هناك مصلحة وطنية بالغة الأهمية في وجود ممثلين عن المؤتمر الوطني الليبي من الليبيين المقيمين في الخارج، فبالإضافة إلى أنه حق من حقوق هؤلاء المقيمين خارج الحدود بوجود تمثيل لهم أسوة بدول الجوار التي هي اكثر تجربة في هذا المجال بحكم ثقافة الديمقراطية التي تبدو نسبيا أفضل منها في ليبيا، فمثلا نجد أن دولة تونس منحت ثمانية عشرة مقعدا لمواطنيها المقيمين في الخارج، وكذلك دولة الجزائر زادت عدد مقاعد جاليتها في الخارج ليصل العدد إلى عشرة مقاعد، ومن هذا المنطلق ولأسباب سأذكرها قد يكون من المفيد تمثيل الجاليات بالخارج بالمؤتمر الوطني. كلنا نعرف بأن الليبيين في الخارج كانت لهم مواقف مشرفة إبان ثورة فبراير قد لا تقل أهمية عن مواقف من كانوا في الداخل، و تمثلت هذه المواقف في أن الكثير منهم لبوا نداء الثورة من يومها الأول، عن طريق الاعتصامات، والبعض اتجه إلى المنابر الإعلامية عبر العالم وساهم بإقناع الرأي العام العالمي بأحقية الليبيين في التخلص من الطغاة ومشروعية مطالبهم، تمثلت في مواقف مشرفة للكثير منهم وقد تصدرت هذه المواقف واجهات الأخبار في جل وسائل الإعلام العالمية مما أعطى دفعا كبيرا لتحرك الأممالمتحدة واتخاذ قرارات هي الأسرع في تاريخها للتدخل لصالح الثوار الليبيين. أيضا قام الكثير من أفراد الجالية الليبية في الخارج بالدعم المادي اللامحدود لثورة فبراير، وتشارك رجال أعمال وطلبة ومعارضين سابقين في إقامة ورش عمل عملت كخلايا النحل في ظروف صعبة وفق إطار زمني ضيق كي تصل المساعدات المالية واللوجستية في وقتها إلى مستحقيها من الثوار، ثم بعد أن أجبر الثوار إلى رفع السلاح دفاعا عن أنفسهم كان أن اتجه الكثير من شباب الوطن المغتربين في الخارج إلى العودة إلى ليبيا والالتحاق بجبهات القتال وتقديم الأرواح دون تردد فداء للوطن، ويذكر أن بعضا ممن التحقوا واستشهدوا في تراب ليبيا كانوا قد ولدوا خارجها ولم تتح لهم فرصة رؤيتها لكن داعي الجهاد وداعي الوطن وداعي الانتماء كان يسري في دمائهم التي ولدوا بها فقدموا خير مثال على البطولة. وبتحقيق النصر على الطغاة عاد من كتبت له النجاة من هؤلاء الأبطال إلى الخارج كل حسب ظروفه للعمل أو الدراسة أو الإقامة، واليوم نجدهم أيضا وفي مرحلة بناء الدولة يطمحون أن يكون لديهم دور بارز، وأن يعطوا خلاصة ما يملكونه من خبرات لصالح الوطن، ليس طمعا في منصب إنما إيمانا راسخا منهم بأنهم لديهم المقدرة بحكم سنوات الخبرة التي عاشوا خلالها في مجتمعات تتنفس الديمقراطية ولها باع طويل في هذا المجال. فمثلا حين نقوم بمنح تمثيل للجالية الليبية في الولاياتالمتحدةالأمريكية ستكون الاستفادة من هؤلاء كبيرة فيما يتعلق بالعلاقات مع أمريكيا؛ لأنهم سيعملون كمستشارين في الشأن الأمريكي بحكم قربهم ومعرفتهم بصناع القرار الأمريكي، فهؤلاء سيكونون أدرى بالبيت الداخلي الأمريكي وستكون لديهم دون شك علاقات وصداقات وكلنا نعرف بأن سياسات الدول كثيرا ما تدعم بحنكة ومقدرة الأشخاص على تكوين ضمانات للمسئولين لدفعهم في اتجاه اتخاذ القرارات الحاسمة ناهيك عن الدور الكبير الذي يمكن ان تلعبه الجاليات الليبية في بريطانيا ودول اوربا. وعند منح مقاعد في المؤتمر الوطني للمقيمين في الخارج من الليبيين ستكون الاستفادة بهؤلاء كبيرة بحكم أنهم ينظرون إلى المشهد الليبي من الخارج وتظهر لهم تفاصيله بطريقة مختلفة قد يفتقدها مقيمو الداخل، لا يمكنني القول هنا بأنهم أكثر تتطورا، ولكنهم أكثر علما وقربا من عوالم الديمقراطية التي نصبوا إليها، فالديمقراطية كما نعرف هي ثقافة يتم اكتسابها بالخبرة عبر السنوات الطويلة، وهي شيء لا يمكن تعلمه هكذا بين يوم وليلة لأن لها تقاليدها ولها مريدوها وهي في تطور مستمر عبر السنين. لأهمية جالياتنا وأهالينا الموجودين خارج حدود الوطن، علينا أن ندمجهم في العملية السياسية ونشعرهم بحق الانتماء وأن لهم حقوق تمنح لهم أينما كانوا، وهم بالضرورة سوف يؤدون واجباتهم كاملة بداعي الوطن وستكون الاستفادة منهم كبيرة بكل المقاييس، وبالتالي نكون قد حققنا التواصل بين الليبيين أينما كانوا ومنحهم الشعور بالوطن والتفاني في خدمته. لا شيء يضاهي الانتماء للوطن وحين تفصلنا عليه المسافات لا يزيدنا ذلك إلا حنينا إليه وتفانيا في تقديم ما نستطيع لتأتينا الأخبار الجيدة عن أهلنا ومواطنينا، ومن هنا أرى أنه من واجبنا توجيه الدعوة للأخوة في المجلس الوطني الانتقالي بأن يأخذوا على محمل الجد حق الليبيين المقيمين في الخارج، حقهم في المساهمة في بناء ليبيا أسوة بإخوانهم في الداخل. بالأمس القريب كنا نرى حلم تنحية القذافي عن ليبيا أشبه بارتياد المستحيل؛ وذلك لسيطرته الكاملة على مقدرات الشعب الليبي من ثروات ومن أسلحة ساهم بها في تجهيل شعب بأكمله لعقود من الزمن، واليوم وقد بلغنا المستحيل نرغب بشدة في أن تكون ليبيا للجميع وبالجميع وكل بما يمكنه تقديمه لها، راغبين جميعا في أن نكون الشمعة التي تحترق لتنير الدرب للأبناء والأحفاد وليكون المستقبل بلا شك أكثر إشراقا. مفتاح اعبيد المشاي