أكثر ما يبعث على القلق ونحن نتأمل" الحالة السودانية" من وجوهها المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، هو ما بدأ يتسرب للنفوس من اليأس والقنوط من إمكانية إصلاح الحال وعلاج المشكلات العويصة التي يعاني منها الوطن وتهدد مصيره بل وجوده نفسه.ستة وخمسون عاما منذ أن رحل الاستعمار البريطاني، وشعب السودان ما زال يواجه قضايا معقدة وشائكة لا تتبدى في المدى القريب بوادر حلولها.فعلى الصعيد السياسي يغلب على الأحزاب تقديم أجندتها الحزبية على الأجندة الوطنية ، كما أن الاستقرار السياسي والإجماع الوطني على القضايا الكبرى والتحول الديمقراطي ما زالت أمنيات عزيزة لا تتحقق على أرض الواقع.التطورات السياسية التي عايشناها خلال أكثر من عقدين من الزمان وأهمها اتفاقية السلام الشامل ، لم تفض إلى وحدة وطنية بين شقي السودان القديم، كما لم تحقق الوضع الذي بشر به دعاة الانفصال الذين كانوا يظنون أن كارثة الانفصال ستكون مهراً للسلام والتعايش بين دولتي الشمال والجنوب. عانى السودان منذ استقلاله من نظم شمولية قابضة هيمنت على مفاصل السلطة والثروة ومارست بدرجات متفاوتة التسلط والعزل والإقصاء، كما عانى من فترات ديمقراطية قصيرة متقلبة تميزت بالاضطراب والفوضى وجعلت المواطنين يزهدون في الديمقراطية بأحزابها المتنافرة والمتشاكسة ، ونقاباتها واتحاداتها المتمردة على السلطة الديمقراطية.وعلى الصعيد الاقتصادي، وباستثناء بعض الإنجازات والمشاريع التنموية في الحقب المختلفة،عجزت الحكومات الوطنية المتعاقبة عن ترتيب الأولويات وضبط وتركيز التنمية الإقتصادية لنقل السودان ، اعتمادا على موارده الطبيعية المتنوعة ، من بلد فقير يستورد الكثير من حاجاته الغذائية من الخارج،إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي على أقل تقدير.وعلى الصعيد الاجتماعي تبدت ظواهر كثيرة منها ما بدأ يطرأ من تغير في سلوك وصفات السودانيين التي ميزتهم عن غيرهم ومنها الظواهر الاجتماعية السالبة ، والممارسات الضارة وبعض الجرائم الجديدة والغريبة على المجتمع السوداني التي بدأت تطفو على السطح. الفقر والبطالة والغلاء والمرض وتدني الخدمات وغيرها لا سيما في أطراف المدن والأرياف، وتفشي ظاهرة الفساد والجدل الذي يثور حولها في أجهزة الإعلام، كل هذا بلاشك ساهم ويساهم في إعطاء صورة قاتمة عن المستقبل لاسيما للأجيال الجديدة من الشباب من الجنسين، تزيد من حالة اليأس والقنوط وقد تدفع ببعضهم إلى أتون الضياع والتشرد.وربما يكون من الشواهد على حالة اليأس وفقدان الأمل في إصلاح الحال تزايد الرغبة في الهجرة والاغتراب بين الشباب في الآونة الأخيرة ، وما يلاحظ من سفر أعداد مقدرة من بعض الفئات المهنية لدول الخليج وغيرها في الفترة الماضية. في رأيي إن أكثر ما يمكن أن يضر ببلادنا هو فقدان الأمل في المستقبل والشعور بالإحباط في بلد ينبغي أن تكون الروح السائدة فيه وبين شبابه على وجه الخصوص،هي روح التفاؤل والأمل في المستقبل المشرق الواعد.فالسودان بموقعه وموارده وأبنائه ينبغي أن يكون أقوى من كل المحن، وليس كثيرا على شعبه ولا مستحيلا أن يفعل ما فعلته شعوب ثورات الربيع العربي من حولنا. فعلى القوى السياسية السودانية ، وعلى رأسها الحزب الحاكم وشركائه ، أن تتنبه من غفلتها وأن تقرأ هذا الواقع المحبط بما يستحقه من جدية واهتمام .وعليها أن تتوافق على رؤية محددة بأولويات واضحه تبشر بها وتعمل لتحقيقها، لتخرج بلادنا من نفق الصراعات وتجنبها الصدامات وتتيح لها الاستفادة من مواردها الزاخرة وتمكنها من بث الأمل في نفوس شبابها.وإلى أن يتيسر الإصلاح أو تشتعل الثورة ، ربما يحْسُن أن نتعزي بقول الإمام الشافعي : سهرت أعينٌ ونامت عيونٌ - في أمورٍ تكون أو لاتكون/فادرأ الهم ما استطعت عن النفس- فحملانك الهموم جنون/ إن رباً كفاك بالأمسِ ما كان- سيكفيك في غدٍ ما يكون !