تقرير: طلال الطيب [email protected] عقب قرار حكومة جنوب السودان بإيقاف إنتاج نفطها بسبب أزمة التصدير مع حكومة السودان، زادت حدة التوتر بين البلدين واتسعت دائرة الهوة مساحة في التصعيد، وبرزت الأزمة الاقتصادية بصورة مباشرة، مما جعل الخبراء والمهتمون بالشأن الاقتصادي في المحيط المحلي والإقليمي بمطالبة البلدين العودة إلي طاولة التفاوض وتراجع دولة الجنوب عن قرار الإيقاف واورد البنك الدولي تقرير في الأول من مارس الفائت أوضح فيه التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية المنتظرة جراء وقف إنتاج وتصدير النفط، وأشار التقرير في مقدمته أنه لم يسبق رؤية ولا وضعاً مثيراً كالذي يواجه حكومة جنوب السودان ورجح معد التقرير أن كبار المسؤولين في جوبا لن يكونوا يدركون للتبعات والتداعيات الاقتصادية والاجتماعية الوخيمة المترتبة علي ذلك القرار ووصفه بأنه كان صادماً وأوضح التقرير أن التأثيرات الناجمة عن القرار تؤدي إلي انهيار الناتج المحلي الإجمالي لجنوب السودان بالنظر إلي أن العائدات النفطية تشكل 98% من موارد الموازنة ومصادر الإنفاق الحكومي وهو ما يمثل 82% من حجم الناتج المحلي الإجمالي وقال إن وقف إنتاج النفط سيؤدي إلي انكماش حاد وسريع في الاقتصاد واعتبر التقرير أن هذه الحالة نادرة وغير مسبوقة لافتاً إلي أن الدول التي تعاني من أزمات اقتصادية تواجه عادة انهياراً في معدل النمو وليس في حجم الناتج المحلي الإجمالي. وأشار التقرير الذي نشرته في وقت سابق صحيفتي (إيلاف – الوفاق) إلي أن التأثيرات السلبية الأخرى جراء الفجوة الضخمة الناتجة عن فقدان العائدات النفطية تؤدي إلي انهيار قيمة الجنيه العملة الوطنية لجنوب السودان. والتصاعد الحاد في التضخم، ونضوب الاحتياطات الحكومية المتاحة بحلول شهر يوليو المقبل. مما جعل انهيار الدولة اقتصادياً أمراً واقعاً وحذر جيوغيل من أن الانهيار الاقتصادي المتوقع سينتج عنه تحلل سياسي واجتماعي وقلاقل وعدم استقرار في جنوب السودان. لكن القيادي بالحركة الشعبية ورئيس كتلتها البرلمانية في جنوب السودان الأستاذ أتيم قرنق قال أن جوبا تعي جيداً ما تفعله وهي حريصة علي مصلحة شعبها، وتعرف كيف تدير شؤونها، وأوضح قرنق ل (الوفاق) أن قرار إيقاف النفط اتخذ نتيجة لحيثيات رأتها حكومة جنوب السودان، وأضاف: لم نسمح لحكومة الخرطوم بسرقة نفطنا ولن نساوم في ذلك. وذكر التقرير أنه حتى في حالة التزام حكومة الجنوب بالإجراءات التقشفية التي اتخذتها للحد من الإنفاق العام بنسبة ربع مصروفات الموازنة العامة فإن احتياطاتها ستنصب بحلول شهر يوليو. وبعدها سيصبح الانهيار واقعاً عملياً وأضاف أنه حتى في حالة اتخاذ إجراءات أكثر تشدداً في التقشف فإن الانهيار قد يتأخر إلي شهر أكتوبر. ويشار في هذا الخصوص إلي حكومة لجنوب خفضت الإنفاق من 880 مليون جنيه شهرياً إلي 660مليون جنيه بنسبة تخفيض 26%. وذكر مارسيلو جيوغيل مدير برنامج البنك الدولي للسياسة الاقتصادية ومكافحة الفقر في أفريقيا في تقريره أنه بالإضافة للتأثيرات الاقتصادية القاسية سيؤدي إغلاق النفط إلي تراجع متسارع في المكاسب التنموية الأساسية التي تم تحقيقها في جنوب السودان منذ توقيع اتفاقية السلام. مشيراً إلي أن نسبة الفقر بين السكان سيزداد من 51% في العام 2012م إلي نسبة 83% في العام 2013م مقارنة بنسبة 90% في العام 2004م قبل توقيع اتفاقية السلام وأضاف أن ذلك يعني إضافة مليون 306 ألف شخص جدد إلي دائرة الذين يعيشون تحت خط الفقر. وأشار التقرير أن التأثيرات الاجتماعية السلبية ستنعكس في ارتفاع معدل وفيات الأطفال تحت سن 5 سنوات حيث تتضاعف نسبة الوفيات من 10% إلي 20% مقارنة ب 25% في العام 2004م كما أن معدل التسجيل للاستيعاب في المدارس سينخفض من 50% إلي 20% مقارنة ب 20% في العام 2004م. ولفت تقرير البنك الدولي إلي أن واحد من أخطر التداعيات الناجمة عن قرار وقف تصدير النفط تعميق الفجوة الغذائية وانعدام الأمن الغذائي الذي كان متوفراً قبل الإغلاق. بما في ذلك مساعدات برنامج الأغذية العالمي. والذي يغطي نحو 54% من جملة الاستهلاك حيث يتم تغطية الجزء المتبقي البالغ 46% بالاستيراد من الخارج وذكر أن الحكومة لديها احتياطات للإنفاق خلال 3الي 6 أشهر. وأن احتياجات الواردات سنوياً تتراوح من 2مليارالي 3 مليارات دولار. واعتبر الخبير جيوغيل أن خطط جوبا والبدائل التي تقترحها لزيادة العائدات غير النفطية لتغطية العجز غير واقعية فحسب بل ذات تأثير مدمر علي الاقتصاد علي المدى القصير مضيفاً أنه حتى في حالة نجاح الحكومة في مسعاها لزيادة العائدات غير النفطية بنسبة ثلاثة أضعاف فإن تأثيرها سيكون غير ذي جدوى في سد الفجوة التي توفرها مداخيل النفط. مشيراً إلي صعوبة إيجاد بدائل سريعة لتصدير النفط وانتقد تقرير البنك الدولي الدفوعات التي ساقتها حكومة الجنوب للتقليل من خطورة تأثيرات قرارها، بقولها إن مواطنيها ظلوا يعانون لسنوات وأنهم مستعدون لتحمل المعاناة لسنوات أخري. وقال إن كبار القادة في حكومة الجنوب اتخذوا قراراً غير مدروس بوقف إنتاج وتصدير النفط دون أن يكونوا مدركين لعواقبه. وأنهم أظهروا تفهماً محدوداً لتبعاته. وتوقعوا أن يحصلوا علي بدائل سهلة لسد الفجوة المالية الناجمة عن ذلك. وأشار الخبير الدولي إلي أن الرئيس سلفاكير أظهر قلقاً واضحاً بعد أن عرض عليه هذا التقرير قبل رفعه ل (مجموعة الستة) الدولية. من فقدان دولة الجنوب الوليدة لثقة المانحين بسبب هذا القرار. وقال الخبير الدولي إن الأسباب وراء وقف إنتاج وتصدير النفط لم يتم توضيحاً بصورة مقنعة وهو ما قاد إلي تعميق الشرخ في العلاقة بين الحكومة الجديدة وشركائها الدوليين الذين تعتمد عليهم دولة الجنوب في الحصول علي الدعم السياسي والاقتصادي. وأشار إلي أن المسؤولين في جوبا الذين يشرحون الأمر للمجتمع الدولي يبعثون رسائل مشوشة ومدمرة. قائلاً إن بعضهم مثلاً أعلن أن الغرض الأساسي من الإغلاق هو إسقاط الحكومة في الخرطوم في حين اعتبر آخرون إن الإغلاق حدث لأن حكومة الجنوب تخسر الأموال في كل الأحوال. وعلق قائلاً أن كلا التبريرين ليس واضحاً ولا مقبولاً للمجتمع الدولي. وأضاف أن حكومة الجنوب ليست واقعية في إدارة تداعيات قرار الإغلاق. ولذلك فإن خبراء من الأممالمتحدة والبنك الدولي يجب أن يدعوا للتدخل والمساعدة في تقديم النصح حول برامج التقشف وهشاشة الوضع وأن ذلك سيكون الدليل الوحيد أن جوبا جادة ونجحت في أفضل حد قوله. وتضيف توصياته نحن المانحين لسنا في وضع يمكننا من ملء الفجوة المالية الناجمة عن الفقدان المفاجئ لعادات الحكومة. بيد أن بعض المحللون يرون أنه من السهولة بمكان العودة إلي طاولة التفاوض بعد الضغوطات الاقتصادية التي تواجه الدولتين، مشيراً إلي عدم قدرتهما في مواصلة الاقتتال والحروب في ظل النزيف الاقتصادي المتواصل في هذه المرحلة.