لنعود بالذاكرة لأكثر من مائة سنة حين قدم المستعمر الإيطالي إلى اليبيا، وقد وجدها في قمة التخلف والجهل، وما هي إلا سنوات قليلة وسط هذا الجهل والفقر شاهدنا القطارات تسير من طرابلس إلى بنغازي، ومن طرابلس إلى غريان، وإلى الزاوية، وأقيم سباق سيارات الفورمولا لأول مرة في ليبيا كأول دولة عربية وإفريقية يقام فيها هذا النوع من السباقات، وشاهدنا الليبيون يشاهدون مباريات كرة القدم يرتدون البدلات الأنيقة وربطات العنق وكأنهم جمهور للمسرح وليس للرياضة، وشاهدنا الحضارة تبنى في طرابلس بطريقة راقية وإن كانت بأيادي المستعمرين إلا أنها حضارة يجب احترامها، فبفضل المستعمرين مدت الطرق وأنشئت الشوارع وبنيت المشافي ومدت وصلات الكهرباء وشيدت الفنادق، ودعم الفلاحون وتم مدهم بوسائل الزراعة الحديثة وقتها، وصار الليبيون في سنوات قليلة من أكثر الشعوب العربية نظاما، علما بأنه لم يتم اكتشاف البترول في ذلك الزمن، وصارت شوارع مدينة طرابلس أكثر نظافة من بيوت الليبيين اليوم، باختصار أريد أن أوضح أنه حين تتوفر الإرادة، وتتوفر القوة الضاربة وأقصد هنا قوة الأمن والجيش وقوة القانون، يكون من السهل على أي شخص متعلما ومثقفا بالقدر الكافي، ومدركا لكيفية بناء الحضارة بحكم العيش تحت ظلالها فترة من الزمن، يكون من السهل عليه أن يبني ليبيا، ليبيا التي كل ما فيها يدل على أنها يمكن أن تكون الأفضل عربيا وإفريقيا ومن بين الأفضل عالميا. ليبيا بحسب المكان والجغرافيا هي أفضل كثير من دول الخليج التي بنيت فيها الحضارة في غضون بضع عشرات من السنين، وليبيا هي بلاد البحر والساحل الطويل، ويكفي أن نقول بأن الساحل الليبي أفضل مكان لصيد أسماك التونة -غالية الثمن- في العالم، وهي بلاد النفط والغاز وهو متوفر في أراضيها بكميات كبيرة وبنوعيات هي الأكثر جودة، وفي تقرير لأحد الهيئات العالمية يوجد تحت رمال الصحراء الذهبية لأراضي ليبيا كميات من المياه العذبة تكفيها لمئات بل لآلاف السنين، وليبيا هي بلاد الشمس الساطعة وهي بحكم علماء الجغرافيا من أكثر الأماكن التي تسطع فيها الشمس في العالم، وهي بالتالي نموذجا مثاليا ومصدرا لإنتاج الطاقة النظيفة التي تكفي لسد حاجة معظم سكان الأرض، وبلادنا بحسب المكان تحتل رقعة واسعة بين نقطتين مختلفتين تتمثلان في الجنوب حيث المواد والعمالة الرخيصة وبين الشمال حيث الحضارة والرقي. كل ما ذكرت وغيره كثير قد يسهب في ذكره ذوي الخبرة وأهل الاختصاص يمكنه أن يجعل من الليبيين سادة الدنيا ومترفي الأرض، ويجعل من المواطن الليبي إنسانا راقيا يتمتع بكل ما من شأنه أن يكفل له حياة آمنة ينعم بكل ما يحتاجه من رعاية تعليمية وصحية وتوفر للخدمات كاملة وبأعلى جودة. لأجل كل هذا نحن كليبيين نحتاج لقليل من الصبر والتفاني في حب الوطن، ويحتاج إلى الليبيين أن يعملوا كلهم على قلب واحد أثرين الوطن على حب الذات، وتاركين وراء ظهورهم بعض عادات الجاهلية المتمثلة في التعصب والقبيلة وعقدة الأناء التي عادة ما تصاحب الجاهل والجاهلين، علينا بروح الثورة والثوار، بروح أولئك الشباب في عمر الزهور الذين قدموا أرواحهم وهي أغلى ما لديهم قدموها زكية طاهرة رخيصة لأجل الوطن الغالي، علينا أن نتذكر كيف كان يحكمنا الطغاة، ويحرموننا من أبسط حقوقنا، علينا أن نؤمن إيمانا راسخا بأن بلادنا ستكون أفضل بكثير مما هو في خيالنا إن نحن أردنا لها أن تحكم بالقوانين عوضا عن الأسماء، لقد كانت ثورتنا عظيمة يا سادة ليبيا وقد ألهمت كل أهل الأرض، وبذات القدر يجب أن تكون بلادنا عظيمة وعلينا أن لا نرضى بما دون النجوم.