رندا بري ضيف شرف استثنائي، كرمت المشاركين وخصّت علي مهدي بالتحية إدريس سليمان سفير من العيار الثقيل وحرمه ذات حضور فعال جمال عنقرة : يكتب من بيروت : [email protected] لما قبلت التحدي، وراهنت على نجاح مهرجان الثقافة السودانية الثاني في لبنان، والذي عهد إلينا في شركة «مستقبل وادينا» سفيرنا في لبنان، إدريس سليمان، وحرمه عفاف أحمد حسن بتنظيمه، كنت استند إلى معطيات تضمن النجاح، إذا كتب الله التوفيق، وأول فرس في الرهان كان السفير إدريس سليمان، الذي تعود معرفتي له إلى نحو أربعة عقود من الزمان، ومنذ أن عرفته فهو استثنائي مبادر، وهو من خريجي أفضل مدارس الحركة الإسلامية في السودان، مدرسة العمل الطلابي. وتلك مناسبة نثبت فيها أهم تجليات إدريس سليمان في العمل الدبلوماسي، والتي كنت شاهداً عليها، وإليه - من بعد الله تعالى - يعود الفضل في أكبر إنجازات تحققت في مصر، كان هو راعيها وصاحب مبادرتها، فهو أول من دعم فكرة بناء كيان شامل للجالية السودانية في جمهورية مصر العربية، عندما كان نائباً لرئيس البعثة الدبلوماسية السودانية في مصر، حينما كان يقود البعثة السفير عبد المنعم مبروك، ولما جاء السفير الفريق عبد الرحمن سر الختم، سار في هذا الطريق بقوة، إلى أن جاء الأخ كمال حسن علي إلى مصر سفيراً، فرمى بثقله في هذا الملف، وكان كمال شريكاً فيه، عندما كان رئيساً لمكتب المؤتمر الوطني في مصر، فتكوّن مجلس الجالية الذي رعاه ودعمه النائب الأول لرئيس الجمهورية، علي عثمان محمد طه، وقدم له دعماً سخياً، وظفه السفير كمال خير توظيف، فأنشأ به داراً للجالية، تظل من الإنجازات العظيمة، ليس في مصر فحسب، ولكن على مستوى الجاليات السودانية في العالم. الإنجاز الثاني الذي غرس بذرته السفير إدريس في مصر، هو مشروع المدارس السودانية، الذي رعى فكرته ودعمه، إلى أن قامت أول مدرسة سودانية في أرض الكنانة، ثم انطلق المشروع بعد ذلك، وتم تقنينه، وهو الآن في تطور وازدهار. ومن صدقاته الجارية في مصر، إحياء النشاط الثقافي، وإضافة بعد آخر للمستشارية الثقافية، في السفارة، وكانت - طوال عمرها - تركز، بصفة أساسية، على رعاية الوجود الطلابي السوداني في مصر، ويحمد لها - في عهد أستاذنا المرحوم محمد سعيد معروف - أن رعت مجلة الثقافي، التي كانت صوتاً للحركة الطلابية في مصر، ورفدت الحياة الصحفية في السودان بمجموعة من النجوم الساطعة، منهم على سبيل المثال لا الحصر، عثمان ميرغني، كمال حنفي، راشد عبد الرحيم، وبقية العقد الفريد، ومما أسهم في نجاح مبادرته للإحياء الثقافي، وجود مستشار ثقافي بالسفارة، من ذات مدرسة العمل الطلابي، هو الأخ الدكتور إبراهيم محمد آدم، الذي مثل رأس الرمح في تلك المناشط الثقافية، ولازال عطاؤه يتواصل. ولا يمكن أن يذكر إدريس سليمان، دون أن نذكر حرمه المصون، عفاف أحمد حسن، وهي امرأة تسهم في صناعة النجاح، وتشارك فيه مشاركة فاعلة، وهي التي ترعى هذا المهرجان، مواصلة للمهرجان الأول، الذي رعته العام الماضي، وكان للموسيقى، واكتفت فيه بمشاركة السودانيين المقيمين في لبنان، بالإضافة إلى بعض مبدعي لبنان. فرس الرهان الثاني، وهو صنو للأول، ولا يقوم العمل إلا به، هو جانب المبدعين السودانيين، والذين يمكن أن يمثلوا السودان في كل مجالات الإبداع الثقافي والفني، لا يمكن إحصاؤهم، ففي كل مجال يمكن حشد العشرات، وقد يبلغون المئات في بعض المجالات، وكثير من هؤلاء الآلاف يستوعبون أهمية المشاركات الخارجية، ودورها العظيم في التعريف بالثقافة والفنون السودانية، وبرغم أني أعرف أكثر هؤلاء، لكنني - في مرحلة ترشيح الأخ السفير وحرمه - حرصت على التركيز على التجانس والتكامل بين المشاركين، فأعددنا القائمة المقترحة، فعدت إلى السودان، وبدأت الاتصال بهم، وقد يبدو غريباً أن نسبة التنفيذ كانت 100%، ويعود هذا إلى التفاعل الإيجابي العالي من الجميع، فلم يعتذر أحد، ولم يقدم أي منهم شرطاً أو قيداً للمشاركة. بل إن بعضهم ألغى التزامات داخلية تعود عليهم بعائد مالي مجز من أجل المشاركة باسم السودان فشارك من الشعراء التيجاني حاج موسى ونضال حسن الحاج، ومن التشكيليين حيدر إدريس وخالد حامد، ومن المطربين ود البكري وشكر الله عز الدين وفهيمة عبد الله، وكانت مشاركة فرقة تيراب الكوميديا عالية ومتميزة، وشارك من الصحفيين الزملاء الهندي عز الدين، حسن البطري، عبد العظيم صالح وعبد الباقي جبارة، وقاد الجنرال حسن فضل المولى وفد الفضائيات الثلاث النيل الأزرق والسوداني والشروق ومعه مجموعة راقية من المخرجين والمذيعين والمصورين وزيّن الحضور شيخ المسرحيين والموسيقيين السودانيين رئيس مجلس منهم الأخ السيد علي مهدي، ولقد قهر علي مهدي كل الظروف حرصاً على المشاركة ففضلاً عن قراره السابق باستقطاع يومين من أيام وليالي البقعة المسرحية، وهي أيام عزيزة، وتلك مناسبة لأن نحيي هذا العمل العظيم الذي لا بد أن نعود إلى الحديث عنه بما يستحقه، ففضلاً عن ذلك فإن الرحيل المر للشيخ عبد الله ود العجوز كان كافياً لتخلف علي مهدي عن الحضور ونجد له مليون عذر، ولكن علياً رجل المهام الصعبة قضى ثلاثة أيام دون أن ينام على فراش سفراً بين الخرطوم والمنارة والقاهرة وبيروت وبالعكس، فلما خصته ضيفة شرف المهرجان السيدة رندا بري حرم السيد نبيه بري - رئيس مجلس النواب- بالتحية، وأردفت ذلك بقولها إنها ضنينة في ذكر أسماء الناس، ولا تخص بالذكر إلا من خلدوا في وجدانها بأعمال خالدات، فلما ذكرت ذلك في حق علي مهدي أزالت عنه رهق السفر، وزاد فخرنا واعتزازنا بصديقنا وفناننا العظيم الذي استحق بجدارة السفارة والرئاسة، ويستحق المزيد. ولقد ظهرت بصمات السفير إدريس سليمان في ما أحدثه من اختراق وتواصل مع المجتمع اللبناني على كافة مستوياته، ولعل ما أشرنا له من تشريف للسيدة رندا بري للمهرجان خير دليل على ذلك ولقد كان وجود اللبنانيين في ليلة المهرجان الختامية أطغى من الوجود السوداني، وكان وجوداً متميزاً كماً وكيفاً، يتقدمه وزير الصناعة اللبناني والسيدة حرمه، وكانت مشاركة جمعية الأخوة السودانية اللبنانية عظيماً، بقيادة ربانها الوزير لويس حنا، ونائبه السيد جورج غصن الذي أقام مأدبة عشاء فخيمة على شرف السفير والوفد المشارك من السودان أمها أكثر من مئتي شخص من اللبنانيين والسودانيين، في أفخم مطاعم بيروت الراقية. ولم يقتصر المهرجان على ليلته الختامية التي استضافها مسرح عصام فارس الأنيق في الجامعة الامريكيةببيروت، وإنما تناثرت فعالياته فغطت مساحات لبنانية بديعة، فتم تنظيم ليلتين شعريتين أمهما جمع غفير من الشعراء والنقاد والكتاب والصحفيين، ولقد رفع شعراؤنا التجاني ونضال رأسنا عالياً، وبزوا الذين شاركوهم القراءة من الشعراء، وشهدت الصحافة اللبنانية بذلك، وكما جاء في تغطية صحيفة «السفير» لفعاليات المهرجان «أن مشاركة شعرائنا اللبنانيين كانت خافتة بعض الشئ إذا ما قورنت بما قدمه الشعراء السودانيون التجاني ونضال». وكان لافتاً للنظر ما رتبته السفارة السودانية من لقاءات وحوارات للوفد المشارك في الفضائيات اللبنانية وكذلك الصحف، فلقد أجرت القنوات الفضائية اللبنانية أكثر من عشرة لقاءات مع المشاركين في المهرجان، وتم ترتيب زيارات للوفد الصحفي إلى كبريات الصحف اللبنانية، فزرنا صحف السفير، الأخبار، واللواء والتقينا برؤساء تحريرها، وأدرنا معهم حواراً مثمراً حول الأوضاع في المنطقة لا سيما ما يجري في سوريا الشقيقة من أحداث واطلعنا على الأوضاع في السودان، لا سيما العلاقة مع دولة الجنوب، حاورنا في ذلك، وأخذنا منهم وأعطينا. وأكثر ما أعان سفيرنا في لبنان على إخراج هذا المهرجان بهذه الصورة الرائعة، أن طاقم سفارته رغم محدوديته لكنه يعمل بروح واحدة، وكل واحد منهم سفير قائم بذاته، فلم يهبط منهم أحد منذ ان استقبلونا في مهبط مطار بيروت على أن ودعونا عنده، القنصل العام سمير بابتوت ومدير الجوازات المقدم صديق والملحق الإداري ممشاد، ورجل العلاقات العامة المطبوع سامر، والشباب ود إبراهيم والتاج وغيرهم ممن خلدت أشخاصهم وتاهت أسماؤهم من الرائعين الجميلين. الجالية السودانية في لبنان رغم دقة حالها لكنها عظيمة، ولقد احتفت بنا احتفاءً كريماً، وكانت ساعاتنا معهم في دارهم من أجمل ساعات أيامنا في لبنان، وبذكر الدار السودانية في لبنان لابد أن نذكر أن هذه الدار يدفع إيجارها رجل لبناني محب للسودان والسودانيين منذ أكثر من أربعين عاماً، وهو رجل يستحق التكريم من الدولة والشعب معاً، وأرجو أن تقود السفارة هذه المبادرة، وتجدنا سواعد لها في ذلك. إن أعظم ما تميز به المهرجان الثقافي السوداني في لبنان وجعله غير مسبوق المشاركة العالية لأهل لبنان في فعالياته، وهذا ما يميزه على كل المهرجانات السودانية والاحتفالات التي تقوم في الخارج ولا يحضرها أهل البلد، ويقتصر حضورها على السودانيين فقط، وما تحقق في لبنان يستحق الوقوف مع الإشارة للاستفادة من تجربته وتعميمه حتى تعم الفائدة.