غاب عن أذهان البعض الفهم الصحيح لدين الإسلام، لذلك تجد من هو يصلي ويصوم يمكن ان يرتشي ويرابي، وتجد من يقيم الليل وفي نفس الوقت يقول بفصل الدين عن الحياة، لا بل تجد من العلماء في هذا الزمان من يقول إن الإسلام ديمقراطي أو حتى إشتراكي، وهكذا اختلطت الأمور فأصبح المسلمون لا يجدون غضاضة في الدعوة والترويج لما يخالف الإسلام بكل ما يملكون من طاقة، وهم في نفس الوقت يقومون بشعائر الإسلام بكل تقديس. فما هي المفاهيم الصحيحة التي يجب على المسلم ان يعيها ليتغير هذا الحال من التشكل والتلون بكافة ألوان الطيف من المبادئ الأخرى المناقضة للإسلام؟ المتعمق في دين الإسلام والمستنير فيه يرى بكل وضوح أن للإسلام طرازاً خاصاً للعيش في الحياة، متميزاً عن غيره كل التميز، وهو يفرض على المسلمين عيشاً ملوناً بلون ثابت معين لا يتحول ولا يتغير، ويحتم عليهم التقيد بهذا الطراز الخاص تقيداً يجعلهم لا يطمئنون فكرياً إلا من هذا النوع المعين من العيش، ولا يشعرون بالسعادة إلا فيه. جاء الإسلام مجموعة مفاهيم عن الحياة، يشكّل وجهة نظر معينة، وجاء بخطوط عريضة؛ أي معان عامة تعالج جميع مشاكل الإنسان في الحياة، تستنبط منها فعلياً علاج كل مشكلة تحدث للإنسان، وجعل كل ذلك مستنداً إلى قاعدة فكرية تندرج تحتها كل الأفكار عن الحياة، وتتخذ مقياساً يبنى عليها كل فكر فرعي، كما جعل الأحكام من معالجات وأفكار وآراء منبثقة عن العقيدة أو مستنبطة من الخطوط العريضة. فهو قد حدد للإنسان الأفكار، ولم يحدد عقله، بل أطلقه وقيد سلوكه في الحياة بأفكار معينة، ولم يقيد الإنسان، بل أطلقه؛ حدد الأفكار بحيث جعلها ترجع لقاعدة واحدة هي: لا إله إلا الله، ولم يحدد عمل الإنسان بل أطلقه، والإرث الفقهي الإسلامي الضخم دليل على ذلك فجاءت نظرة المسلم للحياة الدنيا نظرة أمل بجدية، ونظرة تقدير لها بقدرها من حيث انها يجب أن تنال، ومن حيث انها ليست غاية، ولا يصح أن تكون غاية، فسعى المسلم في مناكبها،وياكل من رزق الله ويتمتع بزينة الله التي اخرج لعباده، والطيبات من الرزق، ولكنه يدرك ان الدنيا دار ممر، وأن الآخرة هي دار البقاء والخلود. هكذا كان عهد الصحابة لا إفراط ولا تفريط، أما الآن عندما اختلفت النظرة للحياة، بأن جعلت غاية في حد ذاتها، تنكب المسلمون الطريق مع درايتهم أنها طريق مهالك، فها هن نساؤنا كاسيات عاريات يتهادين، على رؤسهن كأسنام الإبل وهن يعلمن حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: (لا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلا يَجِدْنَ رِيحَهَا)، فيثرن غرائز الرجال فتشيع الفاحشة، وكل ذلك لا يرشد الحكام لتطبيق حكم الله على المجتمع ليبرءوا ذممهم امام الله، وفقدت البوصلة للجميع فكانت المعيشة الضنكة الموعودين بها من عند من لا يخلف وعده. وجاءت كل أحكام الإسلام علاجاً ناجعاً لكل مشكلة، علاجاً بطريقة خاصة فعالجت أمور الصلاة والصيام بطريقة خاصة كما عالجت البيع والزكاة، كما تفصّل العقود والمعاملات كذلك بطريقة خاصة، وتبين كيفية تملك المال، وكيفية انفاقه بطريقة خاصة، وتشرح الجنايات والحدود وسائر العقوبات كما تشرح عذاب النار ونعيم الجنة، ودل على شكل الحكم وطريقته بطراز خاص، كما دل عل الاندفاع الذاتي لتطبيق الأحكام طلباً لرضوان الله، كما ترشد إلى علاقات الدولة بسائر الدول والشعوب، قال تعالى: [وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً]. هذا التبيان لكل من تستهويه أحكام الكفار وهو مسلم ليعود إلى رشده، فدين الإسلام كامل لا يحتاج لمعالجة من مبدأ آخر، ومن يستعير أحكاماً فليراجع إيمانه لأننا مسلمون لا نحتاج للأمم المتحدة ولا البنك الدولي ولا لمنظمات حقوق الإنسان ولا غيرها فلنا رب هو من ينزل الحلول الناجعة، انزلها في دين الإسلام، فنظّم علاقات الإنسان كلها؛ مع نفسه ومع الناس كتنظيمه لعلاقته مع الله في نسق واحد من الفكر ومن المعالجات فصار المسلم مكلفاً لأن يسير في هذه الحياة الدنيا بدافع معين وفي طريق معين، ونحو غاية محددة. وقد ألزم الناس بالتقيد في هذا الطريق وحده دون غيره، وحذرهم عذاباً أليماً في الآخرة، كما حذرهم عقوبة دنيوية ستقع إحداهما عليهم حتماً إذا حادوا عن هذا الطريق قيد شعرة، وهذا ما من شأنه ان يوجد التكافل ما بين الفرد والمجتمع الذي يعيش فيه، فيكون الفرد حذراً من الوقوع في المعاصي خوفاً من الله لا خوفاً من القانون، ويكون حريصاً على تنفيذ العقوبة عليه لبرأ من الذنب الذي ارتكبه، وذلك كله بدافع تقوى الله. أما ما يروج له بعض المحسوبين على الإسلام من علماء باعوا دينهم بدنيا غيرهم أن الإسلام دين فردي، فهذا لا ينطبق على واقع الدين الذي منه الدولة، كل ذلك أحكام شرعية مستندة إلى أدلة تفصيلية. ومن هنا لم يكن الإسلام دين روحي فحسب، ولا هو مفاهيم لاهوتية او كهنوتية، وإنما هو طريقة معينة في العيش يجب على كل مسلم بل وعلى المسلمين جميعاً أن تكون حياتهم حسب هذه الطريقة وحدها دون غيرها، لأن الله قد حدد ذلك وجعله ديناً يدان به له وحده لا شريك له. أم أواب غادة عبد الجبار محمد أحمد