في المؤتمر التنشيطي للمؤتمر الوطني بولاية جنوب كردفان في نوفمبر الماضي, أرسل الدكتور نافع علي نافع مساعد رئيس الجمهورية رسالة تحدي لأحزاب تحالف كودا ( بأن كادقلي ستظل عصية عليهم, و لن تتحقق أحلامهم لإسقاط النظام في الخرطوم, و أضاف قائلا, لقد ولي زمن الحوار, و أننا سوف نتحاور معهم بالطريقة التي يفهموها) رغم أن الدكتور نافع هو و بذات منصبه الحالي ذهب إلي أديس أبابا و وقع معهم اتفاقا لوقف الحرب, و جاء الرئيس و نقض الاتفاق, و كان المتوقع في ذلك الوقت أن رجل, و الذي يعد نفسه من القيادات السياسية, أن يقدم استقالته, و يفسح المجال لآخرين, يريدون السير في اتجاه مضاد للاتفاقية, و لكن ذلك لم يحدث بسبب يعود لشئ في تركيبة الشخصية نفسها, و عندما قامت الجبهة الثورية بعمليتها العسكرية في بحيرة الأبيض, بدأ الحديث أن دولة جنوب السودان, بأنها قد دعمت التمرد و تقف من خلفه, و قدمت شكاوي إلي مجلس الأمن ضد دولة جنوب السودان, و نسيت قيادات الإنقاذ, أن عدوك يستفيد من كل من يخالفك و يعاديك, و يسعي في كل اتجاه لإيجاد الدعم و السند, و استخدام كل ما هو متاح له من الجوار و من المجتمعين الإقليمي و الدولي, ففي الحرب لا تستطيع أن تحدد لعدوك خياراته, و كل ذلك سوف يكون خصما علي المواطن الذي سوف يدفع ثمن الحرب. و معروف لكل سياسي, و لكل عسكري, و لأي خبير في الشؤون العسكرية و الإستراتيجية, إن أية عمل عسكري ضد السلطة الحاكمة, يحتاج إلي دعم لوجيستي من الخارج, باعتبار أن العمل العسكري يحتاج منطقة ينتقل منها و يتدرب عليها, و في ذات الوقت يحتاج إلي أمداد متواصل, و لكن قيادات الإنقاذ تجاهلت ذلك, و رفعت لواء التحدي و السير في العمل العسكري كحل وحيد للمشكلة, و ظل السيد رئيس الجمهورية في المنابر يرفع راية التحدي و السير في طريق الحرب, رغم تعدد الأصوات التي تنادي بحل المشكلة سلميا و علي مائدة التفاوض, و لكن تتجاهل السلطة تلك الأصوات و تعتبرها تخاذلا و خيانة للوطن و إحباط للروح المعنوية للمقاتلين, رغم معرفة قيادات الإنقاذ أن القوات المسلحة مهما كانت قوتها و جبروتها, لا تستطيع أن تنتصر في حرب عصابات,و حرب الجنوب تعتبر دليل علي ذلك و في الفترتين " 1955- 1972 –1983- 2005 " لم تستطيع القوات المسلحة هزيمتها و القضاء عليها, و لكن وقفت الحرب عبر الحوار في مائدة التفاوض, عام 1972 في أديس أبابا, و لم يفرط المفاوض في ذلك الوقت علي الجنوب, باعتبار أنهم كانوا من الحكمة و الذكاء الذي حصن البلاد من دعوة الانفصال, ثم في نيفاشا عام 2005 و الذي قادته الإنقاذ, و لكن كان المحاور يختلف عن سابقه, الأمر الذي أدي إلي انفصال الجنوب, و أصبح التفريط تاريخيا معلقا في رقبة الإنقاذ, و عار لا يستطيع مفاوض الإنقاذ أن يتحلل منه. و الآن بدأ يتشكل جنوب أخر يختلف عنه سابقه, في كل شيء, و لكن لم تتعظ الإنقاذ بتجارب الماضي, و تحاول معالجة القضية بذات المنهج السابق, هو التصعيد و التعبئة و الحشد, أي أنها تريد أن تحل المشكلة عسكريا. حيث وجه الرئيس البشير في كلمته يوم السبت 3 مارس 2012 في إستاد الخرطوم في حفل قوات الدفاع الشعبي وجه ( بفتح معسكرات الدفاع الشعبي, و توعد متمردي الحركة الشعبية بما سماها المعركة النهائية في كاودا, و أضاف, إن البلاد علي استعداد لتقديم 18 ألف شهيد في الحرب مع الحركة الشعبية ) أن حديث الرئيس يسير في اتجاه التصعيد, و هو رجل عسكري و يعلم تماما أن حرب العصابة لا تهزم, و قد فشلت أكبر قوة عسكرية في العالم بكل جبروتها و إمكانياتها الاقتصادية و العسكرية أن تقضي علي حرب العصابات, في كل من العراق و أفغانستان, و أيضا, تجربة القوات المسلحة مع الحركة الشعبية و أنيانيا, و لكن حديث التصعيد, ربما الهدف منه الاستمرار في الحرب لإشغال الجماهير عن قضايا التردي الاقتصادي و سؤ الخدمات, و حالة الفقر التي يعاني منها السواد الأعظم من السودانيين, ما عدا قيادات الإنقاذ و الذين عطنوا في الفساد. أن الخطب الحماسية و الانفعال أمام الجماهير و المؤيدين لا تحل القضايا, فالرئيس من قبل طلب من المعارضة حمل السلاح إذا أرادت السلطة, و حملت السلاح الذي انتشر في كل أقاليم السودان, فماذا كسبت الإنقاذ من دعوة الرئيس تلك غير الدمار, و راحت أروح مئات الآلاف من شباب الوطن, كان يمكن الاستفادة منهم في عملية البناء و السلام, و رغم التضحيات لم تستطيع الإنقاذ الحفاظ علي وحدة الوطن, والآن يرجع الرئيس لذات الخطابات الحماسية, لكي يزهق أرواح مئات الآلاف من أبناء الوطن, في حرب يمكن إذا استعمل العقل أن تحل مشكلتها عبر التفاوض و الحوار الوطني, و لكن قيادات الإنقاذ لا ترغب في ذلك. أصبحت الحروب في السودان حروبا عبثية, لا نهاية لها و كل ما تتوقف واحدة تنفجر أخرى في منطقة أخري, دون أن يكون هناك أملا للسلام و الاستقرار الاجتماعي, و كتبت علي أجيال السودان أن تستنزف طاقاتها و تزهق أرواحها, في حروب لا يعلم أحد متى و كيف تنتهي, و يغيب العقل و الحكمة عن الناس, و يصبح قرع طبول الحرب هو الصوت المسموع و السلعة الرائجة, و تعلم الحركات إنها لا تستطيع أن تهزم القوات المسلحة, و تعلم قيادات القوات المسلحة أنهم غير قادرين علي إنهاء حرب العصابات, فكان من الأجدى الرجوع لصوت العقل, و البدا في عملية التفاوض و الحوار. و أيضا كما هو معروف لخبراء العمل العسكري, أن مثل هذه الحروب التي تنهك مقدرات القوات المسلحة و طاقاتها, لا تجد أمامها إلا خيارين لا ثالث لهما, أما أن تقبل الاستمرار في حرب هي تعلم سوف تستنزفها و تضعف مقدراتها, أو أنها هي نفسها تقوم بعملية تغيير في المسرح السياسي, يؤدي إلي وسائل بديلة تساعد علي عملية وقف الحروب في البلاد, باعتبار في مثل هذه الحروب أن المواطنين و جنود القوات المسلحة هم الذين يدفعون ضريبتها لوحدهم, ثم تنعم القيادات بالرخاء و الغنائم, و هي متربعة علي مكاتب مكيفة, و عيش رغد رطب, لا تعاني فيه من فاقة, و من هناك تدعو إلي استمرار الحرب, التي تنهك اقتصاد البلاد و تضيع شبابها, و حيث أن الحرب توقف كل عمليات التنمية و البناء في البلا, و تستنزف كل اقتصاد البلاد. كنت أعتقد بعد انفصال الجنوب, أن تتعظ قيادات الإنقاذ بالتكلفة الكبيرة التي دفعها الوطن بضياع ثلثه و نصف خيراته, و يبقي الحوار هو الوسيلة الوحيدة التي تعتمدها قيادات الإنقاذ لحل المشاكل, و لكن لم يتعظ القوم بذلك, و دعوة الرئيس تؤكد أن قرع طبول الحرب هي اللغة الوحيدة التي تريد الإنقاذ بها حل المشاكل, و لا ترغب أن تسهم النخب السودانية و القوي السياسية الأخرى في الحل بل تعتقد أن المؤتمر الوطني قد ورث السودان و من عليها و عليه وحده عملية الحل و العقد و هذه كارثة علي الوطن و الشعب السوداني و نسال الله أن يجنب الشعب شرورها و نسأله التوفيق.