[email protected] . تعتبر مسألة العنصرية واحدة من أكثر القضايا تأثيراً فى الشأن السياسى السودانى منذ عهود بعيدة , وهى إحدى الأدوات والأسلحة التى تم إستخدامها تاريخياً وحتى الآن وبصورة مستمرة ضد المجموعات السكانية المنتمية إلى الهامش حال محاولتها المطالبة بحقوقها المهضومة من قبل النُخب السياسية المُسيطرة على السلطة والثروة فى السودان منذ خروج المستعمر , ومفهوم العنصرية: Racism- هو الإعتقاد بأن هناك فروق وعناصر موروثة بطبائع الناس أو قدراتهم ويعزون ذلك لإنتمائهم لجماعة أو لعرق ما وبالتالي تبرير معاملة الأفراد المنتمين لهذه الجماعة بشكل مختلف إجتماعياً وقانونياً ,ويتم تبرير هذا التمييز باللجوء إلى التعميمات المبنية على الصُوَّر النمطية وباللجوء إلى تلفيقات علمية ,وبحسب إعلان الأممالمتحدة، فإنه لا فرق بين التمييز العنصري والتمييز الإثني أو العرقي , وهناك بعض الدلائل على أن تعريف العنصرية تغيَّر عبر الزمن، وأن التعريفات الأولى للعنصرية إشتملت على إعتقاد بسيط بأن البشر مقسمون إلى أعراق منفصلة , ويرفض جل علماء الأحياء وإخصائيو علم الإنسان وعلم الإجتماع هذا التقسيم مفضلين تقسيمات أخرى أكثر تحديداًأو خاضعة لمعايير يمكن إثباتها بالتجربة ، مثل التقسيم (الجغرافي – الإثني), وبناءً على ذلك فالعنصريون هم أناس يعتقدون بأن الميزات الموروثة بيولجياً هي التي تحدد سلوك الإنسان وقدراته ويعودون بذلك إلى إنتمائهم لجماعة أو لعرق ما وبالتالي تبرير معاملة الأفراد المنتمين لهذه الجماعة بشكل مختلف إجتماعياً وقانونياً. فأين هو موقعنا نحن من هذه التعريفات والمفاهيم ؟ وأين يقف الآخرون الذين يميزون بين الناس على أساس العرق واللون والجنس فى القوانين والحقوق والحصول على الإمتيازات , ليس هذا فحسب بل إن هذه الممارسات بلغت حد شن حروبات الإبادة الجماعية بإستمرار طيلة القرن الماضى وحتى الآن(وهذا ما سنتطرق له لاحقاًفى مناسبات أخرى بالتفصيل) من الذى يقف وراء هذه الممارسات ومن الذى يتخذ مواقفاً عنصرية , وكيف يصبح الضحية متهماً بين ليلة وضُحاها , فتاريخياً نحن من تم ممارسة العنصرية فى حقهم وهنالك شواهد كثيرة على ذلك , فقد عمل أهل الشمال النيلى ضد الخليفة عبد الله التعايشى وتآمروا عليه فقط لأن المهدى قام بإختياره خليفةً له , ولاحقاً لم يساندوه فى دفاعه عن الأراضى السودانية وهو يقاتل الإنجليز الأمر الذى جعله يستعين بالمقاتلين من غرب السودان عموماً لمقاومة البريطانيين إلى أن إستشهد فى معركة أم دبيكرات عام 1899 , وفيما بعد تم وصفه بالعنصرية والجهل والتخلف لتبرير عدم قبولهم به وعدم مساندتهم له , جاءت تلك التبريرات فى كتابات حُراس المركز المزوِّرين للتاريخ وغيرهم من المؤرخين ,وعلى عبد اللطيف وبعض من معه فى حركة اللواء الأبيض 1924تم وصفهم بما يُفهم من صياغه بإنهم (أولاد الشوارع) - فى إشارة إلى أصلهم وجزورهم وإستنكروا قيادتهم للآخرين , ود / جون قرنق نفسه منذ ظهوره وحتى إستشهاده لم يتم الإعتراف به من قبل الكثيرين كزعيم سودانى يُمكن أن يقود الأمة , وفى الثمانينات عندما قام الأب فيليب عباس غبوش بإنقلاب عسكرى للإطاحة بالسلطة الحاكمة وصفوا هذه المحاولة (بالإنقلاب العنصرى) أو (إنقلاب ضد الوطن) , وعندما نفَّذ عدد من الضباط (غالبيتهم من الشمال النيلى) إنقلاباً فى شهر رمضان فى التسعينات من القرن الماضى وصفوا الإنقلاب ( بالمؤامرة الفاشلة) ووصفوا محاولات كثيرة غيرها لاحقاً (بالمحاولة التخريبية الفاشلة), وبالتالى كان سيف العنصرية مُسلطاً بإستمرار ضد كل من ينتمى إلى الهامش وتقلد منصباً أو حاول الوصول إلى مركز السلطة أو طالب بحقه أو تحدث حديثاً صريحاً ولمس الحقائق , وهذا ما يفسر سلوك معظم أبناء الهامش والمهمشون تهميشاً ثُلاثى الأبعاد (إجتماعياً وثقافياً وإقتصادياً) عندما يصلون إلى السلطة ومراكز صنع القرار كانوا - وحتى يكونوا بعيدين من شُبهة العنصرية - يتحاملون كثيراً على أهلهم ومناطقهم وقضاياهم وبالتالى يتم وصفهم من قبل النُخبة الحاكمة فى المركز (بالقوميين) وإن فلانة / فلان (إمرأة قومية -رجل قومى) أما من (فات حدوده) وتجرأ ورفض أو قاوم ممارسات المركز تم وصفه مباشرة بالعنصرى , هذا فى الجانب الرسمى للدولة , ولكن - أين يقف الآخرون أمثال على محمد عثمان كمنجة وغيرهم من الذين حاولوا مقارعتنا بصورة سطحية لا تخلو من العواطف وعدم الواقعية ووصفونا بالعنصرية وهم غارقون فيها حتى النخاع , ونحن من كنا ضحايا للسلوك العنصرى طيلة الفترة الماضيةوحتى هذه اللحظة ويمكننا الإشارة إلى مواقف كثيرة يعلمها (كمنجة) جيداً لا يمكن وضعها سوى فى قائمة العنصرية , فكم من رفاق تم حرمانهم من تبوء مناصب تحصلوا عليها ديمقراطياً عبر الإنتخابات نتيجة لإنتماءاتهم الإثنية وتم تنصيب أُناس غيرهم تحت غطاء (التوطين), وكم من أناس سمعوا حديثاً مثل (دايرين تقودونا هنا كمان ما تمشوا بلدكم) وغير ذلك الكثير من الملفات يمكن فتحها إذا تطلب الأمر ذلك لاحقاً, وللرفيق (كمنجة) - ننصحك بالنأى عن مثل هذه الصراعات بحكم حداثة تجربتك داخل التنظيم لأن الذين أملوا عليك الكتابة لم يحكوا لك كل الرواية , ولذلك كلما كتبت كثيراً فى هذا الشأن كلما (تقزَّمت) وفضَحت مدى ضحالة وسطحية طرحك ,نحن طرحنا قضايا حقيقية وواقعية لم نكن لنطرحها لولا المواقف المُخيبة والنتيجة والمحصلة النهائية لا للحركة الشعبية فى قطاع الشمال بل لمعظم الكوادر التى كانت تقود العمل السياسى والتنظيمى فى القطاع , لماذا تهربتُم منها وتطرقتم لمسائل إنصرافية وحاولتم الرد من أجل الرد و(تنفيذ التوجيهات الصادرة إليكم بالكتابة) , فلقد قلتم فى ردكم (هى نزعة مرفوضة وغير مقبولة إطلاقاً) من أنتم حتى ترفضون نزعة ما أو تقبلوها ؟ وبلسان من تتحدث ؟ وذهبتم أكثر من ذلك بقولكم (والدعوة إلى إنكماش الحركة الشعبية لتحرير السودان جنوباً دعوة قديمة بقدم الحركة الشعبية نفسها , وتاريخ الحركة الشعبية يحدثنا عن إن كل من تبنى هذه الدعوة إنتهى به المطاف إلى التحالف مع أعداء الحركة الشعبية , وبالتالى فإن أصحاب هذه الدعوة مكشوفين بالنسبة لنا ولا يمكن أن يحرفونا عن مشروعنا الكبير) , وفى هذا الشأن نقول : إنتهاء المطاف إلى التحالف مع أعداء الحركة الشعبية – لا تعليق لنا عليه – ولكننا نسألكم فى نقطتان - الأولى : من هو الذى يساهم الآن فى إنكماش الحركة الشعبية جنوباً أليس بمواقف الذين رفضوا الحركة الشعبية بعد إندلاع الحرب وآثروا ترك العمل السياسى وبعضهم عادوا إلى الحظيرة و(البيت الكبير) ؟ فما هى الرسالة التى يريدون قولها سوى إنهم كانوا فى المكان الخطأ , وأنا أعرف الكثير من الرفاق بعد أن خرجوا من الخرطوم طُلب منهم بواسطة بعضالقيادات العودة إليها مرة أخرى فما هو تفسير ذلك سوى - إنكم لا تشبهون مثل هذه الأشياء (الإنتهاكات والنزوح واللجوء والتشرد) أليس هذا الموقف نفسه عنصرياً ؟ فهؤلاء إذا ذهبوا فقط إلى معسكرات اللاجئين وتضامنوا معهم وقاموا بمساعدتهم بأى صورة كان يمكن أن يخفف ذلك عن معاناتهم كثيراً لما فى ذلك من دعم معنوى كبير وبالتالى يدرك اللاجئين ان الذين يستهدفونهم فى الشمال ما هم إلا أقلية وطغمة عنصرية فاسدة , فبينما رجع هؤلاء إلى الخرطوم خرج الآخرون من مناطق الحكومة وتحمَّلوا أوزار النزوح واللجوء حتى وصلوا إلى حيث يمكن دعم الكفاح والنضال سوى كان بحمل السلاح أو خلافه ,وهل الحركة الشعبية ملك لمجموعات محددة حتى يُتركوا لوحدهم يتحملون أوزار الحرب والدفاع عن مشروع السودان الجديد , وما رأيكم فى الذين يصوُّرون الحرب الدائرة الآن بإنها بين النوبة الفونج والمؤتمر الوطنى وهذا هو لسان حال الكثيرين الذين يدعمون ذلك بمواقفهم وسلوكهم , وهل يستطيع (كمنجة) أن يجمع فصيلة واحدة من المقاتلين ليساهموا فى الكفاح المسلح , فعندما إندلعت الحرب فى 1983 لم يكن هنالك (قطاع شمال) وأهداف الحركة الشعبية نفسها لم تكن معروفة فى الشمال مع سيطرة خطاب المركز المشوَّه , ولكن بإندلاع الحرب فى يونيو 2011 كانت هنالك مؤسسات قائمة بدءاً من سكرتارية القطاع الشمالى التى تضم ما يقارب المائة كادر بالإضافة إلى السكرتاريات التنفيذية ومجالس التحرير فى الولايات ال(13) التى يتراوح عضويتها ما بين 40 – 50 عضواً , أى إن جملة أعضاء مجالس التحرير بالولاية يساوى حوالى (650) عضواً, فعند إندلاع الحرب كان يمكن إنضمام (500) كادر على الأقل إلى الجبهات القتالية وهو ما يعادل حوالى كتيبة مقاتلة وهذا يمكن أن يكون محفزاً للآخرين لينضموا للجيش الشعبى لتحرير السودان حتى لا تكون الحركة الشعبية (جنوبية ) كما يخشى كمنجة وغيره وبالتالى نقل الحرب شمالاً , أم الشمال مُستثنى عن الحروب؟ والمؤتمر الوطنى دفاعاً عن مشروعه الحضارى حارب جميع أعضاؤه عبر المجاهدين والدفاع الشعبى ومعظمهم من الشمال النيلى الذى تحدثت عنه أنت وماتوا من أجل مشروعهم وفكرتهم التى آمنوا بها كان ذلك فى الحرب الأولى والآن هم بصدد إعادة ذلك مرة أخرى , ولماذا لا تحاربون أنتم دفاعاً عن مشروع السودان الجديد وهنالك تجربة سابقة لأفراد ينتمون للشمال النيلى حاربوا فى صفوف الجيش الشعبى لتحرير السودان ولا زالوا يحاربون حتى الآن ؟ وفى رأيك لماذا تخرجوا أنتم من الخرطوم وتتركوا البقية ينعمون بالإطمئنان - على الأقل من ويلات الحرب - وتتحدثون عن إنتصارات الجيش الشعبى فى جبال النوبة والنيل الأزرق ؟ هل الحرب كُتبت فقط على شعب هاتين المنطقتين ؟ وماذا لو طالبت هذه الشعوب بحق تقرير المصير , من المتسبب فى هذا طالما ساهمت أنت وغيرك فى إنكماش الحركة الشعبية (جنوباً) ؟ والآن أنت مطالب بالإجابة على هذا السؤال الذى سأترك لك فرصة كافية للتفكير فيه والإجابة عليه متى ما وجدت الإجابة المناسبة – أين هؤلاء الذين كانوا يعملون فى القطاع الشمالى سوى كان فى المناصب الدستورية أو فى هياكل التنظيم ؟ فإذا كانت القضية تهمهم لماذا لم يلتحقوا بالجبهات القتالية أو أى مكان آخر يمكن أن يناضلوا منه بدون رفع السلاح ليدفعوا بمشروع التحرير ؟ ما هى الإجابة وما هو التبرير ؟ وهل الإجابة عند غيرك أم عندك أنت بإعتبارك من تصديت وقُمت بمحاولة الرد علينا , وماذا فعلت أنت شخصياً حتى تقول ( لا يمكن أن يحرفونا عن مشروعنا الكبير) وما هو مشروعكم الكبير الذى تريدون تحقيقه ؟وما نحمده لكمنجة إنه قام بتصنيف نفسه وتحديد المجموعة التى يُمثلها ونحن من الآن وصاعداً نعتبره متحدثاً رسمياً بإسم المجموعة ما لم يتبرأ منه أعضاء الحركة الشعبية من الشمال النيلى الذى حاول الزج بهم فى مقاله , ونحن عندما تحدثنا تناولنا تجربة وطرحنا تساؤلات ولا أجد مبرراً أو أى سبب لإنزعاجكم من حديثنا عن دارفور , فأنت الآن يمكنك الإعتماد على جميع رؤساء الحركة الشعبية فى دارفور وإعطاءهم أى مهمة تنظيمية أو تكليف لأنهم مُتاحين , فكم عدد رؤساء الحركة الشعبية فى (الشمال النيلى) تستطيع الإعتماد عليهم الآن , لقد إنهارت النظرية الخاطئة التى على أساسها تم تنظيم قطاع الشمال وهى لا علاقة لها بفلسفة ورؤية السودان الجديد حتى تحاول مغالطة التاريخ والواقع , والذين تساقطوا تم فرضهم وتعيينهم فى المواقع القيادية التنظيمية ولم يتم إنتخابهم ديمقراطياً ولا علاقة للجان التنظيمية بهذه التعيينات , ومشروع السودان الجديد لا يتم تحقيقه بأشخاص يتم إنتقائهم من المجتمع وإنزالهم بالبرشوت على الهياكل التنظيمية, فهو مشروع مرتبط بفكرة ورؤية شاملة لطبيعة الأزمة وطرائق الحل , ولو كنتم تعتقدون إنكم تستطيعون تكرار تجربة القطاع الشمالى مرة أخرى فأنتم واهمون , وإن أردت الكتابة مرة أخرى عليك الإعتماد على معلومات حقيقية حتى لا تتوه فى مدارات وهمية, ومحاولة حديثك عن المنفستو وغيرها من القضايا السياسية والفكرية فأنت لا تملك أى آلية الآن لتقول شيئاً فيها ومواقفكم الحالية هذه قد تفتح الباب على مصراعيه للمطالبة بما لا تشتهى السفن وتترك لكم لاحقاً مهمة (التوطين) فى ما تبقى من رقعة جغرافية , أما بخصوص الوحدة الفكرية التى تحدثتم عنها فإنها لا تتم إعتباطاً ولا يمكنكم فرضها على الآخرين , وإن قضايا النوبة والفونج ودارفور لن تموت نتيجة لمغامراتكم وبحثكم عن التسويات السياسية , والكتلة التاريخية التى تحدثتُم عنها فإن شروط تكوينها لم تكتمل بعد وهذا لا يحتاج إلى جدال والآن من يعتبرون أنفسهم (أولاد البلد) ينظرون إلى تحالف الجبهة الثورية الذى تنتمى له أنت بإعتباره تحالفاً عنصرياً , فبدلاً عن الإيحاءات ومحاولة إيجاد تبريرات أخرى لعدم تشَكُل الكتلة التاريخية أرجو أن تكونوا واقعيّين وتبحثوا عن بدائل وآليات ثورية أخرى لإحداث التغيير والتحوَّل. وأخيراً : أرجو أن تبتعد عن محاولة إتهام الآخرين بالعنصرية لأنكم من تمارسون العنصرية قولاً وفعلاً وليس نحن ,وأعلم جيداً إن مثل هذه التُهم لا تُخيفنا , وإن إعتمدتُم هذا سلاحاً لنزالنا, فإمتطوا أعلى ما فى خيلكم .