابع بالدجالين والمشعوذين- إلا أن التسمية اتفقت على من هم السنيين؟، ذلك من أفكارهم المستوردة حديثاً من مهاجر الخليج النفطي، وبغلوهم الملحوظ في الفكر الذي لم يألفه عوام السودانيين، بتنقيبهم للمرأة السودانية التي ظلت تتدثر بثوبها الجميل الوافي السترة دونما أي خجل من الجسد الأنثوي ومفاتنه الحسية وعطية الربَّ لتكوينه البديع، وكذا بوقوفهم إلى صف الموالين للأنظمة العسكرية التي حكمت البلاد بالحديد والنار طالما ادعت أنها تحكم بإسم الإله وبموجب الدين كما في أواخر ثورة مايو وأوائل ثورة الإنقاذ، إذ لا يذكر لهم موقفاً واحداً ضد أنظمة القهر التي عرفتها حوليات السياسة الوطنية. إذن سالت دماؤها واحتربت في خيمة المولد النبوي الشريف، وتعجبت لما لم توجه السلطات المختصة اتهامات إثارة الشغب وتهديد السلام العام للمتورطين في التصادم. فالصدام الدامي بين مجموعتين تنضويان تحت أسماء شخصيات اعتبارية عامة وفي محل له قدسيته الدينية والعرفية والوجدانية كخيمة المولد، ما كان يجدي معه سوى تطبيق القانون الرادع تفادياً للفتنة الطائفية داخل الدين الواحد. لن أذهب إلى ما ذهب إليه بعض ممن سمعت رأيهم ومفاده أن الحكومة هي التي افتعلت هذه الفتنة لتصرف أنظار المواطنين عن الضائقة الاقتصادية الكبرى ومرارة العيش التي يعانيها الناس وتشغلهم بها إلى حين تدبر مشغلة جديدة أو كذبة أخرى ككذب وزراء القطاع الاقتصادي الذين صوروا للرأي العام أن الأمور فل الفل وسكرة وعسل أبيض ولا فرق في ذهاب بترول الجنوب فليغور في ستين داهية بينما وضح أن الحقائق الاقتصادية غير ذلك بالمرة- ويلاحظ أن رأي البعض أيضاً في مصر أن أحداث إستاد بورسعيد من فعل السلطات المصرية بالامتناع عن توفير الحماية للضحايا-، لن أنحو إلى ذلك المنحى، ولكن أرى بأن ما حدث في ميدان المولد كان يجب التعامل معه بالقانون وليس بوساطة من السيد والي الخرطوم للصلح بين الطرفين المتصادمين، فمن غير المتصور أن يصطلح توم مع جيري في نهاية المطاف، وسنظل في الحلقات الغير منتهية من المشاغبات في المسلسل الكرتوني. إن قلنا قانوناً، فالقانون يكيف ما حدث، من عشرات المتصادمين من الجانبين الذين أرعبوا بفعلهم الإجرامي الأطفال والنساء والشيوخ ممن يقصد خيمة المولد النبوي كاحتفال طابعه سلمي بمولد النور والهدى الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، بما جاء في المواد (67 وما بعدها) من القانون الجنائي السوداني والتي اعتبرت (الشغب) و(الإخلال بالسلام العام) جريمة حال كان طابعها الاعتداء على الغير أو الحق الذي يكفله القانون، فتقرأ المواد في اختصار غير مخل على أنه // يعتبر مرتكبا جريمة إثارة الشغب كل من شارك في أي تجمهر من خمسة أشخاص فأكثر متى استعرض التجمهر القوة أو استعمل القوة أو الإرهاب أو العنف، ومتى غلب القصد لارتكاب جريمة الإتلاف الجنائي أو التعدي الجنائي أو أي جريمة أخرى، ويعاقب بالسجن ستة أشهر أو الغرامة أو بالجلد بما لا يجاوز عشرين جلدة، فإذا كان يحمل سلاحا أو أداة مما يحتمل أن يسبب استخدامه الموت أو الأذى الجسيم، يعاقب بالسجن مدة لا تجاوز سنة أو بالغرامة أو بالعقوبتين معاً/ ويعتبر مخلاً بالسلام العام كل من يقوم بفعل يقصد به أو يحتمل أن يؤدي إلى الإخلال بالسلام العام أو بالطمأنينة العامة وكان ذلك في مكان عام، ويعاقب بالسجن بما لا يجاوز شهرا أو بالغرامة أو بالجلد بما لا يجاوز عشرين جلدةً//. أعتقد كانت هذه المواد والأحكام الجنائية رادعة لجميع من أثار الشغب وهدد السلم العام في تلك الليلة الحزينة حتى لا يتكرر هذا المشهد المفاجئ لنا جميعاً. قديماً لم يكن للسلفيين السنيين خيمة أو منصة بداخل الاحتفال بالمولد النبوي وهم كانوا لا يقربون ذلك الاحتفال لأنهم ببساطة شديدة يكفّرون كل هؤلاء الصوفيين المحتفلين بالمولد النبوي الشريف، فيما الأخيرين ويا حرام لا يستطيعون رد الاتهام كما أنهم لا يتهمون الأول بذات الاتهام البشع، إذ هم يحبون نبيهم وآله الكرام عبر هذه الطرق والمسالك، بينما ويا للعجب الشديد، يبني السنيين عقيدتهم على الإتباع الحرفي لما آتاه الرسول الكريم، ولذا فالطرفين غايتهما واحدة، تعظيم النبي، وإن اختلفت مسالكهم. ويلاحظ أيضاً أنه قديماً حاولت أنظمة فوقية سابقة، مايو في أوائل عهدها والإنقاذ في مرحلة من عمرها، الاستخفاف بشعائر الصوفيين وممارستهم الإيمانية من قناعاتهم الاعتيادية ومحبتهم للني وآله المعبّر عنها في حولياتهم، فوصل ذلك إلى حد الهجوم على هذه الاحتفالات وإلغاءها. أسفت مما حدث، إلا أنني تذكرت ونحن نحتفل بمولد الهدى وهطول الأنوار محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم قوله "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" وحديثه "تبسمك في وجه أخيك صدقة" وحديثه "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، واستحضرت قصته (ص) وقد كان صبياً غير مميزاً- أي دون السابعة من العمر- رفقة عمه ووليه أبا طالب بن عبد المطلب حين اصطحبه وهو في عمره الغرير ذاك معه في رحلة التجارة إلى الشام، فالتقى في أول الطريق على تخوم يثرب بحبر علّامة من أحبار اليهود، فقال الأخير لأبى طالب وقت أن نظر إلى الصبي وشك في أن الصبي محمد هو النبي أحمد الذي جاء خبره في الكتب المقدسة، فقال لعمه أبا طالب: أرني ما بين كتفيه، وكان يبحث بالطبع عن خاتم النبوة بين كتفي المصطفى من جهة ظهره. وإذ تأكد من ذلك بعد أن رأى الخاتم بمرأى العين، نصح أبا طالب بالرجوع به إلى مكة، وأخبره بأنه إذا أكمل به الطريق إلى غايته النهائية، أي الشام، سيقتله العارفون بخبر ظهور نوره. وكان أن رجع أبو طالب بمحمد إلى مكة، فكان الصبي هو النبي محمد بن عبد الله (ص). وإني لأهدي هذه القصة لمن يؤمن بأنه سلفي يستن سنة السلف الصالح وإمامه النبي الأمي وكذا إلى من يوقن بأن منتهى إخلاصه العقدي هو للحبيب المصطفى وما آتاه، أن يتفكرا معاً في ذكرى مولده وأنه ما كان ليعيش سوى بنصيحة الحبر اليهودي الذي خشي عليه من القتل ممن إذا عرفوا بظهوره كرهوا وجوده فقتلوه. فهل يريد أحد من المجموعتين المتصادمتين في ذكرى مولد الحبيب، الحبيبة لهما معاً، أن يكون كما القتلة أولئك؟، مالكم كيف تحكمّون؟؟.
جنوب السودان.. أحلى جارة اختارت سوانا حبيب
كان حقاً من المستفز للمشاعر الوطنية- الواحدة إلى ما قبل يوليو 2011م- القول المتبادل بين زعماء دولة إسرائيل وجمهورية جنوب السودان لدى زيارة الرئيس سلفا كير إلى تل أبيب نهاراً جهاراً أنه ما كان لها أن تقوم لولاكم، ورد القول بأنكم استحققتم الحرية والاستقلال من النظام العربي. أو هكذا كان في معنى التواد بين الدولة الاستعمارية الأخيرة في العالم والدولة الأحدث استقلالاً فيه. وبينما قال السفير المصري الأسبق في إسرائيل وفي السودان أيضاً السفير محمد عاصم لفضائية (الجزيرة) في تعليقه على أول زيارة رسمية لرئيس دولة السودان الجنوبي إلى عاصمة دولة إسرائيل تل أبيب، أن الرئيس الجنوبي كير أراد بزيارته أن يبرز للعالم أن هوية السودان الجنوبي هي هوية شرق إفريقية ليست عربية أو عدو لإسرائيل، إلا أن السؤال الهام في طبيعة العلاقة بين دولتي السودان منذ انفصال الدولة الجديدة فكرة (العدو) ومن يكون؟. ليجئ الاستفزاز الذي تأتى من تحرك مشروع لدولة تبحث عن أصدقاءها في المحيطين الإقليمي والدولي لينقل تصور الآخر للعلاقة التي أصلها السلام والتعاون الإنساني كما يحض على ذلك الميثاق الدولي الجامع لهيئة الأمم المتحدة، إلى علاقة أصلها التأهب للحرب. قديماً كان من الصعب وقت أن كنا دولة واحدة أن يحارب الإنسان السوداني العادي، أو الرجل المعتاد كما في لغة القانون، حكومة جنوب السودان أو المواطنين الجنوبيين. ففي خضم علو وغلو التيار والتوجه الذين كسيا الحرب الأهلية كساء الجهادية والعنصرية لأهداف سياسية واجتماعية، وجد تيار فطري واسع من الوعي يؤكد بأن الحرب السابقة لم تكن مقنعة أو عادلة رغم احترام وتوقير التضحيات البشرية الثمينة للحركتين العقائديتين الإسلاميين والجنوبيين الشعبيين أو طرفي الحرب الشمالي والجنوبي وما بينهما من قوى الحرب بالوكالة أو حلفاء الجانبين من أحزاب الشماليين والجنوبيين في تلك الحرب. إن شئنا، كان ذلك قول القانون والتعاهد والذي أفرغ في نصوص في اتفاقية السلام الشامل والدستور القومي الانتقالي 2005م والتي اعتبرت الجيشين جيش واحد والقوتين واحدة إلى حين الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب، الأمر الذي أفرغ من مضمونه فكان ما كان من انفصام هو بالأساس إخلال بالتزام قانوني متبادل كان يقتضي القضاء فيه بالبطلان أو فسخ العقد أو التعويض للطرف المتضرر المغرر به أو المغبون أو المدلس عليه. ولكن، وبعد زيارة سلفا لإسرائيل وكلام لو لا، ولو لا، تقرير للإخلال القانوني السابق، لتجئ قضية البترول الجنوبي واستحقاقات دولة الشمال في استثماره ومحاولة طرف الجنوب إدخال قضايا خلافية أخرى ضمن هذه الفاتورة كمصير منطقة أبيي وتعيين الحدود الدائمة بين البلدين، على خلفية صدام وحرب تشنها الدولة السودانية الأم من مبدأ الشرعية ضد التمرد المسلح في المنطقتين المخصوصتين بآلية المشورة الشعبية لمواطنيها، ذلك التمرد الذي كان جزءا من الحزب الحاكم في الدولة السودانية الوليدة، متغيرا جديدا في مفهوم (العدو) و(الآخر) من الطبيعي أن يجعل من أي حرب قادمة بين الدولتين الشقيقتين، حقيقة لا حكماً، حرباً عادلة ومقنعة لأن يجند فيها البنين وربما البنات السودانيين الشماليين هذه المرة طوعاً وإسراع بهم للدفاع ضد خطر كون العدو حينها، حكماً وحقيقةً، هو الآخر المعادي بامتياز ليس من الجنوب وحده وإنما من إسرائيل كذلك. لن يفهم الرجل المعتاد والإنسان البسيط معنى التعسف غير المبرر لخنق الشمال المنهك اقتصادياً والإجهاز عليه بقطع آخر شريان اقتصادي قبل روافد نهر النيل، أو الإصرار على مواصلة دعم الحرب العبثية في جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور. كان سيفهم تدعيم السلام المتبادل بالتوسط للتوصل إلى حلول تؤلف بين متمردي المنطقتين ذوي القربى السابقين ومتمردي دارفور الحلفاء الدائمين وبين إطار الدولة التي ينتمي إليها هؤلاء المتمردين برابطة المواطنة والتي هي كدولة من الواضح أنها تتمسك بشرعيتها، وهذا من حقها، إن كانت دولة السودان في الشمال أو دولة السودان في الجنوب- فللأخيرة أيضاً متمردين مسلحين من مواطنيها يرفعون السلاح في وجهها في مناطق جونقلي وأعالي النيل والوحدة. لقد كان من المفاجئ والذي يؤسف له لغة الوعيد من السيد باقان أموم في مؤتمره الصحفي الأخير التي جاءت محبطة ومستثيرة لأجواء الحرب التي عانى منها الجنوب قبل الشمال، وكذا وبذات القدر لغة تحميس طبول الحرب ودقها الحامي في التليفزيون السوداني الذي استعاد الأفلام الوثائقية عن الحرب اللعينة الماضية. واللغتين كلغة الغير مسئول بالمرة إن كان وزيرا في الدولة الجارة أو مسئولاً عن السياسة التحريرية للجهاز الإعلامي الرسمي. وإذ كتب الزميل المبدئي الأستاذ عبد الفتاح عرمان من مهجره الأميركي صارخاً في البرية أن تعالوا إلى طريق ثالث يحفظ مقدرات الجانبين المتحفزين للحرب، أجد قلمي متآزرا معه منادياً بمثل صرخته، أن أرجوكم يا من وليتم الأمر في جوبا والخرطوم أن لا تدفعوا بنا إلى أتون الحرب المجنونة بين الصحراء والغابة مرةً أخرى، فنجد ذاتنا حاملين للسلاح في وجوه بعضنا البعض ونحن الإخوة. ولأن يصبح الطريق الثالث معلماً حقيقياً فعليكم بإسفلت ومعاول القانون وتبادل المنافع والمصالح المشتركة واحترام سيادة كل دولة للأخرى وفقاً لنصوص ومبادئ الميثاق العالمي للأمم والمتحدة ومواثيق المنظمات الإقليمية التي نتشارك العضوية فيها كالاتحاد الإفريقي والإيقاد. من الواضح وبمقتضى الحال أن لكل دولة من دولتي السودان سيادتها ولن يقبل جيش أي منها وجود حملة للسلاح داخل حدوده، فلا يستقيم إذن قانوناً وعملاً أن يدعم كل جيش المتمردين المسلحين لدى الطرف الآخر، بل يفترض العكس أن يسعى كل طرف بما لديه من صلة مع الخارجين على القانون لدى الطرف الآخر لأن يؤلف بينهم والإطار القانوني المتمثل في الشخصية الاعتبارية للدولة الجارة. فشلت صرخات، حادي أمتي ود المكي محمد إبراهيم وصاحب العودة إلى سنار محمد عبد الحي والأديب عبد الله علي إبراهيم والشاعر والمترجم النور عثمان أبكر وغيرهم من حداة الستينات، من أن تجعل من وحدة الغابة والصحراء أمراً ممكناً. لا يمكن لذات الفشل أن يستظهر في العداء المستمر والمتبادل الذي يجعل من التعايش السلمي بين الدولتين الجارتين أمراً غير ممكناً. فما زلنا متشاركين في الهوية مع الجنوب ولا يصدق البعض منا بعد أنه بات دولة مستقلة جارة على مستوى القانون، إذ هناك الإرث الاجتماعي والتراث الثقافي عاصمتان من فرقة الوجدان كمثل فرقة الإطار القانوني الذي قد يدهش جدا ويفجع إن اصطدم بحرب بين البلدين المتشاركين في المسمى إن كان بطريق خلط أوراق انسياب النفط مقابل التنازل عن أبيي، أو عض الأصابع بحجز الشمال للقمح والسكر والمواد التموينية الأساسية عن جاره وحجب الجنوب لتدفق النفط عن جاره الشقيق، أو الشروع في قتل الآخر بدعم متمردي كل طرف لدى الطرف الآخر. نحن الذين كنا وسنبقى إخوة وأحباء وجيران متبقين، فكلانا يطرب ويتناجى في قول شاعر الشعب الواحد في بلدينا، محجوب شريف، **عشه كلمينا ميري ذكرينا.. كل سونكي أحسن يبقى مسطرينا**، حتماً علينا التأسيس والتعود للعيش المشترك في هدوء وسلام واحترام البعض للآخر وإلا كانت المأساة وتكرار الفشل والموت والدمار.
الالتزام بالمعاهدات الدولية في السباق الرئاسي المصري
الخيل الأصيلة المتبارية في سباق الرئاسة المصرية ليست كلها خيل حرة، فضمنها واحد ظريف ودمه خفيف وشربات أوي أدعى أن السودان جزء من الدولة المصرية، وأدلته على ذلك ما قال بأنها وثائق عديدة بدار الوثائق في القاهرة. هذا الجواد غير أصيل ولن يأتي في اللفة ليكتسح الخيل الآخرين لأنه ببساطة غير مطلع على الاتفاقيات والمعاهدات التي يفترض أن الرئيس القادم للقطر المصري قد درسها وعالم بمحتواها لأجل أن يلتزم بها. وفي هذا أتساءل أين (اتفاقية السودان) بين حكومة صاحبة الجلالة ملكة بريطانيا العظمى وشمال أيرلندا والحكومة المصرية الموقعة في اليوم الثاني عشر من شهر فبراير سنة 1953م؟، أين موقعها من الإعراب يا سيد توفيق عكاشة وأنت الذي تسعى لحكم دولة بحجم وتاريخ ومكانة مصر؟. مصر على لسان المجلس الأعلى للقوات المسلحة القائم بأعمال رئيس الجمهورية، أعلنت مراراً وتكراراً أنها ملتزمة بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية. ويفهم من الإعلان المتكرر ليس معاهدة السلام في كامب ديفيد والنكوص عنها لجر شكل مع دولة إسرائيل كما يتبادر للذهن لأول وهلة، وإنما حزمة من الاتفاقات منها العهود الدولية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية مثلاً. كنت سأحترم المرشح الرئاسي السيد توفيق عكاشة لو أنه قال أن اتفاقية السودان بالقاهرة التي وقع عليها- عن بريطانيا المندوب السامي ممثل حكومة المملكة المتحدة لبريطانيا وشمال أيرلندا سير رالف اسكراين استيفنسون، وعن الحكومة المصرية رئيس مجلس قيادة الثورة لواء أركان حرب محمد نجيب- لم تستكمل كما نص عليه في الاتفاق. فقد نصت الاتفاقية في موادها بالأرقام (واحد/ تسعة/ حادي عشر) على إجراء استفتاء لتقرير مصير السودان، وذلك إما بأن تختار الجمعية التأسيسية المنتخبة من الشعب السوداني في اقتراع عام، الاتحاد مع مصر بأي صورة من الصور، وإما أن تختار الاستقلال التام للسودان. وهو الأمر الذي لم ينفذ شكلاً، إذ استعاض عنه الحزب حائز الأغلبية البرلمانية بزعامة الرئيس إسماعيل الأزهري بعدما تبين له ميل أغلبية الآراء ناحية الاستقلال التام فمضى فيه ليعلن السودان دولة مستقلة من داخل البرلمان دون تنفيذ حرفية الاتفاقية بأن تختار الجمعية التأسيسية الاتحاد مع مصر أو الاستقلال عنها. كان سيكون المرشح عكاشة أجدى في منطقه لو ساقه إلى الوجهة القانونية لجهة عدم تطبيق نص التعاهد البريطاني- المصري بشأن السودان شكلاً وإن نفذ موضوعاً، وليس إطلاق القول على عواهنه والاستناد إلى حقوق مدعاة للخديوي وورثته ما قبل ثورة يوليو المصرية التي قضت تماماً ونهائياً على أملاك وأطماع آل محمد علي في حكم الحجاز ومصر والسودان شماله وجنوبه وإرتريا والصومال وأجزاء من أوغندا. وعلى أيٍ، ستظل المعاهدات التي وقع عليها النظام السياسي، أي القانوني، في مصر منذ ثورة 23 يوليو حتى ثورة 25 يناير بخاصة اتفاقية السلام الدائم مع إسرائيل مخبراً لبيان أصالة الخيل المتنافسة على المضمار الرئاسي. وإن كان لي طرح محور آخر لإثبات عجز هذا الجواد الجانح هو، أن يبحث هذا المتغني اليوم بالديمقراطية التي حملتها له ثورة الشباب في ميدان التحرير وتضحياتهم الغالية على طبق من ذهب ما كان ليحلم بها يوماً، عن الدور الحقيقي لمصر في تعطيل التطور الديمقراطي في السودان، عبر دعم القاهرة المستمر للانقلابات العسكرية التي نجحت وحكمت في السودان فأعاقت نموه الديمقراطي؟. عليه أن يتفكر في كيف له إن وصل إلى قصر الطاهرة أو قصر عابدين محمولاً على أصوات الناخبين أن يرد الاعتبار لحركة الديمقراطية في السودان-الديمقراطية التي جعلت من أمثال توفيق عكاشة يتطلعون لحكم مصر- وحق الشعب السوداني في التعويض عما لحق به من ضرر جسيم. أقول ذلك، ولا تظنن أني متنطع في تداخلي في شأن رئاسة مصر، فلي في مصر سبق وعرق وتضحيات، فهي مصرنا التي نحبها حد الثمالة، فيها نشأنا نشأتنا الأولى وفيها قضينا في حواريها زهرة العمر وسرنا في شوارعها صبابة ونشوانَ. تلقينا العلم على أيدي أجهبذ أساتذة علمها في أعرق جامعاتها، عملت حمالاً كأحد أبناء الطبقة العاملة في سوق السبتية بحي القللي الشعبي ضمن إدارية رمسيس والظاهر شمال القاهرة مع رجل البر والإحسان المصري القبطي الإنسان الجميل السيد فخري يوسف شاهد، في أعمال الظهر والمواسير، فأختلط عرقي بدمي بمحبتي لها وقت أن كنت أنت تختبئ من الفرعون ولا تجرؤ على كشف دخيلة نفسك وأحلامك في حكم مصر. فيها أطلقنا صرختنا الأولى وتعرفنا على الدنيا الواسعة فهي أمها على مرأى من تجارب الإنسانية كلها والكون ينحني في انعطافته التاريخية ناحية ألف جديد من ميلاد سيدنا يسوع المسيح بن مريم العذراء بنت عمران التي ما كان أبوها امرؤ سوء ولا كانت أمها بغيا. كانت صور الرئيس السابق وقد تأهب ليوم زينته في الاستفتاء الرابع على رئاسته الدائمة مدى العمر تملأ الأرجاء، بخاصة وقد نجا من محاولة اغتيال مزعومة من أحد الحاقدين في مدينة بورسعيد، تزاحمنا في غدونا ورواحنا، في منامنا وصحونا وحتى حين نلج إلى حيث سكناي في حي المنيرة نمرة 6 شارع ضريح سعد باشا زغلول المتفرع من شارع القصر العيني، فأين كانت صورك التي تملأ الأثير الإلكتروني والفضائيات هذه الأيام؟. سيكون على الرئيس الجديد التعامل مع محتقنات في المجتمع ومصالحات مع التاريخ والجوار، السودان أو إسرائيل أو دولة جنوب السودان، كلٌ بحسب أخطاء الرئيس السابق أو الأنظمة السابقة جميعها. سيكون عليه مداواة الجراح الوطنية وفاجعة بورسعيد ليست أخرها وإن كانت علامةً لضرورة البحث عن السلام بين الطوائف حتى وإن كانت كروية. سيكون لزاماً عليه توفير العيش والحرية والعدالة والسلام الداخلي والخارجي وتقوية الأمن الداخلي وتعظيم القوة المسلحة الدرع الحامي وليس الاكتفاء بإطلاق البهلوانات السياسية كما في قول المرشح توفيق عكاشة محل تعليقنا، والذي أثبت لنا أنه من الخيل غير الحرة التي لن تجئ في اللفة كما في مثلنا الشعبي. وأن حظه في نيل السباق سيكون ضئيلاً بقدر محاولته المسرحية لإثبات سيادة متوهمة على السودان ما هي في حقيقتها سوى إخلالاً منه بالتزامات مصر القانونية وتعهداتها الدولية.
الصحافة السودانية.. هذا أو الطوفان
قدمنا في مقالتنا السابقة إلى أهمية إعادة التفكير في صيغ مفيدة للكافة في شأن الصحافة إن كانت الإدارة ممثلة في الدولة أو الصحفيين والعاملين في الصحف ثم المستهلكين أي جمهور القراء الكرام. وسقنا ذلك عطفاً على ما جرى لصحيفة (ألوان) المستقلة فحاصل التحصيل أن إغلاق الصحيفة وحجبها عن الصدور يتصل بالمصالح الحياتية والوجودية المباشرة لكل المرتبطين بالصحيفة سواء أن كانوا عاملين عليها أو قراء يداومون على شراءها أو مالكها. وقد حصل ما توقعنا إذ قرأنا أن مالكها قرر تسريح أكثر من مائة عاملاً يسترزقون من الصحيفة فكانت الخسارة هنا عامة إذ انضمت هذه الأعداد إلى طوابير العاطلين عن العمل. أقول قولي هذا وأنا أدرك معنى أن تخرج وأنت العامل المنتج الممول للضرائب العامة إلى ضياع العطالة وتيه التبطل عن الكسب. ولكن قبل التبحر في عكس رؤيتي الشخصية، أود التنبيه إلى أن في الأمر لبس ما، إذ لم أقرأ أو أسمع أن مالك الصحيفة طعن بالاستئناف ضد القرار القاضي بإغلاق الصحيفة أمام الجهات المختصة سواء الجهة التي أصدرت القرار أو الجهة المعنية بشأن الصحافة، وأعني المجلس القومي للصحافة والمطبوعات الصحفية، وفي ذلك عجب ولا شك في ذلك. واقع الصحافة السودانية اليوم وأمس وغداً مزري ومثير للأسف، يقول البعض أن الحكومة ترغب في بقاء الوضع على ما هو عليه، كمٌ هائلٌ من الصحف يصل إلى حد العشرين لا تستطيع أن تطبع أكثر من 16 صفحة بدلا من 38 أو 42 كما (الأهرام) المصرية أو (المدينة) السعودية مثلاً. لا تستطيع أيها أن توزع في مدن السودان وعواصمه الإقليمية ناهيك عن الريف الداخلي في نفس التوقيت، إذ أن الصحف توزع في غالبها الأعم داخل العاصمة القومية دون الولايات، لماذا؟، لضعف الإمكانات التي لا تمكّن الصحيفة أن تطبع وتوزع في أكثر من مدينة في وقت واحد. المرتبات والعلاوات والبدلات والنفقات المستحقات للصحفيين والفنيين وحتى موظفي الإدارات حدث ولا حرج، أوضاع يؤسف لها، مظلمات لم تحدث في أقسى صور الظلم الاجتماعي، وهي مداخل لفساد وإفساد مالي وأخلاقي واجتماعي. تريد الحكومة ذلك، لأنه من مصلحتها الضيقة أن تبقى الصحافة في مثل هذه الأوضاع المتدهورة إدارياً وفنياً وبالنتيجة مهنياً وهو ما يشغلها. هذا بالإضافة إلى كون ضعف المداخل يأتي بنتائج ضعيفة، فتجد المنتج متواضع لا يرقى إلى تاريخ الصحافة في السودان وليس مستقبلها المرجو فحسب. فهو متواضع، فقير، محدود، مقيد، نفاقي، غير حر وغث أيضاً. هذه الصحف تدعي أنها مستقلة لكنها ليست كذلك في واقع الأمر، فهي صحف شبه مستقلة أو هي حكومية بالكامل لأنها ترضخ تحت إمرة من يوفر الإعلانات والدعامات الأخرى وفرص السفر والرحلات وما إليها من صور للفساد. لا أود تكرار أشياء معلومة للزملاء والقراء الأعزاء، ولكن هو اقتراح سبق وأن تقدمت به إلى المجلس القومي للصحافة والمطبوعات بوجود قياداته الموقرين واليوم أجدده هنا وقناعتي به تزداد يوماً بعد الآخر خصوصاً في الأيام الأخيرة مع كم الذل الذي لقيت في الأسبوعين الماضيين وأنا أبحث عن وظيفة محرر في أي من هذه الصحف ولو حتى لدوام جزئي في الفترة المسائية. هذا المقترح بتحديد مباشر- دون المساس بالصحف الحزبية الصادرة عن أحزاب مرخص لها بالعمل قانوناً- هو أن تؤمم الدولة الصحافة بقانون، ليس كتأميم نظام مايو للصحف وإنشاء صحيفتين ملكّهما للاتحاد الاشتراكي البائد، ولكن تأميم بفهم محدد، وهو أن تشترك الدولة في ملكيتها مع العاملين بنسبة 47% لها و53% للصحفيين العاملين من رئيس التحرير إلى أصغر محرر مروراً بالفنيين والعمال والموظفين وذلك في ثلاث مؤسسات صحفية عملاقة لا تقل عن (الأهرام) المصرية مبنىً ومعنى. ذلك أن الكم الهائل من الصحف الموجودة حالياً يمكن أن تجمّع كلها برؤوس أموالها الصغيرة في وحدات ثلاثة أكبر، وكذا تجميع الخبرات والكفاءات من كل هؤلاء العاملين صحفيين وفنيين وإداريين، في هذه المؤسسات الجديدة وفقاً لمعايير صارمة ولوائح واضحة تقضي لنا بقيامها النجاة من أدواء القبلية والعنصرية والعائلية والمزاجية والشللية السائدة في العلاقات بداخل الصحافة الوطنية. هذه المعايير تشمل كيفية كتابة الخبر والتقرير الصحفي والتحقيق وأسس إجراء الحوار الصحفي من وجهة نظر علمية وليست الكوسة والباذنجان الذي يملأ الجرائد. معايير دقيقة للتوظيف وتوزيع الصحفيون وفقاً لمهاراتهم على الأقسام المختلفة، الأخبار، السياسي، التحقيقات، الفنون والمنوعات... الخ، وليس من مدى قرب الصحفي من رئيس التحرير الذي هو نصف إله على الأرض هذه الأيام. معايير لمنح الأجر الموافي وليس أجر العلاقات السرية بين الرئيس والمرؤوس التي يختلط فيها حابل الشرف بنابل الحاجة فتحصد الخطيئة. هذه المركزية في الصحافة ستمكننا من إنتاج صحف حقيقية كرصفاءنا في الجوار الإقليمي تستطيع أن توزع في كل أنحاء البلاد وخارجها في لحظة واحدة وليس في اليوم التالي لصدور الصحيفة كما الآن، وبسعر واحد وليس بأسعار متنوعة يتكسب منها ومن خلالها السماسرة والحرامية. صحف مهنية حقيقةً مرتفعة في أداءها بما ينعكس على الارتقاء بثقافة وأذواق القراء، صحف أم كبرى تستطيع أن تنتج بنات أصغر وهي الملاحق الملونة المصقولة للموضة والدلال، للأثاثات، للسيارات، للصحة والطب، للعلوم والاكتشافات الجديدة، للدين والدراسات الشرعية، للقضايا الاجتماعية، للأدب والفنون...الخ. هذه الملكية الجديدة ستكفل للعاملين في الصحف حقوقهم فهُّم ملاكاً وأصحاب أسهم وليسوا أجراء، فإن قضى واحدهم نحبه سيعاش ورثته من ريع أسهمه وليس من صدقة مالك الصحيفة التي قد يجود بها وقد يمنع. في هذا المقترح منجاة للصحافة نفسها من الأزمات المالية التي تكابدها الصحف هذه الأيام مع ارتفاع أسعار الورق والأحبار وكلفة المطابع وتزايد تكلفة التشغيل وضعف العائد المباشر من البيع في الأسواق. فالقراء عزفوا عن شراء صحف هي إما لا تقول الحقيقة، أو تتجمل في قولها، هذا بخلاف من يستأجر بسعر صحيفة واحدة خمس صحف لقراءتها على عجل بجوار كشك التوزيع فيتسبب في خسارة للمجموع. هذا بخلاف إقبال قطاع واسع من القراء على الصحف الصفراء التي تستثمر في أخبار الجريمة والإثارة الجنسية والدجل وفضائح المشاهير فأردوا معها إلى المستنقع الآسن الذي ترتزق منه. لا يظن أحد أن مشاركة الدولة في نسبة ال47% تعني تقييداً لحرية الصحافة في تناول إخفاقات الحكومة، فالمعنى أن تساهم هي بهذه النسبة في عمليات التشغيل والبنية التحتية للمؤسسات الوليدة، وهذا لا علاقة له بحرية ما يكتب، فما يكتب هو صحافة مهنية حقيقية وليست منشورات سياسية التي محلها الصحف الحزبية. فالصحفي الذي يخلط بين واجبه المهني وطموحاته السياسية عليه أن يكتب في الصحف الحزبية وليس الصحف المستقلة. أقول مقترحي للمرة الثانية في المنبر الأوسع للسودانيين على شبكة المعلومات الدولية بعدما قلته للمسئولين عن الصحافة بداخل الغرف المغلقة وأؤمل في تحقيقه. لو كانت لي سلطة النيابة التمثيلية وفقاً لبرنامج انتخابي لطبقت هذا المقترح ولا ألو جهداً، وفي الغضون أبقى أحلم بتحقيقه وأتخيل زملائي وزميلاتي وهم في مراق أعلى ومتطورة في المهنة الصحافية وليس السخرة والاستعباد الذي هم ونحن فيه الآن. أقول استعباد فقد تقدمت بطلب لأكثر من أربعة صحف للعمل ولا رد حتى الآن، ولا احترام ولا تقييم ولا رد اعتبار ولا يحزنون. وما أحزنني أن واحداً من أولئك المسئولين بين قوسين هو نائب لرئيس نقابة الصحافيين وقد انتخبته وأنا الآن في أشد الندم لأني صوَّت له في الانتخابات الأخيرة. ولو كان لي كشف المستقبل لما قدمت للمنصب العام مثل هذا الإنسان غير المحترم الذي لم يكلف خاطره الرد على طلبي بالرفض أو بالقبول. فوجه عدم الاحترام أن لا تعبّر مَن قصدك في حاجة والنبي الكريم يقول "من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته". وعموماً موعدي مع هذا القيادي النقابي غير المسئول الانتخابات القادمة حين سحب الثقة وكشف أمره للقاعدة الانتخابية. وحتى ذلك الحين سأستمسك بحلمي الذي طرحته عليك وسأعكف على إعداد مواد صحفية لوجه الله والوطن دون أي عائد مادي تجدها هنا في خدمتك في الأيام القادمة إن شاء الله، ودمتم لنا.

عادل حسون
صحفي وباحث في حقل القانون
عضو الاتحاد العام للصحافيين السودانيين
تلغرافيا: جمهورية السودان- الخرطوم شرق- الطائف
شارع الشهيد عبيد ختم- شرق القسم الشرقي شمال البيت الشامي
بريد إلكتروني: [email protected] تليفون: 0912243280


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.