لقد استوقفني قرار مشاركة الرئيس البشير في القمة العربية التي عقدت ببغداد بداية هذا الاسبوع .. القمة التي عقدت بمشاركة اقل من نصف زعمائها .. وهي قد تكون ادني تمثيل دبلماسي لهذه المنظومة منذ تأسيسها (فقط 12 زعيما) .. ففي الوقت الذي غاب فيه معظم زعمائها الحقيقيين والمؤثرين لاسباب عديدة (اري معظمها منطقية) تسارع بعد الانظمة المهترئة والبائسة المكتوية بنيران الدونية العروبية .. كامثال الصومال والسودان وجيبوتي .. للالتحاق بهذه القمة الهزيلة الفاشلة .. لا ادري لماذا ؟.. هل هي لاظهار طاعتها وولائها العروبي ام لاهتمامها الزائد بقضايا وهموم الامة العربية !! ولو امعنا النظر الي اسباب تغييب الزعماء العرب عن هذه القمة الشكلية فنجدها منطقية الي حد كبير .. فمثلا نجدا ان بعض المسببات التي غيبت بعض الزعماء تتمثل في مواقفهم الشجاعة من قضية الشعب السوري العادلة والاحداث المأساوية التي يتعرضون لها من قبل نظامهم السفاح الذي يقصفهم بالطيران والمدافع ويقتل المدنيين العزل ويذبح الاطفال والنساء.. القضية التي تشغل كل الشعوب العربية اليوم بل التي تهز ضمائرهم وضمائر كل من يحمل قطرة دم في شريانه .. وكان من المفروض علي اي قمة تعقد هذه الايام ان تضع هذا الموضوع علي اولويات اجندتها من الناهية الانسانية بالدرجة الاولي ناهيك عن بعدها السياسي .. ولكن كان للدولة المضيفة راي اخر واجندة اخري .. فقد كان مواقف الدولة المضيفة لهذه القمة يشوبها الضبابية والانحياز لنظام الاسد السفاح الشئ الذي اغضب بعض الدول الشريفة فتسببت في تغييب زعمائها .. والبعض الاخر فضل عدم الحضور لاسباب امنية وهي ايضا اسباب مقنعة. هذه القمة ان جاز التعبير هي قمة شكلية وفاشلة بلا شك .. بل هي مهزلة .. الخلاف الحاد علي صياغة اجندة القمة والمتمثلة في تعنت الدولة المضيفة لاعتراضها علي بند تشديد الضغط علي النظام السوري ومطالبتها بالتنهي هي التي نسفت بالقمة وبمصداقيتها واهميتها وتسببت في تغييب الكثيرين من الزعماء .. ولكن عليكم بالله قولوا لي (هل هناك اليوم قضية اهم من ما يحدث في سوريا حتي يختلف عليه العرب؟؟) ما يحدث للشعب السوري موضوع مهم جدا يناقشه كل التنظيمات الاقليمية علي مستوي العالم (الاتحاد الاوربي .. الاممالمتحدة .. منظمة اصدقاء سوريا ..الخ) ولم نسمع اي اختلاف لهؤلاء .. وعندما يتعلق الامر بمن هو اولي بالامر نجدهم يختلفون علي اشياء لا يمكن ان يختلف عليه اثنان (ولله في خلقه شئون) ولكن ليس هذا الامر هو ما دفعني لكتابة هذا المقال .. فالخلاف العربي العربي ليس بجديد علي احد .. حيث كلنا يعلم بهذا وبشعارهم المشهور الذي يصور مقولة (اتفقنا بالا نتفق).. بل ان ما دعاني لكتابة هذا المقال هو الموقف الغير عقلاني والغير مسؤول الذي اتخذته حكومتنا بالهرولة للمشاركة في هذه القمة بمستوي رئيس .. لا اعني بكلامي هذا عدم المشاركة من حيث المبدأ ولم اقصد بكلامي هذا (فتح ملف عروبتنا العصية) فحتي هذه اللحظة رضينا ام ابينا فنحن "عرب" ومحسوبين ضمن هذه المنظومة "الامة العربية" فهذا هو قدرنا الذي اوقعنا الله فيه بفعل فاعل ولا حيلة لدينا الان بفعل شئ الا ان نردد معهم (نعم نحن عرب) .. ولكن انتقد موقف نظامنا السفاح لهرولتهم الي هذه القمة بتمثيل الرئيس في ذاك التوقيت بالذات .. فهي ليست مناسِبة من حيث الظرف (الزمان والمكان) الزمان: لقد جائت هذه القمة مصادفة للاحداث الاخيرة بين دولتنا ودولة جنوب السودان في هجليج .. ولقد كانت الاجواء هي اجواء حرب تماما .. والمواطنون في تلك المناطق في حالة من الارتباك .. لا يدرون مالات هذا الحرب واين ستقف وكيف ستقف ومن سيوقفها ان توسعت.. بل والبلد كله كان في حالة بلبلة وضبابية من تلك الاحداث .. الكل يريد ان يعرف ماذا يجري في هجليج وما جاورها بالضبط .. كيف لا وطبول الحرب يسمع دويها وراوائح البارود يشتم .. أيعقل للرئيس ان يترك شعبه ووطنه في مثل هذه الحالة ويهرول للحاق بقمة شكلية لا فائدة مرجوة منها !! عذراً سيدي الرئيس انكم وبالرغم من سطوتكم للسلطة والبقاء فيها لاكثر من 23 عاما عجافا .. الا انكم لم تتعلموا ادبيات القيادة وقدسية المواطن والوطن .. الرؤساء يتركون القمم ويقطعون العطلات الصيفية ويعودن الي شعبهم ان احسوا بوجود اي خطر يهدد حياتهم وليس العكس .. فان قرار سفرك للعراق لحضور القمة العربية بدعوي (انها من اجل حلحلة قضايا الشعب العربي) في الوقت الذي يشتعل فيه ارضك لا معني لها البتة .. وغير موفقة .. وهي تعيد الي اذهاننا قول المثل (باب النجار مخلوع)
اما المكان: لم يكن المكان موفقا بقدر ما هو الزمان .. هذه القمة عقدت في دولة تتبني مواقف معادية تماما لقضايا الشعوب العربية وتتحالف مع انظمة معادية لها (كالنظام السوري الفاسد والايراني الشرير الداعمة للارهاب والفتن) .. فان موقف النظام العراقي المعادي للشعب السوري والمتواطئ مع نظام الاسد الذي يزهق ارواح السوريين الابرياء .. كان سببا كافيا لاي زعيم شريف بالا يشارك في مثل هذه القمم المخزية .. ولكن هل هذه الاسباب كافية لمنع من يحاول جاهدا اثبات عروبته التي دائما هي محل امتحان .. وهل هذه الاسباب مقنعة لنظام تفنن هو نفسه في قتل وذبح واغتصاب شعبه .. فمن المعلوم ان نظام البشير نفسه قد سبق النظام السوري في الاحتراف بقتل شعبه والتنكيل بهم .. ونسبة لهذا التشابه المخزي واختلاط الهابل بالنابل .. ونسبة لغياب الكرامة والوعي القيادي .. جاء قرار مشاركة رئيسنا السفاح في هذه القمة الشكلية التي لا تعني الشعب السوداني ولا حتي الشعب العربي ومصالحه لا من بعيد ولا قريب ولا تنم لقضاياهم بشئ.