[email protected] القصة : فإذا كان أول الخريف و حبُلَتْ السماء الإستوائية و أبرقت , قال أبي : ( إصعدْ إلى أعلى البيت فنظف سطحه ) . حيّنا من على سطح الدار : طازجٌ و جديد . و كان سوط المطر قوساً لوناً من أول السماء لآخرها . قالت أمي بأن ( ميكائيل الملاك , وكيل المطر ) يهشُ بالسوط الكبير الملوَّن على قطعان السحابات و يقودها حتى لتصل إلى الحجاز , حتى لبيتها النبوي . و كنت استأنس بالصورة التي صنعتها طفولتي للنبيّ : كحيل العينين واسعها ، طيب القسمات ، أبيض العُمامة ، حنوناً . و كيف أن بيته مثله : طيباً .. بشرفاتٍ واسعات و باحةٍ مقشوشةٍ مرشوشة . .... أظل طوال الظهيرة أرقب من فوق سطح الدار لسوط المطر يتنقل فوق لوحة السموات داكنة الزرقة موارة في عنفوان حراكها ، و السحابات الثقيلات تزحفن من حولي , يسوقها ميكائيل إلى حيث مزودها الحجازي . فأحب ميكاييل يفعل ذلك ، و أحبه أكثر عند مناجاة جدتي له : ( يا وكيل الرعد ) . فيُحييّها مُرزماً بفرقعة سوطه علي ظهور الغيمات ( تماماً مثلما يفعل سائقو الشاحنات حين يعبرون حيّنا , فتصيح جمهرتنا الطفولية : زمّر .. زمّر ، فيردون تحيتنا بأحسن منها : زمورٌ طويل متقطع ، و يبتسمون ) . فإذا ما شحّ المطر و أبي انهمارا و اكتفي ب ( شكشاكةٍ ) مِغناجٍ , نادت عليه جدتي : ( كيل يا ميكائيل بالربع الكبير ) . فيكيل لها ، و لها يثقب السموات يفجرها ماءا . تفعل جدتي ذلك و على الرأس الأشيب الجليل طرحتها التي ما فارقته ، و عيناها من خلف عدستيها السميكات معلقتين بالسماء ذات البلل . فتتطاول عندي قدرات جدتي الكثيرات ، و أعلاها : الإتيان بما لايستطيعه الناس . كيف لا و قد استجاب لها ميكاييل - ذلك الذي يسوق قطعان الغيم إلى بيت النبي - . و قد كان لجدي قدرات هو الآخر .. لكنها ما كانت لتقارع بركات جدتي . فقد كان مدخناً للسجائر ( الشامبيون ) ، و لذلك ضعُفت بركاته - تقول جدتي - . قالت بأن " شراب السجاير " يطرد الملائكة من البيت ، و تتعفن روح مدخنها في جوفه . إلا أن جدي ظل يدخنها .. ثم يفعل ما لا يفعله غيره من رجال الحي : فوق الثمانين كان , و بعدُ يقرأ الصحيفة بعينين مجردتين ، يدخن الشامبيون ، يسير راجلاً من بيتنا إلى حيثُ يعمل حارساً في المصانع البعيدة أقصى طرف المدينة الشمالي .. و يعود راجلاً . و له فقط تستجيب الغنيمات حين يأتي لها بالبرسيم فيناديها و هو عند باب الدار : تعالي .. تعالي ، فتجيئه هرولةً و هي تُمأميء خافتاً . و لجدي فقط تستجيب صغار النخلات المتيبسة المفصودة شتولاً من أمها ، ليغرسها في جوف التربة فتخضر في يومها التالي . و وحده من يذبح البهيمة في سرعة غريبة و يسلخها دون نفخٍ ثم يأكل من تمرة كبدها و هي معلقة ما تزال في دمها الحار الرعّاف . و كان يعرف عن الغنيمات الحوامل : بكم بطنٍ هي حُبلى , و علي يديه كُنّ تلدن ، مخرجٌ وحده مواليد الأجِنّة من بين فرثٍ و دمٍ و فضلات أخرى كثيرات . جدي وحده كان ينفخ علي أنف الحملان الوليدة حتى لتثغو عالياً .. حتى لتتقافز ( دغوراً ) . و لجدي كانت تدرّ الغنمات حليباً كثيرا ما كان لغيره أن ينال . و لم يتغلب على جدي رجل من الحي في لعبة " السيجة " عصراً في ركن أولاد عبدالرازق . ثم أنه ظل يزدرد الشطة الحارة بأكثر مما يغمس اللقمة في الإدام .. و بقي كذلك يفعل حتى رحل . .... الصبية من عمري كانوا مثلي - أيضاً - فوق أسطح دورهم . ترفعنا الأمطار المرهصة بالإنهمار ، و نتوحد في البيوت اللبِنَة الملتصقات إلى بعضها كما المستجيرات بوحدة بؤسها . طوال الوقت من بعد الظهيرة كنا مرتفعين هناك .. ننادي بعضنا .. و نتحدث بأصواتنا العاليات مشحونة بالشيء الغامض الذي يجيء به المطر . حيّنا من " فوق " ليس هو الحي الذي نعرف .. كان شيئاً فريداً من هنا . طلبتُ كثيراً من ميكائيل أن يصعِّدني لفوق ظهر سوطه الكبير . قالت جدتي أن : ( الله فوق .. في السما ) . سطح ديواننا هو الأعلى في الحي المقام على التراب و منه استقام سكناً , فأنا الآن في علوٍ عالٍ و أقرب ما أكون إلى الله ، و موقنٌ كنت بأن دعواتي له و ميكائيل لهي لا محالة مجابة . لكن ميكائيلاً تأبّى عليَّ .. على يقيني بأن الله قد لبى لي و له أوحى بأن يرفعني إلى فوق ظهر السوط الكبير الملوّن . فأساعد ميكائيل في الهشّ و السياقة للغيمات الجوامح الحُبلى بالمطر ، ( نسعاها ) حتى مزودها الحجازي . .... قالت جدتي بأن ( الله يسمع دُعاء الجُهَال ) . و قد ظللنا عندها - أنا و إخوتي - ( الشُفّع و الجُهال ) , حتى كان يوماً رمقتني فيه طويلاً من وراء عدستيها الطيبتين و غمزتني قائلة : ( أنت يا ولد !! , ما جعل وجهك يمتليء بالحَبّ هكذا ؟ أظنك عاشقا .. آآآ ؟؟ ) . جدتي عرفت بأمر البنت - تلك التي أقلقني أنها تسكنني ليل نهار - و عرفت بلاشكّ بأني أحلم بها كثيرا في كل ليلةٍ ، لأصحو خجِلاً من أحلاميَ الملتهبات بها .. فألملم من حولي ثوبي و الملاءة المبتلة من شهوتي الليلية . توقَفَتْ من يومها جدتي عن تسميتي بالولد الشافع . جدتي تعرف كل شيء . و تصادق ميكاييل وكيل الرعد و المطر . و تعرف لله مكاناً لا يعرفه إلاّها . و قد كانت غرف دارنا ثلاثْ . أعلاها ( الديوان ) بمصارف ماءه الأربع . فتخِذته برجاً عالياً أناجي فيه ميكاييل كلما قطيع غيماته التأمَ ، و أرقب لوحة السماء من علوّ برجيَ الطيني و هي تتخلّق . أناجي ميكائيل بأن يأخذني معه لنرعى الغيمات نسوقها حتي لبيتها النبوي . لكنه تأبّى عليّ و لم يستمع . لأبقى وحيداً في عُلوّيَ و نواياي و حُلمي ، و ليظل أبي يخرج إلي باحة الدار يستطلعني أعلى الديوان بين كل رعدةٍ و إبراقةٍ , و يزجر : ماذا تفعل عندك ؟ إنزل سريعاً و ارفع ( الطينة الرُقيطاء ) و سوّيها على السطح . يعرف أبي منازل النجوم و أحاويل المطر و البرد و ( القلاّية ذات السَموم ) . و يقرأ كتاب السماء ذات النجم في ساعات فجرها الأولي , و عليها يحسب مواقيت ( الحِجَامة ) التي يفصِدُ فيها جانبي ركبتيه بالموسى . يقول أبي و عيناه الضيقتان مرصدان للكتاب السماوي أن : البرق عبّادي ، و أنها لابد ممطرة الليلة مطراً ثقيلا . فنحتاط لذلك بفتح جدولٍ لتصريف الماء من تحت باب الدار . جدولٌ صغيرٌ بعرض ( الفأسة ) يلتف كما الحية حول الغرف الثلاث و البراندتين حتي ليصل إلى عتبات باب الدار الخشبية , و من تحتها يمرّ . يقول أبي بأن ( سعد بلع سيطول في هذه السنة ) و أن ( الهنعة ) لابدّ قاتلنا سمومها و الهجير صيفنا هذا . سألته : من أين يجيء ميكاييل يا أبي ؟ قال : من عند ( جبل البَرْكَلْ ) . حين أصابني الرمد الربيعي لاحقاً و عمري فوق العاشرة .. سَقَطَتْ رموش عيني و بدا جفناي يطفحان بثورا . أخذني جدي إلى البركل ، فتباركتُ بطلاسم كثيراتٍ لسبعة أيامٍ ظل فيهن جدي ( يسلق بليلة الذرة ) فيطعم الفقراء منها ، و في الليل يحوّطني بالتمائم و البخور الذي منحه ( الفقيه السنوسي ) ، و أتغرغرُ منقوع ثلاث ( محاياتٍ ) في كل ليلة . بحثتُ عن الغيمات هناك , و أين مزودهن من البركل ، سألتُ كثيراً . قالوا بأنها تجيء من خلف الجبل , من مكانٍ لا يعرفه إلا الجان و ميكائيل . ثم سافر بي جدي إلي المرفأ البحري ، و عند كل عصرٍ من أيامنا الثلاث كان يأمرني بالدخول إلي ( بحر المالح ) و أن أفتح عيني على سعتها داخل الماء ليطهر الملح ما تبقى من داءٍ فيهن و مِن عين . عدتُ للبيت بأعين سليماتٍ و حزن كبير على الغيمات التي لم أر ، و ميكاييل الذي لا يستجيب لي . .... ظللتُ كلما جلد ( سوط المطر ) الغيمات السود خريفاً ، أصعد إلى ( فوق راس البيت ) و أتلو علي السموات - سراً - رغباتي و أحلامي .. ثم أنظف سقفنا ذو الغرف الثلاث و أسوّي من فوقه الطينة الرقطاء .. و جلس منتظراً ، علّني أظفر من السماء بإجابة . فما أنال ألا الزّخّ الثقيل للماء .. و رعداً و برقا . و قد كان الخريف زمانئذٍ خريفا ، و كانت أمانيَّ تَفْجُرْ و تكبُر و تعظُم كلما حبُلَت السماء ماءا فماعت الدنيا و ابتلّت . بقيتُ مؤمناً بأن الخريف موسمٌ تغتسل فيه الأرضَ و تستَحِمْ من رجسها ، و الناس فيه تنبت لهم مدافيء في القلب .. فتحلو الأوجه , و عليهم تتنزل سكينة ما . حتى جارتنا العجوز " زهرة بنت البُلُك " و التي نخشى شرّ عينها التي تصيبُ فتفلق الحجر , حتى هي كانت تتحول كائناً يشوبه السحر الغامض الجميل . زِنَة ( الربع الكبير ) تلك التي تسأل جدتي ميكائيل أن يكيل بها مطره ، ما عرفتُ لها مقياساً . لكني موقنٌ كنت بكبرها و عظم ثقلها حين تنادي بها جدتي علي ميكائيل . تلازَمَتْ في مخيلتي و تلك القصعة من المعدن الصلب و التي يستخدمها ( عوض الدقّاق ) حين من فوق ظهر حمارته يزن الطحين لنسوة الحيّ . سطلاً كبيرا من حديدٍ صديءٍ ، يعبئه طحيناً من ( خُرج ) حمارته ليكيل به لهن . و ما كنت رأيتُ يوماً تلك الحمارة إلا و هي تمشي رازحة تحت ثقل حملها من الطحين جوالاتٍ علي جانبيها ، و ما فرغت حمولتها من الطحين ذاك كائناً ما أخذ منها ( عوض الدقاق ) و كُثرما غُمِس ذلك الربع الحديدي الكبير في طحينها و أُخرِج ، و النسوة يطلبنه ملحفاتٍ : ( الربع ) يا عوض .. ، ( الملوة ) ، ( الكيلة ) . فيخرج الطحين يخرجه حتي تستكفي النسوة طحينا ، ثم لا تزال الحمارة السوداء العجوز ترزح تحت ثقلها , و الخُرجين يبقيان مكورين امتلاءً بالطحين . .... لا خريف قادم تسبقه الهنعة ، لا و لا سعد بلع .. و لا أباً لي أسأله حين تستعصي عليّ المسألة , فيجيبني . الضجيج عظيمٌ في هذه المدينة الفوّارة باللاشيء .. و هو يعظم و يسمك كلما استغرقت البلدة في عواءها المحموم و الهتاف . بأناسها و أبواقها و طبلها . ميكائيل لم يعد يرعى غنيمات الغيم . جدتي ليست هنا أيضاً .. و لا جدي . الضجيج عظيمٌ في هذه المدينة الفوّارة باللاشيء .. و الممتلئة بكل سقم الأرض و ضوضاءها . ما تزال بي حوجة لسوط المطر .. ( بُراقاً ) يحملني إلى حيث ماحيث و مامكان و ما سدرة ، و .. لا مُنْتَهى . الضجيج عظيمٌ هنا .. و المدينة جُنّتْ فسُعِرَتْ فعَوَتْ . و أنا .. ما تزال بي حوجة لسوط المطر .. عدا أنني ما عدتُ أحلم .. ! فقط أريده لو يحملني بعيداً بعيدا .. .. فأبتَعِدْ . عماد عبدالله ،،، القراءة ... سوط المطر قصة قصيرة قائمة على السرد ، وفيها ينقسم السرد إلى قسمين : الأول : السرد التشخيصي الذي يُعنى بالخطوط الخارجية لماضي الحدث ( بداية سقوط المطر ، ومنظر الحي من أعلى ) ، وكل هذا من أجل وضع الفعل في بؤرة الاحتمال ، والمشاهدة عبر وعي متلق معاصر مندهش بما يقرأ فتتعدد عنده الدلالة الواحدة لما يتناوله القاص / الراوي . ، والثاني : السرد التجسيدي الذي يُعنى بالتفصيلات الداخلية لماضي الحدث بحيث يخلق القاص / الراوي علاقة حميمة ما بين الزمان الآني ، والمكاني بالمشاهد المختزلة في عقليته والمعتمدة أساساً على معايشة الحدث في الماضي وفقده له في الحاضر ( حديثه المفصل عن أبيه ، وجده ، وجدته ) . وكما هو معروف فإن الصيغ السردية تختلف عن صيغ التعبير الحواري الحاضر في الحدث ، المخلوق لحظياً ، فيكشف وجوده عن نوعيته مستخدماً لها القاص صيغة الحاضر، أما السرد فيأتي بصيغة الماضي (و كان يعرف عن الغنيمات الحوامل ) والمستقبل (يعرف أبي منازل النجوم ) ، حتى وإن كان لحدث آني ماثل أمامنا . والسرد يسير باتجاه مسيرة الحدث الدرامي ، وهنا في ( سوط المطر ) يتخذه القاص / الراوي قناعاً يهرب به من مرارات المدينة وسطوتها . إذاً ( سوط المطر ) قصة الحنين لما تعودّ البطل / القاص / الراوي معايشته في طفولته وبين أهله الطيبين في القرية الصغيرة ، وعموماً يمكن اعتبار ذلك هو الفكرة و المغزى من القصة ومحاولة طرحها . فالتعبير السردي هنا في هذه القصة هو تفريغ لطاقة الذكريات المختزلة ، والمشاعر الدفيقة المتصورة أو المسكوت عنها ساعة العيش بالقرب من مضارب حدوثها ، ولكن عند الفقدان كان الحنين لها ، فجاءت منطوقة ومرئية حيث أنها كانت مختبئة خلف قناع المعايشة اليومية ، فجاء السرد حاملاً دوافع فاعليها الغائبين وملتصقاً بهم حد التوحد ، والقاص استطاع وبحنكة فائقة نقل تلك المشاهد مشوقة وقابضة على الملتقي باعتبار أن أمر الذكريات في كذا أشياء قلما لا يكون قد مر على شخص من قبل ولكن من له القدرة على سرده وتفريغه بهذا التكنيك الموظف، فهو في الذاكرة ، ولكن القاص عماد عبد الله استطاع تحريكه وبعثه من جديد عاملاً على تصوير جو من أحداث ما سبق ليكشف لنا شخوص قصته فتبدو أكثر حميمية . ( الجده / الجد / الأب وحتى أماني ) . المكان وبيئة القصة واضحان حيث أن البيئة تعتبر هي الوسط الطبيعي الذي تجري ضمنه الأحداث وتتحرك فيه الشخوص ضمنها ، وركز القاص / الراوي على اختيار زمان محبب للنفس ( الخريف ) فجعل من تلك الأمكنة الجميلة والزمان البديع مسرحاً رحباً استطاعت شخوصه أن تمارس وجودها . وبمعنى أدق ما كانت تمارسه في الماضي ، وهو الآن في البال والمنى والذاكرة لدى القاص . أشار القاص إلى الميثولوجيا ( الخرافة ) وقد حاول القاص / الراوي المزج بينها و الزمن المعاصر ( الماضي زمان جدهوجده وأبيه ) مبدياً لحظتها تأثره بحديث جدته عن امتداد ( قوس قزح/حنبل المطر ) على طول السماء فجعلت من ذلك ( سوطاً ) يأخذه ملك الأمطار ( مكائيل ) بيده فيهش به على السحاب فتنتقل من مكان إلى مكان حتى تستقر في بيتها النبوي بالحجاز ، وحتى عندما سأل أبوه من أين يأتي مكائيل أجابه الأب من جبل البركل ، وبذلك يكون القاص قد خلق لنا بعداً ذكياً باستفادته مما خبر وسمع من الجدود ، ومحاولة ربط هذا بما يحمل الآن من فكرة بعد مرور كل تلك السنوات . ولا زلت واقعاً تحت تأثير حديث الجده ساعة أن يضن المطر ويظل على حد قول القاص ( شكشاكة ) فيأتي من بين الصمت والترغب صوت الجده التي يستجيب إليها مكائيل بقولها : ( كيل يا مكائيل بالربع الكبير ) والقاص يعيش في أيام طفولة بدأ له هذا الربع كبيراً وقد لا يستوعبه عقله إن هو فكر في ماهيته وشكله ، وهنا يربط القاص وبمهارة متبرماً من ربع جدته الكبير الذي يهطل مطراً يسقي البلاد والعباد وبين ربع البائع ( عوض ) الضنين على النسوة اللائي يتهاتفن عليه للشراء ، فينظر القاص / الراوي فيرى أن بضاعة البائع ( عوض ) لا زالت كما هي والنسوة يسألنه ( ربع ) ( ملوة ) كيلوة ) أترى أن البائع ( عوض ) يطفف في الميزان . يستخدم القاص / الراوي في نهاية قصته الخواطر و الوجدانيات ( لا خريف قادم تسبقه الهنعة ، لا و لا سعد بلع .. و لا أباً لي أسأله حين تستعصي عليّ المسألة , فيجيبني ) (ما تزال بي حوجة لسوط المطر ..) ( عدا أنني ما عدتُ أحلم .. !) (الضجيج عظيمٌ هنا .. و المدينة جُنّتْ فسُعِرَتْ فعَوَتْ ) راسماً بذلك معالم فكرته لنبذه للمدينة وسطوتها .ترى هل دعوة للعودة للحياة في الريف ، فإن صح ذلك ، ولكن أنى لنا بمن يحكي لنا عن الطوالع والنجوم ، ومن يدعو مكائيل فيستجيب ؟! تبقى هذه المحاولة قصة بديعة كسائر القصص في إطارها المألوف ، و لكن إضافات ( عماد عبد الله ) بتكثيف جرعات الحنين ودقة الوصف وراقي اللغة البهيجة ومزح الزمن الماضي بالحاضر والاستفادة من الميثولوجيا كل هذه الإضافات تجعلنا متعلقين بهذا النص بنفس واحد منذ بداية القراءة حتى نهايتها ونحن نقفز من بين السطور مع هذا الدفق الحميم ونبكي ونحن نسترجع تلك المشاهد من سالف الأيام حيث : ( كان الخريف زمانئذٍ خريفا) . عروة علي موسى ،،،