الخرطوم... حسن بركية بحلول الأول من أبريل القادم ستكون دولة جمهورية جنوب السودان خالية من القوات الروسية التي كانت تعمل تحت مظلة الأممالمتحدة لحفظ السلام منذ العام 2006م،وكان الوجود الروسي يتكون من 120 فرد و8 مروحيات وكانت روسيا تقوم بحوالي 40% من إجمالي النقل الجوي العسكري في جنوب السودان بما في ذلك نقل المراقبين العسكرين التابعين للأمم المتحدة في جنوب السودان. مغادرة القوات الروسية لدولة جنوب السودان فتحت الباب واسعاً أمام جملة من التأويلات والقراءات لدلالات وأبعاد الموقف الروسي وكان السؤال الأبرز من مصلحة من تقليص الوجود الروسي في جنوب السودان؟ قائد مجموعة المروحيات الروسية العاملة في الجنوب العقيد يوري ليشمان قال فور وصوله لبلاده في تصريحات صحفية :تعرضنا لإطلاق نار وتعرضت قواتنا للإختطاف وقال يبدو أن هناك أمور سياسية وراء مايحدث. ومضي نائبه نيكولاي سيرجيف في ذات الإتجاه وقال ‘‘ الأوضاع هناك معقدة جداً خلافات قبلية وخطف للبشر‘‘. قبل ميلاد دولة جنوب السودان بفترة ليست بالقصيرة بدأت ملامح العلاقات الخارجية للدولة الجديدة تتشكل و بدا لافتاً التطور المتسارع مع عدد من الدول خاصة تلك التي كانت تصنف في خانة ( أصدقاء الشمال) ولكن مسرح العلاقات الدولية الذي يفسح المجال أمام الدول التي تمتلك الثروة ووفق منطق المصالح المشتركة ماكان يمكن لدولة براغماتية جداً مثل الصين أن تقف بعيدة عن موائد النفط في جنوب السودان وسارت قاطرة المصالح الصينية في ذات خط سير أبار النفط وذهبت الصين (الحليفة ) للشمال في قطار المصالح حنوباً وتركت قيادت الإنقاذ التي لاتحسن قراءة كتاب العلاقات الدولية حيث توقفوا بالظن. يقول الدكتور صلاح الدومة أستاذ العلاقات الدولية ‘‘ لا أستبعد وجود ضغوط مورست علي روسيا للإنسحاب من دولة جنوب السودان‘‘ ويضيف الدومة في العلاقات الدولية لاتوجد هدايا أو مواقف بلاثمن ولذلك أقول هناك مساومة بين الولاياتالمتحدةوروسيا في موضوع جنوب السودان، تنسحب روسيا من جنوب السودان مقابل تنازلات تقدم لروسيا في مناطق أخري مثل جورجيا والشيشان مثلاً. وكانت صحيفة ‘‘ كراسنايا زفيزدا‘‘ الروسية قد رسمت صورة للمشروع الأمريكي للسيطرة علي موارد دولة الجنوب وقالت الصحيفة ‘‘ أن حكومة جنوب السودان خاضعة للهيمنة الأمريكية وهذه التبعية مهدت الطريق أمام شركات الطاقة الغربية للحصول علي عقود وامتيازات استثمارية لاستغلال ثروات الجنوب. ويقول صلاح الدومة الولاياتالمتحدة تريد أن تكون الساحة الجنوبية خالصة للقوي الغربية وإسرائيل والقوات الروسية الموجودة في جنوب السودان تعرضت لضغوط كثيرة لكي تنسحب من هناك ولكن كماقلت هو انسحاب بمقابل أو بثمن وليس مجاناً وينفي الدومة بشكل قاطع وجود تأثير لحكومة الشمال في هذه الضغوط التي مورست علي روسيا ويقول‘‘ العلاقة مع حكومة الانقاذ ضعيفة وروسيا لاتضع أيه إعتبارات لحكومة الانقاذ‘‘. تعرضت القوات الروسية في جنوب السودان لضغوط مكثفة ووجدت نفسها في محيط لايرحب بوجودها لأسباب كثيرة ،رغم أن الدور الروسي في عمليات حفظ السلام كان مقدراً وملحوظاً. ومن قبل أعربت إدارة عمليات حفظ السلام في الأممالمتحدة عن شكرها لروسيا للمساعدة التي قدمتها في تحقيق مهمة حفظ السلام في جنوب السودان وقال الناطق الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة مارتين نيسيركي في تصريحات صحفية أن إدارة عمليات حفظ السلام الأممية تقوم بإرسال المروحيات العسكرية من المناطق الأخرى ل"تلبية احتياجات بعثتها في جنوب السودان من اجل تحقيق مهمتها الرئيسية وهي حماية المدنيين ". ويذكر أن الرئيس الروسي دميتري مدفيديف أصدر في وقت سابق مرسوما بسحب مجموعة القوات الروسية المتواجدة في إطار بعثة حفظ السلام في جنوب السودان قبل الأول من أبريل القادم. تصريحات قائد المروحيات الروسية التي كانت تعمل في الجنوب والتي قال فيها أن الأوضاع ليست علي مايرام هناك وأن هناك أمور سياسية وراء قضية إنسحاب القوات الروسية هذه التصريحات توفر لنا صورة متعددة الأبعاد لمقاربة الوضع هناك، الصراع بين بعض الدول الكبري حول موارد الدولة الجديدة عنصر من العناصر ولكن هناك حقائق أخري منها أن قيادة الدولة الجنوبية لها رؤية وزاوية نظر لتركيبة القوات الأممية الموجودة وهناك محيط إجتماعي وسياسي تلعب قيادة الحركة الشعبية (الحزب الحاكم)دوراً أساسياً في تشكيله وتوجيهه ولا يغيب عن فطنة المراقب التحولات التي حدثت في برامج ومواقف الحركة الشعبية(التحول من المنفستو الأشتراكي) والدور الكبير الذي قامت به القوي الغربية وعلي رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية في دعم جهود الحل السلمي لقضية جنوب السودان عبر كل مراحلها في مقابل غياب الدب الروسي عن كل تلك المنعطفات، صحيح كان هناك وجود روسي ولكن ليس بمستوي الوجود الأمريكي ولذلك ليس من المستغرب أن تجد القوات الروسية نفسها ‘‘ غريبة الوجه واللسان‘‘ وذلك رغم الموقف الروسي المتوازن تجاه ‘‘ الشمال والجنوب‘‘ وتفهم القيادة الروسية لعملية تشطير الدولة السودانية شمالاً وجنوبأً. وكانت روسيا من أوائل الدول التي إعترفت باستقلال جنوب السودان. ومضت روسيا أكثر من ذلك حين أكد ميخائيل بغدانوف، مبعوث الرئيس الروسي الى الشرق الاوسط أن روسيا بامكانها ان تلعب دور الوسيط بين الخرطوم وجوبا. وقال بغدانوف في تصريحات صحفية ‘‘ إننا مستعدون، في حال الطلب، لعب دور استشاري وسيط" لبدء حوار بناء لمعالجة القضايا العالقة بين السودان وجنوب السودان، مؤكدا ان روسيا تنوي اقامة علاقات "طيبة" مع جمهورية جنوب السودان. تتعدد الأسباب ولكن المحصلة هي انسحاب القوات الروسية من دولة جنوب السودان والصورة الكاملة لخلفيات عملية الانسحاب غير متوفرة ولكن الناطق الرسمي باسم الجيش الشعبي ‘‘ جيش دولة جنوب السودان‘‘ العقيد فليب أقوير يقول لصحيفة (الجريدة) لا أعتقد أن القوات الروسية كانت لها مهام كبيرة هي كانت ضمن قوات الأممالمتحدة ونحن ننظر لها كجزء من القوة الأممية وبالتالي ليس هناك موقف خاص بالقوة الروسية ويضيف أقوير علي المستوي العسكري لم يحدث أي تجاوز تجاه القوة الروسية وليس بيننا بينهم اتصال مباشر (ولاخلاف ولاصراع) وإن كانت هناك أمور سياسية أنا لست معنياً بها ولست مخولاً للحديث عنها.في كل الأحوال ستكمل القوات الروسية انسحابها من دولة جنوب السودان خلال أيام وتظل الأسباب والأجندات التي تحيط بهذا الملف في حالة من التشابك والتقاطع بين الواقع المحلي والأجندات الدولية وصراعات المصالح الدولية والمحلية وتحصد القوي الكبري حصاد مازرعته في الماضي في حين يظل الوجود الروسي الذي يستند علي جزء من إرث الماضي السوفيتي وهذا الماضي في واقع مابعد الحرب الباردة والنظام العالمي الجديد ‘‘ غير مبرئ للذمة‘‘.