* (ما نفع الأشعار إذا لم تكن للندى؟ ما نفع الأشعار إن لم تكن لهذه الليلة التي يخترقنا فيها خنجر مراً لهذا النهار.. لهذا الغسق.. لهذه الزاوية المحطمة.. حيث قلب الإنسان المطعون يتأهب للموت)؟!.. - بابلو نيرودا - .. هل تعلمين سيّدتي ماذا يعني الوقوف عند تخوم الأشياء.... إنّك لا تطيقين معي صبراً، حسناً سأشرح لك سرّ استكانتي للنزق ومصالحتي مع القلق: ما سكنت بيتاً إلاّ وكان قبواً أو سطحاً – ربّما فهمت التقرّب من الله بشكل خاطئ ومغلوط -، ما نمت فيه ليلة إلاّ عند أقرب نقطة للخروج.. وعلى مرمى فردة من حذائي... وتحت حراسة الضوء والصوت، ما غادرته صباحاً إلاّ وفي حقيبتي جواز السفر وتعويذة أمي، ما عدت إليه مساء إلاّ وتركت نسخة من المفتاح لدى آخر الندماء... ما غادرته يوماً إلاّ وتركته خلفي مثل (بيجامة) على طرف السرير، ذلك أنّ البيوت قبور ولكنّ أبوابها ليست في اتجاه الأسفل أو على الأعلى. هذا أنا سيدتي، رمّان ينبت في أطراف البساتين، يحرس خلف ظهره غلال الأشجار الخائفة، ويتأهّب للفرار والشتات. هل أتاك حديث الخطّاط الغرناطي الذي كتب تحت تاج حبّة الرمّان كلّ أسماء العشق والوله بحبر معطّر.. ثمّ نام على حين غفوة من التاريخ غير آبه بليلة السقوط... منتظر! (موت الشاه) عبر حمامه الزاجل الذي يبلّغ النقلات في أطول وأمتع لعبة للشطرنج مع أميرة سمرقند. القشرة صارت الآن صالحة لدباغة الجلود التي هرب منها أصحابها. هذا أنا دون منازع اسمه أنت، ودون من يقول لك: (انتبهي... لا تسقطي هذه الحبّة)... ها قد سقطت في غفلة من أصابعك... حسناً، التقطيني مرّة أخرى فلربّما دخلت الجنّة وتذوّقت رمّانها من جديد. إنّه الخوف إلى حدّ المواجهة والشجاعة إلى حدّ الفرار والشتات... علّمني احمرار الرمّان فرط التهوّر وشدّة الحياء، على حدّ سواء.. أعجب من هويّة في جيبي الخلفي، تسحقها أصابع (من يهمّه الأمر) في حواجز التفتيش، تبتسم له في مكر... ولم تتغيّر ملامحها بعد.... كأنّ الهويّات تسخر من طالبيها ومبتدعيها..؟! ماذا يريد منّي رتل المواصفات الذي يسير خلفي ويطاردني في المدن والمطارات والحدود!؟، اسم، كنية، عرق، لغة، لون، مهنة، دين، جهة، مولاة، معارضة... ما أصعب العيش فوق كوكب واحد. لم أمسك بقلم إلاّ وفرّ بي مثل مكنسة تحت ساحرة أو حاول كنسي مثل (كائن) تحت سجّادة حمراء.... وحده الرمّان يتذكّر حفيف الأقلام وحكّ الأظافر فوق جلده.... ولون الجلود التي همس لها بسرّه. أنا الرمّان يا سيّدتي شبيهاً ومتشبّها لأنّ سياجه الحرّية وحدوده راحات القاطفين وكل الأسماء الحسنى.. لم أفتح يوماً رمّانة إلاّ وصبغت روحي بصوتها القادم من سمرقند، أتعمّد بدمعها الأحمر.. وأجد نفسي الحبّة المستحيلة في كلّ مكان أسقط فيه. هذا أنا سيّدتي، فاكهة الشتاء حين تركن كل الفصول إلى فصولها وينسى المسبّحون بنعمته الرقم الواحد بعد التسعة والتسعين. إلى أين تمضي أيها الأحمر المهاجر فيك وإليك، تمهّل، إن البستان اسطبل، وما خلف الأسوار براري... لا تعترف بالسروج والرسن والحدوات والزهور التي تتوسّل السقاية من يد الإنسان. احذر أن يركب النهيق على صهيلك أيها الأحمر ويستبدل سيفك بمنجل فتجلس القرفصاء في حقول الإقطاع بعد أن كنت على صهوة حصان اسمه القلق... وأينما تمرّ حوافر خيلك، يستحي العشب أن ينبت بعدها أبدا.