كلام الناس * كنا في طريقنا الي كرمة صباح السبت الماضي عندما حالت الظروف الجوية دون مغادرتنا مطار الخرطوم لأعود الى (السوداني) لمباشرة عملي كالمعتاد، وقتها لم اكن اعلم أن الأرادة الالهية ارادت الا اكون بعيدا حتى اتمكن من مغادرة الخرطوم بعد ساعات ولكن الى بورتسودان. * لم امكث في المكتب سوى بضع ساعات حتى فوجئت بأبنه هشام يبلغني برحيله صباح ذلك اليوم في صمت وبلا مقدمات كدأبه وهو بكامل حيويته وإبداعه، لا تكاد تحس بوجوده رغم حضوره الجميل، حتي حينما يكون قريباً من دولة الصحف وأجهزة الاعلام بالخرطوم. * كان منذ أن تفتح وعيه في عطبرة يتميز عنا بموهبته التي اكتشفها وشجعها أساتذته في المرحلة الأعدادية - هكذا كانت تسمى المرحلة الابتدائية القديمة في نظام التعليم في المدارس التي كانت تتبع للبعثة التعليمية المصرية في السودان - وشق طريقه بموهبته وبإرادته وصبره حتى أصبح ملء السمع والأبصار. * تنقل - كما تنقلنا مع الوالد من عطبرة الى بورتسودان ثم الخرطوم - ولكنه إختار أن يبقي في حورية البحر الاحمر، بعيداً عن الطاحونة البشريه رغم اضوائها الاعلامية والصحفية، ولكنه كان مشاركاً نشطاً في المعارض الداخلية والخارجية. * لم يحترف الفن التشكيلي الذي يبرع في كثير من أنماطه الابداعية، وإنما اختارمهنه التصوير الفوتغرافي التي ساعدت في صقل موهبته البصرية وأضافت لقدراته التشكيلية، وظل يمارس هواياته في الرسم والنحت حتى عندما التحق بالخطوط البحرية السودانية، وظل قابضاً على ريشته حتى لحظات حياته الأخيرة في هذه الدنيا الفانية. * كانت لوحاته قد سبقته الى الصحافة المحلية والعربية خاصة في مجلة صباح الخير المصرية، ولكنه ظل وفياً للشرق عامه والبحر الأحمر خاصه، وأصبح سفيرا للشرق في مجال الفن التشكيلي ورمزا من رموزه في المعارض التي تشارك فيها ولاية البحر الأحمر. * ساهم في الحفاظ على تراث الشرق الفني وتجسيده في كثير من أعماله التي زانت مدينة بورتسودان وكان حضوراً جميلاً في مهرجانات البحر الأحمر للسياحة والتسوق حتى المهرجان الأخير الذي أختتم أعماله قبل رحيله المفاجئ عن دنيانا الفانية بأيام معدودات. * أنه هرم الفن التشكيلي في الشرق أبوالحسن مدني الذي ودعنا بعيداً عن الأضواء التي لم يسع اليها في حياته، ولكنها ظلت مضيئة من أنوار سيرته الطيبه وأعماله الخالدة حتى بعد رحيله المفاجئ لذلك اجتمعت افئدة الناس من كل حدب وصوب ومن كل ألوان الطيف السوداني الجامع حتى تودعه بكل الحب الذي حرص على تجسيده في حياته وأعماله. * نحن لا نودعك أيها الهرم التشكيلي الجميل لأننا نعلم وانت بين يدي الرحمن الرحيم أن ساعاتنا في الدنيا ليست سوى محطة عابرة نلتقي بعدها جميعا في رحاب المبدع الذي ليس كمثله شئ وكلنا نرجوا رضاه ورحمته التي وسعت كل شئ * انا لله وانا اليه راجعون