حتى في كلماته الشوارعية الفريدة يوم الجمعة -والجنرال الطفل يدهشنا كل يوم بإبداعاته- يتهمه الشماسة من أطفال الشوارع ضحايا دولته ؛ إنه قام بسرقة عبارتهم . الجنرال البشير لم يسلم من أذاه الأطفال الذين حُرم هو منهم ؛ والأطفال أكثر ضحايا أوليقارشية الجلابي تضررا من سياسياتهم العنصرية . لقد سرق الجنرال مفرداتهم وضمها إلى خطابه الرئاسي . في يوم الجمعة 20 أفريل ؛ وبعد إنسحاب الجيش الشعبي لتحرير السودان من بلدة هجليج إستجابة لضغط دولية مهول على القيادة السياسية في جوبا ؛ خرجت أوليقارشية الجلابة تلقائيا إلى الشوارع في عاصمتهم الخرطوم .هرعوا إلى الشارع بعد أن ذهب عنهم الروع فجأة . لكن السودانيين لم يخرجوا معهم ؛ ولم يشاركهم أحد هزيجهم وأكاذيبهم على أنفسهم.
تجمعوا مثل القُراض الضال في جلد الكلب الأجرب ظهيرة يوم الجمعة ؛في منظر مثير للشفقة والإزدراء معا . جاؤوا يهرعون إليه ؛ يستمعون أكاذيبه . يشاركونه جزعه وخوفه المكبوت . رئيسهم بتعابير سوقية هالعة خاطب الجلابة بشعر ركيك ولآيات قرأنية غير منساقة . إنه وإنهم يجاهدون لزرع للشجاعة في دوخل منهارة ؛ ويبحثون عن موضع للقوة في نفوس ضعيفة . ويحاولون بتفاني تصديق أنفسهم ؛ كانوا وحيدون لم يشاركهم أهل البلاد الأصليين . وهي علامات جلية على نهاية حكم اأقلية المنبتة التي دامت 56 سنة .
أوليجارشية الجلابة ؛ كائن طفيلي بلا جذور يعيش على إرادة مزيفة وخصال حشرية لائقة صنعتها هوية مشرقية مستلفة . وحق محلي مغتصب ؛ وهكذا تبحث عن سبل للعيش والبقاء في بلادنا داخل جدلية من الصراعات الدموية المتناقضة . وهي وضع مثير للرثاء أكثر من إثارتها للسخرية . الأقلية الفاشلة سرقت خطابها الأيديلوجي من المشرق العربي ؛عملت على إعادة إنتاج خطاب فلسطين وسوريا وجنوب لبنان قبالة عدوتهم دولة إسرائيل ؛ أؤلائك العرب الأصليين لم يعترفوا بعروبة الجلابة في السودان ؛ ولا يتجلى عدم إعترافهم في عدم متابعتهم لما يحصل في السودان بل إنهم يستغربون أن يكون أحدهم عربيا وهو يحمل صفة "سوداني"؛ بالطبع العرب يعرفون معنى (السودان ) .
وفي محاولة خلق "إمارة إسلامية" في بلد غالبيته غير مسلم ؛ أوليقارشية الجلابي سرقت خطابا دينيا راديكاليا أكثر تشددا من جماعات إسلامية عربية؛ لكن حسرتها إنها لم تجد أدنى إعتراف لها من قبل الإسلاميين الأصلاء ؛ ويترجم هذا التجاهل الإسلامي ليس في تقادم الأفكار الإسلامية كما في رأس الأوليقارشية ؛ بل أن العرب أنفسهم يستغربون أن يكون من بين السوود زنج إفريقيا "أميرا للمؤمنين" . وإستمرت تسرق مفردات خطاب الأخريين .
وفي عنصريتها في حق الأمم الزنجية لم تكن مبدعة للأفكار التميز العنصري هي تحاول تبئ الفكر العنصري في ألمانيا الهتلرية بصور بشعة . وتعيد إذكاء روح التميز العنصري في دولة جنوب إفريقيا السابقة ؛ وهكذا الأوليقارشية الجلابية تقلد أسؤ ما لدى العالم من أفكار ؛ وتحاكي أبشع ما أنتجتها البشرية من وسلوك . وهل قدم السودان في عهدهم نابغ في الفكر أو العلم والادب ؟؟.
قبل إستقلال دولة الجنوب ؛ دخل الجيش الشعبي لتحرير السودان جوبا في عام 1992؛ ثم توريت ؛ ومناطق كثيرة في جنوب السودان وشرقه وقالت الجلابة في إعلامها أن ذلك غزو أجنبيا ؛ وأن ماأسموها "الصهيونية الكبرى" وراء ذلك . وبعد إستقلال دولة الجنوب دخل ذات الجيش الشعبي بلدة هجليج كررت الأقلية الجلابية ذأت الكلمات ؛والناس يدركون إنها كذبة مملة لكن السودانيين يعرفون أن الكذب عندهم ليس بجديد.
الأمم الزنجية من أقاليم دارفور وكردفان وجبال النوبة الفارون إلى الخرطوم بسبب سياسية الإبادة و الإفقار المنظمَين في حقها ؛ والذين يسكنون كسوار أسود رائع الصياغ حول مدن الأرستقراطيين الجلابة في الخرطوم وبحري وأمدرمان ؛مطلقا لم يشاركوا الجلابة ظهيرتهم شديدة الحرارة ؛ وإن شاركهم البعض صلاة الجمعة وإستمع إلى طنين خطبهم المشحونة بالعنصرية والكذب .
في أحياء جبرونا ؛ مرزوق ؛ ومايو وأمبدات والإنقاذ والحاج يوسف ؛ دار السلام و زقلونا سابقا ....الخ ؛يعيش السكان الأصليين لهذا البلد والذين يقدرون بالملايين ؛ في ظهيرة ذلك اليوم من قدر له أن يشاهد التلفزيون في تلك الأحياء الفقيرة تبسموا بسخرية من صرخات الجنرال الراقص وهو يخطب في جلابته المرعوبون . يصدق حدسهم أن الجيش الشعبي لتحرير السودان قد أخلى هجليج بأمر من قيادته السياسية التي بدات راشدة في تصريحاتها ؛ ولم يكن نتيجة لعمل مسلح مضاد.. وبوعيهم الغريزي كان السودانيون يدركون أن تلك المشاهد الجلابية في شوارع الخرطوم هي إحدى فصول نهايات دولة الأقلية .
و قال الجنرال البشير فيما معناه " أن القادة السياسيين في جنوب السودان صوروا لشعبهم أن الجلابة الشماليين سرقوا مقدرات بلادهم ؛ وأن الجلابة هم سبب البلاء في السودان " .
وهذا صحيح ؛ لكن الجنرال ما كان ينطق لفظة " الجلابة" على ملأ مصور إن يكن من بين مخاطبيه حضور من السودانيين ؛ أي من غير الجلابة الشمالييين . والذين سمعوه عرفوا إنه يخاطب أقليته لا غير . وهو رجل تنقصه الذكاء .
إنه إحتفالاتهم (العفوية) ليست تعبير عن فرح (بعودة جزء عزيز من الوطن) كما يصورونه ؛ فنحن نفهم ما يعنيه كلمة "الوطن " ونعرف أجزاءه ونعرف من يحتل وطننا ؛ لكن فرحتهم العفوية تلك وكذبهم لمستمعيهم هو دليل على ذهاب مؤقت لخوفهم هم من مصير يعرفونه ونعرفه حين يبدأ تحرير السودان من بلاءه . وحق لهم أن خافوا . وهجليج وما يتلوه نذر مبشرة بنهاية وضع طالما أضر بالإنسانية كثيرا.
كلماتهم الجنرال ورجالات دولته غير الراشدين ظهيرة الجمعة ؛ وإستمرار أكاذيبهم في قنواتهم ومسيراتهم الإعلامية ؛ و رغم انهم يجدون سندا من المشرق العربي الجاهل وغير المهتم بالسودان ؛ لكن أقلية الجلابي في رئيسهم أثاروا الشفقة والسخرية اليوم أكثر من أي وقت مضى .
السودانيون في االخرطوم قالوها صراحة " الجلابة ؛ الرجال الماكويسن ؛ والنساء الماكويسات هم فقط المشوا للقيادة العامة وللساحة الخضراء . و ديل زمنهم إنتهى وعارفين خايفين من شنو " .
بأحاسيسنا الإنسانية ندرك ؛ أن مد الوعي السوداني الثوري لن يتوقف في إستقلال الأمم الزنجية في الأقاليم الجنوبية ؛ لن تتوقف بإنتفاضة الشعوب السوداء في جبال النوبة والأنقسنا وشرق السودان ودارفور ؛ إن الثورة السودانية المعاصرة في هذا القرن ستسيتمر حتى دخول جيوشها الخرطوم التي بدورها تدرك أن المعركة الفاصلة ستكون بها. وستنتهي دويلة أبرتهايد الجلابي إلى الأبد . و إن ثورات الأمم والشعوب حين تنتظم ضد الظلم والطغيان لا توقفها الأكاذيب ولا تصورات الإعلام الفاسد .
على عثمان طه ؛ نافع نافع ؛ عوض الجاز ؛ على كرتي ؛ دفع الله الحاج ...غالبهم كانوا طلاب "الجماعة الأسلامية " بجامعة الخرطوم أول السبعينات ؛ هجليج أعادهم يمارسون السياسية على طريقة الطلاب المراهقين بكل شغب. لا يمكن أن يكونوا رجال دولة . ينقصهم الذكاء السياسي وبعد النظر ؛ يفتقرون إلى الرشد والقوة ؛ يجيدون التصفيق للدكتاتور غير المحترم رغم إعاء جميعهم حمل إجازات علمية في مجالات مختلفة . بينما كان رئيس دولة جنوب السودان سلفاكير ؛ ونائبه رياك ؛ ووزير إعلامه برنابا ؛ وقائد جيشه ومندوبته في الاممالمتحدة هلدا يتعاطون مع المسألة برشد وحكمة وبعد أفق . و الصدق مع الشعب يعطي الشعب كرامته ؛ وإحترام الرأي العام العالمي والإقليمي يعزز الثقة في القدرات . إن الجنوب قدم نفسه دولة تستحق العيش في القرن الحادي والعشرين بجدارة ؛ وضاعف في منحنا جميعا الأمم السوداء الثقة في النفس والشجاعة في الإستمرار في هذه الثورة . فيما إستطاعت جمهورية جنوب السودان وضع نفسها في المجاليين الدولي والإقليمي كدولة تسعى للسلم والأمن الدوليين وكسب إحترام الرأي العام العالمي كرر الجنرال المتهم بإرتكاب جرائم إبادة وجرائم حرب في إقليم دارفور ورجالات دولته مرة تلو الأخرة إنه مُهدد حقيقي وعابث بالجنس البشري ؛ ولا يمكن للمجتمع الدولي والإقليمي السماح له بالبقاء وهوي يهيئ الأجواء لتكرار جرائمه مرة أخرى .
إن جمهورية جنوب السودان التي يصف الجنرال البشير شعبه ب"الحشرات " لابد أن تأخذ تصريحات الدكتاتور العنصري مأخذ الجد ؛ وإن الجنوبيين لن يبادون مرتين ؛ ولن تسمح هي بحدوث ذلك . فالجنوبيون الحاليون هم الناجون من حملة الإبادة الجماعية التي شنتها دولة الأوليقارشية الجلابية في شمال السودان منذ مذبحة توريت في عام 1955ف حتى 2005ف .
قبل هجليج كانت الأقلية الجلابية منبوذة وهي في طريقها إلى نهاياتها هذا القرن ؛ وبعد هجليج ستظل منبوذة ولن تجدد أكذوبة الإحتلال والتحرير شئ في حقيقة الأمر ؛ إنها ستنتهي . قد تعود مليشيات الجلابة إلى هجليج ؛ ولن يسقط ذلك حق الدولة الجنوبية في المطالبة بهجليج ؛ ولن تكون تلك نهاية المعركة .فالجيش الشعبي سيعود مرة أخرى إلى مواقعه في هجليج وغير هجليج . والحرب مستمرة و لن تنتهي إلا في الخرطوم حيث معقل الأقلية العنصرية في بلادنا ؛ وقتها ستدرك أقلية الجلابة أن إقتتاتها على فضلات العنصرية هي التي أضرتها .