لأوفر على الجميع أقول نعم أنه هناك شرفاء ووطنيين، ومنهم الشهداء والصديقين وأعزاء جدا، وإنه بالخط العريض وكي أوفر الكثير من الكلمات على هواة النقد أقول لا للتعميم نقطة ومن أول السطر. الهدف من الثورة التي أريقت لها الدماء الغالية بغزارة دون تردد، وبترت أطراف مئات من خيرة الشباب ، وحرقت في خضمها مدن ومنازل وقطعت أوصال الوطن بكامل ترابه ليصير في الكثير من أجزاءه أشبه بغنائم ومحميات ، ولتتبدل الأدوار من دولة اللانظام إلى دولة مساوئ النظام وحكم المتحولون من عالم الفوضى إلى واقع النفاق والكذب والخداع ، ولو رجعت إلى أحداث الثورة وقمت بإحصاء عدد الثوار الحقيقيين الذين انخرطوا في جبهات القتال لوجدت أن عددهم لم يتعدى 20 آلفا يزيد بقليل في أفضل الظروف، هؤلاء هم رجال عاهدوا الله وخرجوا لرفع الظلم والمظالم وإحقاق الحق وإزهاق الباطل، فقدموا مثال رائعا في عالم الثورات وقد ألهموا الثوار المناضلين على الأرض ، وشاهدهم الملايين يعيدون بطولة المختار الذي كان شعاره ننتصر أو نموت. ميثاق هؤلاء الشرفاء كان إسقاط جبروت دولة القذافي الظالمة وإقامة الحق والقانون والمؤسسات ، ولأنهم كانو على حق ، ولأن قضيتهم كانت عادلة؛ ولأنهم قاتلوا بكل شجاعة وأصروا على النصر أو الشهادة فنصرهم الله وسقط الطاغية، وتاه هؤلاء بعدها وأعياهم المسير بحثا عن الأزلام الذين كانوا ولوهلة قبل سقوط الصنم أمام أعينهم يرفعون الأخضر البغيض، فتبدلت الألوان بقدرة قادر وتنوعت في غفلة ونشوة المنتصرين، وصارت النجمة والهلال شعارا للجميع، واختلط الحابل بالنابل فلم تعد بقادر على تمييز الثوار من الأشرار؛ لأن الأشرار لهم باع ودراية في فن التلون والتشكل بحسب المكان والزمن. عاجلا صار بعضا من قادة الثوار رهبان للثورة يصدرون صكوك الغفران والبراءة فإذا بالأزلام يترقون بحسب الطريقة من درويش إلى مريد ثم إلى شيوخ للسجاد وصول الي حاملي الأوراد، فمن كانوا أزلاما للأزلام أصبحوا يبحثون على أسياد جدد، تقدم يا صديقي لا تخاف فكل شيء مباح وكل شيء للبيع شاملا الوطن وثروات الوطن، وكلا بحسابه وبتصنيفه، فظهر على الساحة أزلام انشقوا تزامنا مع تحرير طرابلس، وأزلام تائبون، وآخرون كانوا يقاتلوا آلا النهار لكنهم كان ساعة الليل يدعون الله الواحد القهار أن ينصر الثوار. ثوار برتب منحوها لأنفسهم بحسب المزاج وقد تزينوا بكومة من الشعر استعاروها من تشي جيفارا لتمنع النور عن عقولهم ولتنبئ بموسم كساد للحلاقين، وصارت اللحية الشرعية ضرورة ثورية، ولمزيدا من الوقار فلا بأس من نظارة شمسية تمنحهم شعور الأبطال وشيئا من الهيبة، وليكتمل مشهد الفنتازيا يتم رفع الأصابع تزامنا مع صيحات التكبير، وصار التكبير شعارا يرفعه تاجر الحشيش والأزلام والسجناء السابقون، وإن حاولت رفع صوتك في وجه هؤلاء فأنت خارج عن إرادة الأمير ذو اللحية الطويلة موسوم الجبين وهو قد لا يصلي الصبح حتى ساعة الزوال طبعا لدواعي الأمن والأمان. عجبا عجاب أن صمد القذافي لما يقارب سنة كاملة وفي الجبهات مائتي ألف ثائر يحملون السلاح، فهذه الجموع التي كانت زاحفة هي نفسها الآن المنبطحة والتي لا تستحي من العبودية وبدنانير معدودة بطعم الذل والهوان صار الوطن مقطع الأوصال، محميات تتسع بحسب نفوذ الشيخ أو صاحب الطريقة الثورية أو القائد الميداني الشهم والشجاع؛ فكلما كان هذا الأخير أكثر فسادا كانت قدرته على إفساد الأنفس ، فالمال الحرام يفسد الذمم ولا يشتريها ، الكل ينهب بشراهة وشرعية، وصار الخط الأحمر العريض يختزل الخطوط الأربعة النيزكية بعبث وسخرية ، وتحول الشعار من أن الشعب كان يريد إسقاط النظام، إلى منظومة بالغة التعقيد أغرقت هذا الشعب الطيب في الدمار والرعب والفساد. عجبي يا سادتي أين اختف العشرون ألف مقاتل وسط الزحام، ومن أي البلاد جاء جند جينكزخان، وكيف صارت دولة القانون التي طالب بها المظلومين ، وصارت بلاد الشمس والبحر والرمال تئن باكية تحت إرادة الأزلام وأتباع الطرائق الجديدة وعصابات الحشيش والإجرام، وصارت لوحة مركبة الثائر المتحول عبارة بالخط العريض تحمل اسم القبيلة أو الكتيبة بدل ان كانت 14-5 او20-5 او حتي 5-5 ولتستمر الحكاية، وحتى وإن قام الغرب بالتدخل لضبط الأمن في ليبيا فسيتدخل ازلام الثوار ضد اشباه الثوار لانهم دائما طابور خامسا ، وفي نهاية المطاف سيجد الثائر الحقيقي نفسه غريبا، والمضحك هنا أن الأزلام هم الأكثر دفاعا على ما يقوم به أشباه الثوار، وهم لهم القدرة الحقيقية على إرسال أي شخص إلى الظلام وغياهب سجون الطاغية التي لا تزال تؤدي ذات الوظائف وإن اختلف السجين والسجان. هي ليست نظرة المتشائم بقدر ما هي حقيقة واقعة، وهي أيضا ليست استعجال للحكم على الأمور بقدر ما هو نفاذ للصبر، في غياب القانون عليك إما أن تكون مجرما أو تتغول أو أن تصبح ضحية، لا خيار أمامك إلا أن يكون لك سيد يحميك وتحمل اسمه على جبينك، يتناقل الأزلام وأشباه الثوار أخبار المعارك بين الليبيين ويصنفوها بحسب المصالح وتجسيدا للشرعية التي يرونها، والشيء الوحيد الذي أرى أن الطاغية كان فيه صادقا برغم كذبه في كل شيء هو عندما قال حتى وإن قتلوا جسدي فإن روحي ستسكن قلوب الملايين، فقد سكنها وتمكن فيها وجعل من كل واحد فيهم مشروع لطاغوت جديد. أقول للشرفاء والوطنيين ولانهاء هذ الجدل يجب ان نختار طي صفحة الماضي بالطريقة المناسية، وسوف لن يكون هناك شيء اسمه ليبيا على خارطة العالم الحديث إن لم تنتهي الثورة لتأتي الدولة، وأن تستبدل روح الثائر بروح الوطن، فعبارة الثورة مستمرة هي كذبة استمرت لأكثر من أربعة عقود مضت، وصاحبها غياب القوانين ، فالدولة هي القانون و الجيش والأمن والضرب بيد من حديد على أيادي المارقين واللصوص وقطاع الطرق والمعابر، أيها الثوار الحقيقيين ليس لكم إلا خيار قيام دولة تحميها القوانين عوضا عن الأفراد والقبائل، فليبيا التي هب لنجدة ثوارها الشرق والغرب وسخرت لتحريرها أعتا القوى على سطح الأرض، هي بذات الأهمية للعالم كما لمواطنيها ، وللانصاف نقول انه بفضل الله اولا ثم اخلاص المخلصين الذين يعملوا في صمت ليلا نهار وصلت البلاد الي هذه المرحلة المتقدمة، اربعين خريف من التجهيل وكميات رهيبة من الاسلحة واعداء يتربصون من كل جانب، كان من الممكن ان تكون ليبيا كما قال المقبور نار حمراء فلسنا افضل حالا من الصومال ولا العراق، لكن الرهان دائما كبير علي الشعب الكريم. وفاء للشهداء والجرحى والارامل والايتام يكون اللقاء عند صناديق الاقتراع. مفتاح اعبيد