اسامة خلف الله مصطفى-نيويورك [email protected] إكتمال نضوج العقل البشرى كان مؤشره نزول آخر الرسالات السماويه، ولذلك كان معظم خطابها مركزا على إستخدامه والإستدلال به. وبما أن مجتمعنا السودانى به كتيرا من الموروثات التى لا تخضع للتعقل بل أكثرها يصب فى باب التلقى المغلق من الأباء والأجداد. والتمسك والإنتماء للطرق الصوفية ليس تغييبا للعقل البشرى وإتباع بلا بصر أو بصيرة وخاصة فى إمور الحياة والسياسة بل هو حب وإنتماء للتعاليم السماوية التى أحياها زعماء الطرق الصوفية. ولقد حذرت الرسالة السماوية من مغبة ذلك الإتباع الاعمى ضاربة أصدق الأمثال فى أن فساد العقائد السابقة كان واحد من أسبابه الكبرى هو إتباع رجال الدين والاباء إتباع معصوب العينيين والمغيب عقله. ويشهد على هذة الإستقلالية الفكرية وحرية الإختيار فى إمر السياسة ما قام به بعض من منتمى الطريقة الختمية من رفض وإمتغاض وإعتصام بجنينة السيد على الميرغنى عقب إعلان المشاركة فى حكومة النظام الإنقلابى. أشير هنا فى هذا المقال الى بيانين للحزب الإتحادى الإصل هنا بتواريخ : 24 ديسمبر الماضى والأخر بتاريخ غرة فبراير من هذا العام. ففى البيان الأول يعتبر الحزب بان المجموعة التى شاركت النظام هى مجموعة خارجة عن دستور الحزب وخطه السياسى ومرتكزاته الفكرية وإن صلتهم بالحزب قد انقطعت تماماً بمجرد توقيعهم علي إتفاق المشاركة . ولقد تقبلت الساحة السياسية السودانية بسرور وغبطة وأنه بمثابة غسل طاهر لايادى الإتحاديين الوطنية من درن وموبقة المشاركة فى الأنظمة العسكرية. لقد كان البيان هو صحوة ضمير وبعث لإرادة جماهير الحزب التى ظنت الجماهير بأنها ٌأ نتزعت عن طريق التسلط والهيمنة الداخلية. ولكن كم كانت دهشة الجميع وصعقتهم حينما أصدر الحزب الاصل بيانه الثانى فى مطلع شهر فبراير والذى بداه بالتأكيد علي زعامة ورئاسة مولانا السيد محمد عثمان الميرغني للحزب الاتحادي الديمقراطي الاصل باعتباره صمام الامان وقوة الدفع الرئيسية للحزب. والسؤال الذى يطرأ فى الأذهان هنا :لماذا حكم أعضاء هذا الحزب فى بيانهم الأول على المشاركون فى النظام من أعضاء الحزب بقطع الصلة بالحزب وبصورة تامة ثم خرست ألسنتهم عما فعله الميرغنى فى أمر المشاركة؟؟. أليس هذا هو بالامر المخجل؟؟ . لقد كتب وأخرج الميرغنى كل فصول مسرحية العار الوطنى ، فلماذا عميت أعينكم أو أعميتموها أنفسكم مما فعله الميرغنى فى أمر مشاركة الظالمين فى حكمهم؟؟. أين الضمير ؟؟ أين الامانة ؟؟ . أهل سمعتم بوعد رسول الحرية وعدم إستثنتاء أقرب الأقربيين الى قلبه إن هى إرتكبت معصية؟؟ . فلماذا تغضون الطرف عن مرتكب موبقة المشاركة فى الحكم الدموى الاحادى الظالم؟؟. والذى حرم واهب الحرية الإنسانية موالاة الظالمين ، فيا ترى ما حكمه فى من وضع يده وعمل فى بلاطهم؟؟. أليس هذا هو الميرغنى الذى قال عن مشاركة الشريف زين العابدين الهندى للنظام الهالك بإذن الله " إن الشريف قد شطب نفسه من الحزب الإتحادى"؟. لماذا لا نستخدم نفس الجزاء لنفس الفعل؟؟؟. أهل تؤيدوننا أن نهلك بهذا المنطق : " إذا شارك شريفهم نظام عسكرى فصلوه، وإذا شارك مرغنييهم نفس النظام تركوه". لقد حاولت أن أحبس مشاعرى من الإنفلات وبأن لا يكون هو ردة فعلا لموقف واحد منفرد من الميرغنى ولكنى ما وجدت فى تاريخ وطنى الجريح إلا مواقف تدل على أن الميرغنى قد إستفاد من خاصية النسيان والعفو غير المستحق الذى أصاب شعبنا . وأنه حتما المستفيد الأول والأخير من منهج اللامحاسبية فى حزب من المفترض أن يكون نهج المسآلة والمحاسبة السياسية هو السائد. لقد خرس لسانى من أول خرق لمنهج الحزب قام به الميرغنى فى صبيحة أول إنقلاب عسكرى فى تاريخنا الموافق 18 نوفنمبر 1958 حينما ألقى هذة الكلمة على لسان والده (عليه رحمة الله) : " أعلن فيه تقبله تسلم الجيش بقيادة ضباطه العاملين زمام السلطة فى بلادنا ، وإننا نأمل أن تتضافر الجهود وتخلص النوايا لتحقيق الطمأنينة فى النفوس وتوطيد الأمن والإستقرار فى ربوع البلاد". ثم يظل الميرغنى مراهنا على ضعفنا وعلى أننا لا نقوى على محاسبته أبدا: وفى عام 1977 يصالح الميرغنى النظام العسكرى الثانى وهذا المرة تفوق جرأتة فى الباطل السياسى حدودها فيدفع بأخيه أحمد الميرغنى ( له المغفرة) الى المشاركة فى اللجنة المركزية للإتحاد الإشتراكى. ويبلغ زهو الميرغنى بهيمنته على حزبنا العريق قمته وكأنه يقول لنفسه " إذا كنت على قمة حزب بلا مؤسسية ولا محاسبية، فأفعل ما تشأ". لم يكتفى الميرغنى بإنزال رايات "إقتلاع النظام من الجذور" " سلم وتسلم" ، بل عمل على حماية النظام من المعارضة المسلحة فراح يعمل ويفتخر بأنه من وفق رأس النظام وجبهة الشرق فى الحرام السياسى. والأن حصص الحق وإنقطع العشم منه وحانت لحظات شطبه (كما قال) ومحاسبته لانه لم يعد مصالحا أو ملاطفا للنظام (كما المهدى) ، بل هو الان جزء من حاشية فرعون وملائه ويحمل أوزاهم الى يوم أن يأتى الغرق الثورى الذى لا نجاة منه.