موضوع الساحة الصحفية هذه الايام هو الفساد , تناولته الكثير من الاقلام بنفس الطريقة الروتينية التى يرددها الناس منذ زمن ليس بالقصير , منذ ان طرق وزير المالية الاسبق تاج السر فى البرلمان مطلع القرن الحالى قضية الشركات والمنظمات الحكومية المعفاة من الجمارك , منذ تلك الايام لم تأخذ السلطات امر محاربة الفساد بجدية لان المفسدون كانوا اوليائها بل وما زالوا , لقد نمى وترعرع الفاسدون فى ظل هذا النظام ايما نمو , لقد نبتت مجموعات طفيلية لا تعرف لطريق الحلال دليلاً , و اصبح المجتمع السودانى يمجد الشخص الذى تظهر عليه علامات الكسب السريع و يقدمه اجتماعياً على انه من الناجحين و العصاميين الذين بنوا حياتهم بالاعتماد على انفسهم و بمثابرتهم وكدهم وجهدهم الشخصى , هذه ليست من اخلاقنا لم يكن فى يوم من الايام آكل مال السحت شيئاً مذكورا , لقد ارست هذه الجماعة الاسلامية دعامات لنواة مجتمع منقلبة قيمه رأساً على عقب , الشارع اصبح لا يأبه لمظاهر الانحراف أياً كان نوعه , الكل اصبح مباركاً و متقبلاً للخطأ و مؤكداً له و مثبطاً لهمة من بقلبه اضعف الايمان وله نية فى تغيير الحال المائل ,أن القيم النبيلة لا تبلى ولا تنتهى سيظل الصدق قيمة جميلة لها وقعها واثرها الفاعل فى من لمسها فى تعاملاته مع الاخرين , وكذلك الامانة كانت وما زالت وستظل هى الضامن الاوحد لمجتمع الطهر والعفاف و النزاهة , لقد تعلمنا اول ما تعلمناه فى حصة الدين ايام المرحلة الابتدائية أن ايمان المرأ لا يكتمل ان هو لم يؤمن بالله واليوم الاخر و االقدر خيره وشره و الكتب السماوية والانبياء والرسل , وفى الايمان باليوم الاخر لعبرة كبيرة لمن يريد ان يعتبر , اذا كان الفاسدون يؤمنون بيوم الحساب لما ارتكبوا المخالفات المالية والاخلاقية , لا يمكن لمن هو موقن بانه سوف يحاسب ولو بعد حين ان يثقل كاهله بدين عظيم تنوء بحمله الجبال , يقول سبحانه وتعالى :(الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور) صدق الله العظيم .لنقف عند هذه الآية الكريمة وفى آخرها (ولله عاقبة الامور) فعاقبة امر الحاكم ان اراد ان يقابل وجه ربه بقلب سليم ان يؤتى الزكاة الى من يستحقها من الاصناف الثمانية المذكورة فى الاية الكريمة :( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ) صدق سبحانه وتعالى , و على ولى امر الناس ان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر والمنكر هنا ليس محصوراً فقط فى زى النساء الفاضح وانما من اكبر المنكرات هو اكل اموال الناس بالباطل وتجويع وافقار الناس لدرجة تصل الى حرمان الاف تلاميذ مرحلة الاساس من وجبة الافطار داخل سور العاصمة الوطنية للبلاد. الفساد ليس طاعوناً يأتى بغتةً ليفاجئ الناس و ليس وباءً يسلطه الله على خلقه جزافاً هكذا , الفساد هو سلوك وثقافة ومفاهيم تزدهر فى البيئة التى تحتفى بها و تفتح لها قنوات الاسترسال و التمدد فى المجتمع واجهزة الدولة , والفساد عندما يستشرى فى جسد الامة يصبح كالخلايا السرطانية لا فكاك منه الا ببتر الجزء الذى اصابه من الجسم و هذا البتر احياناً لا يجدى اذا تخلفت خلية سرطانية واحدة واندست فى الجزء الآخر المعافى من الجسد , لقد تشعبت مفاهيم ومصطلحات الفساد المالى وتداخلت ما بين الساسة و تجار السوق ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر مصطلحى (ماسورة)و(جوكى) وهما مصطلحان يستخدمهما ويتعامل معهما الاقتصادى الضليع وكذلك السمسار البسيط فى السوق , وكلا المصطلحان يكرسان ويمجدان الكسب الغير مشروع و يشجعان على تجاوز كل القيم والمثل فى سبيل الحصول على المال , هذه المفاهيم تربى عليها جيلين من ابنائنا واخواننا الصغار و اصبحت ملموسة و ملاحظة فى البيت والسوق معاً و لمحاربة هذا السلوك وهذه المفردات الغريبة على عقول صغارنا على ولى امر الناس ان ينظر حوله و يبدأ بدائرته المقربة اليه من زملاء وأهل و يستذكر القصيدة العصماء التى أقرضها فى حقه الراحل فراج الطيب حين عقد المقارنة والمشابهة بينه وبين امير المؤمنين عمر بن الخطاب الذى عندما بدأ يخطب فى الناس فى يوم الجمعة قاطعه احد الصحابة وقال له لا سمعاً ولا طاعةً يا امير المؤمنين وبعد ان سأله ما السبب لفت انتباه سيدنا عمر الذى كان يرتدى ازارين بدلاً من ازار واحد وكانت العدالة تقتضى ان يعطى كل فرد ازار واحد من بيت مال المسلمين فما كان من مخرج لامير المؤمنين الا ان بين ووضح بأن الازار الآخر اعطاه له ابنه وذلك لطول قامة سيدنا عمر بن الخطاب وحاجته لأزارين كى يكمل لباسه , فما دمنا نقتدى بدولة الخلافة الراشدة ونطالب بتحكيم الدستور الاسلامى هذه هى استحقاقات الدستور و الدولة الاسلامية , نحن المسلمون تاريخنا ناصع البياض فى احقاق العدالة و انجاز المحاسبة و القضاء على الظلم و اغاثة الملهوف و اكرام المرأة , لكن ما نشاهده اليوم لا يمت الى تاريخنا وأرثنا بصلة , سحب الظلم الكثيفة غطت على كلمات وبصيص الحق الذى ينطق به هنا وهناك , واصبحت المحاسبة تودى الى هلاك من يطالب بها , و المرأة صارت متسولة ومدودة يدها طالبة الاغاثة و بعضهن ذهبن الى ابعد من مجرد مد اليد الى المتاجرة بأجسادهن فى أسواق الرق والاستغلال الجنسى فى كل من القاهرة و دبى و دمشق , أن الشعارات التى رفعت من اجل تمكين شرع الله و محاربة الذين يحاربون الله ورسوله لا يمكن بأى حال من الاحوال ان يحملها رجل جائع او امرأة مهانة او طفل حرم من وجبة الافطار . اسماعيل عبد الله [email protected]