قبل الدخول في محاضرة السيد ياسر عرمان في مانشيستر, يجب الإشارة لما جاء في الأخبار, إن المؤتمر الوطني قبل قرار مجلس الأمن الدولي, لحل نزاعات السودان و جنوب السودان, و لكنه رفض الحوار مع قطاع الشمال) والرفض أيضا كرره نائب رئيس الجمهورية الدكتور الحاج أدم يوسف تكرارا في عدد من ألقاءات, و أعتقد هذا حديث للاستهلاك السياسي الداخلي, باعتبار إن قبول القرار بكلياته و ليس جزءا منه و بالتالي عملية الرفض نفسها هي جزء حواري. و الحركة الشعبية قطاع الشمال رغم اختلافنا مع أطروحاتها الفكرية, لأنها تتناقض مع المبادئ الديمقراطية, و لكن سنظل نقاتل من أجل أن تكون حزبا فاعلا داخل السودان, باعتبار ليس هناك قوي سياسية في السودان, لها الحق في قبول أو رفض ممارسة قوي سياسية أخري لنشاطها السياسي, هذا الحق فقط يملكه الشعب السوداني, و هو نضال سوف يتواصل من أجل عملية التغيير الديمقراطي في السودان. و ليس للمؤتمر الوطني حق الفيتو, و مسيرته الديكتاتورية يجب أن تتغير, لمصلحة السلام و الاستقرار في السودان. نأتي إلي محاضرة السيد ياسر عرمان في ما نشيستر, و هي محاضرة تحتوي علي محورين, المحور الأول فكري عندما تعرض السيد عرمان للمنطلقات الفكرية للحركة, من خلال منظرها الدكتور جون قرنق و أفكاره, و اعتقد أن الفكر حث مشاع, و ليس هناك أية مسؤولية قانونية و غيرها علي الحركة الشعبية في تبني أطروحات قرنق, و تكيفها علي الواقع الاجتماعي و السياسي السوداني, و هي أطروحة تحتاج إلي مراجعة فكرية أيضا بعض التحولات التي حدثت و سنفرد لها مقال خاص بهدف الحوار الفكري مع الحركة الشعبية و بالتحديد قطاع الشمال. المحور الثاني هو خليط بين الفكري و السياسي, يتناول الخلاف و النضال ضد المؤتمر الوطني, و الثاني عملية التحالفات السياسية, و الشعارات التي ترفعها و فيها الكثير من التناقض و هنا يتداخل الفكري مع السياسي. قال السيد عرمان في محاضرته في مانشيستر ( إن الحركة لم تعط اهتماما للتحول الديمقراطي, بقدر أنها ركزت علي قضية حق تقرير المصير, و كان هذا الخطأ الأول) و هي قضية متعلقة بقضية التحولات الفكرية, و التي حدثت في الحركة الشعبية, ليس بعد موت قرنق, و لكن أثناء حياة قرنق, و قبل اتفاقية السلام, حيث أن مؤتمر واشنطن عام 1993 الذي تبنت فيه الحركة الشعبية مسألة " تقرير المصير" كان يمثل النواة الأولي للتحولات الفكرية للحركة الشعبية ثم مؤتمر لندن في ذات السنة مع البارونة كوكس ثم مؤتمر أوغندا أيضا في ذات العام كلها مؤتمرات كانت تحمل تحولا في مسار خطاب الحركة الشعبية الفكري و السياسي, و بالتالي كانت قيادات الحركة تركز علي عملية تقرير المصير, و الانفصال و رمت كل ما عداه خلف ظهرها. و هي قضية سوف أتعرض عليها تفصيلا حول نقد المنطلقات الفكرية للحركة الشعبية. قال السيد عرمان ( إن الحركة ارتكبت أخطاء أولها أنها انشغلت بعد مقتل قرنق في كيفية تنفيذ الاتفاقية, و في ذات الوقت تحافظ علي وحدتها الداخلية, و كان هناك هجوم واسع علي ما يسمونهم أولاد قرنق) هذا حديث تنقده الوقائع, باعتبار إن الحركة الشعبية لم تركز مطلقا علي تنفيذ الاتفاقية إلا فيما يخص قضية الجنوب و الانفصال, و إذا كانت ركزت علي كيفية تنفيذ الاتفاقية, و فتح أبواب الحوار مع القوي السياسية الأخرى, و رسخت عملية التحالف, كانت الحركة استطاعت مع القوي السياسية الأخرى أن تجبر المؤتمر الوطني أن يقدم تنازلات باستمرار, من أجل عملية التحول الديمقراطي, و لكن الحركة حصرت نفسها في كيفية الوصول لعملية الاستفتاء بسلام, بهدف الانفصال, لذلك كانت هناك مساومات مع المؤتمر الوطني, و كان الخاسر هو الجماهير المتطلعة للحرية و الديمقراطية. قال السيد عرمان( أن الحركة الشعبية لن تذهب إلي اتفاقية جزئية, و أنها تريد حلا شاملا لكل السودان) أعتقد إن هذه قول يحمل الصواب, و هي تضافر كل الجهود من أجل عملية التغيير الديمقراطي في السودان, و هي سياسية إذا كانت التزمت بها القوي السياسية كانت أثمرت و لكن القوي السياسية السودانية نفسها تحمل الكثير من التناقضات في أحشائها, و هو تناقض نتيجة للتناقض بين الفكر و الممارسة, و معروف إن المؤتمر الوطني منهجه السياسي يقوم علي التمزيق و بعثرة القوي السياسية, و هي عملية قد أصابت الحركة الشعبية قبل انفصال الجنوب, و الآن يمارس ذات المنهج بأنه طلب من بعض قيادات الحركة التاريخيين أن يسجلوا الحركة, بهدف عزل الآخرين, و هي سياسية تنجح إذا كانت بنيت الأحزاب هشة, و أعتقد إذا سارت الحركة في طريق عقد مؤتمر وطني جامع لحل مشكلة السودان هو الصواب. قال عرمان ( إن الجبهة الثورية ليست تكتلا أثنيا و أنما محاولة جريئة لجمع القوي التي تعمل في الكفاح المسلح) و أضاف قائلا ( هي محاولة جريئة لجمع قوي الهامش و القوي الديمقراطية, و إن الأقوى أن تكون لدي هذه القوي المسلحة, و الأخرى برنامجها للتغيير الديمقراطي و الثوري لكل السودان) هنا يأتي خلافنا مع السيد عرمان باعتبار أن الإشارة للهامش هي إشارة ليس لها واقع في الثقافة الديمقراطية, و الهامش لا يعبأ إلا عبر الاستنفار الأثني و العشائري و القبلي, و الديمقراطية تقوم علي الوعي السياسي و سيادة القانون, كما ليس هناك علاقة بين الديمقراطية و الثورة, الأولي تقوم علي سيادة القانون و الاحتكام به و كيفية صناعته و الأخرى تقوم علي تعطيل القانون و العمل بالشرعية الثورية, هذا التناقض في بنية الخطاب عند الجبهة الثورية أو في الحركة الشعبية قطاع الشمال يجب أن تعالج معالجة فكرية, كل قوي سياسية هي حرة في تحديد خياراتها و وسائل نضالها و هي تتحمل المسؤولية التاريخية تجاه ذلك, و لكن ذلك لا يمنعنا من نقد الفكرة و الوسائل, إذا كانت القوي السياسية توجه خطابها لعملية التغيير في السودان باعتبار أي سوداني له الحق أن يقدم رؤيته الفكرية و مشروعه النقدي, فالجبهة الثورية اختارت وسيلة الكفاح المسلح, رغم أن السيد ياسر قال أننا لا نحمل السلاح بهدف بعثرة السودان, أنما هدفنا هو حماية الانتفاضة الشعبية, و لكن علي السيد عرمان أن يراجع تصريحات قيادات الجبهة الثورية من الحركات الأخرى, باعتبار إن الكفاح المسلح عندهم هو الوسيلة الوحيدة لإسقاط النظام, و الكفاح المسلح لا يقيم نظاما ديمقراطيا, و هنا نقطة الخلاف, و لا أريد أن أكرر قولا قد تكرر في مقالاتي, ليس هناك في تاريخ العالم القديم و الحديث, ثورة مسلحة قد أقامت ديمقراطية, بل كل الثورات المسلحة قد أقامت نظما شمولية, تحت دعوة حماية الثورة, و السودان في تناقضاته و اختلافاته السياسية لن يكون استثناء لذلك, فالعمل السياسي و توعية الجماهير بحقوقها هو وحده الذي يصنع النظام الديمقراطي. و حول ما جاء في حديث عرمان حول قضية الثقافة و التاريخ المشترك و كل القضايا التي أثارها هي تتعلق بالقضية الفكرية, باعتبار أنها تمثل الأرضية التي يقوم عليها فكر الحركة الشعبية و هي تحتاج كما قلت إلي دراسة بعيدا عن السياسية في الختام أؤكد أن النضال من أجل أن تكون الحركة الشعبية حزب داخل السودان كامل الحقوق واجب علي كل داعية من اجل الديمقراطية, و أن رفض المؤتمر الوطني قائم علي تكتيك سياسي لا يصل إلي نتائج إيجابية و الدعوة الآن من أجل تقسم ولاية جنوب كردفان هي بحث المؤتمر الوطني عن حل للمشكل خلافا لما جاء في التصريحات و كم من التصريحات أخرجها المؤتمر الوطني و "ماصها و شرب مويتها" و في الختام نسال الله التوفيق.