[email protected] اليوم التاسع من أبريل 2012م هو يوم تاريخي ومفصلي بلا شك ، ففي هذا اليوم كما أعلنت وزارة الداخلية السودانية هو اليوم الذي يفك فيه إرتباط الجنوبيين بالسودان ويصبحوا رعايا أجانب وتسقط كل الأوراق الثبوتية الخاصة بالمواطنة لديهم وتصبح غير مبرئة للزمة كما أبانت الداخلية ، هذا اليوم أحسبه كيوم إستقلال السودان في الأول من يناير 1956م ، فاليوم نتحرر من الوحدة القسرية التي أجبرنا عليها بواسطة المستعمر البغيض ، فعندما نحتفل سنوياً بخروج المستعمر الإنجليزي في ذكرى الإستقلال يجب كذلك أن نحتفل سنوياً عند التاسع من أبريل بخروج ذيل من أذيال الإستعمار ظل يطوقنا به كما فعل الثعلب مع الدجاج ، وقصة الثعلب للذين لم يطلعوا عليها تقول إن ثعلباً إعتاد قنص الدجاج عندما يجده خارج القفص وعندما لا يجده بالخارج ينام الثعلب بجوار القفص مدخلاً ذيله بإحدى الفتحات فترى الدجاجات ذلك فتسهر لا تنام ، هكذا فعل المستعمر بنا بأن ضم الجنوب إلينا وجعله ذيلاً له ليغض مضاجع أهل السودان الذين بدأسهرهم منذ العام 1955م بتمرد توريت المشهور وقبل أن يعلن إستقلال البلاد ، لتبدأ مسيرة الحرب والدماء التي أخرت السودان كثيراً من اللحاق بركب الأمم. ذكر السير (جيمس روبرتسون) ، آخر سكرتير إداري بريطاني في السودان وهو الذي قام بإعداد مؤتمر جوبا العام 1947م ، ذكر (ربورتسون) أنهم أي البريطانيين وضعوا ثلاثة خيارات لحكم الجنوب ، الخيار الأول كان هو ضمه ليوغندا ولكنها كانت مستعمرة فقيرة وقد تململ المصريون من هذا الخيار لتخوفهم على مياه النيل بإنشاء دولة خارج سيطرتهم (مصر كانت شريكة للبريطانيين في إستعمار السودان) لهذا أتفق المصريين مع البريطانيين على إستبعاد هذا الخيار ، فكان طرح الخيار الثاني وهو جعل الجنوب دولة قائمة بذاتها لا ترتبط بالشمال وأستبعد هذا الخيار أيضاً لفقر الجنوب وعدم وجود موارد به تمكنه من قيام دولة ، وكان الخيار الثالث هو ضم الجنوب إلى الشمال وهذا ماكان بالفعل . لقد إهتم الإنجليز بالشمال لأنهم وجدوا فيه المناخ المناسب لإقامة المشاريع التي من أجلها إحتلوا السودان ، فالأراضي الصالحة للزراعة ممتدة المساحة مما مكنهم من إنشاء مشروع الجزيرة أكبر مزرعة في العالم وكذلك توفر المياه وملائمة المناخ وفوق ذلك وجود الإنسان المتعلم الذي يمكن الإعتماد عليه في الوظائف الحكومية لتسيير دولاب العمل ومزايا أخرى كثيرة ، إن إهتمام المستعمر البريطاني بالشمال لم يكن حباً في الشماليين ولكن لأنهم وجدوا فيه ضالتهم التي لم يجدوها في الجنوب ، ولكن رغم ذلك لم يتركوه للغير تأميناً لحدودهم الجنوبية من منافسيهم الآخرين وكذلك إرضاءاً لمصر شركيتهم في الإستعمار والتي كانت تريد تأمين مياه النيل وكذلك للإحتفاظ ببقية أراضيها في السودان التي كانت ممتدة حتى يوغندا إبان الحكم التركي التي أضطرت لتركها عقب قيام الثورة المهدية. إذاً سادتي يوم التاسع من أبريل هو يوم الإنعتاق من الوحدة المصنوعة ، يوم الأنعتاق من القاطرة المعطوبة التي كانت تشدنا إلى الخلف ، لن يتباكى على ذهاب الجنوبيين إلا من كان يتخذهم أو يتخذونه مطية لتنفيذ أجندات سياسية ولن يتباكى عليهم إلا غرير خدعته شعارات الوحدة الزائفة ، ولن يتباكى عليهم إلا نخبوي فشلت مشاريعه وأحلامه السراب التي كان يعدها ماءاً. أتمنى أن ينسى السودانيين مرارات أحداث الأحد الأسود في الستينات وأن ينسوا أحداث الإثنين الأسود التي حدث عام 2005م ، الشئ الغريب أن هذين الحادثين نتجا من إشاعة ففي الأول إتهم الجنوبيين الشماليين بأنهم قتلوا وزير الداخلية وقتها (كلمنت أمبورو) وفي الثاني أيضاً تحركت الأحداث نتيجة إشاعة مقتل قرنق على أيدي الحكومة ..وهكذا دائماً تتحرك الأحداث الدامية نتيجة الأحقاد المتراكمة والثقة المفقودة ، المضحك ان مفاوضي أديس أبا أبا اليوم يتحدثون عن الثقة بين السودان والجنوب وضرورة تهيئتها في الوقت الراهن ، متناسيين أن هذه الثقة لم تتوفر منذ أكثر من خمسين عاماً كيف لأيام أن توفرها؟ ، إنها أحلام النخب والصفوة ، أحلام تبددها وقائع الأيام المؤلمة ، يوم كان الجنوبي يتحرش بالشمالي لمجرد أنه وطأه برجله في مركبة عامة ، تبددها كراتين كسلا في الحاج يوسف وأمبدات وجبل الأولياء ، هذه الكراتين التي كان الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود ، وكراتين كسلا للذين لم يعاصروها هي (عشش) من الكرتون كان يعيش فيها الجنوبيين منعزلين عن بقية شعب السودان وكأنها معسكرات لاجئيين ، سيجئ مزايد ويقول أن الشماليين همشوهم فعاشوا كذلك ، فأقول كلا .. إنها العقلية الإنعزالية المنكفئة التي تحس بالغربة وسط مجتمع لا تربطه به أواصر الهوية من لغة ودين وتقاليد ، لقد أرادوا نقل مجتمع الغابة إلى المدن فلم يجدوا إلا كراتينهم ليشعروا وكأنهم في بلادهم...والآن بعد فرز(الكيمان) حق لهم أن يعيشوا كما يريدون وحق لنا ان نعيش كما نريد أيضاً و أن نمد أرجلنا ونتمطى . إننا محظوظين بأن عشنا هذا التاريخ فقد كنا نغبط آباءنا الذين عاصروا الإستقلال الأول ولم نكن ندري أننا سنعيش لحظات الإستقلال الأكمل ونتمنى الإنعتاق من بقية القاطرات المعطوبة لنشهد نهضة السودان الحقيقية ، سودان الإستقرار ، سودان الهوية الجامعة لا سودان التشاكس والتناحر والتباغض ، فغداً تأتلق الجنة أنهاراً وظلاً ***** وغداً ننسى فلا نأسى على ماض تولى ... رحم الله الشاعر الفذ الهادي آدم.