الذي جعل من بابكر ( اب ضهير ) مميزا عن ساكني القريه الضخمه التي تتمتد بيوتاتها الطينيه وشبه الطينيه علي رقعه عريضه من الارض المنبسطه وسط بعض الترع يحيثت تنحدر تدريجيا نحو الجنوب الشرقي حتي ان الموجود في اقصي شمال القريه يمكنه ان يشاهد اسقف بعض الغرف الطينيه
في اطراف القريه جنوبا شذوذ سلوكه عن الكثيرين الذين يقاربونه في السن
فهو رجل لم يمارس الزراعه قط كما أنه درج علي بعض العادات التي ينفر منها من هم في مثل سنه اذ يرتدي ( عراقي ) خفيف وسروال لايصل حتي ( مركوبه )
الجلدي الذي يبدو جديدا في غالب الاحيان حاسر الرأس تاركا بعض الشعر الاشيب علي جوانب راسه حانيا ظهره مطرقا عاقدا يديه خلف ظهره
ويجوس في طرقات القريه ثم ان بابكر ( اب ضهير ) يعيش وحيدا منذ ان عرفه جل سكان القريه
والكثير من الاقوال تتناقل بين سكان القريه عن هذا الامر اذ يتحدثون عن ان اسرته تفرقت في زمن بعيد نحو المدن
لكنه اصر علي البقاء وقطع اي علاقه بهم بعد انفصاله من زوجته التي رافقت ابنائه الذكور واستقرت معهم في مدينه بعيده
لم يري احدا من سكان القريه بابكر ( اب ضهير ) في مناسبات الافراح ولكنه قد يحضر لبعض المآتم يعزي اهل الميت واقفا
ثم يخرج من السرادق لايلوي علي شئ ولايعود لمكان المأتم مره ثانيه
كما انه لا يخرج من القريه الي اي جهه اخري الا عندما يسافر الي سوق مدينه قريبه ليغذي متجره
ببعض التوابل واشياء اخري تميزه عن بقية تجار السوق الصغير ببيعها
لايمارس بابكر ( اب ضهير ) اي نشاط ولايذهب الي النادي كما يفعل معظم التجار
ولكنه عصرا يأتي الي الظل الامامي للسوق عندما تتقدم الشمس وتبدا في التباعد خلف السوق
حيث محبي لعب ( السيجه ) يمارس لعبة ( السيجه ) بشغف واضح اذ يمازح البعض
وينتهر اخرين اثناء سير اللعب الحماسي ولكنه مع المغرب ينهض ولايراه احد مره اخري
الا في صباح اليوم التالي في متجره
ورغم ان ( اب ضهير ) رجل متقدم في السن الا ان جيرانه يشتكون بين الحين والآخر من ضجيج يصدر من غرف بيته الطينيه
عندما يتقدم الليل وان الكثير من الاضواء تتحرك داخل الغرف التي تظل ساكنه طوال النهار
هذا الامر جعل من ( اب ضهير ) لغزا الكثيرين صاروا يخشوا الاقتراب منه
بل ان بعضهم قاطع متجره تماما
سرت الاشاعات في كل القريه ان الرجل الاشيب النحيف متزوج من الجن
بعض جيرانه نزحوا الي جانب اخر من القريه وظلت بيوتهم خاويه مغلقه خوفا من ان يمتد اليهم نفوذ الجن
في الليل يظل الشارع الملتوي الذي يقع عليه منزل (اب ضهير ) مقفرا يتجنبه الماره
بعض شباب القريه كانوا يراقبون الرجل من بعيد دون ان يحس
ومع انهم ولفتره طويله لم يمتلكوا الجرأه علي الاقتراب من بيت (اب ضهير ) ليلا
الا انهم نهارا واثناء تواجد الرجل بالسوق قفزوا عبر جدار الحوش الطيني
الي داخل المنزل وجاسوا بين الغرف يبحثون عن اي امر غريب يفسر احاديث الناس عن الرجل
ولكنهم لم يعثروا علي اي شئ يطفئ فضولهم عدا ان بيت الرجل لايشبه بيت رجل وحيد
اذ ان البيت نظيفا مرتبا وعندما تحدثوا لبعض نساء القريه عن هذا الامر تبسمن ابتسامات ذات مغزي
في اشاره الي ان هذا دليل قاطع علي علاقة الرجل بالجن
ظل الامر هكذا حتي جاء النورالكّناس احد كهول المنطقه ذات ليل ودون قصد منه الي الشارع
الذي يتجنبه الجميع ليلا اذ انه كان ثملا
وبالقرب من منزل ( اب ضهير ) اكتشف الخطأ الذي ارتكبه ولكن بعد فوات الاوان صوت يشبه الهمهمه متواصل يصدر من احدي الغرف كما رأي ضوء في غرفه اخري
انتابه فضول حارق رغم انه كان يرتعد ولكنه تغلب علي خوفه وتقدم نحو كوه مطله علي الشارع
نظر الي الداخل والمتحدث في الداخل صوته صار اكثر وضوحا
اب ضهير كان جالسا في ركن الغرفه قبالة حائط اخر وكان يبدو انه يتحدث الي شخص آخر لايراه النور الكّناس
كان يبدو منهمكا
كان يقول وفي صوته بعض الرجاء
- لماذا تطيلين فترة غيابك الا تعرفين اني انتظرك بفارق صبر
جاءه الرد من صوت يعرفه النور الكنّاس حق المعرفه
- انتظرت طويلا بأن تتقدم لوالدي لكنك لم تفعل انت لاتجيد سوي الكذب
-لم يحن الوقت بعد يجب ان اتحدث الي ابنائي اولا
- ابنائك واين هم ابنائك منذ ان عرفتك لم اري احدهم يسأل عنك
تحرك النور الي زاوية الكوه حتي يستطيع رؤية انتصار ابنة شيخ القريه الفتاة التي رفضت الزواج من الكثيرين في الفتره الاخيره
مما كان يثير الكثير من اللغط لتقدمها في السن دون زواج