بسم الله الرحمن الرحيم ليلة المولد يا سر الليالى . عثمان الطاهر المجمر طه / باريس يقول الله عز وجل وهو أصدق القائلين : [ وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ] { والذين أمنوا أشد حبا لله } صدق الله العظيم { سورة البقرة } . ويقول أيضا : [فسوف يأتى الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون فى سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم } صدق الله العظيم . السين فى الآية أفادت وعدا ووعيدا فالوعد لأجل المؤمنين المحبين المحبوبين وتأتى السين فى الوعد أكثر مما تستعمل فى الوعيد اللهم أجعلنا من المحبين المحبوبين فقد جاء فى الأثر : { أرجحكم عقلا أشد حبا لله } . نحن مأمورون بحب الله ورسوله أكثر من أولادنا وأموالنا وأزواجنا وأنفسنا فهاهو أمير المؤمنين الفاروق الذى قال فيه الحبيب المصطفى صلعم لو كان نبيا من بعدى لكان عمر أسمعه يقول : يارسول الله إنى أحبك أكثرمن مالى وولدى إلا نفسى فقال : لم تؤمن بعد يا عمر فقال : لم قال : حتى أكون أحب إليك من نفسك قال عمر : الآن إنى أحب الله ورسوله أكثر من نفسى قال : الآن ياعمر . وأعظم إرهاصات مولد الحبيب المصطفى حفر الزعيم عبد المطلب لزمزم وما أدراك ما زمزم تسقى الحجيج الأعظم وهى ما بين فرث ودم إنها طعام طعم { ماء زمزم لما شرب له } . وحادثة الفيل نهاية أبرهة ملك أصحاب الفيل الذى أراد هدم الكعبة فهزمه الله وجيشه شر هزيمة نزل فيها قرأنا يتلى حتى يرث الله الأرض ومن عليها سورة الفيل : { ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل {1} ألم يجعل كيدهم فى تضليل {2} وأرسل عليهم طيرا أبابيل {3} ترميهم بحجارة من سجيل {4} فجعلهم كعصف مأكول {5} ] صدق الله العظيم . ونستهل مدح مولد الحبيب المصطفى طه صلعم بأبيات من قصيدة الأمام البوصيرى رحمة الله عليه : كيف ترقى رقيك الأنبياء يا سما ما طاولتها سماء لم يساوك فى علاك وقد حال سنا منك دونهم وسناء إنما مثلو صفاتك للناس كما مثل النجوم الماء أنت مصباح كل فضل فما تصدر إلا عن ضوئك الأضواء لك ذات العلوم من عالم الغيب ومنها لأدم الأسماء لم تزل فى ضمائر الكون تختر لك الأمهات و الأباء تتباهى بك العصور وتسمو بك علياءبعد علياء نسب تحسب العليا بحلاه قلدتها نجومها الجوزاء حبذا عقد سؤدد وفخار أنت فيه اليتيمة العصماء ومحيا كالشمس منك مضئ أسفرت عنه ليلة غراء ليلة المولد الذى كان للدين سرور بيومه وأزدهاء وتوالت بشرى الهواتف أن قد ولد المصطفى وحق الهناء وأتت قومها بأفضل مما حملت به مريم العذراء رافعا رأسه وفى ذلك الرفع إلى كل سؤدد إيماء رامقا طرفه السماء ومرمى عين من شأنه العلو العلاء وتولت زهر النجوم إليه فأضأت بضوئها الأرجاء وتراءت قصور قيصر بالروم يراها من داره البطحاء وبدت فى رضاعه معجزات قلنا ما فى اليتم عنا غناء فأتته من آل سعد فتاة قد أبتها لفقرها الرضعاء أرضعته لبانها فسقته وبنيها ألبانهن الشاء أصبحت شولا عجافا وأمست ما بها شائل ولا عجفاء أخصب العيش عندها بعد محل أن غدا للنبى منها غذاء ونصطحب زادنا فى سماوات مدح الحبيب بأبيات من أجمل ما قاله أمير الشعراء أحمد شوقى فى الثناء عليه صلعم : نعم اليتم بدت مخايل فضله واليتم رزق بعضه وذكاء فى المهد يستسقى الحيا برجائه وبقصده تستدفع البأساء يسوى الأمانة فى الصبا والصدق لم يعرفه أهل الصدق والأمناء يامن له الأخلاق ما تهوى العلا منها وما يتعشق الكبراء لو لم تقم دينا لقامت وحدها دينا تضئ بنوره الآناء رأيتك فى الخلق العظيم شمائل يغرى بهن ويولع الكرماء أما الجمال فأنت شمس سمائه وملاحة الصديق منك إباء والحسن من كرم الوجوه وخيره ما أوتى الفؤاد والزعماء فإذا سخوت بلغت بالجود المدى وفعلتما تفعل الأنواء فإذا عفوت فقادرا ومقدرا لا يستهين بعفوك الجهلاء فإذا رحمت فأنت أم وأب هذان فى الدنيا هما الرحماء فإذا غضبت فإنما هى غضبة فى الحق لا ضغن ولا بغضاء فإذا رضيت فذاك فى مرضاته ورضا الكثير تحلم ورياء وإذا خطبت فللمنابر هزة تعدوالندى وللقلوب بكاء وإذا قضيت فلا إرتياب كأنما جاء الخصوم من السماء قضاء وإذا حميت الماء لم يورد ولو أن القياصر والملوك ظماء ثم نختم بأحلى وأغلى الأبيات المليحات كحور عبقرى حسان فى مدح أفضل وأشرف من مشى فى الأرض حن له الجزع بكى : ومثلك لم تر قط عينى وأجمل منك لم تلد النساء خلقت مبرأ من كل عيب كأنك خلقت كما تشاء ونستجم أخيرا فى خيمة من خيم الصوفية الذين يقفون عند إياك نعبد وإياك نستعين نأكل حلاوة المولد ونمتع النفس بأناشيد المدائح النبوية ونحن من حيث ندرى ولا ندرى نجد أنفسنا فى وسط حلقة الذكر مسحورين بسحر الموسيقى الساحرة التى شنفت أذاننا تنطلق تشق عباب السماء من صوت هذا المنشد صاحب الصوت الشجى فتسرى الموسيقى ذات الإيقاع الإلهامى الذى يهز الوجدان هزا سماويا ربانيا فترى الراويش مجذبون فى حلقة الذكر يتمايلون يمينا وشمالا غرقى فى بحر لجى إسمه الحضرة المحمدية فهو الذى يخاطب الوجدانى الربانى الإيمانى فى عنفوان عفوى يجذب الإنسان عنوة وإقتارا شاء أم أبى . إنها المحبة محبة الحبيب المصطفى صلعم الذى جاء رحمة للعالمين وبهذه المحبة والمودة نرجو أن يترجمها السادة المتصوفة فى معاملتهم مع الاخرين فهم أهل الود والإحسان والرضا والإعتدال والوسطية وخير الأمور أوسطها كما قال أصدق القائلين فى محكم تنزيله الكريم : [ وكذلك جعلناكم أمة وسطا ] صدق الله العظيم وصدق رسوله الكريم . بقلم الكاتب الصحفى والباحث الأكاديمى عثمان الطاهر المجمر طه / باريس