السفير السعودي لدى السودان يعلن خطة المملكة لإعادة إعمار ستة مستشفيات في السودان    مليشيا الدعم السريع تكرر هجومها صباح اليوم على مدينة النهود    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    شاهد بالصور والفيديو.. على أنغام الفنانة توتة عذاب.. عروس الوسط الفني المطربة آسيا بنة تخطف الأضواء في "جرتق" زواجها    المجد لثورة ديسمبر الخالدة وللساتك    بالصورة.. ممثلة سودانية حسناء تدعم "البرهان" وثير غضب "القحاتة": (المجد للبندقية تاني لا لساتك لا تتريس لا كلام فاضي)    المجد للثورة لا للبندقية: حين يفضح البرهان نفسه ويتعرّى المشروع الدموي    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    الناطق الرسمي للقوات المسلحة : الإمارات تحاول الآن ذر الرماد في العيون وتختلق التُّهم الباطلة    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    قرار بتعيين وزراء في السودان    د.ابراهيم الصديق على يكتب: *القبض على قوش بالامارات: حيلة قصيرة…    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    باريس سان جيرمان يُسقط آرسنال بهدف في لندن    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    صلاح.. أعظم هداف أجنبي في تاريخ الدوري الإنجليزي    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    المريخ يخلد ذكري الراحل الاسطورة حامد بربمة    ألا تبا، لوجهي الغريب؟!    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    بلاش معجون ولا ثلج.. تعملي إيه لو جلدك اتعرض لحروق الزيت فى المطبخ    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في كتاب (المقدمة في تاريخ الأما (النيمانج) الاجتماعي) ( 2


)
العقيدة :يقول الكاتب إن النمانج (الأم) كانوا يعتقدون بوجود الخالق يسمونه (أبْردِي) ويقولون في لغتهم (إلهي في السماوات العلا أنت خلقت كل شيء إنك على كل شيء قدير ) ولهم مفهوما الإلوهية والربوبية، فأبردي يشير إلى الإلوهية أما (أبدي) فيشير إلى الربوبية .أما الكجور فذكر أن له دور كهنوتي ودنيوي وفي تفسيره لمعنى الكجور قال : ( الكوني) هي القوة الخفية أو الروح التي تتقمص شخص ما بعد إجرائه لطقوس معينة ، وهذه الروح تحمل اسم أول شخص تقمصت فيه فأسماء مثل (كدمالي ، شيلما ، أمسال ) أسماء أشخاص في غابر الأزمان تقمصت فيهم هذه الأرواح فسميت بأسمائهم ،ثم تنقلت في سلالتهم من جيل إلى جيل فحينما نقول ( كوني كدمالي ) فالأول روح تقمصت في الثاني (شخص) فحملت اسمه وبعد وفاة كدمالي الشخص تتقمص هذه الروح وبالاسم نفسه (كوني كدمالي) في أشخاص من سلالته من وقت لآخر . أما الشخص الذي تتقمصه هذه الروح بعد مفارقتها لصاحبها الأول بموته فيطلق عليه (كونقيدو كويدي) ، فإذا تقمصت روح شلما شخص فإنه يعرف من تاريخ تقمصه روح شلما ب(شلمونق كويدي) أي الذي تقمصته روح شلما.
أما الكوير فهو الذي تتقمصه الروح وفق ترتيب معين وتدرج وخلوة واعتكاف وصوم ، فهو درجة أرفع من مجرد كجور .ويسلسل الكاتب مهام الكجور في إنزال الغيث وهذا لكجرة بأعينهم - (والجدير بالذكر أنه كان لأي سلطان من سلاطين (الأما) قدرة على إنزال الغيث حسب اعتقادهم والسلطان ليس بكجور ) – علاج المرضى ، دفع الضرر نحو ( السرقة مثلا وعدم الإنجاب )، التنبؤ ، كشف الجرائم ، الاستنفار للصيد أو الحرب.
كيفية التكجير: يقول الكاتب :تستدعى الروح عند وجود حاجة فيجتمع الناس وينشدون أغانٍ بعينها ذات طابع حماسي فيستثار الشخص فيقوم بأداء حركات معينة كالركض والهرولة والتحرك جيئةً وذهابا والصياح ،ثم يبدأ بالحديث بلغة لا يفهمها إلا أناس معينون ويكون في حالة جذب سماوي ثم يعود لحاله ، وقد يتنبأ الكجور لوحده خاصة في حالات الكوارث حيث يقضي ليله في حركة دائبة داخل منزله وخارجه ، وهو يتحدث بأعلى صوته ويزجر حتى يذهب الظلام ويسفر الصبح فيحدث الناس بنبوءته وما يجب فعله إزائها .
التدرج الروحي للكجور : بعد مضي أربع سنوات من أول تقمص للروح في جسد الكجور يقوم بطقس رمي الأدران كما سماه أستاذنا ، ويذبح له وتثبت له شعبة ذات ثلاث رؤوس في قطيته يضع فيها متعلقات ممارساته ، وبعد مضي أربع سنوات أخرى يأتي طقس الاعتكاف فيذبح وتشيد له خلوة ويعتكف فيها عدة أسابيع ينام خلالها على البساط ولا يجوز له النوم على الأسرة، ويعتزل النساء ويقصده القوم بالزيارة إلا أنه لا يخرج إليهم بل يطوفون حوله وهم ينشدون أغاني حماسية خاصة تمجد أسلافه ، وفي يوم خروجه يحتشد الناس وتلبس نساء عائلته وأقاربه زياً موحدا من السكسك ويخرج الكجور المعتكف متحزماً بقماش أبيض في وسطه مهرولا نحو مكان معين ويهرول الجميع خلفه ،منشدين أغانيهم الحماسية بصورة كورالية ويطلقون الأعيرة النارية بكثافة في الهواء، والنساء يزغردن ،ويقذف حفدته الرماح أمامه، حتى يصل مكانه المحدد فيقف على حجر كبير معين ثم يعود لبيته حيث يذبح له وتبدأ الاحتفالات لعدة أيام ، بعد هذه المناسبة يطلق على الكجور لفظ (كوير) وهي درجة مرموقة في سلك هؤلاء القوم ، فيلبس نوعا من الخرز الأبيض وتثقب أذناه من أعلى عدة ثقوب توضع فيها حلقات من النحاس ، ويلبس في يده أسورة ويحمل سوطا وعصا بطول متر تقريبا تزين بحلقات حديدية منتظمة تسمى هذه العصا (مرشيلنق) ، عادة ما يكون الكوير مرحا يطوف بالطرقات ليتفقد أحوال الناس ويداعب الأطفال ويزرع فيهم البهجة والسرور لكنه لا يأكل في بيوت الناس، بعد أربع سنوات من بلوغ درجة الكوير يذبح الذبائح ويقوم بزيارة ذات الحجر الذي وقف فيه يوم تعميده (كويرا) ويسمى هذا الطقس خبط المعوقات، وبعد أربع سنوات أخرى يذبح أنثى ماعز صغيرة (سخل) ثم يأخذ ديكا ويطوف به على قطيع الماشية ،ويعلقه على باب الزريبة فتخرج الماشية من الزريبة تحته ثم يذبح الديك ويشوى ويؤكل ، ثم يقوم بذبح بقرة ويوضع قرناها على مدخل الدار ، بانتهاء هذا الطقس الذي يسمى ذبح الديك بفترة وجيزة تنتقل الروح لشخص آخر لكنها لا تظهر فيه إلا بوفاة الكجور . وللكوير طابع كهنوتي وكارزمي ووقار وتبجيل ، يخدمه الناس ويوقف المعارك التي تنشب بمجرد إلقاء سوطه الذي يحمله في الأرض دون أن ينبس ببنت شفة .
وحينما يموت الكوير تذبح بقرة ينسج من جلدها العنقريب الذي يحمل فيه إلى مثواه الأخير ، وتحفر حفرة في شكل بئر من جزأين الجزء العلوي بعمق يزيد عن المتر من سطح الأرض وبعرض يزيد عن المتر أيضا ، ثم تفتح فتحة في منتصف البئر بقطر يزيد قليلا عن عرض المنكبين ، ثم تعمق وتوسع حتى تصير غرفة تسع سريرا واحدا ، ثم يؤتى بالسرير الذي صنعوه من جلد البقرة فيوضع بداخلها ، وبعد مغيب الشمس يشيع الكوير حيث يخرج جثمانه من غرفته إلى فناء داره ،ومن ثم يوقف الجثمان معتدلا ويمشي على قدمين حيث يثبته بعضهم ويحرك آخرين رجليه كأنه يسعى حتى يخرج من داره، ثم يحمل ثانية في عنقريبه وسط إطلاق الأعيرة النارية بكثافة فيتقدم الجثمان الموكب ويتبعه ابنه حاملا عصا والده (الميرشليق) ثم جموع المشيعين حتى مثواه حيث يوضع الجثمان على السرير داخل المقبرة كما تدفن الفراعنة ، ويسد ثقب الغرفة ثم يهال التراب على الحفرة العليا ، ثم تبدأ أيام المأتم بالاحتفالات والرقصات على الطبول وقد تستمر شهورا ، أما نساؤه فيدفن بعد موتهن بمقابر شبيهة بمقابر زوجهن مع خلاف بسيط ويوضع بجوار جثامينهن بعض مستلزمات زينتهن من زيت وخلافه في آنية من القرع وغيرها من أشياء يعتقد أنهن يستخدمنها في حياتهن الأخرى .
وفرق أستاذنا بين الكجور والسلطان حيث يقع الخلط بينهما لدى العامة فالكجور أساسه القوة الخفية ( الروح) أما السلطان فلا تتقمصه أي روح ولا يكجر بل يقوم بإنزال المطر عبر خاتمه الجهنمي الموروث ويسمى (توم) ، ونفوذ الكجور في حدود عشيرته أو نطاق تخصصه عدا كجور الجبل الذي يبسط نفوذه على كامل جبله (منطقته) أما السلطان فيمتد سلطانه جميع مناطق (الأما) النيمانج ، وللسلطان عرش يسمى (كودي) أما الكجور فلديه حجر مقدس يقوم بإجراء طقوسه عليه ، والروح التي تتقمص الكجور تنتقل بعد وفاته داخل عشيرته دون ترتيب معين أما السلطان فيرث السلطنة من والده مباشرة ، لكنهما يتشابهان في طريقة الدفن ويختلفان في مكان الدفن . وفرق الكاتب بين الكجور والساحر فذكر أن الساحر لا يتمتع بأية مكانة وغير مرغوب فيه ونظرة المجتمع تجاهه أنه مضر ويتحصنون منه بكيفيات معينة .
لقد أجاد كاتبنا في تناول قضية الكجور وعقائد النوبة قبل دخول الإسلام ووصف ( الأما) النمانج بالتوحيد إلا أنه وفي معرض تناوله لقضية الكجور وصف مجتمعه بالوثنية ولعله لم يقصد حيث وردت هذه الكلمة مرة واحدة في كامل كتابه ، وهذه ما نعيبه عليه فلا ينبغي لباحث موثوقي كهذا أن يخطئ هذا الخطأ حتى ولو على سبيل التوصيف والتقريب ، وكنت قد أنشأت مقالة كاملة في الرد على من وصف عقائدنا قبل دخول الإسلام بالوثنية من الصحفيين أثناء عرضهم لاحتفالات ورق اللوبيا التي أقيمت في النتل غرب الدلنج قبل عامين عنونتها ب( لم نكن وثنيين بل موحدين ) ونشر هذا المقال في صحيفة أجراس الحرية حينها ، والمقال متاح في الإنترنت لمن أراد التوسع ،لكن إن كان لا بدأن أتحدث فأقول : مقتضبا أن الوثن هو الصنم وما كانت لدينا عبادة الأصنام ولا حتى عبادة الأرواح كما تبين ، لكن كان أهلنا يتوسلون ويستغيثون بأسماء أجدادهم الصالحين وجاههم كما تفعل الصوفية بالتوسل بالصالحين لديهم حتى الغد، وما نرى في ذلك شيء وهذا مذهب عامة أهل السودان ، ومن أطلق هذه الكلمة ( الوثنية) على حال أهلنا قبل الإسلام ما كان ليجهل خطل توصيفه ، لكنه أجرى ذلك عن قصد ، حتى نرى تلازم حالنا مع حال المشركين فنرفضُّ عن كامل تقاليدنا وثقافتنا ونتأفف منها ونستعير أخرى، رغم ضيقها بنا ،وتظاهرها عنا، وتضاحكها منا ، إن الله تعالى يقول (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُون ) البقرة 62 . والصابئون هم كل من يؤمن بالله واليوم الآخر لكنه لا يتعبد برسول ، وهذا حال أهلنا قبل الإسلام ،فينبغي التصحيح .
ثم سرد الكاتب بإفاضة عن المحرمات بدءً بحرمة القتل والزنا وأكل أموال الناس بالباطل وأشار أن عواقبها دنيوية في اعتقاد النيمانج كالصاعقة وموت الأطفال للزناة والأمراض المزمنة الموروثة لأكلة أموال الناس بالباطل غير التشهير عبر الغناء لمرتكب المحرمات ، سوى أنه ذكر خلو مجتمعه من آفة المحرمات وقتذاك ، وأشار للتوبة بعبارة التطهير والاغتسال وفق لغتهم ،وذلك بالاعتراف والذبح لدفع العواقب الدنيوية إلا أن عقوبة التشهير بالغناء تظل باقية عظة واعتبارا ، وأضاف أن (الأما) النيمانج كانوا يعتقدون أن روح المقتول ستنتقم من القاتل فيجمعون ذوي القاتل ويجرون طقوس معينة وينفون القاتل بأهله ، وأورد أن (الأما) النيمانج كانوا يزكون صدقات أموالهم من ماشية أو زرع .
وعن أيمانهم قال أنهم كانوا يقسمون بشعاع الشمس وعزة الوالدين وثرى القبر(التربة) بدارجتنا وعنقريب الجثمان وأسماء أرواح كجرتهم . ثم سرد أستاذنا التقويم عند ( الأما ) وأن السنة عندهم تبدأ بشهر مايو وتنتهي بشهر إبريل ، وسمى الفصول والشهور وقابلها بأسماء الشهور الأفرنجية ، وعدد أستاذنا أعياد (الأما) من عيد الصيد (أفونج)حيث يخرجون للصيد في جماعة ويعزفون ( البوشير) وهي آلة من القرن، وفصل في أحكام الصيد ، ثم تحدث عن عيد (ورق اللوبيا) ( الكونيجار) أهم الأعياد وبين خطأ تسميته بعيد الحصاد حيث أنه لا يقام في أيام الحصاد وسرد طقوسه ، وتحدث عن عيد جدع النار (جال) وذكر أن المغزى منه طرد الأرواح الشريرة بقذف أعواد النيران في الهواء مصحوبة بصرخات . ثم طفق يعدد أنواع الرقصات وكيفيتها من رقصة الكرنق المشهورة ورقصة (بيرين) ورقصة المبارزة ورقصة المناحة وأُخر .
وفي توصيفه للنظام الإداري ذكر أستاذنا أن (الأما) وصلوا إلى ديارهم الأخيرة هذه في القرن الثاني عشر الميلادي ولم يخضعوا منذ وصولهم لسلطة قابضة على رأسها حاكم يصدر الأوامر السلطانية للرعية وتنفذها دون شورى أو جيش منظم بل يقاتل كل الرجال القادرين على القتال، إلا بعد الإنجليز وذكر أن ( الأما) لم ينسجموا مع المهدية رغم انضمام كثير من فرسانهم لها ومقاتلتهم معها ، وشبه نظامهم الإداري بنظام المدن الدويلات اليونانية ، وذكر أن الكجور يبسط سلطته على منطقته وله صلاحيات تصل إلى إعلان الحرب وينقسمون إلى ثمانية مناطق إدارية في كل منطقة كجور يبسط سلطته ، وهناك ما يعرف (بالقدي) وهو مجلس يتولى شئون العشيرة دون تدخل من الكجور أو السلطان إلا في بعض الأمور التنسيقية ، وللمجلس صلاحيات سن القوانين وفرض القيود .ثم سرد أستاذنا حرب الكجور دارجول 1908 وحرب السلطان عجبنا 1915-1917 بوصف شيق وريشة متمكنة تنقلك إلى ساحة الحرب وغبار المعارك وصهيل الخيول فتراها كفاحا وترى بطولات الأميرة مندي بنت السلطان عجبنا وهي تتقدم فرسان والدها ،ممتطية فرسها رابطة وليدها في ظهرها ممسكة بيسراها عنان فرسها وبيمناها بندقيتها المصوبة في وجه العدو ، فينهزم لديك الموت ، وتُحتقر الحياة ، وتُبتلى الرجولة ، لا استطيع اختزال هذا الفصل فأشيه الصورة ، وأبتذل المعنى الذي قصده الكاتب فعزرا قارئي الكريم ، وحسبي تعزياً أن أحيلك للكتاب .
ختم الأستاذ فصله بذكر مكوك (الأما) لمناطقهم الثمانية ثم تمدد نظارتهم لتضم الصبي والمندل وكاركو ووالي وكتلا وتيمين وجلد تحت إدارة الناظر أمينة دردمة الذي خلفه الناظر كندة كربوس الذي جرت في عهده تغييرات مفصلة في حياة (الأما) النمانج
في فصله الأخير المعنون بالأدب الشفاهي بدأ أستاذنا بعرض الأساطير عند (الأما) النيمانج ، بدءً بأسطورة (كنوغل) الذي أتى إلى ديار ( الأما) الحالية طائرا عند بداية هجرتهم ثم أنه تحدى الموت فتحول إلي حية برأس رجل وسكن إحدى الكهوف وقد يظهر من حين لآخر في الملمات ، إلى أسطورة (ديقيدا) الذي هاجر من تيما كوجا موطن النمانج قبل الآخير إلى ديارهم الحالية شقا تحت الأرض ، إلى أسطورة (ودار) و(موندر) اللذان أنجبتهما شجرة ، إلى أسطورة (ماريما) أصل أسرة السلطان الذين هبطوا من السماء ولا تزال آثار أقدامهم باقية ثم لحقهم جدهم متدلا بفرسه من السماء ، إلى أسطورة (ولا) الذي ولد من ركبة أمه ،إلى أسطورة (نمانغ تسرما) الذي دفن عاما كاملا وخرج حيا من قبره ،إلى أسطورة(شلما) الذي شق الصخرة بسوطه وطرد من داخلها الأرواح الشريرة ، إن قراءتنا لهذه الميثلوجيا تبين لنا اكتظاظ أدب هذه القبيلة بالأساطير الغريبة التي تصلح للرواية والقصة وصناعة الأفلام والتميز فيهم، وترفد أدبنا بإنتاج جديد مميز تقفز به إلى العالمية لإيغالها في الغرابة والتشوق ، فهو بحر جديد بسطه للأدباء أستاذنا بلغة عربية .
وتحت عنوان الحكم والأمثال ترجم لنا أستاذنا خمسة وثلاثين مثلا من لغة ( الأما) للغة العربية تعكس المدى الحضاري الذي بلغته هذه القبيلة وقد تجد من بين أمثاله ما يصادفك معناه عربيا لكن الغالب الأعم لا نجد له موافقا في المعنى من بين ما نعرف من أمثال ، فهذه ثروة أخرى فتح بابها أستاذنا لقراء العربية.
أنهى أستاذنا سفره بعنوان الغناء عند ( الأما) فاعتبره أهم عناصر الأدب الشفاهي ، وعد منطقة (الأما) أكثر المناطق ثراءً في هذا النوع وأهمية غنائهم تبرز في حمله لتاريخهم ، وأرجع تعدد أنماطهم الغنائية لتعدد مجالاته المغطاة غنائيا ، وعدد أساليب الغناء المتبع وقسمه لأغاني الكبار وهي أشبه بملاحم اليونان ،وتحمل قصص التاريخ والأساطير والحروب وأيامهم والقيم الاجتماعية والعقدية والنسيب ، وأغاني النساء ،وأغاني المناحة ، وأغاني الحماسة ، وأغاني البنات ثم قام بترجمة عشرة أغاني من أغاني الأما.
لقد حملتني المتعة التي وجدتها أثناء قراءة هذا السفر للتنويه به ، رغم ابتعادي عن الكتابة فترة ، فهو كتاب تتحفه الجدة ، وتتملكه الغرابة ولا تفارق قارئه الدهشة فضلا عن علميته ورصانته وصدق كاتبه ، فليكن تدشينه ملهما لآخرين ليكتبوا عن بقية قبائلنا بذات النمط ليبينوا للآخر أن لكم ثقافة وحضارة ذات قيمة لا أن تكتفوا بمجرد الهتاف والشعار .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.