تستعد جامعة الدول العربية هذه الأيام لعقد اجتماعات قمتها بالعاصمة العراقية بغداد ، بعد أن بدأت الحياة تدب في أوصالها عقب ثورات الربيع العربي ، والتي سيحتل ملف الصراع الدائر في سوريا صدر أجندتها. وكالعادة سيتواصل صمتها وتجاهلها عن ما يحدث في السودان من جرائم تفوق تلك التي يرتكبها النظام السوري ضد شعبه . وبالنظر الى تكوين هذه الجامعة الكسيحة ، نجده يقوم على أساس التركيبة السكانية لأعضائها فهي تتشكل من الدول التي يشكل العنصر العربي أساساً لسكانها وتتحدث باللغة العربية . فتجمعها لا يقوم على أساس جغرافي يرتبط أعضائه بمصالح مشتركة كالاتحاد الأوربي أو الاتحاد الأفريقي ، أو على اساس اقتصادي كمجموعة دول(الكوميسا) وغيره من التجمعات الاقتصادية العالمية ، فلا يتمتع المواطنين داخل عضويتها بحرية الحركة والاقامة كتلك التي تتواجد بين دول الاتحاد الاوربي ، ولاتزال هناك الكثير من القيود على الحركة التجارية بين أعضائها . هذا الأساس العنصري لتكوين الجامعة جعل عضوية السودان فيها تسودها الكثير من الضبابية ، فالشعب السوداني يتكون من مجموعات سكانية مختلفة يغلب عليها العنصر الأفريقي ، فالكثير من السودانيين ينحدرون من العنصر الأفريقي أو خليط بين العنصر العربي والأفريقي ، مع وجود القليل من المجموعات العربية بشرق السودان . ويتحدث الغالبية من سكانه اللغة العربية مع وجود عدد مقدر منهم يتحدثون بلغات سودانية محلية ، وتتكون ثقافته من الثقافة العربية والأفريقية وخليط بين الثقافتين تتوزع حسب المجموعات السكانية التي يتشكل منها وهو وضع غير متوفر في الكثير من دول الجامعة العربية . انعكس هذا الأساس العقيم لتكوين الجامعة على تفاعلها مع القضايا السودانية ، ففي الوقت الذي تجتهد فيه لادانة ممارسات النظام السوري وجيشه النظامي لقيامه بقتل وقصف مواطنيه، نجدها صامتة صمت القبور عن الجرائم التي ارتكبها ومازال يرتكبها نظام الانقاذ ضد مواطني دارفور الذين قتل منهم النظام اكثر من ثلاثمائة ألف مواطن وشرّد الملايين الي معسكرات اللاجئين والنازحين . فلا يوجد وجه مقارنة بين هذا العدد الضخم من الضحايا وبين ما اقترفه النظام السوري من مجازر حتى اللحظة . كذلك نجدها تجتهد في طرح المبادرات لحل المسألة السورية وترسل مراقبيها الى هناك لبحث اوضاع المدنيين المتأزمة ميدانياً ، وفي نفس الوقت تتجاهل معاناة آلاف المواطنين السودانيين بجنوب كردفان والنيل الأزرق ، من الذين ظل نظام الانقاذ يقصفهم يومياً بطائراته الأمر الذي جعلهم يتحصنون بالكهوف هرباً من نيرانه فأصبح يقتلهم المرض والجوع بعد أن منع النظام وصول الطعام اليهم ، ويجتهد كل العالم ومنظماته الخيرية لاغاثتهم ، بينما هي صامتة لا حراك لها يوازي حراكها في الملف السوري . لماذا تتجاهل الجامعة قرارات مجلس الأمن الدولي في الشأن السوداني الخاصة باحالة الجرائم التي ارتكبت في اقليم دارفور الى محكمة الجنايات الدولية ، بينما تسعى جاهدة الى ذات المجلس وهي تحمل الملف السوري لتصتدم (بالفيتو) الصيني والروسي ، دون أن يقلل ذلك من عزيمتها وتصميمها على العودة اليه بالملف مرة أخرى . فهي تعلم تمام العلم بأن تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية أثبتت ارتكاب نظام الانقاذ لجرائم ضد الانسانية وجرائم حرب وابادة جماعية في اقليم دارفور لتطال الاتهامات كبار المسئولين بالنظام وعلى رأسهم رئيس الدولة شخصياً . فصمتها وتقاضيها عن كل هذه الجرائم يوحي بأنها لا تنظر الى هؤلاء المواطنين المبادين جماعياً والمرتكبة في حقهم جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية باعتبارهم مواطنين عرب كالذين تجتهد في حمايتهم في سوريا واسقاط النظام الذي يقتلهم ؟؟ وتتجلى عنصرية هذه الجامعة في مسارعتها في تجميد عضوية النظام السوري داخلها،و تركها لنظام الانقاذ الذي ارتكب جرائم أكثر فظاعة يتمتع بكامل عضويته بل ويترأس جنرالاته من مجرمي الحرب بعثاتها . فالأسباب التي تجعلها تمنع وليد المعلم من حضور اجتماعاتها ، يتوفر اكثر منها بكثير لمنع علي كرتي من التربع داخل أروقتها . كما لا يفهم ان تقدم الجامعة الدعوة لرئيس النظام في السودان لحضور اجتماعات قمتها في بغداد وهي تعلم بأنه مطلوب للعدالة الدولية وصادر في مواجهته أمر قبض دولي ، بينما تحجبها عن رئيس النظام السوري الذي عجز المجتمع الدولي عن ادانته ؟؟ طارق محيسي