كامل ادريس يلتقي نائب الأمين العام للأمم المتحدة بنيويورك    شاهد بالفيديو.. شباب سودانيون ينقلون معهم عاداتهم في الأعراس إلى مصر.. عريس سوداني يقوم بجلد أصدقائه على أنغام أغنيات فنانة الحفل ميادة قمر الدين    محرز يسجل أسرع هدف في كأس أفريقيا    شاهد بالفيديو.. جنود بالدعم السريع قاموا بقتل زوجة قائد ميداني يتبع لهم و"شفشفوا" أثاث منزله الذي قام بسرقته قبل أن يهلك    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    شاهد بالفيديو.. الطالب صاحب المقطع الضجة يقدم اعتذاره للشعب السوداني: (ما قمت به يحدث في الكثير من المدارس.. تجمعني علاقة صداقة بأستاذي ولم أقصد إهانته وإدارة المدرسة اتخذت القرار الصحيح بفصلي)    السودان يردّ على جامعة الدول العربية    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    البرهان يزور تركيا بدعوة من أردوغان    المريخ يحقق الرمونتادا أمام موسانزي ويتقدم في الترتيب    سر عن حياته كشفه لامين يامال.. لماذا يستيقظ ليلاً؟    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    تقارير: الميليشيا تحشد مقاتلين في تخوم بلدتين    جنوب إفريقيا ومصر يحققان الفوز    مجلس التسيير يجتمع أمس ويصدر عددا من القرارات    شاهد بالصورة.. الناشط محمد "تروس" يعود لإثارة الجدل ويستعرض "لباسه" الذي ظهر به في الحفل الضجة    شاهد بالصورة والفيديو.. المذيعة تسابيح خاطر تستعرض جمالها بالفستان الأحمر والجمهور يتغزل ويسخر: (أجمل جنجويدية)    سيدة الأعمال رانيا الخضر تجبر بخاطر المعلم الذي تعرض للإهانة من طالبه وتقدم له "عُمرة" هدية شاملة التكاليف (امتناناً لدورك المشهود واعتذارا نيابة عنا جميعا)    شاهد بالصورة والفيديو.. المذيعة تسابيح خاطر تستعرض جمالها بالفستان الأحمر والجمهور يتغزل ويسخر: (أجمل جنجويدية)    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    في افتتاح منافسات كأس الأمم الإفريقية.. المغرب يدشّن مشواره بهدفي جزر القمر    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    مكافحة التهريب بكسلا تضبط 13 ألف حبة مخدرات وذخيرة وسلاح كلاشنكوف    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    ريال مدريد يزيد الضغط على برشلونة.. ومبابي يعادل رقم رونالدو    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    انخفاض أسعار السلع الغذائية بسوق أبو حمامة للبيع المخفض    تونس.. سعيد يصدر عفوا رئاسيا عن 2014 سجينا    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    حريق سوق شهير يسفر عن خسائر كبيرة للتجار السودانيين    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السلم الخماسي صعب جدا على حنجرة أي مغن عربي
نشر في سودانيزاونلاين يوم 22 - 02 - 2012


وردي: «جمال الدنيا» في غرفة الإنعاش!

++ صوتي موجود بكثرة.. والفنان الشاطر يعرف أين يجد صوته حتى في أرذل العمر!
++ دخلت العملية وأنا أقرأ في ديوان أمتي!
++ نجن لسه مافجرنا شئ.. نحن مجرد طاقة كامنة!
++ حين نستقر ونتقبل بعضنا سنتقدم.. والسلم الخماسي سيكون من الأسباب!
++ اللحن الذي يأتيك دون معافرة هو اللحن الناجح!
++صاحبة جميلة ومستحيلة سرقت منا القصيدة.. وهذه حكاية ياشعبا تسامى!

الدوحة - حوار هاشم كرار

يختلف السودانيون، في كل شئ.. ويخالفون حتى (ضُلهم): في السياسة و(الكورة) وحتى (لون زينب)، ولا يختلفون حول وردي، كفنان!
هذا الفنان الفارع، كصاري المركب، يمتلك- اذن- خاصية فذة: خاصية أن يجمع، في الوطن، الذي يتفرّق الآن، بالغفلة واللامبالاة، والاخذ بعزة الاثم! هنا وردي لا يجمع جيلا، فقط.. إنه يجمع جيلا، بعد جيل: يجمع جيل الخمسينيات، والستينيات والسبعينيات، و... و... بجيل الالفية الثالثة!
هنا، يكون من باب لزوم ما لا يلزم، الاشارة إلى أن الذين يتذوقون فن وردي، الآن، هم من أعمار مختلفة. فيهم المراهق، وفيهم الذي في عمر النبوة، وفيهم من يدنو حثيثا من التراب!
تلك ميزة الفنانين العمالقة.
وردي، لا يُذكر،إالا ويُذكر السودان، وحين يُذكر السودان، يُذكر أول ما يذكر النيلان، النيل الأبيض، والنيل الأزرق، ويُذكر النيل الثالث، هذا (الحلفاوي)، مديد القامة، رحيب الصوت.. محمد عثمان وردي!
جلستُ اليه، بعد «8» أشهر من عملية استزراع كلية هنا في الدوحة: كان هو.. هو حتى وهو فوق السبعين: الصوت والتقاطيع، والحب الوفير للبلد.. مع امتلاء في الجسم، بسبب (الكروتوزون) الذي نعى فيه قامته الرمح!
بعد الحوار، خرجتُ بنتيجة مهمة: الأخذ والعطاء مع فنان حقيقي، هو- في النهاية أغنية من نوع آخر!
غنى وردي...ويغني الليلة، في الشيراتون و... دعونا الآن، في الغناء معه... الغناء من نوع آخر:

* وردي.. العملية.. البنج.. برزخ بين الحياة والموت!...

(مقاطعا): بالضبط!

* حسنا.. حدثنا هنا عن تجربتك الشخصية.. هل كنت خائفا؟

اطلاقا! لا. لا، لا لم أحسُ بالخوف (لا من قريب أو من بعيد) بالرغم أنني كنتُ ادركُ أن كل الذين كانوا حولي، كانوا خائفين!

* كيف أدركت ذلك؟

من عيونهم.. مما كنت أظنه كلاما ( تحت ..تحت) يدور بينهم.. من طريقة حديثهم التي كانت تحاول أن تخفف المسألة!

* وانت داخل العملية، في الرداء الأبيض، كيف كنت تنظرُ إلى هذا اللون؟

(يضحك): كنت أنظرُ إليه كما هو: سر جميع الألوان. كان يمثل لي كما كان أجمل ما في هذه الدنيا: الابتسامة!

*(أوكي.. أوكي) ماذا كنت تُردّد؟

بلسان الحال، كنتُ أردد- باستمرار- «قل لن يصيبنا إلا ما كتب اللهُ لنا».

* حسنا.. وبلسان المقال، ماذا كنت تُردد؟

كنت أقرأ في ديوان (أمتي) لمحمد المكي ابراهيم!

* بالمناسبة.. أين هو الآن.. ود المكي.. صاحب ( من غيرنا يعطي لهذا الشعب معنى أن يعيش وينتصر).. صاحب «قطار الغرب»؟!

(يضحك): هو كما نحن كلنا في الغرب شرق! هو كما تعرف يعيش الآن في اميركا.

* نعود للعملية ..من حديثك، فهمتُ أنك كنت ممتلئا بالتفاؤل؟

(هو كده)! كان يتملكني شعور غريب.. كانت تتملكني ثقة (ما تزعزعت في أي لحظة).. وهذه الثقة، لم أستمدها من شجاعة فردية، ذلك لأن العمر (ما ساهل).. إنما استمددتها من الناس.. السودانيين.. ودعواتهم وابتهالاتهم.. واستمددتها- أيضا- من العلم (الحمد للّه العلم ماشي)!
* حسنا يا وردي..أول ما فتحت.. ..؟

(مقاطعا): بالمناسبة، أنا فتحت بسرعة (خيالية).. وما هو غريب أنه لم يكن هنالك اثر كبير للبنج!
*أول من رأيت؟
الجراح (الرقيق جدا) دكتور الفاضل الملك.. كانت سنه بيضاء جدا، وهو في الرداء الا بيض.. كان (مبسوط)!

* هذه اللحظة يا وردي بالتحديد، تشبه أي أغنية من أغنياتك؟

(يبتسم) كانت تشبه أغنية جمال الدنيا.
و..أمسك العود.. (نقرش) عليه، ودندن أول مقطع من الاغنية: أمل بسَّام بيحدوني، جمال وكمال بيتجدَّد..آه!

* آهٍ.. بالمنابسة من شاعر هذه الأغنية؟

شاب نحيل اسمه كمال محيسي، توفي الله يرحمه في حادث حركة في دبي. بالمناسبة هذه هي الأغنية الوحيدة التي غنيتها لذلك الشاب النحيل.. وبالمناسبة أيضا، كانت هذه الأغنية أولى تجاربي في التلحين، و...

* (أضحك)! المناسبات كترت، ياوردي!

(يضحك): وبالمناسبة (كمان)، كنت قد جددتُ هذه الأغنية (موسيقيا) في العام 97 «ونزلت في سي دي وكاسيت».

* وبالمناسبة «كمان وكمان»؟

وبالمناسبة، سيد خليفة- أيضا- غنى لذلك الشاب النحيل أغنية واحدة أيضا.. أغنية «أيام معدودة»!

* وردي، نترك (مناسبات) جمال الدنيا، إلى مناسبة «يا شعبا تسامى.. يا هذا الهُمام.. تفج الدنيا ياما، وتطلع من زحاما زي بدر التمام؟».. أعرفُ أن هذه الأغنية (الوطنية) لمحجوب شريف.. وأعرف أنك نفضت عنها الغبار كنص، ولحنتها، بعد العاشرة من صباح الجمعة 18 يناير 1985 (الجمعة التي أعدم فيها الأستاذ محمود محمد طه؟).

ذلك صحيح. الأغنية (كان ليها زمن عندي)، لكن، حين هاتفني في القاهرة صديق من الخرطوم بعد العاشرة لينقل الي خبر اعدام الاستاذ قفز فجأة هذا النص إلى كياني كله وتنزل اللحن بتلقائية مخيفة.
يصمت ينكفىء بذاكرته إلى ذات يوم في القاهرة، قبل أن يعود للحديث من جديد:" في ذات الليلة كنت أنا، والعود، واللحن في دمي كله، والاخ فاروق أبوعيسى ودكتور أبو الحسن و.. غنيت .. الأغنية!

* هل كنت تعرفه ... الأستاذ محمود .. عن قرب؟

كيف ياخي؟! كانت تربطني به علاقة خاصة.. كان واسع الادراك، وسيع المعرفة بكل شيء حتى الموسيقى. كان يحدثني- علميا- عن الموسيقى، ومساهمة العرب في وضع أصولها قبل اليونانيين. كان يتحدث عن موسيقى الشعر، والالحان الصوفية، وكنت أحترم ذلك الرجل، واقرأ ما يكتب بانتظام وانتباه.
يصمت وردي، ثم ينفض عن ملامحه تراب حزن قديم، ويقول: "محمود رحل، ولم يكن مقتنعا بالمحكمة، ولا الأدلة، ولا الذين حاكموه . ولم يكن مقتنعا بقاتله. إنني أتأسف.. لو كان موجودا- الآن- لكان بالتأكيد قد أسهم بمعرفة حقيقية، في حلحلة قضايا السودان.

* وردي سلمنا الموسيقي خماسي، ونحن- تقريبا- الوحيدون بين العرب الذين نغني بهذا السلم.. تلك خاصية.. لكننا للأسف فشلنا في تفجير هذه الخاصية؟

ليس السلم الخماسي وحده.. نحن (لسه) لم نفجّر أي شيء! نحن مازلنا مجرد طاقة كامنة، والسبب عدم الاستقرار.
يصمت.. يرفع بينه وبين نفسه (فيتو) ضد حديثي عن عروبتنا .. قبل أن يرفع صوته:
- نحن أفارقة. نحن لنا ثقافة واحدة. نحن خليط من الثقافات النوبية والزنجية ثم العربية. العرب صحيح إنهم أثروا فينا لغويا، ودينيا، لكنهم- وهذا صحيح أيضا- لم يؤثروا فينا موسيقيا على الاطلاق.
يبلل صوته، بجرعة ماء..."و - إنني أقول إن أمة - مثل الأمة السودانية- صنعت آلاتها الوترية (الطنابير) وصنعت آلاتها الايقاعية (الدلوكة، والطبل، والشتم). وتوصلت إلى الايقاعات التي تحرك عصبه، ووجدانها، ليست محتاجة لسلم آخر. بعبارة أخرى، إنني أقول: موسيقانا ليست عربية، وهذا ليس نقصا ولا عيبا: الصين موسيقاها خماسية، وكذلك اليابان و..و.. في اعتقادي، أننا حين نستقر، ويتقبّل كل منا الآخر، سنتقدم بالسودان.. وستكون من أسباب هذا التقدم، هذه الخصوصية في الموسيقى.. هذا السلم الخماسي!

* حسنا وردي. أريدك- الآن- أن تقول لي، لماذا أمكننا أن نتمدّد غنائيا بسلمنا الخماسي، في شرق افريقيا، أكثر بكثير، من ان نتمدد في شمال افريقيا، وبيننا وبين مصر- تحديدا- تاريخ و(موية) و(دم) وجغرافيا ومصير مشترك، كما يقول الساسة؟!

الأسباب كثيرة: شرق إفريقيا كان دولة واحدة في مملكة كوش.. ثانيا اللغات القديمة متشابهة الملامح .. التقاطيع متشابهة .. ثم هنالك التقارب الروحي .. ووحدة النغمة والايقاعات و....
# (اوكي) حدثنا عن السلمين: الخماسي (بتاعنا) والسلم السباعي؟
- السلم السُباعي سُلم عالمي، حروفه الموسيقية «7» والخُماسي حروفه «5».السُباعي فيه (أرباع التون) والخُماسي (نص تون).. وباختصار يمكن القول إن الأشياء الدقيقة جدا، في ربع التون، ليست موجودة في حنجرة المغني الخُماسي.. كما أن الأشياء الدقيقة في السلم الخُماسي، صعبة جدا على حنجرة أي مغن عربي!

* وباختصار (تاني) يا وردي؟!

(يضحك): نحن آلتنا الموسيقية خُماسية .. اذن مركبات صوتنا مثل هذه الآلة.. مثل الايقاع .. بالمناسبة (مدائحنا)، وقراءتنا للقرآن كلها (خماسية).

* وردي .. اغنية "جميلة ومستحيلة" .. انت دائما زي سحابة الريح تعجّل بي رحيلا.. عيوني في الدمعات وحيلا.. أسمحيلا تشوف عيونك أسمحيلا.. هذه الأغنية، أعرفُ في من قيلت، كقصيدة.. وأنت طبعا، تعرف!
(يضحك) سأقول لك شيئا آخر: تلك التي قلت أنك تعرفها سرقت مني نص الأغنية، وأنا أضع بدايات اللحن!
* شيء غريب.. كيف حدث هذا.. بل أين؟
- كان ذلك في بيت خالد الكد، الله يرحمه.. كنا أنا، ومحجوب شريف، صاحب الأغنية، وهي، وآخرون.. وحين بدأت أدندن باللحن من الورقة.. اكتشفت أن القصيدة سُرقت.. لكننا تآمرنا عليها.. على السارق.. وسرقناها!

* وردي.. كيف يتنزل عليك اللحن؟!

سأقول لك شيئا مهما.. هذه المسألة ليس فيها (أي نوع من الوحي كما يقول بعض الملحنين).. المسألة بالنسبة للمغني، أو الملحن مسألة (حرفة) اذا ما أعجبك نص، فينبغي عليك أن (تفسره) لحنيا، بحرفية عالية!

* ما هي أكثرُ أغنية أتعبتك.. أتعبتك (لحنيا)؟!

من تجاربي الشخصية، خرجتُ بنتيجة واحدة: اللحن الذي يأتيك بسهولة، (دون معافرة) هو اللحن الناجح!

* وردي.. قل لنا- بصراحة شديدة: أين صوتك الآن؟!

موجود بكثرة! (يضحك).. إنني أغني في كل المقامات، التي بدأت بها! صوتي من فصيلة (تينور)، وهذه الفصيلة من الصوت، تكتسب مع الزمن، خبرات.. وبكثرة التنويع في الألحان، تكتسبُ قرارا سليما و(ما في حاجة تقول ديه ما بقدر عليها)!

* حسنا.. أين (الغنا) في السودان؟!

الغنا توقف! هذا الجيل الذي (يغني) الآن في السودان، لا يغني. إنه جيل بلا إضافة!

* انت هنا، تحكم على جيل بأكمله؟!

لا، لا.. هو الذي حكم على نفسه! إنني اتساءل باستمرار، بنوع من الرثاء: هؤلاء (المغنواتية) من الشباب، ما هي توجهاتهم.. إلى أين يريدون الوصول.. وكيف؟ وفيهم (الذي يعوج خشمو.. وفيهم الذي يعوج صوتو)!

* فيهم- ياوردي- من قلدك.. وفيهم من يقلدك!

ولو.. التقليد ليس أصالة.. ثم إن التقليد مشروع فاشل، ذلك لأن الحنجرة (زي البصمة).. ثم إن الحنجرة ذاتها، لا تكفي.. لا تكفي حتى ولو تشابهت مع حنجرة أخرى.. الفنان كيان.. ولا يمكن- اطلاقا- لفنان أن يتلبّس حد التماهي، كيان فنان آخر!

* قرأتُ لك، في حوار سابق (حديثا طيبا) عن أصوات غنائية، في الساحة السودانية اليوم؟

نعم هنالك أصوات، يمكن أن يكون لها مستقبل، اذا مشت في الطريق السليم.. وهذا الطريق يبدأ ب (القراية): القراءة الموسيقية، وينتهي بالبحث عن ملحن.. ملحن يعرف (قدر) صوتك. ليس من السهل اطلاقا للمغني أن يصبح (بتاع كلو)!

* لنسمي الأشياء بمسمياتها: سم لنا هذه الأصوات!.

لن أخصص، هذا لن يفيد كثيرا أو... قليلا!

* الآن أذهبُ بك إلى أميركا، حيث كنت لأربع سنوات: أكاد أقول إن الفنانين والعازفين الذين (شتتوا) إلى هناك يمكن أن يتطوروا كثيرا باختلاطهم مع الثقافة (الغنائية والموسيقية) في الدنيا الجديدة.. ماذا تقول أنت؟!

بالطبع، الاختلاط مفيد.. لكن للأسف أولئك لن يتطوروا لسبب واحد: إنهم لا يستطيعون أن يحترفوا الفن. الفن يحتاج لتفرغ، وتمارين يومية، وهذا صعب جدا للذين يبحثون عن لقمة (الهامبيرغر) بالعمل في (السكيورتي) أو مكاتب الطيران أو.. إنني أشعر بحسرة.. وبأسف كثير.. كان يمكن لهؤلاء اذا ما كانوا في السودان أن يتطوروا أكثر، ويطوروا الغناء والمزيكا، خاصة ومعظمهم خريجون من معهد الموسيقى وذوو تجارب!

* أعود بك للدوحة التي جف فيها- إلى الأبد- صوت مصطفى سيد احمد.. كيف تنظر إلى (تجربته) التي التف حولها جيل بأكمله؟

مصطفى كان صديقي.. وكان متفردا، وكان مخلصا لفنه.. وكان له أسلوبه الغنائي.. وكان غزير الانتاج، وهذا أدى إلى تشابه في الكثير من ألحانه. (يصمت قليلا قبل أن يسترسل) : مصطفى لم يجىء من العدم. هو نبت من الموجود.. امتداد لمدرسة التقدم في السودان.. مصطفى عشق الناس، والمستقبل، فعشقه الناس.. وعشقه المستقبل!

* وردي.. أنت (كمية) من المحطات الغنائية، خلال تاريخك الفني.

(مقاطعا) : وهذه المحطات صنعتها وصنعتني : أنا محطات (لو بهمسة) و«الطير المهاجر»، و«الاكتوبريات» ثم «المرحلة الرمزية»مرحلة محجوب شريف، والتجاني سعيد وعلي عبدالقيوم والدوش ثم مرحلة الانتفاضة والتي أعقبها (الشتات) من "الناس ديل"!

* أسمح لي أن أعود بك- مرة أخرى- إلى صوتك .. هل بامكانك- الآن- أن تغني الاغنية الصعبة جدا (وردة صبية)؟!

(اشمعنا؟!)

* لانها- في ظني- اغنية متعبة جدا للصوت: لصوت مغن في السبعين!

(شوف) .. الفنان الذي يتعب فيه الصوت، هو فنان (ماعندو معرفة). الصوت البشري له مقامات، في كل مرحلة عمرية .. و(الشاطر) هو الذي يعرف مقام صوته، في كل مرحلة، ويعرف تمام المعرفة، آلته اللحنية و... حين تكتمل هذه المعرفة، يمكن أن يجد صوته، في مكان ما، حتى وهو في.. في أرذل العمر!

* وردي .. دعني أقول لك شيئا قد يهمك كثيرا..!
قل .. قل!
* الزمن يعاملك .. يعامل صوتك، بحنية.. قل لنا السر حتى.. حتى ولو بالرطانة، لكي لا يشيع، ولا يفهمه غير المحس والحلفاويين؟!

«يضحك».. والله يمكن يكون السر، في حب الحياة، وحب السودان.. وهذا الحب الاخير، هو نوع من الحب المتعب جدا، والمريح في ذات الوقت: تخيل أن تحب وطنا بمساحة مليون مليون.. وطنا مختلف الألسن، والأشكال، والأعراق، والديانات، والأمزجة، والولاءات!

* و ماذا أعطاك هذا الحب الاخير؟!

أعطاني حب الناس.. وحب الناس ما كان يمكن أن يجيء، إذا لم يعطني حب السودان، تمام القدرة على الغناء بصدق.. لو ما في حب حقيقي للأرض والانسان، وفي المقابل، لو ما في حب حقيقي لك، من هذه الأرض والانسان، لا يمكن اطلاقا أن تغني صاح.. بل لا يمكن أن تعيش، وتحيا صاح!

* وردي.. «إنت صاح»! .. هكذا قلت له..

ابتسم يقول: وإنت ما غلطان!
و...أامسك العود، وارتفع صوته يغني مقطعا من «وردة صبية»: بخط اسمك على باب الزمان اكليل.. وردة صبية تلمع فوق صدير النيل.. ونادي عليك ملاذا من شتاء الايام، وبردا في الحياة، وسلام.. وفي شدة هجير وزحام.. جزيرة حنينة، بين نهرين حنان، ألقاك.. عليك اتلم.. وهودج في صحاري الهم!
و.. و.. أنا أضع، كياني كله، في مقام صوت وردي «الشاطر» حتى وهو فوق السبعين، ضاعت مني بقية الاسئلة.. ضاعت، غير آسف على شبابها، وعلى شبابي و.. وضعتُ.. ضعتُ كلي في المقام العجيب!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.