السفير السعودي لدى السودان يعلن خطة المملكة لإعادة إعمار ستة مستشفيات في السودان    مليشيا الدعم السريع تكرر هجومها صباح اليوم على مدينة النهود    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    شاهد بالصور والفيديو.. على أنغام الفنانة توتة عذاب.. عروس الوسط الفني المطربة آسيا بنة تخطف الأضواء في "جرتق" زواجها    المجد لثورة ديسمبر الخالدة وللساتك    بالصورة.. ممثلة سودانية حسناء تدعم "البرهان" وثير غضب "القحاتة": (المجد للبندقية تاني لا لساتك لا تتريس لا كلام فاضي)    المجد للثورة لا للبندقية: حين يفضح البرهان نفسه ويتعرّى المشروع الدموي    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    الناطق الرسمي للقوات المسلحة : الإمارات تحاول الآن ذر الرماد في العيون وتختلق التُّهم الباطلة    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    قرار بتعيين وزراء في السودان    د.ابراهيم الصديق على يكتب: *القبض على قوش بالامارات: حيلة قصيرة…    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    باريس سان جيرمان يُسقط آرسنال بهدف في لندن    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    صلاح.. أعظم هداف أجنبي في تاريخ الدوري الإنجليزي    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    المريخ يخلد ذكري الراحل الاسطورة حامد بربمة    ألا تبا، لوجهي الغريب؟!    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    بلاش معجون ولا ثلج.. تعملي إيه لو جلدك اتعرض لحروق الزيت فى المطبخ    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السلم الخماسي صعب جدا على حنجرة أي مغن عربي
نشر في سودانيزاونلاين يوم 22 - 02 - 2012


وردي: «جمال الدنيا» في غرفة الإنعاش!

++ صوتي موجود بكثرة.. والفنان الشاطر يعرف أين يجد صوته حتى في أرذل العمر!
++ دخلت العملية وأنا أقرأ في ديوان أمتي!
++ نجن لسه مافجرنا شئ.. نحن مجرد طاقة كامنة!
++ حين نستقر ونتقبل بعضنا سنتقدم.. والسلم الخماسي سيكون من الأسباب!
++ اللحن الذي يأتيك دون معافرة هو اللحن الناجح!
++صاحبة جميلة ومستحيلة سرقت منا القصيدة.. وهذه حكاية ياشعبا تسامى!

الدوحة - حوار هاشم كرار

يختلف السودانيون، في كل شئ.. ويخالفون حتى (ضُلهم): في السياسة و(الكورة) وحتى (لون زينب)، ولا يختلفون حول وردي، كفنان!
هذا الفنان الفارع، كصاري المركب، يمتلك- اذن- خاصية فذة: خاصية أن يجمع، في الوطن، الذي يتفرّق الآن، بالغفلة واللامبالاة، والاخذ بعزة الاثم! هنا وردي لا يجمع جيلا، فقط.. إنه يجمع جيلا، بعد جيل: يجمع جيل الخمسينيات، والستينيات والسبعينيات، و... و... بجيل الالفية الثالثة!
هنا، يكون من باب لزوم ما لا يلزم، الاشارة إلى أن الذين يتذوقون فن وردي، الآن، هم من أعمار مختلفة. فيهم المراهق، وفيهم الذي في عمر النبوة، وفيهم من يدنو حثيثا من التراب!
تلك ميزة الفنانين العمالقة.
وردي، لا يُذكر،إالا ويُذكر السودان، وحين يُذكر السودان، يُذكر أول ما يذكر النيلان، النيل الأبيض، والنيل الأزرق، ويُذكر النيل الثالث، هذا (الحلفاوي)، مديد القامة، رحيب الصوت.. محمد عثمان وردي!
جلستُ اليه، بعد «8» أشهر من عملية استزراع كلية هنا في الدوحة: كان هو.. هو حتى وهو فوق السبعين: الصوت والتقاطيع، والحب الوفير للبلد.. مع امتلاء في الجسم، بسبب (الكروتوزون) الذي نعى فيه قامته الرمح!
بعد الحوار، خرجتُ بنتيجة مهمة: الأخذ والعطاء مع فنان حقيقي، هو- في النهاية أغنية من نوع آخر!
غنى وردي...ويغني الليلة، في الشيراتون و... دعونا الآن، في الغناء معه... الغناء من نوع آخر:

* وردي.. العملية.. البنج.. برزخ بين الحياة والموت!...

(مقاطعا): بالضبط!

* حسنا.. حدثنا هنا عن تجربتك الشخصية.. هل كنت خائفا؟

اطلاقا! لا. لا، لا لم أحسُ بالخوف (لا من قريب أو من بعيد) بالرغم أنني كنتُ ادركُ أن كل الذين كانوا حولي، كانوا خائفين!

* كيف أدركت ذلك؟

من عيونهم.. مما كنت أظنه كلاما ( تحت ..تحت) يدور بينهم.. من طريقة حديثهم التي كانت تحاول أن تخفف المسألة!

* وانت داخل العملية، في الرداء الأبيض، كيف كنت تنظرُ إلى هذا اللون؟

(يضحك): كنت أنظرُ إليه كما هو: سر جميع الألوان. كان يمثل لي كما كان أجمل ما في هذه الدنيا: الابتسامة!

*(أوكي.. أوكي) ماذا كنت تُردّد؟

بلسان الحال، كنتُ أردد- باستمرار- «قل لن يصيبنا إلا ما كتب اللهُ لنا».

* حسنا.. وبلسان المقال، ماذا كنت تُردد؟

كنت أقرأ في ديوان (أمتي) لمحمد المكي ابراهيم!

* بالمناسبة.. أين هو الآن.. ود المكي.. صاحب ( من غيرنا يعطي لهذا الشعب معنى أن يعيش وينتصر).. صاحب «قطار الغرب»؟!

(يضحك): هو كما نحن كلنا في الغرب شرق! هو كما تعرف يعيش الآن في اميركا.

* نعود للعملية ..من حديثك، فهمتُ أنك كنت ممتلئا بالتفاؤل؟

(هو كده)! كان يتملكني شعور غريب.. كانت تتملكني ثقة (ما تزعزعت في أي لحظة).. وهذه الثقة، لم أستمدها من شجاعة فردية، ذلك لأن العمر (ما ساهل).. إنما استمددتها من الناس.. السودانيين.. ودعواتهم وابتهالاتهم.. واستمددتها- أيضا- من العلم (الحمد للّه العلم ماشي)!
* حسنا يا وردي..أول ما فتحت.. ..؟

(مقاطعا): بالمناسبة، أنا فتحت بسرعة (خيالية).. وما هو غريب أنه لم يكن هنالك اثر كبير للبنج!
*أول من رأيت؟
الجراح (الرقيق جدا) دكتور الفاضل الملك.. كانت سنه بيضاء جدا، وهو في الرداء الا بيض.. كان (مبسوط)!

* هذه اللحظة يا وردي بالتحديد، تشبه أي أغنية من أغنياتك؟

(يبتسم) كانت تشبه أغنية جمال الدنيا.
و..أمسك العود.. (نقرش) عليه، ودندن أول مقطع من الاغنية: أمل بسَّام بيحدوني، جمال وكمال بيتجدَّد..آه!

* آهٍ.. بالمنابسة من شاعر هذه الأغنية؟

شاب نحيل اسمه كمال محيسي، توفي الله يرحمه في حادث حركة في دبي. بالمناسبة هذه هي الأغنية الوحيدة التي غنيتها لذلك الشاب النحيل.. وبالمناسبة أيضا، كانت هذه الأغنية أولى تجاربي في التلحين، و...

* (أضحك)! المناسبات كترت، ياوردي!

(يضحك): وبالمناسبة (كمان)، كنت قد جددتُ هذه الأغنية (موسيقيا) في العام 97 «ونزلت في سي دي وكاسيت».

* وبالمناسبة «كمان وكمان»؟

وبالمناسبة، سيد خليفة- أيضا- غنى لذلك الشاب النحيل أغنية واحدة أيضا.. أغنية «أيام معدودة»!

* وردي، نترك (مناسبات) جمال الدنيا، إلى مناسبة «يا شعبا تسامى.. يا هذا الهُمام.. تفج الدنيا ياما، وتطلع من زحاما زي بدر التمام؟».. أعرفُ أن هذه الأغنية (الوطنية) لمحجوب شريف.. وأعرف أنك نفضت عنها الغبار كنص، ولحنتها، بعد العاشرة من صباح الجمعة 18 يناير 1985 (الجمعة التي أعدم فيها الأستاذ محمود محمد طه؟).

ذلك صحيح. الأغنية (كان ليها زمن عندي)، لكن، حين هاتفني في القاهرة صديق من الخرطوم بعد العاشرة لينقل الي خبر اعدام الاستاذ قفز فجأة هذا النص إلى كياني كله وتنزل اللحن بتلقائية مخيفة.
يصمت ينكفىء بذاكرته إلى ذات يوم في القاهرة، قبل أن يعود للحديث من جديد:" في ذات الليلة كنت أنا، والعود، واللحن في دمي كله، والاخ فاروق أبوعيسى ودكتور أبو الحسن و.. غنيت .. الأغنية!

* هل كنت تعرفه ... الأستاذ محمود .. عن قرب؟

كيف ياخي؟! كانت تربطني به علاقة خاصة.. كان واسع الادراك، وسيع المعرفة بكل شيء حتى الموسيقى. كان يحدثني- علميا- عن الموسيقى، ومساهمة العرب في وضع أصولها قبل اليونانيين. كان يتحدث عن موسيقى الشعر، والالحان الصوفية، وكنت أحترم ذلك الرجل، واقرأ ما يكتب بانتظام وانتباه.
يصمت وردي، ثم ينفض عن ملامحه تراب حزن قديم، ويقول: "محمود رحل، ولم يكن مقتنعا بالمحكمة، ولا الأدلة، ولا الذين حاكموه . ولم يكن مقتنعا بقاتله. إنني أتأسف.. لو كان موجودا- الآن- لكان بالتأكيد قد أسهم بمعرفة حقيقية، في حلحلة قضايا السودان.

* وردي سلمنا الموسيقي خماسي، ونحن- تقريبا- الوحيدون بين العرب الذين نغني بهذا السلم.. تلك خاصية.. لكننا للأسف فشلنا في تفجير هذه الخاصية؟

ليس السلم الخماسي وحده.. نحن (لسه) لم نفجّر أي شيء! نحن مازلنا مجرد طاقة كامنة، والسبب عدم الاستقرار.
يصمت.. يرفع بينه وبين نفسه (فيتو) ضد حديثي عن عروبتنا .. قبل أن يرفع صوته:
- نحن أفارقة. نحن لنا ثقافة واحدة. نحن خليط من الثقافات النوبية والزنجية ثم العربية. العرب صحيح إنهم أثروا فينا لغويا، ودينيا، لكنهم- وهذا صحيح أيضا- لم يؤثروا فينا موسيقيا على الاطلاق.
يبلل صوته، بجرعة ماء..."و - إنني أقول إن أمة - مثل الأمة السودانية- صنعت آلاتها الوترية (الطنابير) وصنعت آلاتها الايقاعية (الدلوكة، والطبل، والشتم). وتوصلت إلى الايقاعات التي تحرك عصبه، ووجدانها، ليست محتاجة لسلم آخر. بعبارة أخرى، إنني أقول: موسيقانا ليست عربية، وهذا ليس نقصا ولا عيبا: الصين موسيقاها خماسية، وكذلك اليابان و..و.. في اعتقادي، أننا حين نستقر، ويتقبّل كل منا الآخر، سنتقدم بالسودان.. وستكون من أسباب هذا التقدم، هذه الخصوصية في الموسيقى.. هذا السلم الخماسي!

* حسنا وردي. أريدك- الآن- أن تقول لي، لماذا أمكننا أن نتمدّد غنائيا بسلمنا الخماسي، في شرق افريقيا، أكثر بكثير، من ان نتمدد في شمال افريقيا، وبيننا وبين مصر- تحديدا- تاريخ و(موية) و(دم) وجغرافيا ومصير مشترك، كما يقول الساسة؟!

الأسباب كثيرة: شرق إفريقيا كان دولة واحدة في مملكة كوش.. ثانيا اللغات القديمة متشابهة الملامح .. التقاطيع متشابهة .. ثم هنالك التقارب الروحي .. ووحدة النغمة والايقاعات و....
# (اوكي) حدثنا عن السلمين: الخماسي (بتاعنا) والسلم السباعي؟
- السلم السُباعي سُلم عالمي، حروفه الموسيقية «7» والخُماسي حروفه «5».السُباعي فيه (أرباع التون) والخُماسي (نص تون).. وباختصار يمكن القول إن الأشياء الدقيقة جدا، في ربع التون، ليست موجودة في حنجرة المغني الخُماسي.. كما أن الأشياء الدقيقة في السلم الخُماسي، صعبة جدا على حنجرة أي مغن عربي!

* وباختصار (تاني) يا وردي؟!

(يضحك): نحن آلتنا الموسيقية خُماسية .. اذن مركبات صوتنا مثل هذه الآلة.. مثل الايقاع .. بالمناسبة (مدائحنا)، وقراءتنا للقرآن كلها (خماسية).

* وردي .. اغنية "جميلة ومستحيلة" .. انت دائما زي سحابة الريح تعجّل بي رحيلا.. عيوني في الدمعات وحيلا.. أسمحيلا تشوف عيونك أسمحيلا.. هذه الأغنية، أعرفُ في من قيلت، كقصيدة.. وأنت طبعا، تعرف!
(يضحك) سأقول لك شيئا آخر: تلك التي قلت أنك تعرفها سرقت مني نص الأغنية، وأنا أضع بدايات اللحن!
* شيء غريب.. كيف حدث هذا.. بل أين؟
- كان ذلك في بيت خالد الكد، الله يرحمه.. كنا أنا، ومحجوب شريف، صاحب الأغنية، وهي، وآخرون.. وحين بدأت أدندن باللحن من الورقة.. اكتشفت أن القصيدة سُرقت.. لكننا تآمرنا عليها.. على السارق.. وسرقناها!

* وردي.. كيف يتنزل عليك اللحن؟!

سأقول لك شيئا مهما.. هذه المسألة ليس فيها (أي نوع من الوحي كما يقول بعض الملحنين).. المسألة بالنسبة للمغني، أو الملحن مسألة (حرفة) اذا ما أعجبك نص، فينبغي عليك أن (تفسره) لحنيا، بحرفية عالية!

* ما هي أكثرُ أغنية أتعبتك.. أتعبتك (لحنيا)؟!

من تجاربي الشخصية، خرجتُ بنتيجة واحدة: اللحن الذي يأتيك بسهولة، (دون معافرة) هو اللحن الناجح!

* وردي.. قل لنا- بصراحة شديدة: أين صوتك الآن؟!

موجود بكثرة! (يضحك).. إنني أغني في كل المقامات، التي بدأت بها! صوتي من فصيلة (تينور)، وهذه الفصيلة من الصوت، تكتسب مع الزمن، خبرات.. وبكثرة التنويع في الألحان، تكتسبُ قرارا سليما و(ما في حاجة تقول ديه ما بقدر عليها)!

* حسنا.. أين (الغنا) في السودان؟!

الغنا توقف! هذا الجيل الذي (يغني) الآن في السودان، لا يغني. إنه جيل بلا إضافة!

* انت هنا، تحكم على جيل بأكمله؟!

لا، لا.. هو الذي حكم على نفسه! إنني اتساءل باستمرار، بنوع من الرثاء: هؤلاء (المغنواتية) من الشباب، ما هي توجهاتهم.. إلى أين يريدون الوصول.. وكيف؟ وفيهم (الذي يعوج خشمو.. وفيهم الذي يعوج صوتو)!

* فيهم- ياوردي- من قلدك.. وفيهم من يقلدك!

ولو.. التقليد ليس أصالة.. ثم إن التقليد مشروع فاشل، ذلك لأن الحنجرة (زي البصمة).. ثم إن الحنجرة ذاتها، لا تكفي.. لا تكفي حتى ولو تشابهت مع حنجرة أخرى.. الفنان كيان.. ولا يمكن- اطلاقا- لفنان أن يتلبّس حد التماهي، كيان فنان آخر!

* قرأتُ لك، في حوار سابق (حديثا طيبا) عن أصوات غنائية، في الساحة السودانية اليوم؟

نعم هنالك أصوات، يمكن أن يكون لها مستقبل، اذا مشت في الطريق السليم.. وهذا الطريق يبدأ ب (القراية): القراءة الموسيقية، وينتهي بالبحث عن ملحن.. ملحن يعرف (قدر) صوتك. ليس من السهل اطلاقا للمغني أن يصبح (بتاع كلو)!

* لنسمي الأشياء بمسمياتها: سم لنا هذه الأصوات!.

لن أخصص، هذا لن يفيد كثيرا أو... قليلا!

* الآن أذهبُ بك إلى أميركا، حيث كنت لأربع سنوات: أكاد أقول إن الفنانين والعازفين الذين (شتتوا) إلى هناك يمكن أن يتطوروا كثيرا باختلاطهم مع الثقافة (الغنائية والموسيقية) في الدنيا الجديدة.. ماذا تقول أنت؟!

بالطبع، الاختلاط مفيد.. لكن للأسف أولئك لن يتطوروا لسبب واحد: إنهم لا يستطيعون أن يحترفوا الفن. الفن يحتاج لتفرغ، وتمارين يومية، وهذا صعب جدا للذين يبحثون عن لقمة (الهامبيرغر) بالعمل في (السكيورتي) أو مكاتب الطيران أو.. إنني أشعر بحسرة.. وبأسف كثير.. كان يمكن لهؤلاء اذا ما كانوا في السودان أن يتطوروا أكثر، ويطوروا الغناء والمزيكا، خاصة ومعظمهم خريجون من معهد الموسيقى وذوو تجارب!

* أعود بك للدوحة التي جف فيها- إلى الأبد- صوت مصطفى سيد احمد.. كيف تنظر إلى (تجربته) التي التف حولها جيل بأكمله؟

مصطفى كان صديقي.. وكان متفردا، وكان مخلصا لفنه.. وكان له أسلوبه الغنائي.. وكان غزير الانتاج، وهذا أدى إلى تشابه في الكثير من ألحانه. (يصمت قليلا قبل أن يسترسل) : مصطفى لم يجىء من العدم. هو نبت من الموجود.. امتداد لمدرسة التقدم في السودان.. مصطفى عشق الناس، والمستقبل، فعشقه الناس.. وعشقه المستقبل!

* وردي.. أنت (كمية) من المحطات الغنائية، خلال تاريخك الفني.

(مقاطعا) : وهذه المحطات صنعتها وصنعتني : أنا محطات (لو بهمسة) و«الطير المهاجر»، و«الاكتوبريات» ثم «المرحلة الرمزية»مرحلة محجوب شريف، والتجاني سعيد وعلي عبدالقيوم والدوش ثم مرحلة الانتفاضة والتي أعقبها (الشتات) من "الناس ديل"!

* أسمح لي أن أعود بك- مرة أخرى- إلى صوتك .. هل بامكانك- الآن- أن تغني الاغنية الصعبة جدا (وردة صبية)؟!

(اشمعنا؟!)

* لانها- في ظني- اغنية متعبة جدا للصوت: لصوت مغن في السبعين!

(شوف) .. الفنان الذي يتعب فيه الصوت، هو فنان (ماعندو معرفة). الصوت البشري له مقامات، في كل مرحلة عمرية .. و(الشاطر) هو الذي يعرف مقام صوته، في كل مرحلة، ويعرف تمام المعرفة، آلته اللحنية و... حين تكتمل هذه المعرفة، يمكن أن يجد صوته، في مكان ما، حتى وهو في.. في أرذل العمر!

* وردي .. دعني أقول لك شيئا قد يهمك كثيرا..!
قل .. قل!
* الزمن يعاملك .. يعامل صوتك، بحنية.. قل لنا السر حتى.. حتى ولو بالرطانة، لكي لا يشيع، ولا يفهمه غير المحس والحلفاويين؟!

«يضحك».. والله يمكن يكون السر، في حب الحياة، وحب السودان.. وهذا الحب الاخير، هو نوع من الحب المتعب جدا، والمريح في ذات الوقت: تخيل أن تحب وطنا بمساحة مليون مليون.. وطنا مختلف الألسن، والأشكال، والأعراق، والديانات، والأمزجة، والولاءات!

* و ماذا أعطاك هذا الحب الاخير؟!

أعطاني حب الناس.. وحب الناس ما كان يمكن أن يجيء، إذا لم يعطني حب السودان، تمام القدرة على الغناء بصدق.. لو ما في حب حقيقي للأرض والانسان، وفي المقابل، لو ما في حب حقيقي لك، من هذه الأرض والانسان، لا يمكن اطلاقا أن تغني صاح.. بل لا يمكن أن تعيش، وتحيا صاح!

* وردي.. «إنت صاح»! .. هكذا قلت له..

ابتسم يقول: وإنت ما غلطان!
و...أامسك العود، وارتفع صوته يغني مقطعا من «وردة صبية»: بخط اسمك على باب الزمان اكليل.. وردة صبية تلمع فوق صدير النيل.. ونادي عليك ملاذا من شتاء الايام، وبردا في الحياة، وسلام.. وفي شدة هجير وزحام.. جزيرة حنينة، بين نهرين حنان، ألقاك.. عليك اتلم.. وهودج في صحاري الهم!
و.. و.. أنا أضع، كياني كله، في مقام صوت وردي «الشاطر» حتى وهو فوق السبعين، ضاعت مني بقية الاسئلة.. ضاعت، غير آسف على شبابها، وعلى شبابي و.. وضعتُ.. ضعتُ كلي في المقام العجيب!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.